وجهات نظر
مصطفى كامل
أعزي نفسي وأعزي الأمة العربية كله بسقوط مصر في بئر الفوضى.. وأخشى من سقوط مصر في دوامة المجهول وبحر الدماء كما سقطت الجزائر في ذلك البحر عام 1992.
وأدرك جيداً ومعي كثيرون، أن سقوط مصر في هذا البئر أخطر بكثير من سقوط الجزائر، العزيزة، فمصر بحجمها الجغرافي وثقلها السكاني وتأثيرها وغناها الفكري والثقافي وانتشار أبنائها في كل أقطارنا العربية أعمق تأثيراً وجراحها أكثر إيلاماً لكل العرب والمسلمين.
نعم مصر ليست الاخوان المسلمين، ولكنها حتماً ليست تلك الحشود التي ملأت الساحات والشوارع، وكثير منها غوغائي.
نعم مصر ليست الإخوان المسلمين، ولكن الاخوان المسلمين تيار عريض القاعدة في الشارع المصري، يجذب إليه كثير من عامة الشعب غير المنتمين، ولسنا في معرض تحليل أسباب نجاحهم في ذلك وفشل الآخرين.
محمد مرسي لم يأت إلى قصر الاتحادية قافزاً من دبابة ولا جاء بانقلاب رتَّبه حزبه، محمد مرسي رئيس جاء إلى القصر عبر بوابة صناديق الاقتراع، وبصرف النظر عن كل مايمكن أن يقال عن الطريقة التي يجري فيها الاقتراع (الديمقراطي) في أقطارنا العربية فإنه رئيس منتخب ديمقراطياً وإزاحته بهذا الشكل إهانة لمن يؤمن بفكرة الديمقراطية الغربية، وأنا لست منهم، وضربة موجعة للديمقراطية الغربية، وأنا لست من مُروِّجيها.
وإذا قيل ان مرسي فاز بنسبة 50 % من الأصوات وأن كثيراً من المصريين لم يتوجهوا للاقتراع على شخصه، سألناهم: من الذي كان يمنعهم من المشاركة بزخم أعلى للحيلولة دون صعود مرسي للرئاسة والإتيان ببديل أفضل؟
وأرجو أن لا يذكر أحد لنا مثل العراق، لأننا عندما دعونا، وندعو، لرفض المشاركة في العملية السياسية الاحتلالية في العراق فلأنَّ كل مقوماتها غير صحيحة في ظل الاحتلال ودستوره الباطل.
وإذا كان تم عزل مرسي بقرار دبابة مستند إلى حشود في الشارع فمن ذا الذي يمنع ملايين من تيار مرسي والمتعاطفين معه من النزول الى الشارع لخلع من سيحل محله؟
ومن الذي يضمن عدم السقوط في دوامة الشارع والشارع المقابل؟
ومن الذي يمنع الفرعون الجاسوس القاتل حسني مبارك من ان يخرج لكل من ساهم في إسقاطه، بعد إعلان براءته من كل التهم المنسوبة إليه (ظلماً بالطبع)، مستهزئاً بكل تضحيات المصريين على هذه الشاكلة؟
للديمقراطية آلياتها، وإذا كنا ارتضينا حكم صناديق الاقتراع فعلينا أن لا نلجأ لغوغاء الشارع ولسذاجة البعض الذين ينساقون وراء كل ناعب مضلل بالإصلاح والحرية والكلام الفارغ الذي يتقنه الكذابون جيداً، علينا أن لا نلجأ لذلك بالضد من صناديق الاقتراع.
أقولها بملْ الفم: غوغاء الشارع وسذاجة البعض المخدوع، لأنني أعرف جيداً الآليات التي نزل بها الناس إلى الشوارع، مدفوعين بكرهٍ حقودٍ لتيار الاسلام السياسي وتحريضٍ خبيثٍ لإعلام حاقدٍ مسمومٍ ممولٍ بمالٍ حرام، يحدو بهم لصٌ كذابٌ مثل أحمد شفيق ومرعوبٌ متخاذلٌ مثل عمرو موسى ومتآمرٌ عميلٌ مثل محمد البرادعي ومنافقٌ مثل حمدين صباحي وطفلٌ مشبوهٌ مثل محمود بدر يرى في القاتل المجرم حسن نصرالله قدوة له.
اما السقطة المريعة للتيار السلفي المصري ممثلاً بحزب النور بالانجرار إلى ساحة الفوضى الدموية هذه فهي، وإن كنت أفهم دوافعها السياسية القاصرة، فإنها جريمة بالمنطق الشرعي الذي يدَّعي هذا الحزب الاحتكام له، لأن قادة الحزب يعلمون، أكثر مني، أن درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح، وهم يعلمون، أكثر مني، أن إزاحة مرسي مفسدة كبيرة لما ستجرُّه من فوضى ودماء على شعب مصر والأمة كلها.
لا يمكن لعاقلٍ ان يقبل بالفوضى بديلاً لمرسي، وشخصياً لو خُيِّرت بين الفوضى واستمرار حكم الفرعون الجاسوس القاتل لما اخترت الفوضى أبداً.
مرسي أخطأ. نعم، وكثيراً، والاخوان المسلمون أخطأوا. نعم، وكثيراً، ولكن ماذا فعل الآخرون لتلافي الأخطاء؟ مع إدراكي ان عدم فعل الآخرين لا يعفي الإخوان ومرسي من مسؤولياتهم.
ولكن أليس صحيحاً ان قدراً كبيراً من أسباب أخطاء مرسي وأخطاء جماعته يعود لهذا الإرباك الفظيع والتعويق المتعمَّد والتمويل المتآمر الذي مارسه كل من يقف الآن في الخندق المقابل لشرعية مرسي؟
نعم مرسي لا يصلح لقيادة مصر العربية، لو كانت الأمة مهيئة لدور مصري عظيم ولو كانت مصر بذاتها مهيئة للقيام بهذا الدور، ولكن مصر الغارقة في لجج الفقر والجهل والأمراض الاجتماعية والنفسية والسياسية والعضوية غير مهيئة لهذا الدور العظيم الخلاق، والأمة كلها بغيابها الفظيع عن الوعي وبأمراضها المتعددة اجتماعياً ونفسياً وسياسياً وعضوياً غير مستعدة لتقبل دورٍ مصريٍ خلاق.
نعم مصر تستحق زعيماً أفضل من مرسي، ولكن مصر، قبل ذلك، تستحق طبقة سياسية معارضة ناضجة ووطنية فعلاً، معارضة لا تتعمد الإرباك والتشويش والتعطيل والتعويق، وتستحق قضاءً نظيفاً نزيهاً لايتعمَّد التعطيل والتعويق بدعاوى "عدم الدستورية" وهي وقائع لا ينكرها أحد.
قلنا للاخوان المسلمين لا تستأثروا بكل المناصب، ولكن تعالوا أروني كيف إستأثر الاخوان بكل شيء، كما يدعي الطرف المقابل؟
وزير الدفاع الذي عينوه انقلب عليهم، وزير الداخلية الذي عينوه استمر بعد الانقلاب، وكذا العديد من الوزراء والقيادات الأمنية والعسكرية والإدارية والسياسية!
مؤكد أن الإخوان سعوا لتعيين بعض عناصرهم في كل مكان، ولكن كم هو هذا البعض؟ وأين؟
وماذا عن الإعلام والقضاء والدبلوماسية وكبار الموظفين الإداريين في كل الوزارات؟
وماذا عن المنظومة الفاسدة التي زرعها السادات ومبارك عبر 40 عاماً في كل مكان؟
وماذا عن فيلة الاقتصاد الرسمالي المتوحش الذي أفرزته حقبة ما بعد الانفتاح الساداتي الشهير؟
مصر هي التي تهمني بكل معانيها وثقلها الحضاري ودورها في تاريخ الانسانية، ولا يهمُّني الاخوان المسلمون، فهم حركة سياسية قد نختلف معها وقد نتفق، هنا أو هناك، والذي يعمل في السياسة عليه أن يتوقع كل شيء، خصوصاً إذا كان العمل في ظروف غير صحية، بل مريضة تماماً.
قلنا للاخوان المسلمين لا تستأثروا بكل المناصب، ولكن تعالوا أروني كيف إستأثر الاخوان بكل شيء، كما يدعي الطرف المقابل؟
وزير الدفاع الذي عينوه انقلب عليهم، وزير الداخلية الذي عينوه استمر بعد الانقلاب، وكذا العديد من الوزراء والقيادات الأمنية والعسكرية والإدارية والسياسية!
مؤكد أن الإخوان سعوا لتعيين بعض عناصرهم في كل مكان، ولكن كم هو هذا البعض؟ وأين؟
وماذا عن الإعلام والقضاء والدبلوماسية وكبار الموظفين الإداريين في كل الوزارات؟
وماذا عن المنظومة الفاسدة التي زرعها السادات ومبارك عبر 40 عاماً في كل مكان؟
وماذا عن فيلة الاقتصاد الرسمالي المتوحش الذي أفرزته حقبة ما بعد الانفتاح الساداتي الشهير؟
مصر هي التي تهمني بكل معانيها وثقلها الحضاري ودورها في تاريخ الانسانية، ولا يهمُّني الاخوان المسلمون، فهم حركة سياسية قد نختلف معها وقد نتفق، هنا أو هناك، والذي يعمل في السياسة عليه أن يتوقع كل شيء، خصوصاً إذا كان العمل في ظروف غير صحية، بل مريضة تماماً.
مصر أيتها السادة، الفرحون بعزل مرسي، وأنتم خليط عجيب غريب، مقبلة على فوضى وأنهار دم لا يعلم الا الله تعالى طبيعتها، وأرجو أن اكون مخطئاً، بل أبتهل إلى الله أن أكون على خطأ كبير، ولمصر سوابق عاشتها مطلع التسعينات في دوامة الدم حينذاك.
أيها الفرحون المهللون بعزل مرسي الآن، ستفرحون قليلاً ولكنكم بعد حين "ستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد".
...
حمى الله مصر وشعبها الطيب من كل سوء، وإنا لله وإنا إليه راجعون...
هناك تعليق واحد:
حوربت افكارنا وتوقعاتنا كثيرا من البعض "المثقفين" وعوملنا على اننا لانفرح لنصر غيرنا
إرسال تعليق