وجهات نظر
الياس حرفوش
بقدر ما هي الصورة واضحة في مصر لجهة الشرخ الكبير القائم بين أنصار الرئيس محمد مرسي ومعارضيه، هناك غموض كبير يحيط بالمخارج الممكنة من هذه الأزمة، التي هي من دون شك أقسى ما تواجهه الثورة المصرية بعد سنتين ونصف على إطاحة حسني مبارك.
وسبب الغموض أنه ليس هناك مخرج واضح يسمح بإنهاء الأزمة على خير، وبتجنب الحرب الأهلية التي كان الجيش صريحاً (ومحقاً) في التحذير منها. لا مطلب المعارضة بتنحي الرئيس وبإجراء انتخابات رئاسية مبكرة سيلقى تجاوباً من مرسي وأنصاره، ولا دعوة مرسي إلى الحوار مع المعارضة واعترافه (الذي تأخر كثيراً) بالأخطاء التي ارتكبها، سترد عليها المعارضة باليد المفتوحة، بعد أن رفعت سقف مطالبها وأصبح التراجع عنها سيرتب كلفة سياسية كبيرة.
وإذا كان يسجل لقيادات المعارضة المصرية أنها تخوض، من خلال احتشاد ملايينها في شوارع القاهرة وسائر مدن مصر وأنحائها، حملة تصحيحية لسلوك «الإخوان المسلمين» واستخدامهم الدين في الدفاع عن ممارساتهم، الذي بلغ حد تكفير خصومهم، فان المعارضة يجب أن تنتبه إلى أن ما تفتقر إليه حملتها هذه بشكل خاص وأساسي، هو الشرعية الدستورية، التي لا تسند مطلب تنحي رئيس منتخب بعد العام الأول من ولايته. وإلا لكان سلوك طريق احتجاجات الشارع للمطالبة بإسقاط الرؤساء أمراً طبيعياً في كثير من الأنظمة الديموقراطية، حيث يخسر الحاكم كثيراً من شعبيته بعد شهور أو سنوات على انتخابه.
لقد كان التخوف في البداية من أن الإسلاميين سوف يقطعون الطريق على التداول الديموقراطي السلمي للسلطة، إذا وصلوا إلى الحكم وأمسكوا به. ولذلك فليس في مصلحة المعارضة المصرية اليوم، وهي التي تدعو إلى حكم القانون والالتزام بالنظام العام، أن تبدو وكأنها هي التي تتجاهل الأحكام والموجبات التي يفرضها احترام الشرعية الدستورية، وعلى رأسها احترام المواعيد الدستورية لتبديل ولايات الحكام، وبخاصة إذا كان وصول هؤلاء قد تم بطريقة قانونية لم يشكك كثيرون، بمن فيهم معظم وجوه المعارضة، بسلامتها ونزاهتها.
وهذه هي النقطة التي التقطها مرسي في حديثه بالأمس إلى صحيفة «الغارديان» البريطانية عندما قال: إذا قمنا بتغيير شخص بالقوة بعد أن تولى منصبه بنتيجة الانتخاب حسب الشرعية الدستورية، سيقوم أشخاص ضد الرئيس الجديد أيضاً وسيطالبون بتنحيه بعد أسبوع أو شهر على انتخابه.
لهذا السبب يجب أن تنتبه المعارضة في تحركها الذي تخوضه الآن، والذي أخذ يقترب من الطابع العنفي من خلال هجمات بعض أنصارها على مقرات «الإخوان المسلمين» وإحراقها. فإظهار «الإخوان» وكأنهم ضحية انقلاب على السلطة، كما وصفه عصام العريان، يقدم لهم خدمة كبيرة لم يكونوا يحلمون بها، ويفقد المعارضة الحصانة القانونية والدستورية التي كانت تتحصن بها في عملها السياسي، وخصوصاً خلال مواجهتها لنظام حسني مبارك.
كما أن صورة الضحية سوف تساعد «الإخوان» في أي مواجهة انتخابية مقبلة، سواء على الرئاسة أو في الانتخابات البرلمانية، وسوف تحشد حولهم الكثيرين من مؤيديهم وربما من المستقلين أيضاً، الذي سوف يرون أنه تم إسقاط أول رئيس مدني منتخب في مصر تحت ضغط الشارع، بعد أن عجز المعارضون عن إسقاطه في صندوق الانتخاب.
لا أحب أن يفهم من كل هذا أنه دفاع عن الرئيس المصري، وقد انتقدت هذه الزاوية الكثير من قراراته في مناسبات مختلفة. لكنه دفاع عن القيم التي أعادت الثورة المصرية الاعتبار إليها، وأهمها استبعاد لغة الاستئصال من الخطاب السياسي واحترام آليات العملية الدستورية. من دون ذلك تصبح البلطجة هي الممارسة المقبولة، سواء كانت بلطجة «الإخوان» أو بلطجة خصومهم.
لقد أعلن مرسي الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها، ووعد بإعادة النظر في نصوص الدستور التي تشكل موضع جدل، ودعا المعارضة إلى المشاركة في الانتخابات النيابية، التي ستقرر الحجم الحقيقي للكتل السياسية وحقها في المشاركة في الحكم. ولعل هذه تكون بداية معقولة لإعادة إنتاج الثورة المصرية على أسس صحيحة، قبل أن تسقط في المجهول.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق