علي الكاش
تنويه
في هذه المبحث والأجزاء القادمة نتحدث عن التشيع الصفوي تحديدا وليس عن التشيع العلوي، والمهدي موضوع البحث هو المهدي بشكله الصفوي الذي صاغة علمائهم، واستعاره العرب.
تناقضات الولادة والطفولة
روى الكليني عن ولادة المهدي 31 حديثاً، وعد العلامة المجلسي 22 منها ضعيفا ومجهولا. حاول الكليني من خلالها إثبات ولادة الإمام وحقيقة وجوده. مع أن رواة هذه الأخبار على الأكثر من مجهولي الأحوال أو الهوية أو ضعاف. فقد أدعت طائفة منهم بأن المهدي ولد في سنة (260)هـ وهي سنة موت أبيه، وقالت طائفة أخرى منهم المؤرخ النوبختي بأنه ولد قبل موت أبيه بمدة (8) أشهر. وطائفة أخرى أشارت إلى سنة(252)، وطائفة اخرى ذكرت سنة(254) وأخرى(255) وأخرى سنة(256) وأخرى منهم أبو الحسن بن حمدان الخصيبي عام(257) وأخرى(258). وانفرد علي بن عيسى الأربيلي بتحديده عام(228). بل المثير إن إحدى الروايات تشير إلى أن ولادته بعد موت أبيه بسنوات! وهناك رواية تدعي إنه ولد عام (254) بإعتبار ان أبيه العسكري كتب توقيعا لأحمد بن الحسن بن إسحق القمي حيث ولد له ولد (المهدي). لاحظ ان التوقيع خُص به فارسي من قم وليس لأهل بيته كأخيه او أمه. ويلاحظ ان ابن حزم وأبو موسى الأشعري والبغدادي لم يذكروا تأريخا لميلاد المهدي. ومن طريف الروايات ان الامام العسكري دعى أخت جدته الحضور الى بيته لأن نرجس (عبدة عتيقة) ستلد. فإستغربت الجدة لأن ليس من بين حريمه من حملت منه ولا توجد حامل من بينهن بعد أن فحصتهن! فقال لها العسكري بأن الحمل لا يظهر على نرجس إلا في الغسق. الأطرف منه إن الدكتور جود علي يعلق على هذا التخريف بقوله "هذا الأمر الغريب هو نفس ما وقع لمريم ام موسى. فقد كانت حاملا ومع هذا لم يلاحظ احد عليها إنها تحمل طفلا حتى زمن ولادته". (المهدي المنتظر لجواد علي/70). ويستمر الدكتور علي في هذيانه بأنه عند الغسق سمعت الجدة صراخ العبدة فبدأت تقرأ الآيات والطفل يرد على تحياتها من الرحم، ويعيد قراءة نفس الآيات! وعندما ولدت الطفل لم تتمكن الجدة من الرؤية بسبب قوة النور الذي يشع من العبدة والطفل. لم تكن ولادة النبي المصطفى بهذه الطريقة يا دكتور! كيف نثق بما كتبته عن تأريخ العرب قبل الإسلام وأنت بهذه العقلية المتكلسة؟ وكيف قبلت جامعة ألمانية (جامعة هامبورغ) برسالة دكتوراة تتضمن ترهات كهذه؟ وفات جواد علي بأن القيـاس في المذهب الشيعي لا يؤخذ به وخصوصاً في الأمور العقدية الأصولية.
ورواية أخرى ذكرها الطوسي وابن بابويه تزعم بأن الجدة لم تأت قبل ولادة الطفل، بل بعد سبعة أيام من ولادته، ووجدته يقرأ سوراً من القرآن. ورواية أخرى تدعي ان حكيمة زارت الطفل في يومه الثالث ولم تسأل عنه. ورواية أخرى في يومه السابع ولم تجد الطفل! ولما سألت عنه قيل لها "إنه في رعاية الله" ويعلق الدكتور "كما وضعت أم موسى طفلها في رعاية الله" (المصدر السابق/71) يحاول الدكتور ان يقنعنا بأن ولادة الإمام كانت مثل ولادة النبيين عيسى وموسى عليهما السلام. متجاهلا بأن موسى وعيسى من الأنبياء والطفل المزعوم مجرد خلف بعيد للنبي محمد صلى الله عليه وسلم! المهم ان العسكري يوصي حكيمة ان تكتم ولادة الطفل الى "ان يعطيه الله براق الملك جبرائيل". وفي رواية أخرى ان حكيمة زارت الطفل بعد (40) يوم من ولادته ورأته ثم أختفى ولم تره ثانية. (إكمال الدين/158). لاحظ ان القاسم المشترك لكل الروايات هو حكيمة لا غيرها. ويعول جواد على أهمية حكيمة كشاهد عيان!
كما اختلفوا في يوم وشهر ولادته أيضا ما بين (8) من ذي القعدة و (8) من شعبان و (15) عشر من منه و (15) من رمضان وغيرها. والحقيقة إنه كان لابد من خلق وفبركة هذه الولادة المزعومة (رغم ضعف مصدرها وهي إمرأة غير معصومة) لأنها عماد المذهب. فكان أمامهم أحدى الطرق الثلاثة التالية: أما التخلى نهائيا عن فكرة الأئمة الإثنى عشر. وهذه من شأنها تدمير ركن مهم من أركان المذهب وكل ما شيد على موضوع الإثنى عشر إماما. أو نقل الإمامة إلى أخيه جعفروهنا ستظهر مشكلة أخرى فقد أغلق المذهب الباب على نفسه برفض الإمامة في الأخ أو العم أو إبن العم والخال فقد نقل الكليني عن الإمام الرضا إنه سئل فيما إذا "تكون الإمامة في عمّ أو خال؟فأجاب: لا. قيل: ففي أخ؟ قال: لا. سئل فيمن؟ أجاب: في ولدي" ووقتذاك لم يكن له ولد. أو الإدعاء بوجود ولد للعسكري ولكنه أخفاه عن الناس في أجواء غامضة وبروايات متناقضة. والحقيقة ليس إخفائه على الناس قاطبة فحسب وإنما عن أقرب الناس له، وهم أخوه وأمه وزوجاته وجواريه! وهذا يعني أن لم يكن يثق بهم جميعا، وهذه إشكالية أخرى!
ويبدو إن السرداب كان موضع خلاف أيضا فأبرز مراجع الإمامية الشيخ عبد الحسين الأميني صاحب موسوعة (الغدير) ينكر وجوده في السرداب بمدينة سامراء (سر من رأى) ويعتبرها فرية أوجدها النواصب. ويضيف "الشيعة لا ترى إن غيبة الإمام في السرداب، ولاهم غيبوه فيه ولا إنه يظهر منه، وإنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت" وخاب ظن الأميني فقد ظهر في ايران مؤخرا. ويبدو أن الأمينى كان نائما مع أهل الكهف أو إنه لا يعرف مذهبه جيدا! ولا أعرف كيف كتب موسوعتة الشهيرة وهو بهذا المستوى المتقدم من الجهل والغباء! فلم يطلع على ما كتبه أعيان المذهب بهذا الشأن. أمر يثير الحيرة ويفقد الأمين الصدق والأمانة. فهذا الشهيد الأول في كتاب (الدروس) يوصي بإستحباب زيارة المهدي و"الدعاء بتعجيل الفرج عند زيارته في السرداب بسر من رأى". وهذا الجوهري في كتابه (جواهر الكلام) يستحب زيارته أيضا ويوصي "بالتعجيل في فرجه خلال زيارته في السرداب المعروف بسر من رأى". ويتعجب المجلسي في بحار الأنوار من الصدفة الغريبة بأن "تأريخ الفراغ من إتمام هذا السرداب، يوافق يومه مع يوم ولادة الخواجه". كما يشير إبن طاووس في (مصباح الزائر) إلى الأدعية التي تقرأ خلال مراسيم زيارته في سامراء.
اختلفوا أيضا حول إسم أمه فطائفة منهم ذكرت العبدة العتيقة (نرجس) وأخرى جعلتها من الجواري اسمها (مليكة) وهي إبنة يوشوعا- ابن قيصر- وقد حضر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والسيد المسيح عليه السلام فتبادلا التحيات وخطبها النبي لحفيده! او أخرى جارية تدعى (صقيل). ويرى المؤرخ جواد "ليس من المستحيل أن تكون الجارية يونانية فعلا". وأخرى جارية تسمى (سوسن)، اخرى جارية تسمى (خمط) وأخرى جارية اسمها (حكيمة) وأخرى جارية تسمى (ريحانة)، واخرى امرأة حرة تدعى (مريم بن زيد العلوية) وأخرى تدعى (سوزان). وفي الوقت الذي يذكر ابن حزم "لم يعرف الشيعة أي منهن كانت الأم الحقيقية". (الملل والنحل4/181).
حاول العلامة نوري الطبرسي أن يحل هذا اللغز المحير بطريقة ساذجة جدا. فقد أدعى بأن هذه الأسماء كلها تعود لإمرأة واحدة وهي (مليكة) وبذلك تكون (مليكة) مالكة الرقم القياسي منذ فجر التأريخ لحد الأن في عدد اسمائها. وهي حالة شاذة في التأريخ العربي والأجنبي لم تتكرر.
كما اختلفوا حول دخوله الميمون في السرداب وتضاربت الروايات أيضا ، فقد قيل كان ذلك عام (265) هـ، وقيل سنة (275)، وقال آخرون إن عمره (4) سنوات وغيرهم (5) سنوات وفي رواية أخرى (7) سنوات، واخرى (9) وكذلك (17) سنة.
كما اختلفوا حول مكانه وظهوره ففي رواية يظهر في (مكة) وأخرى في (دمشق) وأخرى في(الكوفة) واخرى في (طيبة) وأخرى في (جبل رضوي) وأخرى في (سامراء) وأخرى في(خراسان) وفي غيبة الطوسي "بين الركن والمقام" وهو مصطلح يحير علماء الجغرافية والفلك أيضا فأي ركن وأي مقام هذا؟ وفي الروايات الحديثة في مثلث برمودا وفي رواية أخرى في (الجزيرة الخضراء) وعنده أزواج وذرية، وهم يملكون تلك الجزيرة لا أحد يعلم مكانها! وفي رواية أخرى ليس في جزيرة وإنما في (بئر جامكاران) قرب قم حيث ترمى له رسائل المعجبين الإيرانيين وأصحاب المشاكل. في حين إن الروايات الفارسية تشير الى موقع ظهوره "بين خراسان والصين" وهي مساحة شاسعة تضم عشرات الدول الواقعة بين خراسان والصين فأي دولة ستحظى بشرف خروجه وكيف سيكون الحال لو ظهر في الصين مثلا؟ ولمس بنفسه سمو أخلاق شعبها المسالم رغم وثنية النسبة الأعلى من السكان، وأعجبه جهدهم المميز والمتواصل في التنمية والتقدم! وإنبهر بحضارتهم القديمة والحديثة، ولم يلمس وجود أي نوع من الفجور والفساد. بل العكس من ذلك! فينتفي الغرض من خروجه، ولربما فضَّل البقاء في الصين على الدول الإسلامية!
(ملاحظة من الناشر: راجع هنا)
واختلفوا بشأن عمره هل سيعود طفلا كما دخل السرداب أو شابا أو رجلا أو شيخا هرما؟ فرواية تذكر بأنه سيظهر في صورة شاب بعمر (30) سنة، ورواية أخرى تناقضها بالقول بل بعمر (32) سنة، وأخرى أوردها الطوسي منسوبة إلى الإمام الباقر "إن صاحب هذا الأمر لا يتجاوز الأربعين" وأخرى تذكر بعمر (51) سنة وأخرى بعمر (120) سنة وهكذا دواليك! وأخيرا حلها الإمام الصادق "بأية صورة وشكل". لكن المعصوم ناقض نفسه عندما قال بأن صاحب هذا الأمر يشبه سيدنا يوسف عليه السلام ثم عد من ينكر من الأمة هذا الشبه خنزيراً، ثم لعن الأمة التي تنكر هذا الخبر! ولكن كيف يكون الإمام لعاناً؟ مع أن رسول الله لما ضرب وكسرت أسنانه وبقي الحديد في فمه الشريف قيل له: إلعنهم. فأجابهم "إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة للعالمين".
كما اختلفوا في طريقة إختفائه ففريق منهم (نور الدين علي بن محمد المكي المالكي في الفصول) ذهب بأن "انه غاب في السرداب والحرس عليه سنة (276)" إي كان معه حراسه ولا نعرف هل إختفوا معه أم لا؟ ولماذا لم يشهدوا لدى القاضي على وجوده عندما تقاسمت أمه وعمه جعفر ميراث أبيه إذا لم يختفوا معه؟ وفي رواية أخرى (تأريخ إبن الأزرق وكتاب الأربعين للمولى حيدر الشيرواني) جاء إنه دخل السرداب سنة (275) وكان عمره (17) سنة، أي شاب يافع وليس طفلا!
اختلفوا أيضا بشأن غيبته فرواية الإمام علي رضي الله عنه تشير إلى (6) أيام أو شهور أو أعوام! مع هذا لم يظهر فيها ولا أعرف مقدار الإحراج الذي وقع فيه الإمام؟ ولماذا لم يصحح مدة الغيبة في زمانه؟ او يلغوا الرواية المعيبة من كتبهم؟ وأخرى عن أبي عبد الله (15) ليلة بعد موت ذو النفس الزكية أي (140) هجرية فلم يخرج أيضا ولم يصحح أبا عبدالله روايته أيضا. وأخرى أوردها الكليني والنعماني إن الله غضب بسبب قتل الإمام الحسين فأجلها من (70) إلى (140) سنة أخرى! فلم يخرج أيضا! حتى ضربت به الأمثال لتقاعسه. فقد ذكر الكرماني هذا المثل "ابطأ من مهدي الشيعة". السؤال هو لماذا لم يمدد الله عزً وجلً حياة الرسول حتى يملأ الأرض عدلا في حين مدد غيبة المهدي؟ فمن هو الأكثر أهمية أرسوله أم مهديه؟ وكيف نفسر إجابة الرضا كما وردت في (رجل الكشي) عن هذا التمديد بقوله "كذبوا وهم كفار بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان الله يمد في أجل أحد، لمدد في أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ".وفي سؤال من قبل حاكمٍ أبان العصر البويهي للشيخ المفيد عن سبب عدم ظهور المهدي، طالما أنصاره هم من يحكمون وسيكون في أمان؟ فإدعى المفيد- للخروج من هذا المأزق الحرج- بالتشكيك في صدق وشجاعة وقوة البويهيين! أخيرا حلها الإمام الصادق بطريقة ظريفة قائلا "إنا أهل البيت لا نوقِّت" ولا أعرف كيف يطعن الإمام الصادق بتوقيت جده الإمام علي؟ وإن كان الإمام معصوماً فكيف أخطأ في التوقيت؟
إختلفوا أيضا بشأن من يتصل به، فقال فريق السفراء الأربع فقط! وقال آخر (30) من كبار علمائهم. وقال فريق لا أحد يراه معتمدين على حديث أورده المجلسي "إن الأمام لا يرى، ومن إدعى أنه قد رأى الإمام المهدي فقد كذب". كما أورد الكليني والنعماني والطوسي والعاملي وغيرهم رواية بهذا الشأن للإمام الصادق بأن "يفقد الناس إمامهم فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه". لكن المجلسي يناقض نفسه برواية أخرى يذكرها منسوبة إلى علي بن محمد البشري "قال: دخلت مسجد صعصعة (في الكوفة) واذا برجل عليه ثياب الحجاز وعمته كعمتهم قاعد يدعو بهذا الدعاء ((اللهم ياذا المنن السابغة... ثم سجد طويلا وقام وركب الراحلة وذهب، فقال صاحبي: هو والله صاحب الزمان". كما يذكر الشيخ جواد النعماني بأنه إلتقى المهدي وسأله عن مكان إقامته؟ فأخبره بأنه يقيم يومي الأثنين والثلاثاء في النعمانية. ويقيم يوم الجمعة في الحلة! (بحار المجلسي13/280). ولا نعرف أين يقيم في بقية الأيام؟ وروايات أخرى تشير بأنه يقيم في جبل رضوي في بلاد فارس.
والنصوص التي تكفِّر من يدعي رؤية المهدي تضعنا في دوامة بشأن مزاعم لقاءات المهدي مع نوابه من جهة والرئيس أحمدي نجاد وغيرهم من جهة أخرى. والطريف أن الشيخ الصفوي عبدالحميد المهاجر يذكر في لقاء له مع صحيفة (الوطن) في كانون الثاني 2001 بأن "المهدي قد التقى به علماء من الشيعة ومن مراجعهم في التقليد ولكنهم أخفوا لقاءهم معه لأنه سرً خاصٌ بينهم وبينه". فمن نصدق الكليني أم المهاجر؟
كما اختلفت الآراء حول طريقة خروجه فتارة مع ظهور الرايات السود في خراسان (روايات فارسية). وهذا يذكرنا بموقع خروج المسيح الدجال فقد ورد حديث نبوي في سنن إبن ماجة "إن الدجال يخرج بأرض يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوهم المجان المطرقة". وفي حديث للباقر "نار تخرج من المغرب، وملك يسوقها من الخلف" أي كما تساق الحمير! وفي رواية أخرى منسوبة لسلمان الفارسي ذكرها الكليني إنه سأل امير المؤمنين عن ظهور المهدي فأجابه "إذا قتلت ملوك بني العباس، أولي العمى والالتباس، أصحاب الرمي عن الأقواس بوجوه كالتراس، وخربت البصرة". وقد مات خلفاء بني العباس ولا لبس في هذا الأمر وخربت البصرة مرارا وتكرارا ولا ظهور للمهدي! هنا سنكون في حيرة! فإما كلام الإمام علي غير صائب. أو إن المهدي لا يعلم بموت بني العباس وخراب البصرة فتنتفي عنه بذلك صف العلم وكلاهما أمرَّ من الآخر!
وفي رواية منسوبة للإمام الصادق، مؤكد أصلها فارسي، أوردها المجلسي والطوسي بأنه سئل عن ظهور المهدي فأجاب "يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت، وما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا حفظته الفرس وضيعتموه".
أما الأطرف فقد جاء على لسان احد جهابذة العلم والمعرفة (باسم الهاشمي) في كتابه (المخلص بين المسيحة والإسلام) بأن المهدي "يأتي في غمام السماء إشارة إلي مبلغ قدرته الربانية في دولته ولعلها الطائرة أو ما شابهها" ولم يحدد الهاشمي نوع الطائرة حربية هي أم مدنية! سمتية أو بجناح ولم يحدد أيضا الموديل ولا مكان صناعتها امريكية أم روسية او فرنسية!
وأهم من هذا كله فإن شروط الإمامة المنقولة عن الأئمة لا تنطبق على الإمام المهدي منها النص الإلهي على الإمامة وإستواء درع الرسول عليه كما جاء في عيون اخبار الرضا لإبن بابويه القمي، فقد روي عن الإمام الباقر "وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله كان عليهوفقا، وإذا لبس غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليهم شبرا" وهذا الدرع بالتأكيد لا يناسب جسد طفل! وان يكون نده سلاح الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشار الكليني بقوله "والسلاح فينابمنزلة التابوت في بني إسرائيل تكون الإمامة مع السلاح حيث ما كان" ومن المعروف انه لم يكن في سرداب المهدي سلاح الرسول بل هو محفوظ مع أشياء أخرى في متحف توب كابي باسطنبول التركية! وأن يكون أعلم الناس فكيف أعلم الناس وهو مختفي عنهم منذ (12) قرنا؟
واختلف مؤرخو الشيعة حول شخصية المهدي فهو عند الكيسانية محمد بن الحنفية وهو يعيش في جبل رضوي. وعند الناووسية جعفر بن محمد. وعند الواقفة موسى بن جعفر بن المهدي. وهناك من يعتقد ان العسكري لم يمت بل اختفى وسيعود ليملأ الأرض عدلا. والسبأية تعتقد انه الإمام علي نفسه الذي يعيش في السحاب والرعد صوته والبرق شراراة سوطه، (وهذه اسطورة قديمة مأخوذة عن الإله تور). ومنهم من يراه الحسين وهو لم يقتل، بل رفع للسماء مثل السيد المسيح. وهناك المئات ممن أدعوا انهم المهدي منذ اختفائه لحد الآن.
(ملاحظة من الناشر: راجع هنا)
كذلك فمن صفات الإمام علمه بالغيب كما ورد في كافي الكليني ومصادر أخرى "إن الإمام يعلم بما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليه شيء وعنده جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل ويعرفها على اختلاف ألسنتها". وهذا الأمر سيحيلنا إلى دوامة معقدة! فالغيب كما هو معروف صفة ينفرد بها الله سبحانه وتعالى ولا يمكن أن تنسب إلى البشر، وحتى آل البيت أنفسهم وكبار علمائهم لم يدعوا هذه الصفة الربانية. فهذا الشيخ الصدوق يذكر في كتابه إكمال الدين بأن "الإمام لا يعلم الغيب، وإنما هو عبد صالح يعلم الكتاب والسنة، ومن ينحل الأئمة علم الغيب فهذا كفر بالله وخروج عن الإسلام عندنا، وأن الغيب لا يعلمه إلا الله وما إدعاه لبشر إلا مشرك كافر". وينقل الحر العاملي في (إثبات الهداة) رواية عن الإمام الصادق "والله لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي؟". بل أن الإمام الصادق سئل من قبل أبو بصير "إنهم يقولون إنك تعلم قطر المطر، وعدد النجوم وورق الشجر ووزن مافي البحر وعدد التراب؟ فقال الصادق: سبحان الله! سبحان الله! لا والله ما يعلم هذا إلا الله". وفي أمالي المفيد "سأل يحيى بن عبد الله الإمام موسى الكاظم عن علمه الغيب فإنتفض قائلا "سبحان الله! ضع يدك على رأسي! والله ما بقيت شعرة فيه وفي جسدي إلا قامت". إضافة إلى صفة اللطف فقد ذكر الطوسي "إن كل زمان لا بد فيه من إمام معصوم، مع أن الإمامة لطف، واللطف واجب على الله في كل وقت". ولخطورة هذه الصفة سنناقشها في مقال قادم بإذن الله.
وكذلك صفة الوصية فقد ذكر الكليني عن جعفر بأن "الإمام لا يموت حتى يعلم من يكون بعده فيوصي اليه". ويضيف النوبختي في كتابه فرق الشيعة "ويكون له خلف". كما أكد الكليني بأن "الإمام يكون كبير وليس فيه عاهة" ونقل عن الإمام علي بن موسى بن جعفر بأن الدلالة "على الإمام هو الكبر" ولكن المهدي صغير السن! كما أن المهدي لم يغسل أباه العسكري بعد موته في حين نقل عن الإمام الرضا "أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة"! ومن شروط الإمامة بلوغ الحلم في حين تشير الروايات ان والده توفي وعمر الطفل (5) سنوات أي لم يبلغ بعد. والطريق إنهم برروه "خلع الله عليه الإمامة مثل يسوع، الذي تميز وهو في المهد بالحكمة، والتي ملكها النبي يحي في السنوات الأولى من حياته". (الأصول المهمة في معرفة الأئمة/196).
وأن يكون الإمام كما أشار الكليني "من أشجع وأعلم الناس"، لكن من يخشى جندياً من بني العباس لا يملك ذرة من الشجاعة! وأية شجاعة تلك وهو يحمل إسم (الخائف) واختفى في السرداب بسبب الخوف! فقد ذكر الطوسي في الغيبة "لاعلة تمنع من ظهوره إلا خوفه على نفسه من القتل، لأنه لو كان غير ذلك لما جاز له الاستتار". وأورد الكليني حديثا لزرارة "سمعت أبا عبدالله يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم. قلت: ولم؟ قال: إنه يخاف وأومأ بيده إلى بطنه, يعني القتل". لكن الشيخ المفيد له رأي آخر وهو قلة الأعوان "إن السبب الذي يمنعه من الخروج هو قلة الأعوان والأنصار". ولكن المفيد لم يدرك مع الأسف تأسيس الدول البويهية والفاطمية والقرمطية والصفوية وإنتهاءً بجمهورية الخيني والخامنئي وعراق نوري المالكي وسوريا بشار العلوي، فحكامها من أعوانه ولكنه لم يخرج مع ذلك! وهذا يعني أما إن المهدي أخلى بوعده! أو إن هؤلاء الحكام ليسوا أنصاراً وأعوانا حقيقيين، وكلا السببين كارثة بحد ذاته!
أما السيد المرتضى فله رأي آخر يخالف الشيخين قبله كما جاء في (الشافي) بقوله "إن سبب غيبته إخافة الظالمين له، ومنعهم يده عن التصرف فيما جعل إليه التدبير والتصرف فيه، فإذا حيل بينه وبين مراده سقط عنه فرض القيام بالإمامة، وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته ولزم استتاره".
المهم أن هذه الآراء وغيرها تدخلنا في دوامة مغلقة لا مخرج منها. فكيف يخرج جده الحسين ليقاتل الباطل أمام الملأ رغم قلة أنصاره وأعوانه في حين يختفي المهدي في السرداب خائفا من جنود بني العباس؟ أليس حرياً بالمهدي أن يقتدي بجده الحسين أم إن له رأي مخالف؟ وأي منهم كان على صواب؟
وقد أضاف محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه (أصل الشيعة) صفة غريبة للمهدي يشارك الله جلَّ جلاله فيها وهي الخلود! لربما إستوحاها من ملحمة كلكامش الذي فشل في الحصول على أكسير الحياة. في حين تمكن الطفل المعجزة من الحصول عليه في سردابه بلا جهد! وبذلك رفع محمد حسين الغطاء عن جهله بهذه الفرية المثيرة للسخرية بقوله "إن أكابر فلاسفة الغرب قالوا: بإمكان الخلود في الدنيا للإنسان". ولا نعرف من هم فلاسفة الغرب الذين قالوا بإمكانية الخلود في الدنيا ومن هو الخالد فيها؟ ولماذا لم يخلدوا هم أنفسهم ويستفيدوا من هذه الصفة التي لم يسبغها الله جل جلاله على انبيائه ورسله؟ حتى النبي المعمر نوح عليه السلام الذي عاش حوالي تسعة قرون ونصف مات كبقية البشر.
مع إن المفروض أن يظهر المهدي في آخر الزمان ليملأ الارض عدلاً، لكن الإشكالية الجديدة هي إنه طالما سيكون ظهوره في آخر الزمان فلمن سيملأ الأرض عدلا وجميع البشر في طريقهم إلى يوم الحساب؟ فالمصادر الرئيسة كالإرشاد وأعلام الورى والكافي والمحاسن والبصائر والبحار وإثبات الهداة وغيبة الطوسي تؤكد بأن "مهدينا لن يمضي إلا قبل القيامة بأربعين يوماً". وهذا الإشكال سيقودنا إلى مشكلتين جديدتين أولهما هي الرجعة، فطالما أن الفكر الإمامي يشير إلى رجعة آل البيت في آخر الزمان فما الحاجة إلى المهدي إذن طالما أن آبائه وأجداده سيظهرون معه وهم الأفضل منه؟ والمشكلة الأخرى أن المهدي أيضا سيفشل في مهمته لأن الأحاديث تشير إلى (12) مهدي آخر سيخلفونه. فقد ورد في كمال الدين والكافي أن سئل الإمام الصادق: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، سمعت من أبيك أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً، فقال: إنما قال: اثنا عشر مهدياً ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا، يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا".
في رواية أخرى وردت في البحار وغيبة الطوسي "إن منا بعد القائم اثني عشر مهدياً من ولد الحسين". وهنا ستظهر معضلة رياضية معقدة. فطالما إن المهدي سيظهر قبل يوم الحساب بأربعين يوما كما ورد في المصادر الرئيسة ومنها كتاب تأريخ ما بعد الظهور وأن حكمه (19) سنة في رواية وفي أخرى (7) سنين وفي أخرى تطول إلى (70) سنة وأخرى (309) سنة أسوة بأهل الكهف وأخرى (700) سنة. فإذا افترضنا جدلا بأصغر فترة وهي (7) سنوات فسنقع في هاوية هذه المرة وليست معضلة! لأن الحل هو أما ان تؤخر القيامة إلى (7) سنوات لما بعد ظهوره. أو أن يعجَّل فرجه بأن يظهر قبل القيامة ب (7) سنوات كي لا تتعارض الروايات من هذه الناحية فقط!
لكن ستثار مشكلة أخرى: متى سيخلفه ال (11) مهدي المتبقين؟ فحسب الأربعين يوما يفترض أن يخلفه ما بين كل (3 إلى 4) أيام مهدي جديد! وحسب أقل مدة ذكرت لخلافته وهي (7) سنوات، فهذا يعني خلال كل سبعة أشهر ونصف سيظهر مهدي جديد! والأنكى من هذا، ما الفائدة من هذه الجمهرة المهدية قبل حدوث القيامة بفترة قصيرة جدا؟
كلُّ ما مرَّ من روايات الاثني عشر الذين يخلفوا القائم، والرجل من أهل البيت الذي سيحكم 300 سنة ويزداد تسعاً، يجب أن يكون في هذه (40) يوماً المتبقية من عمر الدنيا! ولكن أحد كبار علماء الإمامية (الوحيد الخراساني) وجد حلا لهذا المأزق بقوله "إن إمام العصر صار عبدا، وعندما صار عبدا صار ربا". وهو ما أشار إليه الكليني أيضا في جواب منسوب للإمام الرضا عن سؤال لأبي بصير "أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء, ويدفعها إلى من يشاء". وبموجب هذه السفسطة أصبح المهدي رباً فيمكنه ان يتلاعب بيوم القيامة يقدم ويؤخر كما يشاء!
علاوة على صفة أخرى هي ردً الظلم والشر! لكن كيف يرد مظالم الناس وقد عجز عن ردِّها عن نفسه؟ وهل هناك غائب يردُّ المظالم عن الأحياء؟ إذن هي شروط لا تنطبق على الطفل المفزوع!
نكتفي بهذا القدر من التناقضات العديدة بخلاصة: لا يوجد أمر واحد يتعلق بالمهدي إلا وجدنا الروايات في قتال ضارٍ! فهل هذه الشخصية القلقة يمكن الركون إليها لتعديل مسار البشرية ونشر العدل؟ ألا نتفق بعد هذا مع عنوان كتاب مفتي قطر سابقا عبدالله بن زيد آل محمود (لا مهدي ينتظر ... بعد الرسول محمد خير البشر)؟ وهذا يذكرنا بموقف أبرز رواة الشيعة وأقربهم إلى الإمامين الصادق والباقر وهو زرارة بن أعين حيث يتحدث عنه الكشي في كتابه (رجال الكشي) بأنه عندما حضرته الوفاة طلب زرارة من عمته المصحف الكريم ففتحه ووضعه على صدره قائلا "يا عمة إشهدي إن ليس لي إمام غير هذا الكتاب". ولكن بعد تخريب المذهب بنسبه الكذب والدجل لآل البيت وهم منه براء. نختم حديثنا بهذه الأبيات المعبرة:
آن للسرداب أن يلـد الذي كلمتموه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ثلثتم العـنقاء والغيلانا
المبحث القادم: بعنوان فخر الأمة أم طاغية الأمة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق