هذا المقال وثيقة تاريخية نرد بها على كل المتقوِّلين الناعبين بشأن سيادة العراق وخروجه من الفصل السابع، وهي الفرية التي تحاول حكومة الاحتلال الحالية تسويقها وبيعها على المساكين محدودي الاطلاع في العراق وفي العالم.
في هذا المقال الوثيقة، يكشف الدكتور عبدالواحد الجصاني الخبث الإجرامي لعملاء آل صباح والغباء المفرط والتفريط الواضح بحقوق العراق وشعبه، لدى العملاء المتحكمين بالعراق، كما يفضح كيف ان المسمى هوشيار زيباري بات (صباحياً) أكثر من آل صباح أنفسهم، وربما كان ذلك بسبب الرشاوى التي تتدفق على أركان السلطة العميلة المجرمة من أراذل الكويت.
أليس الصبح بقريب: قراءة في تداعيات قرار مجلس الأمن 2107
وجهات نظر
عبدالواحد الجصاني
أولا : مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون – البقرة 9)
ليس في العالم حكومة أكثر إنحطاطا وخسّة وغباءً من حكومة العراق المحتل، وظهر هذا الإنحطاط في أجلى صوره عندما ملأت الدنيا ضجيجا مدعية أنها ستخرج العراق من (البند السابع) الذي (كبّل حركته وأعاق تقدمه ومنعه من اللحاق بركب الأمم المتحضرة)، ثم جاء قرار مجلس الأمن 2107 في 27/6/2013 ليكشف أنها باعت لشعب العراق أوهاماً وأن القرار صيغ وفق رغبات الكويت وفيه تفريط جديد بحقوق العراق ومصالحه وإكتفى المالكي وزيباري ورهطهم بالتطبيل للقرار وهم لا يعرفون ما جاء فيه.
وقبل أن نستعرض ما في القرار 2107 من مضامين لا بد من إستذكار حقيقة أقرها فقهاء القانون الدولي وهي أن الإجراءات القسرية والإنتقامية التي فرضت على العراق في قرارات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع تمثل إنتهاكا صارخا للقانون الدولي وخرقا لأكثر من 25 مبدأ ومادة في ميثاق الأمم المتحدة وتسببت في جرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية إرتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وأول هؤلاء الحلفاء هم حكام الكويت، وأن هذه القرارت غير واجبة التنفيذ بموجب القانون الدولي وبموجب شرائع حقوق الإنسان، وإن الموقف الوطني العراقي منها هو المطالبة بإلغائها وإسترداد الحقوق العراقية التي إستباحتها هذه القرارات، بدءا بمحاكمة مجرمي الحرب وفي مقدمتهم بوش الأب وبوش الإبن ومادلين أولبرايت وشيوخ آل الصباح، وتعويض شهداء العراق نتيجة الحصار وإعادة ترسيم الحدود ثنائيا مع الكويت وإستعادة مبالغ التعويضات المجحفة التي أخذت من أموال شعب العراق ومحاسبة لجان التفتيش على إستخدامها الأمم المتحدة غطاء لتدمير قاعدة العراق العلمية وخلق الذرائع لإستمرار الحصار، وإن أي تنازل عن هذه الحقوق أو بعضها هو جريمة خيانة كبرى بحق العراق.
ثانيا : مضامين القرار1207 في 26/6/2013
1 - مضمون القرار الرئيسي ورد في الفقرة العاملة الثالثة منه والتي قرر فيها المجلس، بموجب الفصل السابع من الميثاق، إنهاء التدابير الخاصة بالمفقودين والممتلكات الكويتية الواردة في قرارات مجلس الأمن 686 (1991) و687 (1991) و1284 (1999)، وتكليف الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق بالمهمة.
وإذا عرفنا أن مهمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة حددت بشكل تفصيلي بقرار مجلس الأمن 1546 في 8/6/2004 المعتمد بموجب الفصل السابع، تتضح اللعبة الكويتية بإخراج ملف المفقودين والممتلكات من الفصل السابع وإدخاله فيه من باب آخر!
والأدهى من ذلك إن مهمات الممثل الخاص للأمين العام فريدة في تدخلها في الشأن الداخلي العراقي، وهي تشبه مهمات (المندوب السامي) فهو يتدخل في كل شيء بدءا من شكل (العملية السياسية) و (الإنتخابات) و (المصالحة الوطنية) مرورا ب (المساعدة في مجال توفير الخدمات المدنية والإجتماعية) و (تعزيز حماية حقوق الإنسان) و (الإصلاح القضائي) وصولا إلى (المساعدة في إجراء تعداد سكاني). وبدلا من تقليل هذه المهام التدخلية، أضيف لها الآن البحث عن الرعايا الكويتيين والبحث عن إرشيف الكويت في العراق.
