وجهات نظر
هيفاء زنكنة
أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها من تصاعد العنف في "كيف أنه سيهدد مستقبل العراق"، حسب تصريح باسم الخارجية الأمريكية، يوم الاربعاء الماضي. وأضافت المتحدثة إن "الحكومة العراقية أعربت أيضا عن قلقها العميق إزاء مستوى العنف في سوريا والعناصر المتطرفة العنيفة التي قد تسعى للاستفادة من الوضع في سوريا لتأجيج العنف في العراق".
الملاحظ في الشهور الأخيرة، إعلاميا، ان كل ما يحدث في العراق، اليوم، بات ملتصقا كالتوأم السيامي بما يسمى حينا "الأزمة" او "النزاع" أو "الحرب الأهلية" في سورية.
قصة جديدة تختلف عن القصص القديمة نوعا ما، تروى لتخدير الجمهور. وتنخرط الادارة الامريكية ومستخدموها من ساسة العراق في حملة اعلامية، مكثفة لترويج صورة مضللة عن البلدين، لخدمة مصالحهما عبر تغييب الاسباب. وكأن "العراق الجديد" كان يعيش فردوسه المفقود قبلها، متناسين ان أبواب الجحيم قد فتحت، في العراق، يوم غزوه واحتلاله منذ عشرة اعوام وليس يوم بدء الانتفاضة الشعبية في سورية، منذ عامين، وما تلاها من تحولات. من البديهي، عند الكتابة عن اوضاع بلد ما، تقديم صورة كاملة عن العوامل الداخلية في البلد المعني وارتباطها بالعوامل الخارجية، الا ان كارثة الوضع العراقي لا تعزى الى الوضع السوري فقط ولا ترتبط به بالطريقة التي يراد تصويرها اعلاميا ودعائيا. ان الجحيم العراقي يرتبط بساسة فتحوا ابواب وطنهم للغزاة اولا ثم استساغوا نهبه وتقطيع اوصاله طمعا وفسادا وولاء لحكومات أخرى، ثانيا. ويتم كل ذلك، امام أعين العالم جميعا، تحت شعارالديمقراطية ومحاربة الارهاب.
تفجيرات ارهابية، حملة اغتيالات منظمة، فساد، قلة الخدمات، واستمرار سقوط الضحايا بين قتيل وجريح . بعض المدن تحيط نفسها بخنادق لحمايتها وأخرى تتقلد الصحوات، بينما تنعم البقية بالقوات الخاصة والميليشيات وفرق عسكرية تدين بولائها لمن نصبوا أنفسهم زعماء للطائفة والعرق، وهي عناوين إفتراضية لخيوط متداخلة من نسيج إجتماعي يجري تمزيقه بالقوة والمال، وكلاهما الآن عراقيان.
هذا هو واقع الحال في العراق، حيث يتساقط الضحايا، يوميا، ويعيش الاحياء جحيم المعاناة اليومية بينما ينعم الساسة بمكيفات الهواء واموال واثاث الذوق المبتذل (هل لاحظتم كيف يغطسون في الأثاث الضخم المذهب اثناء المقابلات التلفزيونية؟) في المنطقة الخضراء. كل هذا مستمر بلا انقطاع منذ دخول قوات الاحتلال الهمجية، فلم ربطها بسورية؟
المنظمات الدولية تحذر من حرب أهلية لفرط استشراء العنف وهو الأسوأ منذ عام 2006. حيث بلغ عدد القتلى، وفقا لأرقام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، 761 قتيلاً بينما أُصيب 1771 آخرون بجروح في حزيران/يونيو. وبلغ مجموع الضحايا خلال الشهور الاربعة الاخيرة ما يقرب من 3 آلاف شخص وأكثر من 7 آلاف جريح. وحسب يونامي "ان الارقام الواردة في هذه الإحصائيات محافظة وقد لا تعكس الأعداد الحقيقية للقتلى والجرحى من المدنيين لأسباب مختلفة".
المنظمات الدولية تحذر من حرب أهلية لفرط استشراء العنف وهو الأسوأ منذ عام 2006. حيث بلغ عدد القتلى، وفقا لأرقام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، 761 قتيلاً بينما أُصيب 1771 آخرون بجروح في حزيران/يونيو. وبلغ مجموع الضحايا خلال الشهور الاربعة الاخيرة ما يقرب من 3 آلاف شخص وأكثر من 7 آلاف جريح. وحسب يونامي "ان الارقام الواردة في هذه الإحصائيات محافظة وقد لا تعكس الأعداد الحقيقية للقتلى والجرحى من المدنيين لأسباب مختلفة".
ما هو تقييم الحكومة “الديمقراطية” لما يجري؟ يقول وزير الخارجية هوشيار زيباري ان الوضع يختلف عما كان عليه اثناء الاقتتال الطائفي في السابق. ويطمئن الجميع قائلا: "ان العراق كان قد شهد أسوأ مما هو فيه الآن". ولم يتوان زيباري في مقابلته، مع قناة السي أن أن الامريكية، من التحسر على غياب المساعدة الأمريكية قائلا: "ان ما ينقص السياسيين هو انعدام وجود ثقة وإيمان في ما بينهم… اننا فقدنا الخدمة التي يقدمها وسيط نزيه. ففي السابق، كان هذا الوسيط ممثلا بالولايات المتحدة". ولا ادري ما الذي يعنيه زيباري بفقدان خدمة الوسيط، وهناك ما يزيد على الخمسة آلاف أمريكي المقيمين على مقربة منه ومن كل الساسة العراقيين في المنطقة الخضراء، بالاضافة الى "المستشارين" الذين يلتقون بهم بشكل دوري وفق معاهدة الإطار الاستراتيجي. فلمن يبيع وزير الخارجية نعومة خطابه؟
الى العراقيين الذين يعيشون نتائج الاحتلال يوميا أو الولايات المتحدة، التي عانت الأمرين من هزيمتها على يد المقاومة في العراق وأصبحت، تفضل ترك الأمور على رسلها، مكتفية بأبقاء العراق ،كما هي سوريا، ومصر وغيرهما، دولا مخصية تصارع ذاتها وتستمر في نزيفها الداخلي بدون جهد خارجي إضافي الا عند الحاجة؟ وما دامت خطة التفتيت ثم الإهمال قد نجحت في يوغسلافيا التي أصبحت ست دويلات متنافسة في كسب ود الغرب، فلم لا يترك العراق لتفتته بنفس المنطق؟
لا يغرد زيباري خارج سرب ساسة "العراق الجديد" حين يلتقي احدهم باجهزة الاعلام الغربية. فهم أمام العالم وبعيدا عن شارعهم، يقومون بتشذيب لهجتهم، وابداء التفهم، والتقليل من عدوانيتهم، والكف عن اطلاق التهديدات التي لا يجدون غضاضة في اطلاقها ضد شعبهم عند اجراء مقابلة مع الاعلام العراقي او العربي.
حاول زيباري ان يبدو معقولا في تحليله للوضع القائم عن طريق القاء اللوم على الساسة الاخرين (كأنه ليس وزير خارجية بل كاتب قصة قصيرة) ولم يتوان عن استخدام مسطرة قياس تضليلية عندما قارن الوضع الحالي بعامي 2007 و 2008 . لذلك بات، حسب المنطق الانتقائي الملتوي الشائع، قتل 761 مواطنا وجرح 1771 مواطنا شهريا افضل من قتل حوالي ألف مواطن. لتصبح قيمة حياة الانسان مقاسة لا بكينونته كفرد له حق الحياة بل باحصائيات لامعنى لها. واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار عدم تقديم اي مسؤول حكومي الى القضاء او مساءلة ايا منهم بدءا من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء حول التفجيرات الارهابية (كم قبضوا من صفقة اجهزة كشف المتفجرات الوهمية؟) وجرائم القتل والمذابح الجماعية (مثالها مذبحة الزركة وضحاياها حوالي 800 مواطن ومجزرة الحويجة وضحاياها 54 قتيلا)، لوجدنا ان حجم التضليل والتعامي عن المساءلة، تجاوز حدود اجراء المقابلات التلفزيونية وبرامج تبادل الاتهامات والتناوب على صعود منصة ملهاة البرلمان، ليصبح اشتراكا في جريمة ابادة تشنها السلطة بشكل مشرعن. مما يذكرني بمقولة المفكر الفرنسي فولتير عن الحرب. فـ"القتل ممنوع ولذلك تتم معاقبة كل القتلة الا اذا كانوا يقتلون أعدادا كبيرة وعلى صوت ابواق الحرب".
ان مخاوف المنظمات الدولية حول احتمال نشوب حرب طائفية اهلية وارد فعلا ويعكس مخاوف العراقيين التي باتت جزءا لايتجزأ من واقعهم . فما ان تسال عراقيا عن آماله في المستقبل حتى يقول: "الأمان والاستقرار". ثم يستطرد قائلا: "كلنا عراقيين … لافرق بيننا. عسى ان يهدي الله تعالى السياسيين". ان تكرار العراقيين لهذه الجملة يشير الى رغبتهم في ابعاد تهمة لاتليق بكونهم عراقيين، وهي تهمة الطائفية المقيتة التي خطط لها الاحتلال وسقتها الانظمة المتعاقبة. أو لعلهم يكررون هذه الجملة كمن يرتدي تعويذة تقيه شر وقوع ما يخشاه. اذ ان تاثير التخطيط لتنمية الطائفية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، بات واضحا وكرسه النظام الطائفي، الحالي، بابشع صوره كمؤسسة لايمكن الاستغناء عنها عمليا مع التظاهر بالوطنية ظاهريا. وهي خطر حقيقي يعرف الوطنيون جيدا صعوبة التخلص منها مع ازدياد العنف والمعاناة والتضليل اليومي. فمع المعاناة ينمو الشك والخوف من الآخر.
وكما يعتبر البعض بناء خندق حول مدينة كركوك، في الشمال، حماية لسكانها من العنف، تنمو لدى الافراد حواجز داخلية تمنعهم من لقاء الآخرين، فتزداد الخنادق عمقا، والمخاوف والشكوك والاتهامات ضخامة. وتزداد الفرقة ويكرس النزاع مهما كانت بداياته وهمية. مما سيتطلب عقودا وعقودا لتنقية الاجواء وازالة الاوهام. ان تكرارنا لمقولة "كلنا عراقيون … لافرق بيننا" ضرورية لنتجنب السقوط في فخ الطائفية، ولنحفر بيننا وبين الساسة الطائفيين خندقا عميقا يعكس عمق مشاعرنا تجاههم. والاكثر اهمية من ذلك هو وقوفنا، سوية، بوجه النظام الفاسد وسياسته الطائفية، بكافة اشكال ومستويات المقاومة الممكنة، لأن كل يوم يمر على وجوده، كما هو، سيزيد من صعوبة تحقيق المساواة والعدالة على مدى اعوام.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق