وجهات نظر
إسماعيل ياشا
المفكر والمحلل السياسي الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي
-حفظه الله- لم أقابله شخصيا حتى الآن ولكنه ممن أحترم آراءهم وأحرص قدر المستطاع
على متابعة ما يقولونه ويكتبونه من التحليلات لفهم واقع المنطقة واستشراف
مستقبلها.
وكان النفيسي كتب بعد تأسيس حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب
أردوغان مقالا نشر في موقع مجلة العصر الإلكترونية يثير علامات استفهام وشكوك حول
هوية هذا لحزب الجديد وزعيمه.
وحاولت آنذاك أن أجيب على تساؤلاته وأشرح ظروف تركيا
في مقال نشر في الموقع نفسه.
وفي السابع عشر من الشهر الجاري، فجَّر الأستاذ النفيسي قنبلة
من العيار الثقيل، حين كتب في حسابه بتويتر تغريدة قال فيها: ” نطالب رجب طيب
أردوغان أن يستهل رئاسته بإقفال المصنع العسكري (لوك هيد مارتن) الذي يصنع
الصواريخ التي تقتل أهل غزه. مع الدعاء له بالتوفيق.”، وأثارت هذه التغريدة ضجة
كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، في ظل العدوان الإسرائيلي
على قطاع غزة، وكتب إلي أكثر من واحد بناء على تغريدة النفيسي وقالوا: “يجب أن
تتوقف تركيا أولا من إرسال الصواريخ إلى إسرائيل بدلا من أن ترسل مساعدات إلى
غزة”، ظنا منهم أن المصنع المذكور في التغريدة موجود في تركيا لتزويد إسرائيل
بالصواريخ، لثقتهم بالأستاذ النفيسي وعلمه واطلاعه.
ولما طلبت من بعض المغردين الذين أرسلوا إلي تغريدة النفيسي
المذكورة دليلا على ما ورد في التغريدة أشاروا إلى اتفاقية تم توقيعها مع شركة
لوكهيد مارتن الأمريكية لصناعة قطع تابعة لهيكل طائرة أف ـ 35 في مصانع مؤسسة تاي(TAI) للصناعات العسكرية الدفاعية ـ
الفضائية التركية، علما بأن تركيا من بين تسع دول تشارك في إنتاج طائرة أف ـ 35
متعددة المهام، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وإيطاليا وهولندا
والنرويج والدنمارك وأستراليا. ولا يوجد في الصفحات التي أرسلوا إلي روابطها أي
دليل على وجود مصنع كذاك الذي ذكره الدكتور النفيسي في تغريدته. ويبدو أنهم كتبوا
في غوغل “تركيا” و”لوكهيد مارتن” وأرسلوا إلي رابط أول صفحة عثروا عليها دون أن
يتأكدوا من محتواها.
“لوكهيد مارتين” شركة أمريكية للصناعات العسكرية ولها تعاون
مع شركات عديدة من الدول العربية والإسلامية، وإن كان المقصود من تغريدة النفيسي
وترويجها مطالبة تركيا بقطع علاقاتها مع هذه الشركة باعتبار الولايات المتحدة أكبر
داعم لإسرائيل فإن هذه المطالبة ليست في محلها، لأن تركيا ما زالت بحاجة إلى مثل
هذه الاتفاقيات والشراكة لتعزيز قدراتها العسكرية، على الرغم من توجه أنقرة في
السنوات الأخيرة نحو الاعتماد على الصناعة العسكرية الوطنية.
وبعد أيام من تغريدته الأولى بشأن مصنع الصواريخ، عاد الدكتور
النفيسي في 24 أغسطس / آب ليؤكد في سلسلة من التغريدات صحة ما ورد في تغريدته
السابقة وقال (أنقل هنا ما كتبه كما هو دون تصحيح الأخطاء): “لعلم المتابع وبكل
هدوء نقول : وقعت تركيا بتاريخ مايو1997مع إسرائيل اتفاقا لإقامة مصنعا عسكريا
لإنتاج صواريخ (جو أرض) Popye 1 وPopye2 في تركيا. طرفي الاتفاق : مؤسسة Rafael الإسرائيلية العسكريه ومؤسسة Turkish
Aerospace التركية”، وشدد على أن هذه المعلومات والتفاصيل موجودة في
ويكيبيديا.
الاتفاقية التي ذكرها الأستاذ النفيسي يعود تاريخها إلى 1997،
أي العام الذي أسقط فيه العسكر حكومة أربكان، وفي تلك الفترة لم توقع تركيا مع
إسرائيل هذه الاتفاقية فقط، بل وقَّع الانقلابيون اتفاقيات أخرى قيل إنها أنقذت
المصانع الإسرائيلية من الإفلاس. والمعلومات التي نقلها النفيسي عن موقع ويكيبيديا
يمكن أن يصل إليها أي مراهق بكل سهولة، وكان على النفيسي أن يتثب من صحة ما كتبه
قبل أن يصب الزيت على النار ويثير كل هذه الضجة والبلبلة ويدفع الناس إلى سوء الظن
والشكوك.
جميع العقود والاتفاقيات العسكرية التي أبرمتها تركيا مع إسرائيل
تم تجميدها في سبتمبر 2011 بعد صدور تقرير الأمم المتحدة حول ما تعرضت له سفينة
مرمرة، كما قامت أنقرة بطرد السفير الإسرائيلي وتخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى أدنى
مستوياته. وهذه التفاصيل أيضا موجودة في ويكيبيديا ونشرتها وكالات الأنباء والصحف
والقنوات والمواقع الإخبارية. كيف يخفى ذلك على محلل وخبير في حجم النفيسي؟. أمر
لا يصعب تصديقه..
وفي 26 أغسطس/ آب، كتب أستاذنا القدير تغريدة تدل على
الاعتراف بما وقع من الخطأ وقال: “البارحة آثبت لي بعض الأصدقاء أن حكومة الرئيس
أردوغان قد جمدت 2011 كل الإتفاقات العسكريه التي أبرمتها الحكومات السابقة مع
إسرائيل وهذا يسعدنا”، إلا أن هذا الاعتراف الخجول لا يكفي لمحو ما تسببت فيه
تغريداته السابقة من التدليس والتضليل، وأقول بكل هدوء ومع احترامي وتقديري له إنه
ما زال يدين لمتابعيه باعتذار صريح، لأن الاعتراف بالخطأ والاعتذار من شيم الكبار،
وباعتقادي أن الأستاذ النفيسي منهم، وأما الصغار فيحاولون الهروب إلى الأمام
ويبحثون عن اللف والدوران.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق