خضر سلامة
إذا كانت داعش، وأسلافها في التاريخ المشرقي
عموماً تدير “التوحّش” بقطع الرؤوس لتنشر صورة مرعبة عن نفسها فتروِّج لقوتها
وتفوقها العسكري. فثمة من قطع الرؤوس ليدير “التحضّر”.
كنت أتابع بقرف الاعلام الفرنسي وهو ينوح
على الرؤوس المقطوعة بأيدي هؤلاء (الهمج المسلمين الدواعش) وضيوف الشاشة يحذرون من
مخاطرهم.. إلى غير ذلك.
على كل، قد يبرر البعض أن هذا التوحّش، كان
من ضرورات الحضارة الفرنسية آنذاك، لننتقل إذاً إلى الجزائر، المغرب، وغيرها..
هناك، كانت الرؤوس تقطع على يد الفرنسيين أيضاً، (وإذا كنت لم تقرأ عن التجارب
النووية التي كانت تُجرى على مجاهدين أحياء في صحراء الجزائر، عليك بالقراءة).
وإذا زرت فرنسا، ابحث عن متحف “الانسان”،
الذي لا علاقة لاسمه بمحتواه، ستجد في الداخل بقايا جثث من حول العالم، ستجد مثلاً
حتى سنوات خلت، رأس سليمان الحلبي الذي اغتال الجنرال كليبير قبل مئتي عام، وظل
معروضاً للجمهور في المتحف، وقد تجد عشرات الرؤوس الجزائرية، معظمها مكدس في علب
كرتونية مهترأة في أرشيف المتحف، بينها رأس الثائر الشيخ بوزيان، ورأس شريف بوغلبا
وغيرهما.
هذه أمور لا
زالت موجودة حتى اللحظة في الثقافة الفرنسية، الأوروبية عموماً.. التي قدمت لنا في
القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، تجربة “human zoo”، حيث كان يُنقل الأفارقة وغيرهم من بلاد مستعمرة، ينقلون إلى
معارض أوروبا ليأتي السواح ويشاهدوا هذه “الكائنات المختلفة”، ولعل سارة سآرتيج
بارتمان كانت أشهرهم.. والتي ظلت بقاياها أيضاً محجوزة في متحف “الانسان” الفرنسي
ما غيره، سليل ثقافة حدائق الحيوان البشري، حتى منتصف السبعينات.
إنها إدارة
“التحضّر” على الهواء مباشرة، بين تبرير القتل بالصواريخ في غزة بالحرب على
الارهاب، والتخويف من شعوب كاملة بسبب حفنة من المجرمين القتلة، باسم الخوف على
الثقافة والحضارة، إنها إدارة التحضّر.. وهي “كول” أكثر من إدارة التوحّش، واسألوا
ليبراليي العرب المعجبين بتفوق الغرب الانساني: فقتل مئات الآلاف بالطائرات
والنابالم واستعمار البلاد والعباد بالحديد والنار، واستعمال القنابل النووية
والصواريخ الذكية واليورانيوم المخصب، أكثر ألواناً من قطع الرؤوس بالسيف.
إنها “إدارة
التحضّر”.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق