وجهات نظر
عبد الكاظم العبودي
عندما اسمع نشيد "والله زمان يا سلاحي"، تجتاحني الحسرة والألم، وألوم نفسي على المقارنة بين أحوال الامس واليوم وربما سيمتد اللوم الى الغد، فشتان ما بين حالة النشيد الثوري الذي يهز الوجدان، حتى وان تشفعت به الامة في اوقات المحن، وحالة نشيج نوري المالكي وفضائياته وفحيح ثابينه وسكوت أزلامه بأيام الشجن العراقي.
كل العالم يشهد ان ما يحدث في العراق يتجاوز باهتزازاته المرتدة اكبر الزلازل الارضية والكونية، فمنذ ايام والعراق يشوى فوق طبقة تكتونية متفجرة لا بالزلازل بل في الطوفانات والبراكين وتجتاحها العواصف الهوجاء.
كل هذا وقيادات عمليات بغداد او مكتب القائد العام للقوات الانكشارية لجمهورية الخروف الاخضر غائبة، وحتى مصالح الحماية المدنية والطوارئ والمستشفيات تعيش في حالة صمت مطبق وهم ساكتين كصمت القبور، فــ "لا حس ولا نفس"، كما يقول العراقيون.
واذا كانت الهيئة القائدة لشبكة الاعلام العراقي الموحد منشغلة بسد فضائح الشبوط وغيره وتتناسخ في ما بينها وبين مصالح " ابو النور احمد الصغير" افلام العري والتفسخ والخلاعة وتقنيات الايقاع والتصوير تتم تحت انظار برامج الكامرات الخفية لأوضاع التورط والتحرش الجنسي، المُعد لها في كمائن متخصصة تفتقت عنها عبقرية الدعارة الاخلاقية والسياسية الحاكمة في العراق، حتى صار تبادل افلام الخلاعة والمجون والتسجيلات الصوتية والمقالب الجنسية والسياسية مسرحا وقطاعا كبيرا متخصصا لعرض برامج السقوط الاخلاقي لأركان العملية السياسية. وصلت الكثير من المواد المُسربة والمتسربة الى ايادي الجميع عبر تناقل الرسائل النصية وافلام اليوتيوب وغيرها من وسائل التواصل والاتصال الاجتماعي والتقني.
ولم يسلم من هذه الفضاعات وافتضاح الاسرار الكامنة وراء بعض الواجهات الدينية والاجتماعية حتى كثير من المعممين وغير المعممين ورجال الدين وأصحاب الطرابيش ومرتدي العقل وشيوخ العشائر والسياسيين الذين صاروا هدفا لمتعة تسجيل افلام الجنس والدعارة والسمسرة ، القصد في أكثر حالاتها التوريط اللا اخلاقي والابتزاز بالفضح وحتى انتزاع اعترافات عن ارتكاب الجرائم والمذابح او السمسرة او اجراء الصفقات السياسية والتجارية ، وحتى في محاولة اعلان البراءات عن جرائم منسوبة اليهم من خلال تسجيل الحصص الخاصة في القنوات التلفزية التجارية والطائفية والحزبية التي تفتح استوديوهاتها للبعض، محاولة لغسل ذممهم المدنسة بجرائم شتى امام جمهور المشاهدين ، حيث يسمح للبعض من خلال الاستجواب بإعلان القسم وبأغلظ الايمان عن برائتهم من دم الجرائم والفساد الاداري والمالي التي تنفذها وتشرف عليها دوائر متحاصصة في سلطات " ابو النور الأخضري" مؤسس جمهورية الخروف الأخضر .
ولمن لا يعرف جيدا ما يجري في العراق، وكي لا يطوف على " مي الكروش"، حسب المثل البغدادي، ظنا منه ببراءة الابالسة والمؤمنين ، عليه أن يتفرج على ساعات البث التلفزي الرمضاني في العراق لأغلب الفضائيات الحكومية والخاصة والطائفية التي تهرب جميعها من مواجهة مشهد وواقع جحيم الواقع العراقي المر والمعاش الى لعبة تكريس جُل اوقاتها ببرامج من اللهو السخيف حسب طريقة "هشك بشك" وبرامج المسابقات الرمضانية الغبية التي تقدمها حفنة من المهرجين والممثلين الكوميديين الفاشلين، ويعدها الجهلة والأميون والطارئون على الاعلام والكتابة، فتتجلى بسطحيتها وفضائحها المعرفية واللغوية وبأخطائها في تقديم بعض الاسئلة والحزورات والمقالب البليدة، تصاحبها، بقصد الدعاية الى بعض الشخصيات والجهات والشركات، توزيع بعض من الهدايا المنتزعة اموالها من فتات الارباح الضخمة التي تجنيها شركات الهواتف والفضائيات، وما يمن به العديد من "القطط السمان" و" العتاوي الجدد" أمثال سعد البزاز والحشلوك والكابوني، من اصحاب الشركات ومسيري القنوات الفضائية المتاجرة بعوز وحاجة الفقراء من ابناء العراق.
ذلك جزء من المشهد الرمضاني السائد طوال شهر رمضان في دولة الخروف الأخضر ، حيث يحاول القائمون على الاعلام الحكومي والتجاري التغطية المستمرة وعلى مدى ساعات النهار والليل و ببلادة وغرور ولا مبالاة على حجب نقل المشاهد الدموية الكارثية التي تكتسح مدن العراق من اقصاه الى اقصاه والوضع المزري الذي يعيشه شعب العراق.
وسط هذا الصمت الاعلامي المطبق للتغطية على الاحداث الدموية والأمنية الجارية في بلادنا غابت التغطيات التلفزية والإعلامية الاخرى الموضوعية عن نقل مشهد الحدث العراقي الكارثي ، بكل جوانبه، وغابت كامرات الشاشات التلفزيونية عن تغطية الاحداث ، كما يفرض عليها قسم وشرف مهنة الاعلام الحر والنزيه.
الملاحظ ايضا انه لم تعد اسماع العراقيين تنصت بعد اليوم الى نعيق البوم السلطوي ومصادر ابواقه في الميكروفونات من امثال علي الدباغ ومحمد العسكري والعطا المكصوصي، وغيرهم من المتقولين بالوظيفة الاعلامية، كناطقين إعلاميين رسميين، يتحدثون بلسان المالكي وحكومته.
وكما سكت مستشاروا " دولة ابو النور" من امثال الموسوي والأسدي، ويبدو انهم إما يقضون ايامهم الاخيرة للنقاهة خارج العراق او هم لاهون بتفقد حجوم حسابات بنوكهم ورصيد سرقاتهم من قوت العراقيين ونقل ثروات البلاد المنهوبة الى الخارج، كما فعلت حنونة دولة القانون الفتلاوية بتحويلاتها لثلاثة ملايين دولار بسحبة واحدة لايداعها في احد بنوك دبي، ومن دون فائدة، وقبلها كان السبق لرئيس كتلتها النيابية المدعو خالد العطية الذي ذهب مهرولا بملايين الدولارات الى لندن ويصنع فضيحة في مطارها ، وكل هذه التصرفات غير المتزنة حتى في عالم السراق واللصوص تبدو انها تتم على عجالة باحتمال السقوط واستعدادا لظروف ما، بات هؤلاء النواب يتحسسونها ويستشعرون بها قبل الاستعداد النهائي للهروب من العراق.
ومن لم يسافر منهم ذهب ليتسلى بالحضور في تسجيل البرامج التلفزيونية، مثل برنامج "السيد الرئيس" الذي ينشطه أخيرا محمود المشهداني لقناة الشرقية، جامعا فيه " شلة الانس البرلمانية " من سقط المتاع من ممثلي كتلات النوائب من الفاشلين واللصوص ومطايا العملية السياسية الذين سبق ان إستحمرهم سيدهم اليانكي بول بريمر وتركهم بعد مغادرته للإيجار السياسي والطائفي لتركبهم ايران حاليا.
قناة الحشلوك البغدادية، التي عودتنا كغريمتها الشرقية في الاشتغال والتنافس حول فضائح البازار الاعلامي، أطفأت انوارها هذه المرة وزجت بضيوفها، وفق سيناريو لمزحة ثقيلة، وفي ظلمة دامسة وسمت برنامجها الرمضاني المسمى " هندس"، وكأن العراقيين لم تكفيهم ظلمات السجون والجوع والتشرد وانقطاع الكهرباء وانسداد كوة الامل امامهم في الانفاق المعتمة الذي وضعتهم بها العملية الاسترزاقية السياسية الجارية ، ليصبح ضيوف قناة البغدادية المُستدرجين بغفلة مُحكمة الى الاستوديو المُظلم ليكونوا اضحوكة لكوميديا سوداء سمجة يجري فيها الاستغفال والضحك عليهم وهم يتخبطون ويصرخون وسط الظلمة بين الافاعي والقنافذ والفئران.
اما الآخرين من ضيوف البغدادية فقد وفر لهم السيد الحشلوك وأدواته امثال المنافق عماد العبادي طبقا دسما من المنادب والبكائيات على أطلال الماضي والحاضر، واستدراج البعض في محاولات الرضوخ لتقديم بعضا من الاعترافات الكاذبة او نقد الخصوم وحتى الحلفاء تحت الحاح الابتزاز الاعلامي المباشر لتتسلى البغدادية في مقتطفات أخبارها ومواجيزها لتكرار مختارات من سقطات الكلام وفقرات من تلك الثرثرة غير المنضبطة الغائب عنها تماما اصول وتقاليد وآداب الحوار الإعلامي النزيع عن المقاصد المسبقة، وبعدها يتم تناول مشويات السحور السياسي الحشلوكي بانتظار سحور آخر.
عماد العبادي، الأخير، الممتلأ رعبا هذه الأيام، نراه وعلى المباشر، وهو يتلفت يمنة ويسة، يتسمع ويتحدث عن اصوات الإنفجارات من كل صوب يحيط به ببغداد الجريحة المنكوبة بالارهاب بكل انواعه ، فرضت عليه الظروف الامنية المتقهقرة ان يستقبل بدائل لضيوف حصته من امثال واثق البطبوط وصهيب البلعوط ، لكي يقدمهما كنماذج بائسة لممثلي سلفيات الشيعة والسنة البلداء، وكأنه يُقسم الرأي العام الى بلادنا الى حالتين لا غيرها في الانقسام المذهبي والطائفي من خلال امثال هؤلاء المرتزقة المتحدثين دون خجل باسم الطوائف التي لم توكلهم يوما أمورها.
عماد العبادي، اصابته الهستيريا والرعب والخوف من التصفية الجسدية بعد ان هددته اجهزة دولة الخروف الاخضر، وقد ظل يصرخ لدقائق خلال تقديمه الحصتين الأخيرتين، وفي كل مقدمة وافتتاح لحصة "سحور سياسي" ظهر يستنجد ويبكي ويعلن عن الثبور وعزائم الامور، ويتساءل وبتركيز واضح عن سر غياب "الناطور"، ووصل به الامر مذعوراً، ان كلف نفسه، متجاوزا أهداف حصته التلفزية المباشرة ، ان بنقل اخبار انفجارات بغداد الدموية والعاجلة خلال تقديم الحصة ، وحتى انه كلف نفسه الاعلان عن الهجوم الأخير على سجن ابو غريب والتاجي وعلى المباشر، ظنا منه ان المدعو " ابو النور الاخضري" بصفته "الناطور" العام للقوات المسلحة الانكشارية لا يعلم بما يجري من حوله في محيط دولة الخروف الاخضر بكرادة مريم، التي كانت تواجهها تماماً على الضفة الاخرى من دجلة الصابر كامرات قناة البغدادية. حتى ان العبادي أمسى يذكر وينقل الى "الناطور" بهروب أحد رجاله المدعو الفريق الغنام الى خارج العراق، وفعلا هرب الغنام من دون استشارة قطيعه من بقية خرفان العملية السياسية وعساكرها الانكشارية.
من مؤشرات الانفلات الامني الشامل هو اختفاء وجوه السيرك السياسي عن حفلات الولائم وولائم الافطار والسحور المعتادة كل عام التي كان يحج اليها المتزلفون والتبع والاعلاميون، وتتبجح بها كرامات ولائم آل حكيم وآل صولاغ وآل جعفري، وآل اعرجي وآل صدر،وحتى صالونات النائبات في النوائب مثل آل سهيل والتحقت بهم جميعا ولائم السفارات الامريكية والايرانية، إحتفاء بتعظيم رمضان الرسمي المطلوب في خيمة دولة الخروف الاخضر والمنطقة الخضراء.
ان المدعوين لحضور "سحور سياسي" باتوا يتهربون حتى من الوصول الى شارع ابي نؤاس، حيث يقع مكتب قناة البغدادية للمشاركة في البرنامج الذي يحاولون من خلاله التفريغ عن كثير من فضائح خصومهم وحتى حلفائهم ، الحالة هذه دعت القائمين على اعداد برامج البغدادية ان يقدموا ضيوفا طارئين، وعلى طريقة اعداد مطاعم ماكدونالد في" الوجبات السريعة" وفعلا تم تقديم بعض الضيوف على طريقة "المشوي" او "المسلوق" : "وعلى الحاضر كما يقال، وان يقدموا للمشاهدين أي" هلفوت سياسوي وبأي عنوان"؛ لكي يصبح ضيفا مُستخلفاً على الحلقة، مستخلفا لآخر من المسؤولين الهاربين والمذعورين، وقد يكون قد اعد العدة للهرب خارج العراق، ربما قد وصل الى الملاذ الآمن، الخليجي او التركي او الاردني او الأوروبي، كل حسب ضماناته او اعتقاده وجواز سفره الثاني والثالث.
منهم من تحاشى حتى المشاركة في الحصة أو تسجيلها من داخل بيته ، كما يفعل بعض "السادة" و " العلاوي" و "النواب" هذه الايام لاستعراض، وبشراهة التباهي بالمظاهر التي تعكس حالة رفاهيتهم وتقديم صورة عن مدى غلاء أثاث بيوتهم وقصورهم الفارهة، كاستفزاز وقح للجمهور والمشاهدين. يفعلون ذلك عن تعمد، وهم يعلمون ان تلك البيوت التي يسكنوها قد تم نهبها واغتصابها من أصحابها الشرعيين، وهم قد استوطنوها مع الغزاة منذ عشرة سنوات فتسببوا في تشريد اسرها وأهلها، بحجة انها تعود الى" حواسم" رجال العهد الوطني السابق، او لمواطنين آخرين جرت تصفيتهم جسديا أو تهديدهم وطردهم من بيوتهم واجبارهم على مغادرة وطنهم العراق.
هذه احوال دولة "ابو النور الاسلامية الخضراء" وحال رجالها ونسوانها وصعاليكها و "نواطيرها" . اليوم تبدو كقاع صفصف، وهي ساكتة، ويلفها صمت القبور، تاركة لأبواق البوم الاعلامي المشؤوم والقائمين عليها، ان تعلن في أية لحظة حالة الانهيار التام المرتقب .
يقينا سيحدث هذا في أحد أيام هذا العام، ووسط هذا الركام تتناوب العراقيون هواجس شتى حول المستقبل، ولكنهم وصلوا الى قناعة ان القادم مهما كان لن يكون بحجم المآسي التي مرت على شعب العراق.
وعلى الضفة الاخرى لا يهم رعايا دولة الخروف الاخضر وحكامها وناطورها، بعد اليوم ان تصل الكهرباء الى خارج محميتها الخضراء، او ينقطع الماء عن سكان أحوازها ببغداد او المحافظات؛ طالما ان "حبايب" العملية السياسية باتوا ينفرطون يوما بعد يوم أو رويداً رويداً وينسلخون عن حبل مسبحة كبيرهم "ابو النور الأخضري" راعي دولة الخروف الاخضر، هذه الدويلة الآيلة بسقوط الإعتلاف الطائفي وحماته في الداخل والخارج.
ولم يعد الطريق أمامهم سالكا للوصول برا او جوا الى مرقد السيدة زينب في أحواز دمشق الصابرة والى دروب بلاد الشام الثائرة ففقد فعلوا بأهلها ما فعلوا بشعب العراق .
ان غدا لناظره قريب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق