في زيارة الى إسطنبول في يوليو/ تموز من العام 2005 ، وبينما كنت في ردهة الفندق، أتحدث مع صديق عراقي الأصل مقيم منذ سنوات في تلك المدينة الساحرة، تعرَّف علينا رجل ايراني، في العقد الخامس من العمر، قدَّم نفسه، باعتباره (خليل) الضابط المتقاعد، برتبة عقيد، في الحرس الثوري الايراني، والذي يعمل في مجال المقاولات والانشاءات، ويدير شركة (خاصة) في طهران. وأبدى الرجل استعداده لمعاونتي (لوجه جهاز اطلاعات وليس لوجه الله) في ما أحتاجه من سفير بلاده في العراق، عنصر المخابرات المخضرم الجنرال حسن كاظمي قمي، صاحب الدور القذر في أفغانستان والعراق، باعتباره صديقا حميماً له، فضلاً عن استعداده لتقديم أي خدمة أحتاجها في ايران.
وخلال الجلسة التي دامت لنحو 30 دقيقة، دار حديث عن العلاقات الايرانية مع كل من الشيطان الاكبر (الولايات المتحدة) وربيبته (اسرائيل) وكان الصوت القادم من طهران، حينها، مرتفعاً بأعلى قليلاً من العادة، متحدثاً عن إزالة (اسرائيل) ومحوها من الخارطة، وغير ذلك من الشعارات التي دأبنا على سماعها، بين حين وآخر، منذ قيام الثورة الايرانية عام 1979.
وطبقا لما أدلى به الرجل حينها، فإن ما نراه من تصعيد وسخونة على سطح الاحداث وتتناقله وكالات الانباء، يخفي واقعاً آخراً في العمق، حيث العلاقات أفضل من السمن على العسل.
ولأن اللقاء كان عابراً، لم أشأ حينها التعمق في مزيد من التفاصيل في هذا الصدد، وكان كافياً لي شهادة الرجل، وهو ليس على الهامش، بل هو (كما هو واضح) عنصر استخباري يدير عملاً ما لصالح بلاده، حتى ولو كان مستتراً بغطاء شخصي، لا يخفى على الخبير.
أسوق هذه القصة لأدخل من خلالها الى الحديث عن علاقات طهران وتل أبيب، مستفيدا مما تناقلته الصحف الصهيونية الصادرة خلال اليومين الماضيين عن وجود اكثر من 200 شركة صهيونية تتعامل تجارياً مع ايران، بما في ذلك استثمارات في مجال الطاقة الإيرانية، رغم دعوات رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتانياهو المتكررة بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران ومقاطعتها.
وتؤكد المعلومات التي أوردتها صحيفتان صهيونيتان، ان التعاملات التجارية بين ايران و(اسرائيل) لا تقتصر على القطاع الخاص، بل تتعدى ذلك الى تعامل مؤسسات حكومية مثل سلطة المطارات وشركة الكهرباء (الاسرائيليتان).
وأشارت "هاآرتس" إنه على الرغم من سن قانون في الكنيست في العام 2008 يحظر على الشركات (الإسرائيلية) القيام بعلاقات تجارية مع إيران إلا أن السلطات في (اسرائيل) لم تنفذ أية خطوة في هذا الاتجاه. وفى نفس السياق، ذكرت "يديعوت أحرونوت" ان العلاقات التجارية بين إيران و(اسرائيل) مستمرة بواسطة شركات تعمل فى تركيا والأردن ودبى، رغم دعوات الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد للقضاء على (اسرائيل). وتأتي الأنباء حول هذا النشاط التجاري بعدما أعلنت الولايات المتحدة عن أنها وضعت شركة الملاحة البحرية (الإسرائيلية) التابعة لرجل الأعمال الأكثر ثراء في الكيان الصهيوني، سامي عوفر، على اللائحة السوداء بعد بيع ناقلة نفط لإيران، وهو ما اعتبرته الإدارة الأميركية بمثابة "طعنة سكين في الظهر".
ونقلت الصحيفة عن يهوشع مائيري رئيس "جمعية الصداقة الإسرائيلية– العربية" التي تشجع تطوير علاقات اقتصادية لتشكل بديلاً للعملية السياسية، قوله إنه "على رغم ما يظهر على سطح الأرض (أي الدعوات لفرض عقوبات على إيران) إلا أن العلاقات السرية مع إيران مستمرة بحجم عشرات ملايين الدولارات كل عام".
وأضاف مائيري أنه "حتى عندما يتم إطلاق تصريحات قاسية في الهواء من كلا الجانبين، فإن الأعمال التجارية تزدهر، والعلاقات مع النظراء الإيرانيين رائعة، وفي المجال التجاري يتجاهلون التصريحات السياسية".
وتابع أنه "بالإمكان القول إنه توجد أرضية خصبة لتعميق التجارة، وحتى أنه في العام الأخير تم إقامة علاقات تشمل تقديم استشارات في مجال هندسة وبناء مصانع أغذية".
وقالت "يديعوت أحرونوت" أن (الإسرائيليين) يصدرون لإيران بالأساس وسائل للإنتاج الزراعي مثل الأسمدة وأنابيب ري وهرمونات لزيادة در الحليب والبذور، بينما يصدر الإيرانيون لـ (اسرائيل) الفستق والكاجو والغرانيت.
وقال رئيس اتحاد مقاولي أعمال الترميم في (اسرائيل) ومستورد الغرانيت، عيران سيف، للصحيفة إن "الغرانيت الإيراني منتشر جداً، ومفضل جداً في (اسرائيل) ويتم استخراجه من جبال إيران ويصل (اسرائيل) عن طريق تركيا".
وأضاف إنه يعارض هذه التجارة وان "الإيرانيين اقترحوا علي شخصيا بيعي مئات الأطنان من الغرانيت وأن يتم نقلها عبر تركيا حيث يتم هناك صقلها بسعر رخيص لكني رفضت، وحاولت تنظيم مقاطعة على إيران لكني لم أنجح في هذا".
وقالت "هاآرتس" إنها توجهت باستفساراتها بهذا الخصوص إلى مكتب بنيامين نتانياهو، وكان الرد أن هذا الموضوع ليس في مجال مسؤوليته وإنما بمسؤولية وزارة المالية، التي يتولاها الليكودي يوفال شتاينيتز، والتي لم تتخذ أية خطوات لمنع التجارة بين (اسرائيل) وإيران حتى اليوم.
في غضون ذلك أحبطت الشرطة الأسبانية، امس الخميس، صفقة غير مشروعة لبيع تسع مروحيات "بيل 212" القتالية، إلى إيران.
وذكر موقع صحيفة "هآرتس" مساء الخميس، أن الحديث يدور عن مروحيات من صناعة أميركية استخدمها الجيش (الإسرائيلي) لسنوات لكنه قرر وقف استخدامها قبل عدة سنوات.
ماذا يعني ذلك؟
ببساطة شديدة يعني ان هذا الصراخ الحاد في القضاء على (اسرائيل) ومحوها من الخارطة، الذي تبيعه لنا ايران منذ عشرات السنين، كلام فارغ لا معنى له، وهو ينفع فقط لأغراض الاستهلاك الداخلي والمزايدات الخارجية.
ومع ذلك، يبدو ان هذه الخدعة بدأت تتضح لكثير من الايرانيين ولعدد كبير من الجهات حول العالم، فلم تعد تنطلي الحيل والألاعيب الايرانية على كثير ممن بدأت الغشاوة تنقشع أمام انظارهم.
هنا فقط أود التذكير بأن هذه العلاقات لم تكن وليدة السنوات القليلة الماضية، فالذين عاشوا مرحلة الثمانينات يتذكرون جيداً عمق العلاقات التسليحية بين الكيان الصهيوني وايران الخميني، خلال الحرب ضد العراق، وهي العلاقات التي انفضحت، على نحو لا يقبل دحضاً أو تشكيكاً، بسقوط طائرة شحن تحمل أسلحة صهيونية على منطقة قريبة من مثلث الحدود العراقية التركية الايرانية عام 1981، كما انها تواصلت لسنوات عدة بعد ذلك.
وهنا أذكر ان الكاتب الصحفي العراقي، سعد البزاز، نشر في العام 1986 كتاباً مهماً وثَّق فيه تفاصيل العلاقات التسليحية الايرانية مع الكيان الصهيوني خلال ثمانينات القرن الماضي، على نحو دقيق معزز بالصور والوثائق، وهو في تقديري الكتاب الأكثر دقة في هذا المجال.
وكثيرٌ منا يتذكر قصة "اسرائيل فاكهة حلوة" التي نشرت في ابريل-نيسان من العام 2009، حينما أشارت تقارير واردة من العاصمة الإيرانية إلى ان السلطات هناك تجري تحقيقا في إمكانية ان يكون قد تم خرق الحظر المفروض على الاستيراد من (اسرائيل) العدو الأكبر لإيران. وقالت وسائل الإعلام المحلية إن السلطات في المدينة طلبت من القضاء اتخاذ الإجراءات اللازمة، بعد ما قيل إنه قد تم استيراد صناديق من البرتقال (الإسرائيلي) المعلبة على أنها مستوردة من الصين.
وتم استيراد الشحنة عبر أبوظبي، وطرحت للبيع في الأسواق والمحلات في طهران وحولها.
ونشرت وكالة الأنباء الإيرانية (مهر) صورة لصناديق تحمل فواكه عليها اسم ماركة "يافا الحلوة" وأظهرت صور الوكالة أن البرتقال يحمل بوضوح علامة "إسرائيل.. فاكهة حلوة".
من جانبه، قال المتحدث باسم شركة "دارونيت"، يهوشاو مايرى إنه لا يفهم القلق من العلاقة بين "(اسرائيل) وإيران، فالتعاملات التجارية بين البلدين تبلغ قيمتها حوالى 100 مليون دولار. وأكد أنه ومنذ فترة قصيرة، قام وفد إيراني بزيارة لـ(اسرائيل) لمشاهدة الخطط الأصلية لنظام الصرف الصحي في شركة تاهال (الاسرائيلية) للبناء، لتطبيقها في إيران، وهو النظام الذي أقامته (اسرائيل) في إيران إبان عصر الشاه، مشيرًا إلى أنه قبل عامين وصل 15 مستشارًا زراعياً (اسرائيلياً) إلى منطقة بوشير، في إيران.
هكذا اذن، فإسرائيل ليست فقط مجرد فاكهة حلوة، بل أيضا مستشارين حلوين! وحبل الود موصول، بين الطرفين منذ كورش واستير، مروراً بآل بهلوي، إلى عهد آيات الشيطان.
التحالف الغادر
مفيد لمن يريد الاطلاع على خفايا العلاقات بين الطرفين، أن يقرأ كتاب "التحالف الغادر Treacherous Alliance" للكاتب تريتا بارسي، وهو باحث إيراني في جامعة هوبكنز الأمريكية، يعيش في الولايات المتحدة.
يبحث الكتاب، وهو مترجم الى العربية، العلاقة بين (اسرائيل) وإيران من خلال مقابلات وحوارات معمَّقة مع عدد كبير من الشخصيات السياسية والمحللين.
ويقسم بارسي العلاقة الإيرانية مع الكيان الصهيوني، والممتدة لأكثر من 60 عاماً إلى قسمين رئيسين، هما، ما قبل عام 1991 وما بعده، حيث حرب الخليج ونهاية الحرب الباردة في وقت واحد، هي النقطة الفاصلة.
وهنا نلاحظ أن الكاتب لم يكترث بمجيء الثورة الإيرانية عام 1979 ولم يعتبرها حدثاً مفصلياً في العلاقات بين الطرفين، برغم قطع العلاقات بينهما في العلن، لأن الأهم هو ما يحدث في الخفاء!
ويؤكد المؤلف أن الصراع بين البلدين ليس في جوهره أيديولوجيا، بل يتعلق بالتحولات الكبرى في الجغرافيا السياسية التي حدثت في المنطقة.
وعلى الرغم من تصويت ايران ضد تقسيم فلسطين عام 1947 وحذر إيران البهلوية من غضب جيرانها العرب، فإنها اعتمدت على سياسية "الغموض المحسوب" بالتعامل مع (اسرائيل) بحكم الواقع القائم على المصالح المشتركة الكثيرة بين البلدين.
وعلى رغم النكسات والخيانات على طول طريق التعاون بين ايران (اسرائيل) كانت العلاقة بينهما آية في الصدق، فقد تعاونا لإنشاء برنامج مشترك للصواريخ البالستية، وتمويل خط انابيب النفط) الإسرائيلي) والحد من التهديد العراقي بدعم التمرد الكردي في العراق، كما ساعد الشاه أيضا في تسهيل هجرة الآلاف من اليهود العراقيين، والتعاون في المجال الزراعي التطوير والتدريب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن التحركات العسكرية وخطط الحرب المصرية، وتدريب الطيارين الايرانيين والمظليين وجنود المدفعية.
ولاشك أن هذه العلاقة تغيرت، ظاهرياً، عند قدوم الخميني إلى السلطة، لكن الخطاب الذي يقطر بالسم تجاه (اسرائيل) في العلن، كان يقابله شراء أسلحة (إسرائيلية) أيام الحرب العراقية الإيرانية، بما يظهر تفوق المصالح الأنانية الإيرانية على الهموم الإسلامية التي تدعيها.
ويرصد بارسي نقطة بالغة الأهمية في هذا الصدد، ففي (اسرائيل) كانت هناك حالة تجاهل لهذا الخطاب الإيراني العدائي، ويقتبس عبارة لاسحاق رابين، رددها لاحقاً وزير الحرب، شاؤول موفاز، في أكتوبر 1987 مفادها ان "ايران هي أفضل صديق لإسرائيل".
وبعد وفاة الخميني عام 1989 حاول الساسة الإيرانيون إعادة تأسيس دولتهم، وسعوا لانتهاج خط سياسي مختلف عن السابق، فخففوا من لهجتهم ضد دول الخليج العربي، وتعاونوا مع قوات التحالف في العدوان على العراق، كما تعاونت اياران في عدد من المجالات مع مختلف الدول الغربية.
بعد زوال التهديد العراقي لكل من ايران و(اسرائيل) بعد العام 1991، ظهر التنافس الإستراتيجي بينهما، وتحولت العلاقة من التحالف إلى التافس، ما يظهر لنا بجلاء أن أساس العلاقة بين البلدين لم يكن في يوم من الأيام آيديولوجياً، بل تنافساً قابلاً للحل.
بعد إبرام الفلسطينيين و(الاسرائيليين) اتفاق أوسلو في سبتمبر من العام 1993 تداخلت للمرة الأولى المصالح الإستراتيجية والدعاوى الآيديولوجية الإيرانية، فبدأ عصر جديد من محاولة إيران مناكفة واشنطن في بعض خططها في المنطقة، وحتى مع ذلك لم يتغير منطق التنافس بين إيران و(اسرائيل).
يذكر الكاتب أن المعارضة الإيرانية لـ(اسرائيل) خلال الحرب الباردة كانت مجرد خطابة لا أكثر، ثم حاولت إيران بعد وفاة الخميني التصالح مع الغرب، وقامت بعدة خطوات في هذا الصدد، لكن الغرب رفض وتجاهل ذلك، فقامت إيران كنتيجة لهذا الرفض، الذي تزامن مع اتفاق أوسلو، بدعم الجماعات الفلسطينية الرافضة لهذا الإتفاق.
ومن هنا يتضح لنا المبدأ الذي دفع الإيرانين لدعم فصائل فلسطينية معينة، باعتباره ورقة سياسية تضغط بها إيران على الدول الغربية لتحصيل بعض المصالح الخاصة بها، وليس له ثمة أساس ديني إطلاقاً.
ويكشف الكتاب، من ضمن ما يكشف، أنّ المسؤولين الرسميين الإيرانيين وجدوا أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق العام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه, مقابل ما ستطلبه إيران منها, على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات بين البلدين، بموجبها، الى طبيعتها، وتنتهي مخاوف الطرفين.
وبينما كان الأمريكيون يغزون العراق في أبريل-نيسان من العام 2003, كانت إيران تعمل على إعداد "اقتراح" جريء ومتكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساسا لعقد "صفقة كبيرة" مع الأمريكيين عند التفاوض عليه في حل النزاع مع الولايات المتحدة.
وبالفعل، تمّ إرسال العرض الإيراني إلى واشنطن، عبر وسيط سويسري (تيم غولدمان) نقله إلى وزارة الخارجية الأمريكية بعد تلقّيه من السفارة السويسرية في طهران، أواخر أبريل- نيسان وأوائل مايو- أيار من العام 2003.
عرض الإيرانيون في اقتراحهم السرّي، مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران، في حال تمّت الموافقة على "الصفقة الكبرى".
ويشتمل العرض على عدد من الموضوعات منها: برنامج ايران النووي, سياستها تجاه (اسرائيل) ومحاربة تنظيم القاعدة.
كما عرضت الوثيقة إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة، أمريكية-إيرانية، بالتوازي للتفاوض على "خارطة طريق" بخصوص ثلاث موضوعات، هي: أسلحة الدمار الشامل, الإرهاب والأمن الإقليمي, التعاون الاقتصادي.
ووفقا لـ"بارسي", فإنّ هذه الورقة هي مجرّد ملخّص لعرض تفاوضي إيراني أكثر تفصيلا كان قد علم به في العام 2003 عبر الوسيط السويسري (تيم غولدمان) نفسه.
فقد تضمّنت الوثيقة السريّة الإيرانية عام 2003 والتي مرّت بمراحل ومراجعات عديدة، منذ 11 أيلول-سبتمبر 2001 ما يلي:
1. عرض إيران استخدام نفوذها في العراق لـ (تحقيق الأمن والاستقرار, إنشاء مؤسسات ديمقراطية, وحكومة غير دينية).
2. عرض إيران (شفافية كاملة) توفير الاطمئنان والتأكيد بأنّها لا تطوّر أسلحة دمار شامل, والالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل ودون قيود.
3. عرض إيران إيقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية المعارضة، والضغط عليها لإيقاف عملياتها العنيفة ضدّ المدنيين (الإسرائيليين) داخل حدود (اسرائيل) قبل العام 1967.
4. إلتزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني.
5. قبول إيران المبادرة العربية التي طرحت في قمّة بيروت عام 2002, أو ما يسمى "مشروع الدولتين" والتي تنص على إقامة دولتين فلسطينية و(اسرائيلية) والقبول بعلاقات طبيعية وسلام مع (اسرائيل) مقابل انسحاب (اسرائيل) إلى ما قبل حدود 1967.
6. لكن المفاجأة الكبرى في هذا العرض، كانت تتمثل باستعداد إيران تقديم اعترافها بـ (اسرائيل) كدولة شرعية لها حق العيش بسلام!
وطبقا لبارسي، فقد سبّب ذلك العرض الايراني السخي، وغير المتوقع، إحراجاً كبيراً لجماعة المحافظين الجدد في الادارة الامريكية، الذين كانوا يناورون على مسألة "تدمير إيران لـ (اسرائيل) ومحوها عن الخارطة".
ينقل بارسي في كتابه، أنّ نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، كانا وراء تعطيل هذا الاقتراح ورفضه على اعتبار "أننا (أي الإدارة الأمريكية) نرفض التحدّث إلى محور الشر" بل إن هذه الإدارة قامت بتوبيخ الوسيط السويسري الذي قام بنقل الرسالة.
ومن المفارقات الذي يذكرها الكاتب أيضا أنّ اللوبي (الإسرائيلي) في الولايات المتحدة كان من أوائل الذي نصحوا الإدارة الأمريكية في بداية الثمانينيات بأن لا تأخذ التصريحات والشعارات الإيرانية المرفوعة بعين الاعتبار لأنها ظاهرة صوتية لا تأثير لها في السياسة الإيرانية.
ويعتقد بارسي، انه إذا ما تجاوزنا القشور السطحية التي تظهر من خلال المهاترات والتراشقات الإعلامية والدعائية بين إيران و(اسرائيل) فإننا سنرى تشابهاً مثيراً بينهما في العديد من المحاور، بحيث أننا سنجد أنّ ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما.
بعد كل ذلك، هل يمكن أن نسمع صوتاً يتحدث عن العداء بين ايران و(اسرائيل)، أم ان الصورة باتت واضحة أمام الجميع؟
ملاحظة: بينما كنت أسعى الى وضع خاتمة لموضوعي، تذكرت مقالاً كانت السيدة عشتار العراقية نشرته في مدونتها غار عشتار، منتصف العام الماضي، يقدم تفاصيل أخرى في هذا الصدد.