2 - في فقرته التمهيدية الثانية قال القرار (وإذ يسلّم بأن الحالة القائمة في العراق حاليا تختلف كثيرا عن الحالة التي كانت قائمة وقت إتخاذ القرار 661 لعام 1990وإذ يسلّم كذلك بأهمية إستعادة العراق المكانة الدولية التي كان يتبوؤها قبل إتخاذ القرار 661 لعام 1990).
والملاحظ هنا أن دخول العراق في إجراءات الفصل السابع بدأ بالقرار 660 الذي أدانت فقرته العاملة الأولى غزو العراق للكويت وطلبت فقرته العاملة الثانية من العراق (بأن يسحب قواته فورا ودون قيد أو شرط الى المواقع التي كانت تتواجد فيها في الأول من آب 1990)، فلماذا قررت الكويت تجاهل القرار 660 كأول قرار ضد العراق صدر بالفصل السابع؟
السبب هو أن القرار 660 تضمن فقرة لا تريد الكويت ذكرها أو ان يطالب أحد بتنفيذها، وهي الفقرة العاملة الثالثة التي تقول (يدعو العراق والكويت الى البدء فورا في مفاوضات مكثفة لحل خلافاتهما)، أي أن هذه الفقرة المعتمدة، بموجب الفصل السابع من الميثاق، تقرّ بمبدأ التفاوض الثنائي لحل الخلافات، وأول هذه الخلافات بين العراق والكويت هي الخلاف على الحدود.
ومن جانب آخر فإن الفقرة العاملة الثانية من القرار 660 تعتبر الحدود القائمة في الأول من آب 1990 هي الحدود القائمة بين البلدين، وهذا يعني أن إعادة تخطيط الحدود من قبل مجلس الأمن جاء مخالفا لنص هذه الفقرة، لذلك يسعى الكويتيون لإلغاء الإشارة الى القرار 660 ومضامينه.
3 – هناك مفارقة غريبة في القرار 2107، فهو قرار معتمد بموجب الفصل السادس لكن فقرة واحدة منه (الفقرة العاملة الثالثة) إعتمدت بموجب الفصل السابع، وهذه حالة فريدة في قرارات مجلس الأمن بسبب أن موضوع (الإنتقال من الفصل السابع الى الفصل السادس) هي هرطقة إبتدعتها حكومة الكويت وكان مطلوبا تكييف القرار بموجبها، فالممارسات المعتادة في مجلس الأمن أن إجراءات الفصل السابع ترفع بعد إستنفاذ أغراضها لا أن تنقل من فصل الى فصل.
4 - أرفق بالقرار 2107 رسالتان من نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي مؤرختان 30/5/2013 ورسالتان من رئيس وزراء العراق المحتل نوري المالكي ومن وزير خارجيته زيباري مؤرختان على التوالي 7/5/2013 و 30/5/2013.
القرار رحب في فقرته العاملة الأولى بهذه الرسائل وهذا يعني أن مضمون هذه الرسائل اصبح جزءا من مضمون القرار.
الرسالتان الكويتيتان تضمنتا أمرين رئيسيين:
الأول: شروط الكويت لنقل ملف المفقودين والممتلكات الى (الفصل السادس) وهذه الشروط هي:
- عدم إغلاق الملف بإنتهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق في المستقبل.
- تقديم تقارير دورية من الأمين العام الى مجلس الأمن عن تنفيذ ولاية ممثله الشخصي في العراق بشأن المفقودين والممتلكات.
- تعيين مسؤول متفرغ من بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق توكل له مهمة هذين الملفين.
وواضح أن هدف هذه الشروط هو (تأبيد) ملف (المفقودين والممتلكات) كإلتزام على العراق حتى يرث الله الأرض ومن عليها رغم أنه ملف أنجزت متطلباته الأساسية كما أوضح ذلك في مقاله التوثيقي الدكتور ناجي صبري وزير خارجية العراق قبل الإحتلال، وبعد التحرير بعون الله. (ملاحظة من الناشر:راجع الرابط هنا)
الثاني: إعلام مجلس الأمن أن حكومة العراق وقعت مع حكومة الكويت مذكرة تفاهم بإنشاء لجنة ثنائية تتولى ترتيبات صيانة التعيين المادي للحدود بين الطرفين تنفيذا لقرار مجلس الأمن 833 (1993) وأن حكومة العراق وافقت على تسلم مبالغ التعويضات المستحقة للمزارعين العراقيين تنفيذا للقرار 899 (1994).
وهذا التوثيق لمذكرة التفاهم في قرار مجلس الأمن 2107 أرادت الكويت منه أن تجعل مذكرة التفاهم ملزمة كتعهد ثنائي وكإلتزام دولي في نفس الوقت، وزادت عليه بإن أودعت نسخة من مذكرة التفاهم لدى الأمم المتحدة وفقا للمادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، وهنا أيضا يبرز الخبث والمكر الكويتي، فالمادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة تقول (كل معاهدة وكل إتفاق دولي يعقده أي عضو من اعضاء الأمم المتحدة بعد العمل بهذا الإتفاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقوم بنشره باسرع ما يمكن، وليس لأي طرف في معاهدة أو إتفاق دولي لم يسجل وفقا لهذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الإتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة). ومذكرة التفاهم الموقعة بين وزير خارجة الكويت صباح خالد الصباح وهوشيار زيباري في 28/5/2013 لا ترقى إلى مستوى المعاهدة أو الإتفاق الدولي ولا حجيّة لها في القانون الدولي كونها لم تقترن بموافقة السلطات التشريعية في البلدين.
ومن المثير للسخرية أن مبلغ التعويضات عن الأراضي والمزارع والممتلكات العراقية التي ضمّت للكويت بموجب ترسيم مجلس الأمن للحدود يبلغ مليون وأربعمائة الف دولار فقط!! وكانت حكومة العراق الوطنية قبل الإحتلال ترفض إستلامه كونه تعبير عن موافقة العراق على الترسيم الجائر للحدود لكن حكومة العراق المحتل إستلمته لتثبت خضوعها لكل ما يضر بمصالح العراق.
أما رسالة نوري المالكي فقد أكّد فيها حرص حكومته (على تنفيذ كافة الإلتزامات المفروضة على العراق من قبل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وخاصة ما يتعلق منها بتنفيذ القرار رقم 833).
فهل هناك، في العالم كله، سياسي مغفّل وأخرق بهذه الدرجة؟ فإذا كانت القرارات كافة واجبة التنفيذ عليك وعلى حكومتك فما الضير من بقائها في الفصل السابع وأين هي الفائدة من الخروج من الفصل السابع والنزول ضيفا على الفصل السادس؟
ثم ألم يسمع المالكي بموقف إيران، راعية عمليته السياسية، وهي تقول جهارا نهارا وتقرن القول بالفعل أن قرارات مجلس الأمن بشأن برنامجها النووي والصادرة بموجب الفصل السابع (وعددها ستة قرارات) هي قرارات )غير قانونية ولا قيمة لها وينبغي إلقاؤها في سلة المهملات مثل المناديل المستعملة -تصريح أحمدي نجاد في 10/6/2010)، وإيران تواصل رفض تنفيذ هذه القرارت وتتفاخر بذلك امام العالم كله، فلماذا لا يحذو حذوها؟ أم أنه يقرّ بلا شرعية قرارات مجلس الأمن بشأن إيران التي حارب بجانبها ضد العراق في حرب الثماني سنوات ويحترمها عندما تتعلق بالعراق كون هذا الإحترام يجلب له ولحزبه الرشاوى الكويتية ويذر الرماد في عيون العراقيين!
أما رسالة زيباري المشار اليها أعلاه فقد كرر فيها خطاب رئيس وزرائه، وأشار الى ملف المفقودين الكويتين وأسماه (ملف الأسرى والمفقودين الكويتيين)، بينما رسالة وزير خارجية الكويت أسمته (مسألة المفقودين من الكويت ومن رعايا البلدان الثالثة)، أي أن هوشيار زيباري كان صباحياً أكثر من آل صباح وأقرَّ بأن الملف يتضمن أسرى كويتيين، بينما ملف الأسرى أغلق منذ سنين طويلة وأقرَّت الكويت بذلك وحذفت كلمة (أسرى) من توصيفها للملف.
ثالثا: ملاحظة ختامية
يتساءل بعض الوطنيين العراقين، بإستنكار، عن موعد إنفجار غضبة شعب العراق على هذه الفئة العميلة الفاسدة التي تسومه سوء العذاب وتقتّل أبنائه وتستحيي نسائه وتبيع أرضه، وأقول إن شعب العراق العظيم يخوض منذ عام 1980 واحدة من أكبر معارك التاريخ ضد الطغاة، كللها بالإنتصار على العدوان الإيراني ثم بالصمود بوجه العقوبات الشاملة والعدوانات المتكررة ثم بهزيمة الإحتلال الأمريكي وإسقاط نظام القطب الواحد الدولي، وهو في سبيله لهزيمة بقايا مشروع الإحتلال، وشعب العراق العبقري يختزن الغضب وستأتي ساعة الإنفجار قريباً، فهذه شيمة العراق، ولنردد مع شاعرنا بدر شاكر السياب :
أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود
ويخزنُ البروقَ في السهولِ والجبال
حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال
لم تترك الرياحُ من ثمود
في الوادِ من أثر
مطر .. مطر .. مطر.
والله المستعان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق