وجهات نظر
مثنى عبدالله
دخل العراق تحت احكام البند السابع من ميثاق الامم المتحدة في العام 1990، وخرج منه في الاسبوع المنصرم، لكن الطريق الواصل بين الدخول تحت احكامه والخروج منها، الذي كان حافلا بالمآسي الانسانية والتطورات والاستحقاقات السياسية، لم يطو بعد، ولن يغادرنا في القريب العاجل. فالذاكرة العراقية لازالت محملة بالاسى من كل ذلك الجور الذي شارك فيه بفعالية حتى اصغر اشقائنا، واعداء وجدوا فيه فرصة سانحة لنهش اجسادنا وثرواتنا وسرقة اموالنا والقصاص منا بالباطل.
نعم نعمة النسيان مطلوبة خاصة بين الاشقاء، لكن الشعوب الحية هي التي تستفيد من تجاربها المؤلمة وتجعلها حافزا للنهوض.
المزايدات السياسية واقامة الاحتفالات المركزية بمناسبة اخراج العراق من الفصل السابع، هي شيمة الفاشلين المتسلطين على رقاب شعبنا، الذين يبحثون عن فرصة نصر كاذب.
استعرضوا تاريخ العراق من 2003 وحتى اليوم ستجدون فيه عشرات الايام التي قالوا عنها انها ايام تحققت فيها السيادة. فلحظة سقوط بغداد قالوا عنها يوم التحرير وعودة السيادة، وكذلك عند تشكيل مجلس الحكم الطائفي، ويوم افتتاح السفارة الامريكية في بغداد، ويوم تشكيل اول حكومة قالوا عنها عراقية، ويوم توقيع الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة الامريكية، ويوم هروب القوات الامريكية من العراق، والقائمة تطول حتى وصلنا الى يوم خروج العراق من احكام الفصل السابع.
هذه كلها محطات يراد منها بناء انجاز كاذب على ارض الواقع، لأن من يمتلكون السلطة والمال والمليشيات ليسوا رجال دولة، وبالتالي من المستحيل عليهم بناء منجز حقيقي، ولم يبق لديهم الا صناعة الوهم تشاركهم فيه قوى دولية كان لها القول الفصل في وجودهم في هذه المواقع السياسية.
ان الحقيقة المنطقية تقول بأن خروج العراق من الفصل السابع يكسبه جانبا ماليا وسياسيا.
في الجانب المالي كان لزاما على العراق ايداع وارداته المالية من بيع النفط في صندوق تنمية العراق التابع للامم المتحدة، التي كانت تستقطع منها نسبة 5% لدفع التعويضات للمطالبين، واليوم ستعود الاموال والواردات جميعها الى الخزينة العراقية، التي يتحكم بها ساسة نقلوا البلاد الى صدارة البلدان التي يتفشى فيها الفساد المالي وعمليات النهب المنظمة، كما سينطلق الكثير من المطالبات المالية كديون وتعويضات لشركات ومؤسسات واشخاص، وسيتعامل معها ساسة العراق بطريقة "كم تدفع كي اعطيك ما تريد"، حتى لو كانت تلك المطالبات هي عمليات نصب واحتيال. اذن ما الذي سيجنيه المواطن العراقي؟
اما في الجانب السياسي فبيان خروج العراق من الفصل السابع يؤكد اهمية استعادة العراق مكانته الدولية التي تعادل ما كان يتمتع به قبل العام 1990.
ان اية عملية مقارنة بسيطة بين اعوام ما قبل 1990 واليوم، تظهر لنا ان العراق كان يمتلك اقوى جيش في المنطقة، ومطبخا سياسيا واحدا، وخيمة وطنية واحدة، وكان يؤخذ رأيه في كل ما يجري في مشرق ومغرب الوطن العربي، باعتباره دولة اقليمية مهمة، بينما عراق اليوم لا يمتلك ايا من تلك العوامل الضاغطة في السياسية الدولية والاقليمية.
واذا كان الفصل السابع قد فُرض على العراق باعتباره "دولة مارقة تهدد السلم والامن العالمي والاقليمي"، كما قالوا، فهل عراق اليوم دولة قادرة على صيانة السلم والامن الاقليمي والدولي وتشترك في الجهد الجمعي لتحقيقه؟ وهل هو دولة قادرة على احتكار السلاح والقانون والسجون بصورة شرعية لنفسها؟
يقيناً ستكون الاجابة على هذه الاسئلة بالنفي المطلق، لأن البضاعة الطائفية المنتشرة في المحيط قد صُنعت فيه وتم تصديرها الى كل دول المنطقة، بعد ان وضعت الاحزاب الطائفية التي تسلمت السلطة يدها على مصادره المالية ومؤسساته السياسية والاعلامية والثقافية والعلمية، ثم سخرتها في هذا الاتجاه.
ألم تهدد المليشيات المتنفذة فيه دول الجوار العربي والاقليمي باطلاق الصواريخ عليها؟
ألم تخرج التظاهرات الطائفية ضد البحرين والسعودية وقطر ومصر مؤخرا، مدفوعة بفهم طائفي لتطورات سياسية في هذه البلدان؟
ألم تخرج التظاهرات الطائفية ضد البحرين والسعودية وقطر ومصر مؤخرا، مدفوعة بفهم طائفي لتطورات سياسية في هذه البلدان؟
ألم تشتك دول في المغرب العربي من استغلال الغطاء الدبلوماسي العراقي، لممارسة افعال طائفية تشجع على الفرقة والتناحر المذهبي؟
ولماذا تضع بعض دول الجوار العربي الاسيجة وتحفر الخنادق على حدودها مع العراق؟
أليست هذه كلها دلائل بينة على ان المنظومة السياسية العراقية هي مصدر تهديد وليس تعضيدا.
اذن نحن امام قرار لا يشكل اي علامة مهمة في ارض الواقع، لأن عودة العراق الى الساحة الدولية ليست مرتبطة فقط بهذا الرفع، بل بنضج القرار السياسي العراقي المرتبط عضويا بصُناع قرار سياسي لدول خارجية، كما يجب ان يكون مؤهلا عسكريا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا، كي يصبح ذا فاعلية في المحيط الدولي، وليس كحاله اليوم الذي يعيش منخفضا في كل شيء، مما جعله عرضة لتأثيرات الضغوط العالية.
حتى المواطن العراقي لن يجن شيئا من هذا القرار، فقد سبق لمجلس الامن ان ألغى قرار النفط مقابل الغذاء ولم يتحسن الوضع المعيشي للمواطن، بل ان التظاهرات عمَّت البلاد مطالبة بالابقاء على البطاقة التموينية وعدم إلغائها، لانها ابعدت العراقيين عن لصوصية المسؤولين وفسادهم الذي طال حتى الغذاء، وان تصريحات المسؤولين في الوزارات الخدمية اليوم، التي تؤكد على ان القرار سيسمح لهم باستيراد الادوية ورفع وتيرة التنمية والنهوض بالبنى التحتية كلها مزيفة، لأن العراق منذ الاحتلال وحتى اليوم ارتبط باقتصاد السوق العالمي وبإمكانه الحصول على ما يحتاج، من دون عوائق تذكر، لكن الفساد الاداري والمالي هو القوة الطاردة للشركات الرصينة من الدخول الى السوق العراقية.
فقد كان العراق تحت الحصار، لكنه كان قادرا على توفير ادوية ومستلزمات طبية وخدمية من مناشئ عالمية افضل بكثير مما يوجد اليوم.
نعم لقد كانت المعاناة العراقية كبيرة بسبب القرارات الاممية في الفصل السابع، وقد كنا نفهم جيدا اسبابها السياسية المرتبطة بإرادات خارجية لدول تدعي الانسانية. واذا كانت تلك القرارات قد انتهت بعد ان حققت الارادات الاجنبية مبتغاها منها، سياسيا واقتصاديا وامنيا واجتماعيا، فاننا يمكن ان نقول بأن العراقيين اليوم يخضعون بقسوة بالغة الى قرارات فصل سابع جديد اتخذته السلطات العراقية بحقهم، بعد ان اعتبرتهم شعبا مارقا يهدد المنطقة الخضراء والعملية السياسية وشخوصها.
انه فصل سابع آخر تحاكي اجراءاته بشكل متطابق كل القتل المباشر وغير المباشر، الذي تم سابقا بالقصف الجوي وبمنع الدواء والغداء.
فماذا نسمي قتل قوات "سوات" الحكومية اكثر من 50 مواطنا بريئا تظاهروا سلميا في الحويجة لتحسين حالتهم ونيل حقوقهم، ومثلهم في الانبار والموصل والفلوجة وبغداد؟
وما هو المبرر للحصار الاعلامي والعسكري والاقتصادي، وغلق المنافذ الخارجية في محافظة الانبار، فقط لأن اهلها خرجوا يطالبون بحقوقهم؟
وكيف نفهم تهشيم رأس مدرب كرة قدم عراقي في محافظة كربلاء من قبل قوات عسكرية حكومية كانت موجودة في مباراة محلية؟
وماذا نسمي السيطرات الوهمية التي تقتل الابرياء على الهوية عند حصول صراعات سياسية؟
اننا امام حالة عقاب جماعي اخر تفرضه سلطات محلية مدعومة من الخارج، هو نفسه الذي مارسته ما سُميت بالارادة الاممية خلال 13 عاما من الحصار الجائر والظالم.
اننا امام حالة عقاب جماعي اخر تفرضه سلطات محلية مدعومة من الخارج، هو نفسه الذي مارسته ما سُميت بالارادة الاممية خلال 13 عاما من الحصار الجائر والظالم.
لكن الفرق بين حصار اليوم والامس، وبين الفصل السابع الاممي والمحلي للسلطات الحالية، هو ان من يقومون بقتلنا وتجويعنا وسرقة اموالنا وثرواتنا، يدّعون انهم منتخبون من قبل شعبنا، وانهم يمثلوننا طائفيا وعرقيا ومذهبيا وسياسيا، وانهم يستخدمون مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والامنية لتجويعنا واعتقالنا وقتلنا وتهجيرنا..
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق