وجهات نظر
عبد الكاظم العبودي
رغم المحنة والقسوة وارتفاع حرارة الصيف القائظ ، فالبصرة هي البصرة ، بما عُرف عن اهلها من اريحية ودماثة خلق ونباهة وصبر على المكائد، لا تفوتهم روح النكتة والدعابة والسخرية المرة ،والنباهة الذكية عند الكشف عن الغموض والمستور في الطبخات السياسية التي تجري في محافظتهم وفي عموم العراق في كل الظروف والعهود ؛ خصوصا وان الوعود الحكومية المملوكية بتوفير الكهرباء صارت موضوع نكات وسخرية الساعة التي يتندر بها البصريون ، وهي من النكات المرة والثقيلة التي تنتشر وفق مقولة "شر المصيبة ما يضحك".
وكثيرا من الضحك ما يملأ العين بالدموع الغزيرة، والدموع هنا قد تختلط ما بين دموع يفرضها إطباق الظلام والظلم المكلكل على البصرة وبين دموع الضحك المرير من مئآل الاحداث السياسية الجارية في العراق وثغره الجنوبي في البصرة.
بعد انتهاء مسرحيات تنصيب محافظ البصرة الجديد، وفرض إعادة تنصيب المحافظ السابق خلف عبد الصمد رئيسا لمجلس المحافظة، ضمن صفقات مارتونية لحكومة المالكي وقائمة دولة القانون التي دبرت بليل دامس لتشكيل ما يسمى " الحكومة المحلية" في البصرة . يستفيق الجميع امام هول احوال البصرة التي سيكون لها شرف إشعال شرارة الانفجار الكبير في سائر ارجاء العراق. وهنا سنتذكر المثل الصيني الشهير الذي ردده يوما القائد الثوري الصيني الكبير ماو تسي تونغ : " رب شرارة تشعل السهل كله" ؛ والشرارة العراقية المرتقبة هنا ستبدأ حتما من البصرة، تماما كما كانت قبلها شرارات الرميثة و الرارنجية والانبار وادوارها في اشعال ثورة العشرين والانتفاضة القائمة اليوم لتهزم الاحتلال البريطاني في العراق وبعده تتكرر هزيمة الاحتلال الامريكي شر هزيمة.
عندما حاولت عصابات وزارات الشهرستاني في النفط والطاقة والكهرباء الايحاء بقرب حلول بركات الاتفاقية الاقتصادية المشبوهة مع ايران لاستيراد الطاقة الكهربائية من ايران ، ضحكت منها فطنة العراقيين، واهل البصرة خاصة ، وهم ادرى باحوازهم ، وانتظر البصريون لتقترن الافعال مع الاقوال على قاعدة " إلحق العيار الى باب الدار " ، ولم يصدق احد من اهالي البصرة ان خط الكهرباء الرابط بين البصرة وإيران سيحل مشكلتهم، وان حكاية الاكتفاء الكهربائي الموعود قصة خيالية، وتيقنوا ان هذا المشروع وأمثاله مجرد ملقط او مخلب ايراني ستلعب به الدولة الصفوية وادواتها المحلية للتلاعب في المجمر العراقي المشتعل اصلا.
ولم تنفع وعود "السيد حسين الشهرستاني" ولا دعوات خاله الوقور في النجف الاشرف من ان هذا الاجراء سيكون خيرا على الجنوب العراقي، وانه بات حلا للبصريين ، وان الخط الكهربائي سيزيد من معدلات استيراد الكهرباء من اخواله الإيرانيين، فكان رد البصريين عليه منذ البداية ان خطوط التحميل الكهربائية من ايران الى البصرة لا تكفي" يا ايها السيد المستوزر" لسد حاجات البصرة المنكوبة بأزمات كلها تتطلب وجود الكهرباء كمشاريع الماء والكهرباء والموانئ وتصدير النفط وغيرها ، فرد عليهم زبانية الشهرستاني وباستخفاف واضح للعقول : اذا اقتضت الحاجة سنضيف لكم خطا كهربائيا ايرانيا ناقلا آخرا . وهنا انفجر البصريون ضحكا فقالوا لهم : وضحت اللعبة: فعندما يتحول الخط الى خطين كهربائيين، فيعني ذلك: ان واحداً منهما سيقوم بنقل الكهرباء من ايران الى البصرة ليسجلها في العداد، لدفع الفاتورة الثقيلة بالعملات الصعبة ، اما الخط الثاني فسيقوم بإعادة الكهرباء نفسها، وإرجاعها من البصرة الى عبادان مرة اخرى، ومن دون استهلاك للطاقة التي وردت الى العراق . فرد جماعة الشهرستاني: ان الخط الثاني سيستعمل لتصدير الكهرباء في نهاية هذا العام 2013.
وهكذا ضحك الجميع من ردود وغباء وزارة الكهرباء، فكيف سيكون العراق مستوردا ومصدرا للكهرباء في وقت واحد، وخصوصا من والى ايران.
وهكذا اشعر البصريون الشهرستاني ان مزحة تصدير الكهرباء الى الخارج باتت نكتة سمجة ولا يمكن تمريرها على فطنة اهلنا في البصرة وهم من " المفتحين بالنفط.. لا باللبن فقط " ، بعد ان ضيعت حكومة المالكي على البصرة فرصة شرب الماء النقي منذ عشرة سنوات، لذا عاد البصريون للتندر والقول مرة اخرى ردا على وعود المالكي وبرنامجه الذي اعلنه بعد انطلاق مظاهرات 25 شباط 2011 انه سيتصدى لحل كل المشاكل خلال 100 يوم، فعلق البصريون مرة أخرى: بالصيف ضيعنا اللبن".
الكل يعرف في البصرة ان المشكلة هنا لا تنحصر بتوليد الكهرباء فقط لان الخطوط الكهربائية وإمكانيات تحميل التيار الكهربائي عبر اسلاك الشبكة العراقية للكهرباء سيكون من احد المستحيلات لان الشبكة بمحولاتها وأسلاكها تقادمت واستهلكت تماما، وتآكل نحاسها، وبيعت الكثير من اجهزتها، ووصلت معداتها الى سوق الخردة وممرات التهريب خلال فترات الانتقام الايراني من العراق، وخاصة بعد الغزو والاحتلال الامريكي، وخلال تنفيذ عمليات النهب والتفكيك والتصدير للمعامل العراقية الى إيران، حيث وصلت المعامل العراقية الى ايران منهوبة كخردة حديد ونحاس ومعادن اخرى وتهكم الايرانيون وأتباعهم وهم ينهبون قدرات العراق بوصف المنهوب "حواسم".
يرى البعض انه ربما يكون مشروع [ايراني ــ شهرستاني] ولما يقال عن الخط الكهربائي المزدوج لنق الكهرباء هو واحد من اساليب النهب المنظم ، وهو من هذا القبيل ، أي هناك خطان واحدا منهما للاستيراد ، والآخر سيكون للتصدير، يعني "كهرباء ايرانية" منتجة خاصة بالعراق ستعمل لا على قاعدة نقل " التيار المتناوب " الذي يعرفه الفيزيائيون ومهندسوا النقل الكهربي من نوعAC ، لتتفتق له العبقرية الفيزيائية الشهرستانية تسمية قراقوشية ، كونه تيار كهربائي جديد يمكن ان يطلق عليه تيار من نوع " خري ... مري" ، اي ذاهب ـ راجع .
هكذا يتفكه البصريون والعراقيون على سياسة الشهرستاني الكهربائية في مجال النقل الكهربائي الى البصرة.
وعندما يفشل وهو يعلم "العالم النووي والطاقوي" المسمى ابو زينب الشهرستاني بان حيل الاستيراد والتصدير باتت نكتة سمجة في عز الصيف ، فتلك من فواجع العراق المضافة ، مثلها مثل تصدير النفط الخام مجانا الى ايران والى مصر مقابل استيراد كميات من البنزين والنفط المُصفى، مقابل الدفع لهاتين الدولتين بالعملة الصعبة، اي بعد تصفية ملايين الاطنان من النفط العراقي الخام في المصافي الايرانية يعود منه نزر قليلـ فنستورد منه ألتار مقننة من البنزين او كميات من الغاز لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية المعطل بعض منها الآن بسبب شحة الغاز المطلوب والكافي لتشغيلها.
نعود الى نكتة الاكتفاء بالكهرباء الشهرستانية، التي استفحلت هذا الصيف في سائر المحافظات العراقية، وأكثرها المحافظات الجنوبية، خاصة عندما توضحت مرة واحدة اكاذيب قرب قطاف ثمار سلة المشاريع المنجزة لحكومة المالكي، حيث امر الوزير الشهرستاني إيقاف احد الخطين، أو الخيطين ، كما يقول عنهما ويتفكه بها عامة البصريين، فعاد الايرانيون للانتقام من البصريين شر إنتقام، وهذه المرة بإسلوب آخر ، حيث تتم زيادة التحميل الكهربائي للخط ورفع شدة التيار فيه وخفضها فجأة بوتائر مفاجئة ، بقصد حرق الاجهزة الكهربائية المستعملة لدى اهلنا في البيوت البصرية ومنشئات التكرير والتصدير والموانئ العراقية في الجنوب ، وهي محاولات تندرج في لعبة التخريب الواسع للاقتصاد الوطني من جهة وتنفيذ جانب من الصفقات الانتقامية التي تضرب اكثر من عصفور برمية وحجر واحد؛ حيث تتم في اطار نوع جديد من التجارة عبر الحدود والسوق السوداء، وتتم لصالح سوق وحفنة من تجار الاجهزة الكهربائية الكبار لتعويض السوق العراقية بأجهزة ومعدات جديدة، مجهولة المنشأ، ويتم تغطية صفقات تحويل الاموال الصعبة لصالحالبنوك الايرانية، تحت باب الاستيراد .
وهكذا تناوبت شدة التيار الكهربائي الصفوي الحاقد بمعدلات غير مستقرة ومتذبذبة وغير قياسية فتسببت بحرق اغلب الاجهزة والمحولات الكهربائية عند البصريين، وعندما عجزت الشبكة الوطنية والمُستورَد الكهربائي من ايران عن تلبية الحد الادنى من الاحتياجات وصولا الى الانقطاع النهائي عن احياء كاملة من البصرة ولطوال ساعات النهار والليل دفع ذلك الوضع وغيره البصريين الى التظاهر طالبين أولا انهاء مهزلة ما يسمى الاستيراد الكهربائي من ايران ، والتعويض العادل عن احتراق اغلب مدخراتهم وأجهزتهم الالكترونية والكهربائية الاساسية، والكثير منهم فضلوا قطع التيار الايراني عنهم، وقالوا لتذهب تلك الطاقة الكهربائية الايرانية الى جهنم طالما اضحت مصدر خراب عام لممتلكات البصريين .
اليوم تنتفض البصرة كلها بداية من شهر رمضان مطالبة بإنصافها من الطاقة والمياه والخدمات وفرص العمل والتعليم والطب ومكافحة التلوث وفقدان الامن ، وهي المدينة التي يرى فيها العالم الخارجي من بعيد بملايينها الثلاث انها جديرة ان تكون عاصمة للطاقة والنفط والغاز، لكن الواقع المر يعكس صورة مزرية اخرى للبصرة، لانها تعيش تحت حدود مستويات الفقر في العالم، وتخيم على بيوتها وشوارعها الظلمة وحالات الفقر والمرض والتجهيل، وتعشعش في احيائها خفافيش الظلام ؛ في حين تنعق في مجالسها ومضايف شيوخها غربان العملية السياسية اللاهية بترداد مقولات بالية عن ازدهار البصرة ، سواء ظلت كمحافظة تابعة للمركز المملوكي ، أو بعد فدرلتها كمحافظة او ملحقة بأقليم إذا اقتضت مصلحة المالكي وتحالفه الشيعي .
البصرة انتظرت المالكي سنوات طويلة، ليفي بوعود حكوماته ، ظل يعدها اولا بالأمن وانطلق من هناك بتسمية كيان عصاباته ومليشياته بـ "دولة القانون"، عندما تعاون مع الامريكيين بتنفيذ ما سمى بــ " صولة الفرسان"، وبعدها جرى التآمر والإقصاء حتى بحق أقرب حلفائه في " العملية السياسية" انجزتها سلسلة من المساومات والتصفيات الجسدية والاغتيالات، ابرزها فضيحة اغتيال محافظ البصرة الاسبق محمد مصبح الوائلي، في 28 ايلول/ سبتمبر 2012 ، بإطلاقات من كواتم الصوت نسبت كالعادة الى " مجهولين"، اثناء خروجه من احد المساجد في وسط مدينة البصرة ، في حين اتهمت اوساط سياسية ومحلية وعربية عديدة ان ايران كانت وراء محاولة اغتياله.
لم ينس البصريون مناورات المالكي عندما اجتمع بطواقم حكومته في البصرة بعد انتفاضة ومظاهرات 25 شباط 2011 التي امتدت شرارتها الى شوارع البصرة التي اندفعت جماهيرها بمظاهرات كبيرة، فوعد المالكي وأقسم بإيصال الماء الشروب الى بيوت البصرة التي لم تفتح حنفياتها منذ أكثر من 30 سنة على قطرة ماء صالحة للشرب. لكن مشاريع المالكي في تنفيذ المشروع الإروائي الموعود لمدينة البصرة ، وحتى في استيراد الماء الشروب لمدينة الفاو مباشرة من ايران بأنابيب عبر شط العرب او بالصهاريج والسفن ، وانتهت الى النسيان وعود بناء محطات التحلية لمياه البحر كلها. كلها كانت وعود من سراب تبخرت كما تتبخر المياه من فوق سباخ شطوط الفاو والسبخات الجنوبية في العراق. وتأكد للجميع انه بعد أكثر من 10 سنوات من الغزو والاحتلال ظلت الحكومات الخادمة للاحتلال عاجزة عن إقامة أي مشروع للتحلية في مدينة لازال يقطنها قرابة ثلاثة ملايين نسمة، وتنتج قرابة ثلاثة ملايين برميل نفط يوميا تذهب أموالها الى جيوب السراق والسماسرة والصفقات المشبوهة.
لم يجد الكاتب البصري طالب عبد العزيز وصفا لمعالجة ازمة الماء في مدينته التي كانت تسمى " فينيسيا الشرق" أو بندقية الشرق لكثرة ما يحيطها وتتخللها الانهار والجداول والشواطئ والموانئ الا القول بصرخة ألم : " ... أشتم الحكومة بأقذع ما في لغتي من بذاءة ، كلما أبصرتُ ابني وهو يغسل وجهه بماء الحنفية المالح ، ساعة خروجه للمدرسة،صباح كل يوم ، وفي سرّي ، (بكل تأكيد) لا أتركُ لفظة من تلك التي يتبارى بها السوقة والعتّالون والقوادون وسواهم إلا و قلتها، ساعة أحدّق بوجه أمي وهي تتوضأ لصلاتها بماء الحنفية المالح ، المر . كذلك أقول كلما ماتت شجيرة صغيرة في حديقتي التي أهلكها ماء الحكومة المالح والمر ، ومثلها أكرر وأكرر مع حفيدي حين تأخذه امُّه للحمام ].
ويواصل طالب عبدالعزيز بمقالته المعنونة "بمناسبة زيارة المالكي" قوله : [... لا أعلم ما إذا دخل رئيس الوزراء نوري المالكي في زيارته الأخيرة للبصرة بيت المحافظ ، أو دار استراحته ، على شط العرب ، ولا أقول دخل بيتا من بيوت اهل البصرة ، وتوضأ للصلاة بماء الحنفية، او تمضمض به بعد وجبة العشاء؛ لكني على يقين بأن محافظ المدينة الدكتور خلف عبد الصمد سيقول له بان زيادة الملوحة بماء البصرة ، هذه المرة ، إنما جاءتنا من الناصرية ، التي لم تطلق حصتنا من ماء نهر الفرات ، هكذا مثلما كانت الدوائر الرسمية وغير الرسمية تلقي باللائمة على إيران التي تلقي بمياه البزل في شط العرب ، او مثلما كانت تفعله بنا دوائر الري في العمارة ، التي لم تطلق حصتنا من مياه نهر دجلة ، وربما كانت امواج البحر ، بحرنا الذي نسمع به ولا نراه،هي السبب في ارتفاع نسبة الملوحة بمياهنا.ترى اما لهذا اللغز من نهاية ؟].
وهكذا ظل المالكي واداراته المحلية وأتباعه في مجالس المحافظات والنواب يعدون ويكيلون الوعود، ولا أحد منهم كان يوفي بأي منها ، متناسين، ان الوقت سيمر سريعاً، وان حبل الكذب اقصر مما تتصور عقلوهم القاصرة.
كانت آخر فضائح المالكي المدوية في أواخر شباط الماضي 24 / 2/ 2013 هي زيارته للمدينة الرياضية التي كان هدفها المفضوح للجميع الاشراف بنفسه على حملة الترويج والدعاية الانتخابية لقائمة ومرشحي دولة القانون، وخلالها تم اجتماعه بمحافظي محافظات الوسط والجنوب . لكنه عاد مصابا بخيبة الامل لانحسار الحضور الجماهيري وعزوف البصريين عن التوجه الى مكان التجمع لدولة القانون في المدينة الرياضية وملعبها الذي دُشن قبل أوانه وقبل اكتماله‘ وفشل المالكي وأزلامه بشكل واضح في التحشيد والتعبئة امام حضور ضخم لوسائل الاعلام ، مما دفع المالكي الى الحنق والتوتر حتى انه استغل كعادته حشدا من شيوخ العشائر ومرتزقة الادارة من الذين جمعهم لساعات طوال ليسمعهم ويكيل الاتهامات ضد خصومه وحلفائه في آن واحد ، متهما الجميع الا نفسه وحزبه ، بترويج الطائفية ومحملاً المسؤولية عن تفجير السيارات المفخخة لغيره. واضطر الى الاعتراف بعجز حكومته في تسيير الدولة وانجاز المشاريع الموعودة ، معلقا خيباته على البرلمان الكسيح قائلا: "ان البرلمان رفض تخصيص الحكومة 5 مليارات دولار لدعم الاسكان، ومؤكدا سعي الحكومة الى توفير بيت لكل عائلة ؟ ، فيما بين ان الحكومات المحلية التي تشهد محافظاتها تظاهرات لم تنجز من موازنتها اكثر من 26 %." . ويقينا ان البصرة تكون من اسوء المحافظات العراقية انجازا للمشاريع، و هي المحافظة الاكثر تخلفا وخيبة من وعود حكومة المالكي ومحافظه ولصوص الصفقات باعمار البصرة من انصار قائمته.
وعندما لم يجد المالكي شيئا يمكن الافصاح عنه لأهالي البصرة من وعود جديدة ، وتحاشيا لاستذكار وعوده القديمة شن المالكي هجوماً لاذعاً على " المسؤولين " الكبار لدولته وحلفائه من الذين وصفهم بأنهم "يروجون للطائفية " ، حسب قوله ، ويرى أنهم: "يؤججون الاوضاع وتترجم تصريحاتهم الى سيارات مفخخة تقتل الابرياء"، حسب تعبيره أيضاً، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام جملة تكهنات تفيد بمستقبل سياسي مشحون بالصدامات بين المالكي وغرمائه السياسيين.
بطبيعة الحال ان البصرة التي كانت هادئة نسبيا بالنسبة الى عدد التفجيرات بالسيارات المفخخة بدأت تتحقق فيها نبوءات غزوات المالكي الامنية فشهدت خلال الأشهر الأخيرة تكرار واسع للاعمال اللصوصية والتفجيرات والعبوات الناسفة والاغتيالات بكواتم الصوت والاعتداءات على المواطنين والاعتقالات الجزافية وفقدان الامن كليا ، ومحاولة اشعال فتنة طائفية في قضاء الزبير، وكأنه كان كان يعد البصرة بكل ما جرى بعد زيارته ، ومنذ خطابه ، وخسارة قائمته في الانتخابات المحلية وسقوط مرشحه كمحافظ ترك احوال البصرة الى الأسوء فالأسوء ، تاركا للشهرستاني اطلاق الوعود بقرب حل مشكلة الكهرباء.
يقول المراقبون والإعلاميون الذين حضروا بكثافة لتغطية زيارة المالكي الأخيرة للبصرة ان المحافظة لم تشهد ولم تعرف انتشاراً وتشدداً أمنياً كبيراً منذ عام الاحتلال 2003، . وبين المالكي توجهاته الجديدة امام عدد من محافظي الجنوب والوسط ، حين أعلن بانتهازية طائفية خبيثة، وكان كاذبا فعلا في محاولته مقارنة معالجات حكومته لأوضاع المحافظات الجنوبية والشمالية عندما اعلن لهم: "... عن استعداده لتحويل موازنات الوزارات الى المحافظات، وأن وزارة التربية قامت بالفعل في تحويل مخصصات مشاريع تربية محافظة ذي قار اليها مباشرة ، مؤكداً أن الحكومة لم تقم بتنفيذ مطالب متظاهري الجنوب والوسط ، مقارنة بما فعلته تجاه المحافظات الغربية مطالبين اياها بعدم التمييز".
وفي مغازلة صفيقة له مع بعض شيوخ العشائر ووجهاء محافظة البصرة من الذين تم تحشيدهم من اجل دفعهم الى تأييد قائمته ولضمان فوز قائمة دولة القانون في محافظات الجنوب والبصرة وللتأليب على متظاهري الأنبار والمحافظات الشمالية والغربية، واصفا اياها بـ " الطائفية والحمقاء "، وقوله ان تلك التظاهرات والإعتصامات لا تؤثر على العملية السياسية ، و كان يشير ضمنيا الى احتمال الفشل في حل مشكلة الإعتصامات المستمرة في غرب وشمال العراق، وقد يدفع الامر الى تشكيل الاقاليم والفيدرالية، ملمحا الى امكانيات الجنوب لتشكيل اقليمه تحت فرض الواقع. في ذات الوقت كان يدفع بممثلي دولة القانون الى التصريح بالنفي : " ... من أن تكون زيارة رئيس الوزراء نوري المالكي الى محافظة البصرة ، ضمن مشروع سياسي يقوده الائتلاف لإعلان إقليم مستقل في محافظات الفرات الأوسط و الجنوب، ليكون بوجه الإقليم الذي يحكى عنه في المحافظات الشمالية والغربية".
البصرة تنتفض اليوم، وهي تعرف ان المالكي الكذاب سيحاول الترقيع مرة اخرى، وانه كمن ينقل الماء في غربال، ويدق على سطح طبل أجوف ، ولا يستبعد انه سيكلف نائبة الشهرستاني مرة اخرى بالتكليف بمتابعة ملف مطالب المحافظات المنتفضة في الجنوب ضد سلطته ، وكما فعلها قبل اشهر مع ملفات ومطالب محافظات الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين ، لكن هذه المرة سيخيب المالكي وسينقلب فعل السحر وترتد الشعوذة السياسية على الساحر الدجال ، حيث وضعت جماهير البصرة مطلب اقالة الشهرستاني في اول مطالبها.
لكن الامور في البصرة المشتعلة ، انطلاقا من جمر المعاناة القاسية والطويلة ، التي عاشتها البصرة الصابرة ، وهي حصيلة سنوات الإهمال ونسيان الوعود ، ومحاولات السلطة الحاكمة ببغداد بالضحك على الذقون عندما تواجه إشتداد الاضطرابات والمطالب الاجتماعية . لكن العاصفة القادمة لن تكون كسابقاتها.
ولن تسلم جرة المالكي والشهرستاني بعد اليوم من حتمية السقوط النهائي والى الأبد.
وان غدا لناظره قريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق