الجمعة، 31 مايو 2013
أفريقيا سوق للأسلحة الصهيونية (2-2)
الحلقة الأولى هنا.
مصطفى يوسف اللداوي
يقوم بعض الضباط الصهاينة في مناطق التوتر الأفريقية بقيادة المعارك بأنفسهم، والنزول إلى جبهات القتال للإشراف على أداء المجموعات العسكرية، لضمان تفوقهم وانتصارهم، وهو ما تأكد فعلاً من خلال مقتل العديد من الضباط الصهاينة في معارك أفريقية داخلية، فضلاً عن كثيرٍ من القتلى في مناطق التوتر في السودان، سواء قديماً في معارك الجنوب قبل انفصاله، أو في المعارك التي تدور في دارفور، حيث يهم الكيان الصهيوني أن تنتقل المعارك وحالة عدم الاستقرار من جنوب السودان إلى شماله، حيث لا تتهدد السودان فقط، وإنما يمتد أثر الاضطراب وعدم الاستقرار إلى مصر، التي تربطها بالسودان حدودٌ طويلة.
كما يقدم الكيان الصهيوني خدماتٍ عسكرية وأمنية إلى جهاتٍ عديدة في القارة الأفريقية، مستفيداً من أقماره الاصطناعية التي تركز عملها على ما يدور في القارة الأفريقية، وتستطيع أن تلتقط الصور، وتجمع المعلومات، وتفرز البيانات، وتسجل المكالمات، وتتعرف على الأسرار، وغير ذلك مما يحتاجه الفرقاء الأفارقة، الذين يفتقرون إلى كل ما يملكه الكيان الصهيوني من معلوماتٍ عنهم وعن خصومهم، ومن خرائط مختلفة تبين المواقع العسكرية، وثكنات الجنود، ومناطق التدريب، وترصد حركة المجموعات المسلحة، والأهداف التي تتجه إليها، الأمر الذي يجعل من المعلومات التي تملكها قيمة كبيرة، يمكن التفاوض عليها، ومساومة الأطراف على أساسها، لتخضع بعضهم لشروطها، وتستخدم آخرين لغاياتها وأهدافها.
يعتمد الكيان الصهيوني في تسويق مبيعاته العسكرية، والتي قد تكون أحياناً هبةً أو مساعدة بالمجان، حيث يتطلع إلى أهدافٍ أخرى من وراء بيع الأسلحة غير النفع المادي القريب والمباشر، على سفاراته المنتشرة في الكثير من الدول الأفريقية، حيث باتت السفارات الصهيونية أوكاراً للتجسس، ومقراً لتوقيع العقود، وإبرام الصفقات العسكرية والأمنية، ومكاتب متخصصة لمختلف الاستشارات الفنية، في الوقت الذي تقوم فيه بتسيير رحلاتٍ خاصة إلى الكيان الصهيوني لمسؤولين أمنيين وعسكريين أفارقة، أو تنظم دوراتٍ عسكرية وأمنية لمجموعاتٍ أفريقية خاصة داخل الكيان الصهيوني، يشرف عليها كبار الضباط في الجيش والمخابرات الصهيونية، حيث يتيح تدريبهم في الكيان الصهيوني اطلاعهم على آخر التقنيات وأحدث التكنولوجيا في مجالات الحرب والتجسس، ويستفيد من هذه الدوراتِ قادةُ مجموعاتٍ متمردة سودانية، ممن يظاهرون الحكومة بالعداء، ويقاتلونها لإسقاطها أو الانفصال عنها، وقد أعلن عددٌ من قادة المتمردين عن زياراتهم المتكررة للكيان الصهيوني، ولقاءاتهم مع مسؤولين فيه.
ويتعاون الكيان الصهيوني في أفريقيا مع بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، وتحاول التنسيق معهم فيما يتعلق بالأهداف المشتركة، ولكنها في الوقت نفسه تحاول أن تمنع دولاً أخرى كإيران والصين وأحياناً روسيا من أن يكون لهم موطئ قدم في أفريقيا، أو أن تتعاظم قوتهم فيها، لهذا فإنهم وحدهم أو بالتنسيق مع حلفائهم، يحاولون مجابهة إيران تحديداً، وقطع خيوطها في أفريقيا، ومنعها من أن تتغلغل فيها أكثر، فلا تكون أفريقيا لهم عمقاً عسكرياً، ولا منجماً استراتيجياً، ولا سوقاً اقتصادية، ولا حدائق خلفية لمزيدٍ من الكسب والاستفادة، خاصةً أن إيران قوةً اقتصادية منافسة، ولها برامج مكتملة، ورؤيا واضحة، واستراتيجية ممكنة ومقبولة.
متى يستيقظ العرب ويدركون أن أفريقيا في خطر، وأن مصالحهم فيها تتعرض للاحتلال والمصادرة، وأنه لم يعد لهم في الحديقة الأفريقية الغنية متسعٌ ولا مكان، فقد تغول عليها الصهيونيون والأمريكيون والأوروبيون، وسيطروا عليها، وحازوا على خيراتها، وتمكنوا من حكامها، وأشرفوا على سياساتها، فأصبح ظهرهم فيها مكشوفاً، وأمنهم فيها خطراً، ومستقبلهم بين أهلها وعلى أرضها صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وباتت سلة الغذاء التي كانوا يحلمون بها ضرباً من الخيال، وحلماً صعب المنال، وقد كان من الممكن أن تكون أفريقيا بوابةً للعزة ومعبراً لإستقلال الرأي والقرار، إذ أن من ملك قوت يومه فقد ملك قراره، ونحن بأفريقا كنا نملك قوت أجيالنا، وطعام شعوبنا لسنواتٍ تالية.
وقد كان العرب والمسلمون تاريخياً أرباباً لأفريقيا، ومرجعاً لقادتها، وسنداً لها في ملماتها وأزماتها، في القاهرة يجتمعون، وفي مكة يلتقون، وفي الخرطوم يتشاورون، وفي حضرة القادة العرب يتصالحون ويتصافحون، يستأذنونهم ويستشيرونهم ويأخذون برأيهم، ولا يخرجون عن جمعهم، ولا يعترضون على كلمتهم، ولكنهم اليوم أبعد الدول عن همومها، وآخرهم نصرةً لقضاياها، وأقلهم تدخلاً فيها، واستفادةً من مقدراتها وخيراتها، فلا يهمهم من أمرها شئ، فلا يحزنون لمجاعةٍ أصابتهم، أو لجفافٍ حل بهم، أو لمصيبةٍ تعرضوا لها، وقد كانوا قديماً هم الغوث والعون والمساعدة والمدد، لا يسبقهم إليها أحد، ولا ينافسهم في القدر والقيمة والسخاء والجود أحد، ولا يمنون إذا أعطوا، ولا يشترطون إذا وهبوا، ولا يفرقون إذا هبوا وساعدوا، بل يعدلون ويساوون، ويكرمون ولا يهينون.
لكنهم اليوم تركوها نهباً لمن لا يرحم، وساحةً لمن يتآمر، وأرضاً براحاً لمن يسعى للخراب، ويخطط للحروب، ويعمل ضد سيادة ومصالح الدول العربية والإسلامية، في الوقت الذي سالت فيه الدماء الأفريقية، وكثرت بينهم الحروب الداخلية، وتعاظمت التناقضات البينية، وبحث المواطنون الأفارقة عمن يقف إلى جابنهم، ويساندهم في قضاياهم، ويعمل على حقن دماءهم، ورأب صدعهم، وإنهاء مشاكلهم.
إلا أنهم وجدوا أن العرب والمسلمين الذين كانوا لهم يوماً سنداً وعضداً، قد تخلوا عنهم، وانسحبوا من المعركة لصالح عدوهم، وقد كان بإمكانهم الثبات وعدم الانسحاب، خاصةً أنهم يملكون قدراتٍ اقتصادية كبيرة، وإمكانياتٍ بشرية هائلة، تمكنهم من الاستفادة كثيراً من الدول الأفريقية، والاستثمار فيها، ومضافعة ثرواتهم من خيراتها، ولعل العرب والمسلمين يدفعون اليوم مرغمين لعدوهم أكثر مما كانوا يعطون عن طيب خاطرٍ ورضا، فهم اليوم يمولون الغرب حملاتهم ضد جيوبهم التي كانت لهم في أفريقيا، وضد مخزونهم الذي كان كله لهم هناك مذخوراً ومخبوءاً، فيتكلفون دون عائد، ويدفعون دون أملٍ بالاستفادة والمنفعة.
أفريقيا ليست أرضاً للخسارة، ولا ساحةً للمغامرة والمقامرة، إنها مضمارٌ للفوز والكسب السريع، وأرضاً مباركة بسكانها الطيبين الفقراء البسطاء، وأهلها السود والزنوج والبيض والملونين، فأكثرهم منا، يدينون بديننا، ومن بقي منهم فإنه يؤيد قضايانا، ويؤمن بحقوقنا، ويسلم بثوابتنا، ويساندنا في نضالنا، وعلى استعداد للتضحية معنا، ومن بينهم السودان التي تمزقت أرضها على مرأى ومسمعٍ منا، ونال العدو من أطرافها، وهو يرى عجز العرب وتقاعس المسلمين، فأصبحت السودان دولتين، وعيون الكيان الصهيوني والغرب عليها لتتمزق أكثر، وتكون ثلاثة وأكثر، فمتى نستيقظ وندرك أننا على أبواب غزوٍ صهيونيٍ جديدٍ وعنيد، يحيط بنا من كل مكان، ويحرمنا من كل قدرةٍ وطاقة، يستهدف وجودنا، ويتآمر على خيراتنا، ويروم شراً بأصدقائنا قبل إخواننا وحلفائنا.
من يجب ان نحارب الان ؟
ملاحظة من الناشر:
يشكل مقال الأستاذ صلاح المختار هذا إضافة تفصيلية مهمة للمقال المنشور هنا، يوم أمس..
صلاح المختار
تلقيت رسالة من رفيق مناضل وعزيز يتساءل فيها تعقيبا على مقالي الاخير (نداء عاجل الى فيلق الاعلام قلصوا الاعداء واكسبوا الاصدقاء):
( كيف لنا ان نعرف ان التكتيك قد تغير تجاه احدهم؟).
وجوابي ألخصُّه بموقف عام هو التالي:
ان المعيار الرئيس لتقييم المواقف للافراد والجماعات هو موقفهم من الاحتلال الايراني للعراق المدعوم من قبل امريكا والمعتمد على عناصر وكتل عراقية معروفة ، فكل من يدعم الاحتلال الايراني او يجد له مبررات او يصطف معه ، معاد لنا وللحركة الوطنية العراقية عامة . وهذا الجواب يتضمن العناصر التالية :
1 – موقفه من ايران: هل هو معها ام ضد سياستها الاستعمارية التوسعية على حساب العراق والامة العربية . فاذا كان مؤيدا لذلك الغزو فنحن ضده دون ادنى تردد .
2 – موقفه من السياسة الامريكية في العراق : يجب ان لا ننسى ابدا ام حقائق خراب العراق وكوارثه وهي ان امريكا هي التي سلمت العراق الى ايران وتدعم الجهد الايراني الرئيس لتقسيمه وتقاسمه حتى هذه اللحظة وابرز الادلة دعم واشنطن للمالكي في قمعه الدموي للانتفاضة التحررية الشعبية ، بالاضافة لانها هي من ادخلت ايران الى العراق واقامت التشكيلات الامنية والعسكرية ومؤسسات الوزارات على قاعدة سيطرة عملاء ايران عليها كليا لعلمها بانهم عملاء ومجردون من اي وطنية ومن ثم فهم الاقدر على تدمير العراق وابادة الملايين من شعبه وتمزيق وحدته الوطنية . لهذا فان من يدافع عن سياسة امريكا في العراق او ينفذ خططها في تقسيم العراق وتقاسمه لا يمكن قبول التعاون معه لانه مثل عميل ايران ليس له صلة بالوطنية ، وهو مثل الجلبي رمز الخيانة الاحقر .
3- رفض الفدرالية ونظام الاقاليم - باستثناء الحكم الذاتي في كردستان العراق الذي قام قبل الغزو وعلى اساس بيان 11 اذار في العهد الوطني والذي اعترف بالقومية الكردية كقومية شقيقة للقومية العربية ضمن اطار العراق الواحد - لان الفدرالية المبنية على الطائفية هي اللغم الصهيوامريكي- ايراني الاخطر على شعب العراق ومستقبله ووحدته الوطنية ، لذلك فرفض الاقليم الطائفي ، سواء كان سنيا او شيعيا ، احد اهم شروط الوطنية العراقية ومحورها وبدونه تنتفي صفة الوطنية عمن يطالب بالاقليم الطائفي .
4 – رفض استهداف المدنيين العراقيين والشرطة المحلية بشرط عدم مهاجمة المتظاهرين ، وتحليل مقاتلة من يقتل العراقيين منهم ومن غيرهم من الميليشيات الطائفية التي تشكل منها جيش الاحتلال ، وفقا لمبدأ تقره البشرية كلها وهو حق الدفاع عن النفس وحماية استمرارية الانتفاضة الوطنية .
5- لا يمكن ازالة الخلافات الايديولوجية والسياسية لانها طبيعية ولكن غير الطبيعي هو تغليبها على المعركة الرئيسة وهي تحرير العراق من هنا فان تحالف كل التيارات ، مهما كانت طبيعتها الفكرية والسياسية وخلافاتها السابقة والحالية ، وتأسيسه على قاعدة تحرير العراق فعلا وقولا ضرورة لا غنى عنها .
6- ان الحرب اي حرب تفرض قواعدها الخاصة واهمها اطلاقا توحيد كل مناهضي العدو الذي يحاربنا في هذه المرحلة من الصراع مهما كانت خلافاتهم عميقة لان التهديد الاكبر هو تهديد العدو الرئيس الامر الذي يجعل المتعاركين حول قضايا داخلية ملزمين بتجميد عراكهم لما بعد تحرير الوطن وتسخير كل جهودهم لتحريره وبلا ابطاء .
وعلينا جميعا ان لاننسى اننا في حالة حرب مع ايران هي الاخطر على وجودنا القومي العربي والوطني العراقي لانها حرب هوية وجود وليست حرب حدود ، وهذا التحديد لطبيعة الحرب الحالية لم نتوصل اليه نحن فقط نتيجة عمليات اجتثاث الهوية والوجود العربي الذي تقوم به ايران في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين ...الخ بل ايران هي الاخرى اعترفت مؤخرا ورسميا بانها حرب وجودها ومستقبل خططها الامبراطورية ، ولذلك فانها تقاتل الان مباشرة ورسميا بجيوشها واتباعها العرب في سوريا والعراق – حزب الله جيش العباس مثلا - واصبحت قواتها في سوريا هي القوة الرئيسة المحاربة للشعب السوري بلا رحمة بعد نجاح المقاومة الوطنية السورية في دحر مرتزقة بشار وانهاء قوته الرئيسة .
ان الاعلانات الرسمية ومن اعلى المستويات في طهران بأن ايران لن تسمح بسقوط النظام وان سقوط دمشق اهم واخطر على مصالحها القومية من انفصال الاحواز العربية – رغم ان الاحواز هي القلب الجيوبولوتيكي لها - ثم الدعوات العلنية للتطوع للقتال في سوريا والاعلان عن ارسال عشرات الالاف الى سوريا امر يجب ان لا نقلل من خطورته فهو اعلان رسمي عن مشاركة ايران في الحرب في سوريا .
7- من يتراجع ويكتشف انه كان في المعسكر الغلط فيجب الترحيب به لان الحرب كما قلنا لها قواعدها ومن بينها قبول التراجع عن الخطأ ، ولكن بشرط ان يكون صادقا ، وبما اننا لا نعلم بما في القلوب لان تلك من صفات الله وحده فان الفرضية الاساسية هنا هي افتراض الصدق مع عدم نفي احتمال الكذب ووضع ضمانات بمواجهة اي غدر محتمل .
واخيرا لابد من التأكيد على واحدة من اهم قواعد الحرب وهي العمل الجاد لتقليل الاعداء وتحديد من هو العدو الاكثر خطر والانصراف كليا او بصورة رئيسية لمحاربته مع عقد الهدنة او التحالف مع اي طرف اخر كان محسوبا على الاعداء للوقوف سوية ضد العدو الاخطر . اقرأوا تاريخ كل الحروب في العالم ، قديما وحديثا ، ستجدون ان ما قلته هو القواعد الذهبية للنصر .
في ضوء ما تقدم فان التكتيك يقوم على معرفة هذه الاسس خصوصا المبدأ الثابت وهو ان التكتيك ليس كيانا حركيا مستقلا بل هو جزء من ستراتيجية وطنية عظمى تحدد مسار الحرب وتتوقع مطباتها وخدعها بكافة الاشكال ، وهي لذلك تحدد اشكال التكتيك ومتى يتبع ومتى يتم تركه وتغييره تبعا لتطور المعارك في ساحة الحرب . ولكن وعندما يكون التكتيك منفصلا عن الاطار الفولاذي الصائن للنقاوة الوطنية ، وهو الستراتيجية العظمى ، فانه يتحول الى عمل انتهازي خطير يبرر كل شيء تحت واجهة التكتيك بما في ذلك قبول التعاون مع العدو الرئيس ، كما يدعي انصار الاقليم السني الان ، وقبلهم كما ادعى من كانوا يسمون ب ( المعارضة العراقية ) التي غرقت في الخيانة الوطنية العظمى تحت غطاء ممارسة تكتيك الاستفادة من الدعم الامريكي فوجد من كان وطنيا منها نفسه مخمورا في احضان المخابرات الامريكية او الموساد بينما كان الاخرون هم نغول تلك المخابرات ابتداء واصلا وتكوينا .
عندما نتذكر بديهيات الحرب تلك نستطيع بسهولة تحديد مع من يجب تصعيد الصراع ومع من يجب تخفيفه او ايقافه . تذكروا اننا في حالة حرب وجود وهوية ولسنا في حرب حدود ، وحربنا المفروضة علينا هي الحرب الاخطر في كل التاريخ البشري لانها تقوم على اجتثاث شعب كامل وتمزيق هويته الوطنية والقومية ، تماما كما حصل لشعبنا الفلسطيني الصامد ، تحت غطاء الطائفة ومصالحها التي تغلب اصطناعا على الرابطة الام وهي الرابطة الوطنية واطارها العام الانتساب القومي .
النصر للعراق العظيم الواحد بتضحيات ابناءه ووحدتهم الوطنية ، سر نصرهم الحتمي وبقاء كيانهم ، ولا شيء غير النصر الكامل واعادة بناء العراق من الشمال حتى الجنوب ليعود كما كان وطنا لكل من حمل اسم العراق وتشرف به ، ثم تبدأ دورة الحضارة البابلية الجديدة في بغداد العروبة والنصر .
شهداء استرداد الحق مهروا صدق العهد بالدم والروح وما بدلوا تبديلا
ضياء حسن
بداية انحني اكراما وخشوعا ووفاء لشهداء اقتحموا الموت ليذودوا عن اهلهم في منازلة قل مثيلها في التصميم والشجاعة والتضحية الا فيماعايشناه في ايام القادسية الثانية ولحظات انتصاراتها الزاهية ببطولات – ابو خليل – الملتحم باخوته من الضباط والامرين لينسجوا معا ملاحم الذود عن ثرى العراق الطاهر المعطر بشذى انبياء الله والائمة والاولياء الموحدين الطاهرين وليؤكد ابناؤهم بأن الارض العراقية وعموم الارض العربية التي ورثها الاحفاد خط احمر لا يجوز لاحد التجاوز عليه.
وقد عرف الفرس كيف رد العراقيون على حماقاتهم السابقة وكيف سيردون علي لعبهم الراهنة المستترة بالعهر الطائفي الممزوج بعبوات الارهاب القادمة من الاراضي الايرانية, وسيرى هؤلاء العدوانيون اي مصير مظلم ينتظرهم والعملاء معهم .
اما اسيادهم عبدة النار فليس امامهم سوى خفة الرجلين يتوارون خلفها عند اللجوء الى حدودهم فارين كما فعلها المحتلون من قبلهم وهم يسرعون في الانسحاب فرارا امام فصائل المقاومة الوطنيىة العراقية .
ولن يكون حال من قبل ان يكون تابعا وعميلا مزدوجا للاحتلالين الاميركي المجوسي باحسن من حال من اخطاوا وظنوا بان وقفة العراقيين قابلة للاختراق بحكم الفتن الطائفية التي صارت تشن عليهم اضعافا للعراق وادامة المخطط الذي رسمته ادارة اوباما _ بايدن وكلفت المالكي ونظام ملالي قم بتنفيذه وهو ادامة مخطط البيت الابيض الساعي الى :
اولا- منع العراق من اعادة بناء اقتداره وهو سلاحه الامضى في ردع الاخرين ممن تطاولوا على شعبه في غفلة من الزمن .
ثانيا – منح واشنطن فرصة جعل ساحته نقطة انطلاق للمضي في تنفيذ هدفها الستراتيجي القديم الجديد القاضي باعادة رسم منطقة الشرق الاوسط على اساس ما افتت به اتفاقية سايكس بيكو عام 1917 الموقع بين بريطانيا وفرنسا التي قسم الوطن العربي بموجبها الى دويلات .
وجاء الاميركيون اليوم ليدعون الى تقسيم المقسم من اقطارالامة العربية الواحدة مضيفة اليه تركيا وايران والكيان الصهيوني الذي تمهد الدبلوماسية الاميركية الان لانضاج طبخة لاعتراف رسمي عربي به من قبل الانظمة العربية بضغط من اوباما وبما يعد من اولويات ما يروج له وزير خارجيته كيري في هذه المرحلة المصيرية الحساسة التي تواجه العراق والامة العربية .
ومن اجل هذا بدا الفرس بشن حربهم الجديدة على اهلنا في العراق بشكل مكشوف ومبرمج طائفيا, ولكن باستخدام ادوات جرمية عراقية الجنسية مجوسية الانتماء تعتمد اسلوب التصفية باستخدام الغدر الجماعي يعني خذوا المنتفضين المعتصمين للموت جماعة !!
وان بدات خطوة كهذه باراقة دماء شباب عراقيين في الفلوجة الذين طالتهم رصاصات القوات البرية التي صدرت بامر ممن باع رتبته العسكرية وشاربه لاعداء الوطن .
الا ان مسلسل اغتيال المواطنين المنتفضين بالجملة قد بدا في اثر التهديدات التي اطلقها المالكي وغيره من صعاليك السلطة, وفي مقدمتهم كبير المستشارين الدجالين الشاه بندر الذي صار يتطاول على المعتصمين ويهددهم بحرب تصفية قريبة بعد فشل السلطة باختراق صفوفهم بطرق مختلفة .
وشملت التهديدات جميع مدن المحافظات الست المنتفضة وهي رافعة صوتها منذ اكثر من خمسة شهور بوقفة صبر ثابتة , مطالبة باسترداد حقوقها المغتصبة من سلطة ميليشياوية اشرف على تدريب قواتها القمعية فريق اميركي من عسكريي واشتطن المحترفين المتخصصين بتنظيم حروبها القذرة ضد الشعب الفيتنامي ومناضلي هندراوس استخداما لجميع وسائل الفتك بالشعوب ببث حرب الفتن بين ابناء الشعب الواحد كما كانت تعمل بريطانيا ضد شعوب الدول التي احتلتها وبينها العراق الذي شمل بمخطط زرع الفتن تنفيذا لشعارهم اللئيم(فرق تسد).
ولكن وعي اهلنا العراقيين افشل سعيهم لبث الفتنة بينهم في الماضي حتى سنحت الفرصة ثانية عبر تحالف لندن مع المجرم بوش في عدوانه الاحتلالي التدميري ليعيد الكرة ثانية باثارة مثل هذه الفتن ولكن بترتيب اميركي هذه المرة تولى متابعة مستلزماتها من الالف الى الياء رمسفيلد وزير الدفاع الاميركي شخصيا بمساعدة من باتريوس عندما كان قائدا للقوات الاميركية في العراق الذي رقي الى موقع رئيس المخابرات المركزية الاميركية قبل افتضاح تعامله الجنسي غير المشروع مع سكرتيرته الخاصة وهي عسكرية اثناء خلوات جمعته بها وهي تكتب له جانبا من مذكراته الخاصة عن حياته العسكرية المثخنة بدماء الشعوب واخرها دماء شهداء العراق , مؤكدة بشواهد التدميراليانكي الحقود للبناء الانساني الحضاري العراقي ((وهو هدف سترتيجي اساس من اهداف العدوان الاميركي البريطاني الصهيوني التي تورطت الاحزاب الدينية العراقية بتاييده او السكوت عليه بجميع توجهاتها وقبول الرشا بتحريم التصدي له والتعتيم على اهدافه لا بل وتبرع البعض منها اليوم بالترويج لمشروع مريب فشل المحتلون بتمريره لان شعبنا يرفضه بشكل قاطع لانه لايخدم سوى هدف تقسيم العراق الذي يسعى حلف - واشنطن لندن تل ابيب- لفرضه كمدخل لتجزئة المجزا من اقطار الوطن العربي وبالتالي الغاء الهوية العربية باعادة بناء الشرق الاوسط الجديد بهوية اميرك –صهيونية )) !!
واذا كانت مهمة رامسفيلد العدوانية تطلبت بالضرورة توفير قوة عسكرية من داخل البلد تتولى اداء مهمات مرسومة اميركيا, فان من اوكلت له المهمة- المالكي- بدا متحمسا اكثر من اليانكيين انفسهم وكان عسكر الادارة الاميركية لم يغادروا الاراضي العراقية !!!
فكان اداؤهم امينا لمن رحلوا لدرجة اراحت المحتلين لان من اداها غالى في الاداء اشعارا للاميركيين بان من يضطلع بمهمة تصفية العراقيين ملتزم بتوجيهاتهم فبعد كل تصفية مفردة , كانت هناك تصفيات بالجملة , فمن لم يصف بالكاتم مفردا سقط بالمفخخات جملة,ومن لم يمت بالتعذيب غيلة لاحقه حكم الاعدام مفبركا .
تم كل هذا باستخدام امثل لعاملين مساعدين تمثلا في : ا- غض النطر عن انشطة الارهابيين الاجرامية لانها تصب في الهدف المرسوم لسلطة المالكي بادامة مخطط تصفية العراقيين الابرياء .
ب - بث الفتنة الطائفية حيث تم تشكيلها_ اميركيا_ اعتمادا على ضم عناصر الميليشيات القادمة من ايران الى صفوفها لتمارس شن تلك الحروب القذرة خدمة خالصة لاستتباب امن ومصالح واشنطن في العراق لامد طويل.
ج- تركيز مهمات القوات البرية للجيش الجديد الهجين على الشان الداخلي حصرا وترك الدفاع عن حدودنا ,مرهونا لمرؤة اهل الجوار كما فعلها الميليشياوي الذي عين محاصصة وزيرا للنقل الذي تنحنح ووضع واجب الحفاظ على حقوقنا في خور عبدالله العراقي على ذمة نظام شيوخ الكويت , ومن هذا المال حمل جمال !!
د- ان يكون بناء هذه القوات منسجما مع ما عرفت به قوات الاحتلال من سعي لحماية مصالح بلادها في العراق على وفق ما دعت اليه الاتفاقية الامنية التي وقعها المالكي ووعدت بضمان امن نظامه استنادا لهذه القوات , او لغيرها من المضموم القريب عند الحاجة . وهوعين مااكده راعي الملف العراقي بايدن نائب اوباما اخيرا وهو يهاتف المالكي (فقد اعلن البيت الابيض بان جو بايدن اتصل الجمعة بالمالكي وحثه على التواصل مع مجمل التشكيلات السياسية في البلاد , ويؤكد له دعم واشنطن له في معركته ضد الارهاب ونسي السيد جو ان الحرب التي يشنها المالكي ليست على الارهاب بل على الشعب الاعزل _ وبهمجية اميركية الجذر وصفوية المنهج _ وقد اكتفى بالاعراب للمالكي عن قلقه ازاءاعمال العنف الاخيرة في العراق وهو يعرف جيدا هي ليست مجرد اعمال عنف عابرة بل مجازر نفذت بايعاز من القائد العام للقوات التي تدربت باشراف اميركي وسلحت بعلم منهم) دون يحركوا ساكنا في الضد من الارهابين الذين يصولون ويجولون في العراق براحة تامة في اختيار الامكنة التي يراد تفجيرها والازمنة المحددة لها!!!
ه- ان تكون طبيعة هذه القوات ضاربة بعنف , تعتقل وتسجن وتعدم من تشاء بلا حساب وتغتصب من تريد والقتل يستهدف من تشاء من الصغار جمعا مع الكبار والنساء صحبة الرجال من غير حساب .
وبدا الاعداد للقوات المطلوبة بالحجم المطلوب والمواصفات المطلوبة ايضا اعتبارا من العام2003 لتمارس دورها المرسوم باثارة النعرات الطائفية بعد مغادرة قوات الاحتلال .
ولم يكن هذا التطورغريبا على بياع الخواتم فقد اغراه اختيار المحتلين له وسهرهم على توفير اكثر الاسلحة فتكا بالعراقيين واوسعها شمولا لاعداد المستهدفين ان يكون اكثر اندافعا ليكون العميل المطلوب للمهمة المطلوبة التي اختير للقيام بها .مع ذلك اخضع المالكي لاختبار كفاءة وجس النبض لمدى الطاعة في تنفيذ الاوامر!!
فكلف بشن عملية تصفية لفريق ميليشاوي منافس لا يختلف عن حزبه الدعوة او بدر والقاعدة اقصد ضد جيش المهدي _ جيش غريمه مقتدى _ وخصوصا في البصرة
ليس اعتمادا على عصابته بل على خليط من عناصر الميليشيات الذين تم انتقاؤهم وتدريبهم من قبل فريق تراسه الجنرال جميس ستيل ابرز الجنرالات الاميركان المتورطين في شن الحروب القذرة الذي جيئ به ليشرف على تدريب هذه القوات لتكون بديلة للقوات الاميركية مضافا اليه بعض الضباط العراقيين السابقين ممن اصطفوا مع المحتل خدمة لهذا الهدف فخانوا جيشهم الوطني وشعبهم عندما بسطوا ايديهم للمحتل ووضعوا انفسهم رهن اشارته لاداء مهمات تدريب هذه القوات في مرحلة اولى ومن ثم مشاركة اخرين في اول تجربة عملية عسكرية او ما اسموه صولة الفرسان وماهي ليست سوى صولة خونة يصفي بعضهم بعضا!! كان هدف الاميركيين منها اجراء اول (براوة) لاختبار قدرات اللملوم الذي اختير ليقوم بعمليات من نمط خاص كما رسم لها من قبل قيادة القوات الاميركي المتواجدة عمليا في الاراضي العراقية محتلة ومراقبة ومؤججة للفتنة الطائفية التي اثيرت لاول مرة في ذلك الوقت !
فادى ملوكي المهمة مهرولا هنا وهناك متفهما ما يريده سيده القائد الفعلي هذه حتى وان كان منافسه فيها صنوه في التبعية لقم وسجادا لولي فقيههم !! ولثبوت الرؤية لدى العمام الاميركيين بصلاحيته للاستجابة الطوعية لكل ما يريدونه منه واكثر مما رجح كفته عند المحتلين على غيره من العملاء فاشركوه في التعامل مع اول تحرك تجريبي لاثارة الفتن بين المواطنين العراقيين بقياس مدى استعدادهم للتورط فيها. فجاءت النتائج مخيبة لامال الخادم السيء والمخدوم الاسوا .
فقد انحصر التورط في جرائمها بحدود عناصر الميليشيات , وظل المواطنون العراقيون يناون بانفسهم عن الانجرار اليها كما اراد المحتلون على الرغم من الاذى الذي لحق بهم وكان كبيرا واستمرت فعالياته الاجرامية لاكثرمن عامين 2006و2007 وقبلها لجزء من العام 2005.
ومن خلال اختياره فرس الرهان المطيع لاوامرالعمام المحتلين وجد ومن خلال تنصيبه حاكما متسلطا ان المجازر والمذابح هما الاسلوب الٍاسهل لممارسة الشمولية في ذبح العراقيين في ابشع تصفية ارهابية شهدها الزمن العراقي الغابر حتى الان .
وانطلاقا من هذه الحقيقة المرة التي يرافقها صمم عربي ودولي شامل شجع اشباه الرجال ممن يحكمون العراق نيابة عن المحتل في التركيز على الاسراع في تنفيذ مخطط تصفية العراقيين بالمجازر وليس بالمفرد !
وهذا ما كان عليه الحال في تعامل المالكي مع المعتصمين عامة ومع المعتصمين في الحويجة وما تلاها خاصة , حيث اعتمد الحاكم المجازراسلوبا افضل في التعامل مع المنتفضين سلميا الذين خلت ايديهم من اي اسلحة الا العصي التي ظهرت غارقة بدمائهم وهم يحتضنوها حتى فارقوا الحياة .
وهي صورة درامية طغت على ساحة الاعتصام في الحويجة التي شهدت مجزرة القتل والاعدام المفتوح لمواطنين حوصروا اربعة ايام تعرضوا فيها للعطش والجوع لتختتم بهجوم تتاري جبان رعديد مدجج باسلحة موت متنوعة تحملهاعناصر مختفيا وراء اقنعة على شكل جماجم لتنفرد بالمعتصمين العزل وتوجه رصاص غدرها الى رؤوسهم وصدورهم -بشجاعة نادرة- تسببت في استشهاد اكثر من خمسين مواطنا معتصما و100 جريح .
وتتكرر المشاهد مرات اخر ولكن باخراج جديد تنفذه كالعادة قوات - سوات- التي جرد المحتلون ذمم عناصرها في اولى ترتيبات تعامل المجرم بوش في صياغة الوضع الداخلي في العراق مشيطنا بما يجعل خلطته السياسية خانعة بالذل لما يفرض عليها من املاءات خارجية او من مرجعيات متخلفة مرشية مرتبطة هي الاخرى بالخارج لاتحسن شيئا سوى الترويج الى ابقاء البلاد ارضا خصبة محكومة بالتمزق الاثني والطائفي مغرقة بالفساد محاطة بالخراب والحراب الصدئة التي لا تلتقي الا عند امرين اولهما عند امرين يركز اولهما على الترويج الى مهادنة المحتل وهو مر وثانيهما يجسده الصمت على غرزالفتن الطائفية في الجسد العراقي بجهد عال تمارسه دوائر مريبة تتقصد صرف نظر العراقيين عن التوجه لمحاصرة المصادر التي تتسبب في تعميق جراحهم بدلا من توحيد الجهد الوطني للئمها وهو امر واقسى .
لانها في جميع الاحوال لاتلتقي الا لارضاء المعلم الاميركي ولا تجد ملاذا (تنسطل) فيه الا في خيمة الولاء للبيت الابيض .
ومن الطبيعي ان لا يسود في مثل هذا المناخ الا صناع مجازر مماثلة واكثر ماساوية و في مناطق اخرى يعتصم فيها المنتفضون من ابناء شعبنا ولا يذكر فيها الا اسم الله عز وجل والهتاف بنصرة العراق وتوحد وثبات اهله وصمودهم في مواجهة تيار القتل والافساد اللعين بوقفة شجاعة لا يرهبها تهديد او وعيد من ان تتخلى عن تمسكها بمواقعها وهي تدافع عن اهلها لتصد عنهم موجات الارهاب الديني الكريه او مجازر الطائفيين المارقين .
ولم يمنع اهلنا المنتفضين شعورهم بانهم غدوا مشاريع استشهاد على الرغم من انهم كانوا سلميين عزل لا يسعون الا لاسترداد حقوقهم المغيبة عنهم بقرار ظالم مجحف واستعادة كرامة شعبهم المهانة من حاكم امتهن القتل وتلبسه طغيان الطائفية الحمقاء .
ولم يتردد الطغاة او يرعووا وهم كثر من ان يلعبوا على المكشوف بشن حرب مسعورة ضد اهلنا العراقيين اتخذت شكل مجازر طائفية متتالية شملت المنتفضين واخرى ارهابية شملت اهلنا في عموم مناطق تواجدهم .
واحاط الوطن تطور اثار الحزن والالم عندما صارت حمامات الدم ضيفا كريها مفروضاعلى العراقيين يحل عليهم يوميا في اماكن سكناهم واعمالهم بالجملة ومفردا على يد سلطة ماروجت لهم يوما غيرالموت وعذاب العوق والجوع والتشريد والذبح على يد الفاشيين الارهابيي بتواطؤ من الحاكم معهم !!
فهل يمكن ان ينسى العراقيون مجازر موقع اعتصام الحويجة الذين احاطت بهم زمر الموت المالكية الا انهم ثبتوا في مواقعهم ولم يبارحوها والموت يحيط بهم ولكنهم ابو الا ان يتمسكوا بما عاهدوا الله والوطن عليه بان يظلوا اوفياء لان يمضوا في طريق استعادة حقوق اهلهم العراقيين مهما بلغت التضحيات .
وقيمتهم تتجسد في عظمة خيارهم الحر في ان يفتدوا العراق وشعبه بارواحهم _بالروح والدم نفديك ياعراق , وبالروح والدم نفديك يا شعبوفعلا فعلوا ذلك فاستقبلوا الشهادة بنفس راضية مرضية ليكتبوا للتاريخ قصة شعب لطالما تغنى بترديد انشودة _ بالروح والدم نفديك يا عراق وهي تلهم شعوب الدنيا كيف تصاغ الشهادة لتكون طريقا لحرية الشعوب واسترداد حقوقهم من انياب طغاة مهما بلغت درجة عدوانيتهم واستبدادهم .
ومثلهم فعل معتصمو السارية الذين تمسكوا بمواقع الشهادة غير هيابين من رصاصات غدر اصابت منهم مقتلا في كمين نصبته لهم قوات سوات ايضا خارج جامع سارية في بعقوبة بعد ادائهم الصلاة الموحدة في اثر اصطناعهم حركة تمويه مفبركة اوحت بتعرض المعتصمين بعد ان ادوا صلاتهم الموحدة في الجامع لتفجير مفخخة ارهابية واودت بحياة عدد كبير من المصلين اضافة الى سقوط عدد اكبر من الجرحى في حين ثبت ان المجزرة وقعت في محيط الجامع الخارجي وقد سبقها اطلاق قنابل صوتية اردفت باطلاق رصاصات على المصلين مباشرة من قبل عناصر _السوات_ مصوبة الى رؤوس وصدور المصلين مباشرة , فكانت مجزرة اعدام المصلين في السارية بشعة ايضا وزاد عدد ضحاياها عما وقع في الحويجة من شهداء وجرحى.
واستمرت المجازر والقتل الجماعي على الهوية وقامت بها المجموعات الطائفية علانية , وبعلم وحماية من السلطة التي يقودها قتلة ماجورون وشملت العامرية والدورة والشعب والزعفرانية والصدرية والكاظمية والمنصور والاعظمية والكرادة والغزالية والسيدية وبغداد الجديدة والحرية والبتاويين واحياء القاهرة والبنوك والجهاد والاعلام وعدة تفجيرات شملت عدة مقاطع في شارع السعدون, واحدة منها استهدفت فندق فلسطين وغيرها استهدفت الجوامع والمساجد فاغتالت عددا من الائمة والمصلين في بغداد وغيرها من المحافظات.
وشملت تلك التصفيات والعمليات الاجرامية الطائفية والارهابية, مدن الفلوجة وكرمتها والرمادي والموصل وحمام العليل والبصرة وقضاء ابي الخصيب وكركوك وسامراء وبعقوبة والمقدادية وتكريت وبيجي والشرقاط واي هدف يختاره الارهابيون او الطائفيون ويذهبون اليه مرورا بنقاط التفتيش التابعة للاجهزة الامنية والجيش في مدن العراق وخصوصا في شوارع واحياء العاصمة بغداد وسبحان الله لا تتحرك هذة الاجهزة الا بعد وقوع التفجيرات او المجازر وياتي ذكر هذه الاجهزة في خاتمة اي خبر يعلن عن وقوع المصيبة حيث ياتي كالاتي,, هذا وقد انتشرت القوات الامنية لتطوق مكان الحادث لتمنع الدخول اليه لاحتمال وقوع تفجيرات اخرى او لاخلاء الضحايا ولنقل المصابين الى المستفيات واسعافهم ,, ويبدو ان دور القوات الامنية تركز وفقا لما رسم لها المحتلون هو ان تفرض على المواطنيين فروض الطاعة للمحتل ومن يسلطهم حكاما يخدمون المصالح الاميركية في العراق . اما ما شهدناه من سقوط مئات من الشهداء خلال الايام العشرة الاخيرة بفعل القتل على الهوية واختطاف المواطنين وفتح النار العشوائية عليهم النار, فهذا يؤكد حقيقة واحدة وهي ان تصفية العراقيين التي بدات قبل عشر سنوات ستستمر حتى تختتم التصفية بتقسيم العراق .
فلشهداء الانتفاضة العراقية الرحمة والخلود وللمنتفضين ثبات الوقفة الوطنية المعززة بالشجاعة ودوام سلميتها المعمقة بالصبر الجميل .
فالمالكي لايعدوان يكون شرطي حراسة امينا على تلك المصالح بسعيه لابقاء العراق ضعيفا غائصا في الفساد منهوب المال العام سافحا لدماء العراقيين وهذا يجسده سلوكه اليومي المستهتر بحياة الناس وهو يتحصن بالمنطقة الخضراء ظانا انها ستحمية من غضبة الشعب العراقي الرافض لما يخطط له سيده بايدن ويمرره من مخطط اجرامي يستهدف تقسيم العراق .
التفاصيل في حلقة تالية ..
الخميس، 30 مايو 2013
نداء عاجل إلى فيلق الإعلام: قلَّصوا الاعداء واكسبوا الأصدقاء
صلاح المختار
مما لاشك فيه ان فيلق الإعلام يلعب دوراً خطيراً في تحقيق النصر، ولذلك اعتبرت امريكا ان معركتها في العراق بشكل خاص هي في المقام الاول معركة مخابرات منذ تأكدت من عجزها العسكري عن قهر المقاومة المسلحة بعد معركتي الفلوجة الاولى والثانية في عامي 2004 و2005 ، والمخابرات هي في المقام الاول، في العصر الالكتروني وغسل الدماغ الجماعي عبر الاعلام، هي حرب إعلام سلاحها الفعّال هو الحرب النفسية وما الانترنيت وغيره الا وسائل التأثير في تلك الحرب الشرسة، لذلك فاننا ننظر الى فيلق الاعلام على انه محارب في الساحة حتى لو تموضع البعض من افراده خارج الميدان العسكري.
ولكي يكون الاعلام فيلقا مقاوما حقا ويسهم في تحقيق الانتصار الحاسم عليه اولا وقبل كل شيء معرفة ستراتيجية المقاومة المسلحة والسلمية وتاكتيكاتها بصورة صحيحة ودقيقة خصوصا المتغيرات التي تطرأ على التكتيكات تبعا لتغير موازين القوى في المعركة ، ولهذا فان مشروعية فيلق الاعلام ومحافظته على هذا الوصف القتالي مرهون بالالتزام ليس بستراتيجية المقاومة فقط بل ايضا بتكتيكاتها المرحلية ومواقفها الاضطرارية ، لان الحرب هي مزيج مترابط عضويا ولا يمكن فكه من الكر والفر والمبادئ ، اضافة الى انها خدع محسوبة ، وفي هذه الحالة فان (سلوك العصا اليابسة) مضر جدا لانه يضيف اعداء جدد للمقاومة او الانتفاضة بدل تقليص عددهم .
سلوك العصا اليابسة يتمثل في افتراض ان المبادئ تلزم بمواصلة شن حرب اعلامية وبلاهوادة مع كل من اختلف معنا ومع المقاومة سواء كان الاختلاف ثانويا او جوهريا ، كالموقف من الاحتلال، حتى لو حصلت تغييرات في المواقف وهي حالة طبيعية في كل صراع .
وليس صحيحا ان كل من بدأ في اسهامه في الصراع من موقع معين يجب ان يبقى فيه حتى لو ظهرت عوامل واسباب وحقائق تلزمه بتغيير موقفه، بل واجب الثوار هو تقليص الاعداء حتى اولئك الذين بقوا اعداء لكنهم اختلفوا مع الاخرين الاكثر عداوة والاكثر تصلبا، فكيف يجب ان يكون الموقف تجاه من اعترف بانه اخطأ في موقفه من الاحتلال وتراجع واكد انه يريد الاسهام بهذه الطريقة او تلك في تحرير العراق تكفيرا عن خطئه؟
هل يجوز رفض اعتذاره ومواصله شتمه ومهاجمته؟ ام يجب فتح الابواب لكل من يريد التراجع لتقليص عدد البنادق والبيادق التي تحاربنا؟
كل حركات التحرر في العالم، وبلا استثناء، التزمت بقاعدة ابقاء ابواب التراجع والاعتراف بالخطأ مفتوحة على مصراعيها ولا تغلق حتى نهاية الصراع، وتلك بديهية معروفة، ولذلك قال القائد الشهيد صدام حسين وهو في محكمة الاحتلال بان اي عراقي دعم الاحتلال وتراجع فهو منا حتى لو تراجع قبل ساعة من التحرير، وقبل هذا وذاك فان الله فتح كل ابواب التوبة كي يتراجع الخطاة وقبول تراجعهم ولم يأمر الله بغلق ابواب التوبة، فهل يوجد بشري ايا كان يملك حق منع التوبة والنقد الذاتي مع ان الله فتحها؟
ان العصا اليابسة عندما تضرب لاتؤذي المضروب بها فقط بل قد تؤذي الضارب بها ايضا خصوصا عندما تتكسر ويصل جزء منها الى عيني الاخير فتؤذيهما! ولذلك رفض حكماء العرب وكل الشعوب سلوك العصا اليابسة لضرره الفادح الناتج عن عزل الضارب بها ومن معه ووصفه بانعدام الحكمة والتعقل لديه او ضعفهما وسيطرة الانفعال عليه وعلى قراراته، والثورة في المقام الاول ليست فورة عاطفية ولا هبة عشائرية يهيمن فيها الثأر على القرار والسلوك بل هي عملية انقاذ للشعب من كارثته وهي لذلك عملية اعادة تربية للجميع.
والان، وفي ظرف اشتداد معركة تحرير العراق من الغزو الفارسي المدعوم امريكيا، تتفق كافة فصائل المقاومة العراقية وكافة القوى والكتل الوطنية وكافة الشخصيات الوطنية وكافة شيوخ العشائر والدين على اعتبار سياسة العصا المرنة واللينة هي المطلوبة لمواجهة استهتار ايران وجرائمها ودعم امريكا لها في تنفيذ خطة تغيير هوية العراق وجغرافيته وتدمير مستقبله.
وعلينا جميعا ان نتذكر ولا ننسى ابدا ان الصراع مع ايران هو صراع وجود وهوية وليس صراع سياسة وخلافات حدودية يمكن تحملها ، وفي صراع مثل هذا المطلوب الاول وقبل اي مطلب هو توحيد الصفوف وزيادة عدد داعمي الثورة والانتفاضة بفتح الباب لكل من يريد التراجع عن موقفه وليس غلق الباب بوجهه واجباره على البقاء في صفوف العدو الرئيس والاخطر يقاتلنا، وعلينا وبنفس القدر من الاهمية اكمال شروط النصر بالعمل المخطط وبكافة الطرق لتفتيت تحالف الاعداء وزرع الانشقاقات بين صفوفهم واقناع بعضهم بالتراجع عن موقفه ، والمنطلق معروف منذ خلق ادم وناصبه ابليس العداء وهو اضعاف العدو بتقليص قوته وعدد انفاره ومقاتليه.
وهذه اهم قواعد كسب الحرب فلا انتصار باجبار كل من في صف العدو الان على البقاء معه، وليس من المبادئ على الاطلاق اطالة مدة معاناة الشعب والاكثار من التضحيات اذا كان ممكنا تقليصهما بتجريد العدو الرئيس من بعض من معه.
هذه بديهيات أجد نفسي مضطرا للتذكير بها لأن بعضنا يكتب ويتصرف كالعصا اليابسة ويظن انه يلتزم بالمبادئ بشنه هجمات لا مبرر لها على اشخاص او كتل تراجعت واعترفت بانها اخطأت وتريد الالتحاق بصفوف الانتفاضة بهذه الطريقة او بتلك، لكنه في الواقع يضعف المبادئ بإضعافه من يحمل السلاح دفاعاً عنها عندما يمنع توسيع نطاق الثورة بالانضمام اليها من قبل من يتوب او يعترف بخطئه او يتراجع دون اعتراف بالخطأ، وذلك المنع يسبب للانتفاضة الحرج الشديد لأن الثورة والانتفاضة وهما تشتعلان تحتاجان لإضعاف العدو الرئيس وليس ابقاء معسكره موحدا وقويا وبلا تشققات حتى لو كانت انشقاقات افراد منه.
لنتذكر ام بديهيات الثورات والانتفاضات وهي ان الداعم لها من الخارج لا يحق له التسبب في مشاكل لمن يقاتل في الداخل ويقود الانتفاضة، ولعل من بين أسوأ المشاكل عزل الانتفاضة عن الناس بسلوك العصا اليابسة، التي تؤذي المضروب بها كما تؤذي الضارب بها، ولكي لا يقع ذلك على عناصر فيلق الاعلام معرفة ليس فقط ستراتيجية الانتفاضة والمقاومة والقوى الوطنية بل ايضا معرفة تكتيكاتها واحترام هذه التكتيكات وعدم خرقها، وبخلاف ذلك يتحول دعم الانتفاضة الى تفتيت لمصادر قوتها، فهل يخدم ذلك المبادئ؟
كلاوات!
علي السوداني
الوضعُ خطيرٌ في بلادي. جدُّ خطير. بلادي صار اسمها: بلاد ما بين القهرين.
سأعيد لوك وتشكيل وتلوين وتجويد وترتيل الجملة الاولى، كي تبدو حزينة ومؤثرة وفجائعية وسودة ومصخمة.
بلادي تنتحر وتركض صوب الانقراض المبين.
الشراكة الوطنية، كلاو اصلي، وطقطوقة وطني الذي لا يقبل القسمة على اثنين، هي طقطوقة تنام على سبعة كلاوات.
يوم ملغّم بالسيارات المركوبات، واخر مفخّخ بالكلام.
الكلام حلو ومعسول وطيّب مثل شربت زبيب حجّي زبالة وشربت رمّان جبّار، لكنّ الارض محروقة تكاد تميّز من غيظها.
الشاشات اقسى من اسلحة الدمار الشامل، والكتّاب يفصّلون النبأ، على قدْر شهوة وسلطة بيت المال.
راعي الوقف الشيعي متحمّس، ومثله راعي الوقف السنّي.
أقوم وأقعد وأتناوح على تهويسة "إخوان سنّة وشيعة، هذا الوطن مَنبيعهْ" وحيث أهبط صوب متّكئي الذي خدّرته الهوسة، يخمش قلبي مانشيتٌ ضخمٌ، رائحته وزبدته تشي بأنّ كلاب المدينة، شوهدت قبل ساعة زمان، وهي تنهش وتتلمّظ وتتمطّق عند سور مزبلة عظمى، نامت فوقها بأمان، جثّتا الولد عمر والولد عبد الحسين.
صلاة موحّدة في قعر نصب الشهيد، ومقتلة مروّعة بباب الكاظم.
مسيحيّون يضحّون بطقس عيدهم من اجل ملْطَمةٍ في الجوار، وملثّمون يذبحون كمشة ايزيديين في خمّارة.
عمامة سوداء تستضيفها كنيسة، وعمامة بيضاء، تنزل في بحرة صابئة، وتكية صوفية تنصب قدْر هريسة ملحّمة مطيّبة، تشتهيها الناس الدابّة من كلّ غورٍ عميق.
شعراء تتململ مؤخراتهم من ثقل القصيدة، وتهفو افئدتهم شطر حانة ابي مايكل الرحيم.
منظر الزمايل عند عتبات كُوَر الطابوق، يقطّع القلب، ويشتل الحياة على مبعدة شهقة من الان.
لوحة سوريالية ضخمة ومدهشة، لم يدركها حتى ابو سلفادور دالي المخبّل.
كلاوات بكلاوات. كلاو يلعب مع كلاو. مسبحة دعاء، كلُّ خرزة ملظومة بخيطها، هي كلاو حيدري. الكلاو في معجم اهل سومر وبابل واشور، هو الكذبة سليلة الكذبات. خالق الكلاو، هو الكلاوجي. صانعة الكلاو، هي الكلاوجية. بلادي تنام فوق كلاو عظيم. فحل التوت بالبستان هيبةْ. الحمار خال البغل. تلفزيونات كثيرة، وماكياج الفضيحة يسيح. للرئيس قناع، وللشيخ اربعة. كثرة من اصدقائي صاروا كلاوجية. اعرفهم واحدا واحدا. منهم من كان مهزولا مثل الفتى رباح نوري، لكنه الان يحيا في مباززة قوية ضد كرش نبيل شعيل. طبعا اقصد مباززة من ضلع الفعل بزَّ. اقول له انَّ المعدة بيت الداء، فيجيبني باشّ مسحولة بعشرة شينات. ساخلع الفذلكة عن الامر، وارسم الصورة كما تشتهون: اششششش. سمعتها مرة من ابي، مرسومة على صورة اسسسسسس. مكتوبي الليلة، لا يخلو من رائحة كلاو. |
ثمة محاولة شرسة لتثمير بستان كلاوات.
بلادي دخلتْ جبَّ كلاوات عميق. هي سعيدة وفرحانة ومنسجمة، وليس من العدل ان اكون حزينا
القول شيء والفعل شيءآخر
ضرغام الدباغ
في بغداد تتحدث الحكومة عن السلم الاجتماعي وهذا جيد جداً، وفي بغداد يريدون تقليص الطائفية أو إلغاؤها من الحياة السياسية، وهذا جيد أيضاً، ويتحدثون أن لا طائفية في العراق الجديد، وهذا ممتاز، ولكن عود على بدء، لنتساءل من يريد الطائفية في العراق ومن يسعى إليها ..؟
إذا اتفقنا أن الطائفية هي جرثومة خبيثة، تنخر بالمجتمع وتقسمه أبناء الوطن الواحد والقومية الواحدة والثقافة الواحدة بل وسكان المدينة والحي ليصل الانقسام الطولي والعرضي إلى العائلة الواحدة. داخلياً: الأحزاب الوطنية والقومية والاشتراكية لها رؤيتها السياسية والنضالية البعيدة كل البعد عن الطائفية، بربكم من المستفيد من إحداث هكذا انشقاق عميق قاتل ومدمر كهذا غير الأجنبي، والأجنبي فقط، فلنفتش إذن عن الأجنبي وسنراه ماثل أمامنا، ويعرفه العراقيون جميعاً، حتى ضعاف البصر والبصيرة، والمدهش أن كل أعداء العراق من كل الملل يتفقون على تمزيق العراق، وفي هذا لا يختلفون، قد يختلفون على هذا الكعكة وعلى هذه اللحمة، أو تلك الشحمة، إلا أنهم لا يختلفون في العداء ضدنا، بل تجدهم يتفقون ويقولون السياسة مصالح، نعم أنها مصالح، والسؤال هو لماذا لا نعرف نحن مصلحتنا كعراقيين، هل سنتعلم الدرس بعد أن يقع الفأس على الرأس ....؟
وإذا أقمنا جرداً بسيطاً على أحداث الماضي القريب جداً سنتمكن من تحديد دقيق لمن يسعى للطائفية، وفي ذلك فائدة عظمى، هي أن الناس، ونحن نعرف السبب والمسبب والمتسببون، ولكن عموم الناس سيدركون بسهولة شديدة معززة بالأدلة والمنطق معاً، من هو مطلق الأبخرة والغازات السامة، ومن هم مستنشقوها، ومن يفعل كل ذلك، والوعي الشعبي العام لكافة مفردات الموقف وعناصره الخارجية والداخلية، وهذه ستكون نقطة تحول مهمة في تكوين موقف عراقي موحد.
المدهش أن يتمكن أمرء ما أن يقوم بأمرين متناقضين في آن واحد، وأن يروج لسياسات متناقضة، أن تكون لدية قناعات متناحرة من جهة، مسلحة بكواتم الصوت، والاغتيال، ومن جهة أخرى من المدهش أن يكون ضمن قدرة سلطة ما القانون والمحاكمة والحاكم والشرطة والجيش وكل من يحمل السلاح في البلاد ويلجأ فوق ذلك للمليشيات، التي لا معنى لها سوى أن هذا الطرف يلجأ إلى الحل الطائفي والتهيج الطائفي والمناطقي، وهذا ليس من شأنه أن يساعد في شيئ،، ولن يساعد لا في إيجاد حلول سياسية ولا حلول أمنية، ومن يريد أن يتأكد فلينظر ماذا حل بمليشيات بشار الأسد من الشبيحة وغيرهم في سورية، وإلى أية نتائج آلت وستؤول؟
الرهان على القوة خاسر، والرهان على تحويل الحقائق والعناصر التاريخية خيارات مؤقتة وفاشلة، لا تبني دولاً ولا بلداناً وانظروا كم كانت خيارات ستالين خائبة في تحويل قسري للحقائق الديمغرافية والجغرافية، المثل يقول كل مشكلة ولها حلٌ وحلّال، لا يوجد شيئ يستعصي على العقل البشري، ولكن لابد من توفر الإرادة أولاً.
باعتقادي أن صب الماء على الحديد الساخن ليس هو الحل، والحلول المؤقتة ليست حلولاً، ربما هي تضميد لجرح بحاجة إلى علاج شاف، ولكن الحل يكمن أن نبعد النار عن الحديد كي لا يسخن، ولكي لا يحترق البيت، أما الحديث عن شيئ وفعل غيره، وطرح شعارات وممارسة عكسها، فهذا سوف لن يفيد في شيئ، ولن يحل مشكلة، وقتل أعداد جديدة من العراقيين على الهوية لا بالكواتم ولا بأعواد المشانق، سوف لن تحل مشكلة لا في بغداد ولا غير بغداد. الحل يكمن في أن يتمتع الجميع بالمسؤولية وبفن الإصغاء وقبول هموم الآخر، واحترام هواجسه، وغير هذا سيورط من يمتلك زمام الأمور أمام نفسه والشعب والتاريخ، وربما المحاكم.
في خضم حفلة الدم هذه، العراقي أينما كان فهو عراقي، عليه أن لا يضع التقسيم أو حكومات الأقاليم في فكره وأمام ناظره، كل عراقي مدعو اليوم إلى ترسيخ وطنيته، لنرفض المحصاصة، لنرفض أي فكرة إقليمية ومناطقية، فهذه جميعها من مخلفات الاحتلال وأشباح الاحتلال.
بعيداً عن لهجة التهديد والوعيد، فهذه شبع العراقيون منها ولم تعد تخيف أحداً، نقول بوضوح، ليكف الطائفيون عن لعبتهم، ولو أن ربوع العراق قد تلطخت بالدماء، لكن كفى ليتنحوا جانباً، وليدعوا عراقاً جديداً ديمقراطياً يبزغ من بين الأنقاض، العراق كبير ويتسع للجميع، وسينهض من كبوته بسرعة ستذهل العالم، العراق الجديد لا يقوم على ذكريات الماضي وأوجاعه، العراق الجديد ستبنيه سواعد أجيال ذاقت النكبة، وتلك الخصومات الصغيرة كانت من بين الأسباب التي أدخلت الغربان السود إلى العراق، فلتكن من الماضي، فلننتصر على أنفسنا من أجل العراق.
تفصيل وتأصيل شرعي بالغ الأهمية
هذا تفصيل وتأصيل شرعي بالغ الأهمية لموضوعات عدة، رائجة هذه الأيام، منها الدعوة إلى الأقليم السني، ومنها موضوع علماء الداخل وعلماء الخارج، ومنها حصر خيارات الثوار العراقيين بطريقين لا ثالث لهما..
كتب هذا التأصيل المفصَّل الغني، فعلاً، الدكتور مساعد مسلم آل جعفر، وهو أحد كبار علماء العراق الأجلاء.. وننشره لأهميته البالغة ولكونه، باعتقادي، يقطع الحديث عن هذه الموضوعات، من ناحية دينية، لو كان المتحدث يهدف الوصول إلى الحقيقة، أما إذا كان المعني يريد الجدل، لغرض الجدل، فإنه لن ينتهي أو يتوقف عند حد.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه.
تحيّةً لكم أيها الثائرون الأحرار، يا من أعجزتم عدوّكم فيما أراد، وفرضتم ما تريدون، فأرهبتموه بصمودكم، وأربكتموه بسلميّتكم، فلم يملك الصبر على أن يراكم بهذا الثبات متوحدين كأنكم بنيانٌ مرصوص، أو كزرع يُعجبُ الزُرّاع ليغيض الكفار وأعوانهم، حفظكم الله للإسلام والمسلمين، وثبّتكم الله وربط على قلوبكم ووفقكم لرفعة هذا الدينِ القويم، نسأل الله أن تكونوا ممن اختار الله فاختارهم على عباده.
لقد علِمت الحكومة الطائفية في العراق أنّها ليست أهلا لتحقيق مطالبكم الشرعيّة، لأنها ليست أهلا لإحقاق الحق، ولم يوفقها الله لعمل الخير أيّا ما كان شكله، وكيف تأتي بخير للمسلمين وقد جاء بها كافر محتلٌ أبى الله عليه أن يأتي بخير للمسلمين فقال عز وجل "مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ".
فما كان منها إلا أن توسلت بِكُلّ ما في جعبتها من أساليب لفض اعتصامكم وتفريق جمعكم وكسر شوكتكم ، فخابت وخسرت لأن الله مولاكم وهو نعم المولى ونعم النصير.
ولقد ثرتم غيرةً للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان فما هي إلا وقفةٌ صادقة في سبيل الله ودينه ساعةً من نهار حتى منحكم الله شرف قيادة الطليعة وشرف حمل الأمانة ، فأصبحتم وعلى عواتقكم آمالُ أراملٍ ثكلى وهمومُ شيوخٍ وأحلامُ جيل جديد يرى في ومض عيونكم تحت شمس العراق بلدا حُرّاً وشعبا عزيزا .
فالله الله في آمالٍ معقودةٍ بلوائكم، والله الله في سترِ أعراضٍ مربوطةٍ بعقالكم تنخاكم (لا تولوا الأدبار).
وقد ناشد بعضُ من في الاعتصامات علماءَ الأمةِ وشيوخَها أن يفتوهم بأحد أمرين لا ثالث لهما؛ إمّا الجهادُ المُسلّح وإما الفيدرالية والإقليم.
ورغم غرابة الاستفتاء؛ إذ لا يُخيّرُ العالِمُ بين فتوتين ولكن يُستفتى في الأمر فيجيب بما يعلمه من شرع الله، سواء وافق هوى المستفتي أم خالَفَهُ، إلا أننا نعذركم لأنّكم أنتم المعتصمون في الساحات ولربما توّهم بعضكم ألّا وجود لحلّ سوى أحد هذين الأمرين .
ولقد رأيتُ أن أبيّن حُكم الله عز وجل ــ على حد علمي ــ في المسألتين، معذرةً إلى ربكم ، والله أعلم وهو يهدي السبيل.
وعلى ذلك أقول:
أولا: في أمر الجهاد المسلح وشرعيته:
لقد جاءت سنة الله بالإذن في الجهاد لِمَن قوتِل ظُلما، جهادَ دفعٍ يَدفعُ الله به المعتدين وينصرُ الله به المظلومين فقال عز شأنه "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ".
ولمّا كان من المُقرّرِ الدفاعُ عن النفسِ عند الاعتداء، جاء في الذهنِ تساؤلٌ مفادُهُ: (ألم يَكُن القتلُ في الحويجةِ وبعقوبة ومناطق من الأنبار والبصرة قد استهدفَ من هُم من أنفُسِكُم؟! وهل الدفاع عن النفسِ يستثني هؤلاء؟!).
فلا أرى بديلا لإعداد العدة، والتجهّز لمواجهة العدوّ الصائل والثبات على الحق، فأعدّوا لهم ما استطعتم ولا أرى عُدّةً أقوى من الصدق مع الله، فاستعدّوا عبادَ الله وأعدّوا.
ثانياً: في أمرِ خيار الإقليم:
لِمَا تقدّم من أنَّ الدماء التي سالت في الحويجة وبعقوبة وبغداد والأنبار وسواها من المعتصمين السلميين الذين لبّوا نداء إخوانهم للاعتصامات؛ إنّما هي دماءٌ طاهرةٌ محرّمة سُفِكت بغير وجه حقّ، فإنّ الواجب الشرعي ــ على المسلمين عامة وعلى المنادين للاعتصامات خاصّةً ــ عدمُ التنازل عن حقّها، ولا يحلُّ لهم التنازل عنها ولا العفو عن سافكها، لأنّها ما سُفِكت عن طريق الخطأ وما كانَ قتلُ معتصمي الحويجة قتل خطأ، فلا يحلُّ للمسلمين التنازل عنها بوجهٍ من الوجوه.
ولمّا كان أكثرُ ما يرُدُّ بهِ بعضُ الناسِ المُتتبعين للرخُص والباحثين عن الحلول السهلة بقول الله تعالى "لا يُكلّفُ الله نفساً إلا وسعها"، ألا فليَعلمَ الجميعُ أنْ: نعم لا يُكلّفُ الله نفسا إلا وسعها، وأنّ (مِن وسعِها) الثباتُ في الاعتصامات السلمية ، وأنَّ (مِن وسعِها) العصيانُ المدني، وأنّ (مِن وِسعِها) مواصلة الاحتجاجاتُ حتى تحقيق ما نزلَ لأجلهِ ضحايا الحويجة وغيرهم من إلغاء التهميش والعفو عن المظلومين والعفو عن النساء المعتقلات وإلغاء مادة أربعة إرهاب.. إلى آخر ما ورد من المطالب المشروعة، فإن لم يسعكُم الثأر لهذه الدماء ولم تَسَعكُم مُحاكمةُ الجناة فإنه لا أقلَّ من أن تُتمّوا ما نزل لأجله الضحايا، وذلك أضعفُ الإيمان.
ولذلك كلّه ولغيره من أمور سبقَ بيانُها، ولكونِ المطالبةِ بإقليم منفصل إنّما هو هروبٌ وتخلٍّ عن المسؤولية، وتنازلٌ عن حق الضحايا المغدورين، فإنّ المطالبة بالإقليم وفق هذه الظروف وهذه المُعطيات تَحرمُ شرعاً.
ونعودُ فنقول مرّة أخرى بنوعٍ من التفصيل:
أولا: إنّ الانسحابَ إلى إقليم (الآن) هو تنازلٌ عن دماء ضحايا إخوانكم المعتصمين في الحويجة وغيرها، الذين خرجوا وقُتلوا تلبيةً لدعواتكم بالاعتصام، ونصرةً لكُم ولدينِكم وحقّكم، فلا يحلُّ لكُم التنازل عن دِمائِهم ولا العفو عن قاتلِهم؛ إذ لم يَكُن قتلُهم خطأ ً عن غير عمد، فمن أعطاكم الحقَّ بهذا التنازل عن دماء الحويجة وغيرها؟!
ثانياً: تَحرُمُ الدعوة للإقليم (الآن)، كونَهُ بيعٌ غيرُ شرعي لأرض إسلامية استمر فيها الدينُ منذُ فتحها الصحابة الأوائل إلى يومنا هذا وتسليمها رسميّا لأعداء الدينِ، فتخرجُ بذلك بصورة رسميّة من ذمّتكم إلى ذمتهم، فمن أعطاكم حق التصرف بها على هذا النحو؟ وهل يملكُ دُعاةُ الإقليم السني توكيلا رسميا من كلّ سنّة بغداد والحلة والبصرة والناصرية وسواها بحق بيعها وبيعهم وبيع ديارهم وتسليمها وتسليمهم لرحمة حكومةٍ تعلمون جميعا أنها لن ترحمَهُم، وأنّها ستسومهم سوء العذابِ والتنكيل أضعاف ما تلقون ويلقون الآن. ألا و (إنّما يأكلُ الذئبُ منَ الغنَمِ القاصية)، وإنّ بقاءكم مع إخوانكم تحت سياط العذاب في الوضع الراهنِ هو أهونُ من تسليمهم، وإنّ بقاءكم معهم يُخففُ عنهم ويمنحكم ويمنحهم قوّة ومنعةً تزولُ في حال إقصائهم عنكم لا سَمَحَ الله.
ألا وإنّ أرضَ المُسلمين وديارهم هي من أموالهم الحرام التي يحرم عليكُم التنازل عنها.
مسألةٌ تجدرُ الإشارةُ إليها والرد عليها من ناحيةٍ شرعيّة
تعوّدنا في الآونة الأخيرة سماعَ نغمةٍ جديدةٍ تُقسّم العلماء قسمين: (علماء الداخل) و (علماء الخارج) ، ثُمّ ما لبثَ مطلقوها أن جعلوا كلام علماء الخارج ـ كما يصفونهم ـ غيرَ مُلزم لَهُم، مؤكّدين في كُلّ مرة على (علماء الخارج) بضرورة أن يعيشوا ما يعيشه أهل الداخل حتى يحق لهم الفتوى في مسائلهم بدعوى أنّ من كانت يده في الماء ليس كمن كانت يده في النّار، ودائما ما يهتفون ويصرخون في وجوهنا بقولهم (إنما الأمر ما يراهُ أهلُ الثغور) .
وهذه الأقوال وما شاكلها قد تجاوز المشايخ ردّها تفصيلا لوضوح عَوارِها وبيانِ ركاكتها، ولكن لمّا صارت تتردد على ألسنة الكثيرين من كلّ من هبّ ودب صار الأجدر تفصيل الرد عليها، وهو على النحو الآتي:
أوّلاً: قول بعض دعاة الفيدرالية (إنّما الأمر لأهل الثغور)، هذا القول تردد على الألسنة حتى صار كأنّه نصٌّ شرعيٌّ قطعي الدلالة قطعي الثبوت من القرآن أو من السُنّة، ويردده حتى من لا يعرف أصله، وهذا القول ليس قرآنا ولا حديثا نبويّا ولا قاعدة شرعية، وإنّما هو من قول بعض العلماء ويُنسبُ لسفيان بن عُيينة رحمه الله تعالى، وهو قوله (إذا اختلف الناسُ فانظروا ما عليهِ أهلُ الثغور، فإنّ الله قال: والّذين جاهدوا فينا لنهدينّهُم سُبُلَنا). وقد قال به وبنحوه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وشيخُ الإسلام ابنُ تيميّة رحمه الله، وأظنُّ أنّ ممن استدلّ به في عصرنا الحديث الشيخ عبد الله عزّام رحمة الله عليه.
وهُنا نقول: إنّ هذا الرأي هو فهمٌ جميل، ورأيٌ لطيف، وحكمةٌ بليغة، وتفسيرٌ نرى صحّتَهُ ونأخذُ به، غير أنّ هذا القول أصبح الآن يحتاجُ لتفصيل كي يفهم عوام الناس ضوابط هذا القول، ويكون النظر إليه من وجوه:
أ : الوجهُ الأوّل: أولا إنّ المقصود بأهل الثغور أولئك المجاهدين بالسلاح من أولي الشوكة، الذائدين بأسلحتهم عن حياض المسلمين وديارهم وحدودهم، فمَنْ مِن دُعاة الفيدرالية من ينطبق عليهِ هذا الوصف؟
أمّا إن كنتُم تطلقون على أنفسكم هذا اللفظ (أهل الثغور) بناءً على قياس عجيب مفاده أنّكم الموجودون في ظل الحكومة الطائفيّة، والمكتوون بنارها، وبناءً على أن من كانت يده في النار ليس كمن كانت يده في الماء كما ترددون، فهذا قياسٌ غيرُ صحيح، إذ ليست الظروف الصعبة ثغرا ولا الذي يعيشُ ظروفا صعبةً هو من أهل الثغور، ولو قاس كل واحد على هذا النحو لسَرَقَ السارقُ الأموال وقال: لا يحقُ للعالمِ الغنيّ أن يحرّم عليّ السرقة حتى يجوع مثلي وتثقله الديون مثلي، ولقال الموظّفُ المُرتشي: لا يُلزمُني رأي العالم فلان الذي يعيش في رفاهية وسَعَة من الرزق بحرمة ما أرتشيه حتى يتنازل عن وظيفته ويأتي في مكاني هذا ويتعرّض لظروفي ويتعرّض للإغراءاتِ التي أتعرّض لها يوميا ثم بعد ذلك يفتي بفتواه فتكون ملزمةً لي؛ أمّا وهو في وضعه المرفَّهِ هذا فلا يلزمني كلامه وفتاواه إذ ليس من كانت يدُهُ في الماء كمن كانت يدهُ في النار) ، وهذا والله هو عينُ اتّباع الهوى، وهو كلامٌ لا يقولُ به عالمٌ ولاعاقل.
ب : الوجه الثاني: في قول سفيان بن عيينة رحمه الله (إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور)، إنّما المقصود هنا (علماء أهل الثغور لا عامّتهم) ؛ إذ أنّ الفتوى والرأي الشرعي منوطان بأهل العلمِ الشرعي حصراً، ويستحيل أن يقصد سفيان بن عيينة رحمه الله أن نأخذ الفتوى من الجندي العامّي في المسألة الفقهيّة وإن كان جاهلا بالعلم الشرعي وغير جدير بالفتوى فقط لكونه من أهل الثغور.
وإذن؛ يُفهم من هذا أنّ المقصود بكلامه رحمه الله أنه إذا اختلفَ العلماءُ فيما بينهم فإنّه يرجُحُ رأيُ علماء أهل الثغور على نُظرائهم من العلماء القاعدين، فإن لم يكونا نظيرين في العلمِ فإنّه لا مناص عن الأخذ برأي الأعلم وإن كان قاعدا، ما لم يثبت كونه غيرَ ثقة على دينِ الناس، كأن يكون مُشتهرا بعدم التقوى أو بكونه يتّبع الهوى أو بكونه من علماء السلاطين وما إلى نحو ذلك.
فإن لم يكن من ذلك في شيء فليُعلَم أنّ الرأي ما يراه الأعلمُ سواء كان من أهل الثغور أم من غيرهم، ولو كان غيرُ ذلك لقال في دين الله وشرعه من كان غيرَ مؤهّلٍ علميّا، ولفسدَ الدينُ والجهادُ جميعا، لأنّ في عِلمِ العالم تسديدا للمجاهد من أن يقع في محظور شرعي يسيء له وللإسلام والجهاد.
فإن اعتبرَ دُعاة الإقليم أنفسهم أهل ثغور فلا بُدّ لهم أن يكونوا نظراء لعلماء الخارج، كما يصفونهم، كي يرجُحَ قولهم على قول علماء الخارج.
وختاما أيّها المعتصمون الغيارى حفظكم الله ونصركم وأعزّكم على أعدائكم وأعز بكم الدين، لا يحلُّ لَكُم التنازل عن إخوانكم وأخواتكم، ولا تستمعوا لكلامِ المُرجِفين ولا لكلام المنتفعين السياسيين، فإنّهم باعوكم أوّل مرّة ولم يعرفوكم حتى ثرتم ورأوا فيكم قوّة وعزّا فسارعوا لاستثمار جهودكم وجهادكم. وإنّكم أيها الثائرون الغيارى قد ثرتم لأجل قرابة الستمائة ألف مُعتقل ومُعتقلة، فلا يصرفنّكم عنهم دعاةٌ يدعونكم لإقليم ودعاةٌ يدعونكم لتقسيم ودعاة يدعونكم لدستور هو أساسُ بلائكم وشقائكم. فاثبتوا واصبروا وصابروا وكونوا مع الله وكونوا أنصار الله وأنصار دين الله وأبشروا بنصر من عنده عز وجل القائل في محكم كتابه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ".
والله أكبر ولله الحمد
أ.د. مساعد مسلم آل جعفر
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
عضو رابطة علماء العراق في الخارج
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)