وجهات نظر
عبدالكريم بدرخان
يصعب علينا تعريف الطائفية، لأن التعريفات قيود ثابتة، بينما الواقع متغيّر ومتجدّد. يمكننا بطريقة ما- تمييزُ الطائفية عن غيرها، فالدين ليس طائفية، لأنه انتماء لعقيدة، بينما الطائفية انتماءٌ وتعصّب لمجموعة من البشر. مجموعة يتم تحشيدها غرائزياً، عن طريقة إثارة مخاوفها القديمة، وكل ذلك بغرض كسب ولائها السياسي. فالطائفية تعني الوقوف مع هذه الجماعة في الحق والباطل، وهي جماعة بشرية فيها المؤمن والملحد والصالح والطالح والنبي والمجرم. والطائفية تفرض الوقوف ضد الطوائف الأخرى، وهي مجموعات بشرية تضم المؤمن والملحد والصالح والطالح والنبي والمجرم أيضاً.
مقتطفات من حروبنا الطائفية: يرى بعض المفكرين إن عدم وصول المجتمع العربي إلى مفهوم العلمانية؛ يعود إلى عدم ظهور حروب دينية في المنطقة. في الحقيقة، لقد وقعت بعض الحروب التي تم فيها استغلال الدين وتسييس الطائفة، لكنها لم تترك أثراً كبيراً فيما بعدها.
كانت الحروب العثمانية- الصفوية خير مثال على الاستغلال السياسي للطائفة الدينية، فهي لم تكن حروباً دينية قطعاً، بل حروباً سياسية، تم استغلال العامل الطائفي فيها بغرض تحشيد الناس وزجّهم في الحرب. لكن هذه الحروب التي انتهت بسيطرة العثمانيين على الشرق الأوسط؛ لم تنتج مفهوماً جديداً للتعايش المشترك، مبنياً على المواطنة وحرية العبادة والاعتقاد، لأنها لم تكن حرباً أهلية، بل حرب دولتين متجاورتين. وقد قامت الدولة العثمانية بعد انتصارها- بفرض الدين الإسلامي السني الحنفي على المشرق العربي، مع ترك مساحة ضيقة للأديان والطوائف الأخرى.
كانت أحداث جبل لبنان بين عامي 1840 و 1860 أولى مظاهر الاقتتال الطائفي الأهلي في المنطقة، وكان ذلك بدفعٍ من الدول الاستعمارية الكلاسيكية التي راحتْ أصابعها تعبث بالدولة العثمانية أواخر أيامها. فقد تدخلّت روسيا بحجة حماية الأرثوذوكس، وغايتها الحقيقية هي الوصول إلى المياه الدافئة. وقامت فرنسا بالتدخل بحجة حماية الكاثوليك والموارنة، وغايتها الحقيقية هي منافسة بريطانيا على طريق الهند الذي يمر عبر أراضي الدولة العثمانية. فما كان من بريطانيا إلا أن تدخلتْ أيضاً في مواجهة فرنسا بحجة حماية الدروز. واللافت هنا هو عدم وجود أي ارتباط ديني بين الإنكليز والدروز، وهذا ما يثبت أن الفتنة الطائفية صراعٌ سياسي، وليست صراعاً دينياً. وقد انتهت هذه الفتنة التي امتدت من جبل لبنان إلى البقاع إلى دمشق؛ بقيام نظام المتصرّفية في جبل لبنان، وهو أول نظام طائفي تشهده المنطقة.
الأسباب التي أعادت الطائفية إلى الواجهة:
كانت أحداث جبل لبنان بين عامي 1840 و 1860 أولى مظاهر الاقتتال الطائفي الأهلي في المنطقة، وكان ذلك بدفعٍ من الدول الاستعمارية الكلاسيكية التي راحتْ أصابعها تعبث بالدولة العثمانية أواخر أيامها. فقد تدخلّت روسيا بحجة حماية الأرثوذوكس، وغايتها الحقيقية هي الوصول إلى المياه الدافئة. وقامت فرنسا بالتدخل بحجة حماية الكاثوليك والموارنة، وغايتها الحقيقية هي منافسة بريطانيا على طريق الهند الذي يمر عبر أراضي الدولة العثمانية. فما كان من بريطانيا إلا أن تدخلتْ أيضاً في مواجهة فرنسا بحجة حماية الدروز. واللافت هنا هو عدم وجود أي ارتباط ديني بين الإنكليز والدروز، وهذا ما يثبت أن الفتنة الطائفية صراعٌ سياسي، وليست صراعاً دينياً. وقد انتهت هذه الفتنة التي امتدت من جبل لبنان إلى البقاع إلى دمشق؛ بقيام نظام المتصرّفية في جبل لبنان، وهو أول نظام طائفي تشهده المنطقة.
الأسباب التي أعادت الطائفية إلى الواجهة:
1-سقوط المشاريع القومية العربية، وعجز مفهوم ‘العروبة’ عن صبغ المجتمع بلون واحد، وإلغاء الفروقات العرقية والطائفية فيه. وذلك لأن الخطاب القومي العربي جاء من منطلق إيديولوجي، لا من منطلق واقعي.
2- الأنظمة الاستبدادية القمعية التي سادت في النصف الثاني من القرن العشرين، والتي قيّدتْ الحريات إلى درجة منع الأحزاب، ومنع الأفراد من العمل السياسي، وحظْر مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك المنتديات الفكرية والثقافية. أي إفراغ المجتمع من كافة التنظيمات الأفقية التي يحتشد فيها الأفراد بعيداً عن انتماءاتهم العمودية، مما أدى إلى عودة الأفراد إلى انتماءات ما قبل الدولة: ( قبيلة- عشيرة- أسرة- إثنية- طائفة- مذهب).
3- صدمة الحداثة التي عاشها المجتمع العربي مع ظهور ثورة الاتصالات، واكتشاف العرب تأخرهم عن العالم الآخر، مما خلق حالة فصام بين الواقع العربي المزري والتاريخ العربي الإسلامي المجيد. وهذا ما أدى إلى ردّة دينية إسلامية عنيفة، قدمتْ خطاباً دينياً إسلامياً مخيفاً للداخل وللخارج.
4- غياب دولة القانون والمساواة، أدّى إلى انتشار ثقافة المؤامرة في المجتمع، وخاصةً عند الأقليات، التي غالباً ما يظهر عندها نوعٌ من البارانويا، حيث تشعر أحياناً بأنها مهددة بالإبادة من قبل الأغلبية.
5- حرب العراق وما تلاها من إقامة نظام طائفي لم يعرفه العراق عبر تاريخه. هذا النظام الذي نظّر له مستشرقون أمريكيون، يرون أن الطائفية حالة طبيعية في المجتمعات العربية، وداء لا دواء له.
6- صراعات الدول الإقليمية (دول الخليج- إيران- تركيا) على الشرق الأوسط، وقيامها بتحويل مناطق (العراق سوريا لبنان) إلى منطقة تصفية حسابات، وتحقيق مكاسب. عن طريق تأجيج الفتن الطائفية والعرقية في هذه الدول، بغرض تحشيد الناس ضد بعضهم البعض.
7- الخطاب الديني الطائفي، والخطاب السياسي الطائفي، والذي أصبح الإعلام العربي مرتعاً خصباً لهما. هذه الخطابات الخطرة لا يمكن التسامح معها أبداً، لشدة تأثيرها على الرأي العام، وخاصة على الجمهور غير المثقف.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق