موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الخميس، 11 يوليو 2013

«تودة» وعمائم الثورة

وجهات نظر
رشيد الخيون
أصدر حزب «تودة» (الحزب الشيوعي الإيراني) بياناً (23 مايو) بمناسبة انتخابات 2013، ما يعني أنه ما زال حياً، بعد ممارسة الإبادة ضده، سمى فيه القيادة الحالية بـ«القوى الظلامية»، معتبراً حرمان رفسنجاني من الترشح للانتخابات الرئاسية انتصاراً لقوى الظلام، وقياساً يكون رفسنجاني ممثلاً لقوى الضياء. ناقلاً تصريح الأخير: «كنت أعلم أنه كان ينبغي أن لا أدخل السباق الرئاسي، وقلت أيضاً في اجتماعات خاصة: إنني أعرف هؤلاء الناس أفضل من أي شخص آخر... وحسب اعتقادي فإنه لم يكن بالإمكان إدارة البلد بطريقة أسوأ مما يجري».

هذا ووصف «تودة» ما حصل مِن قِبل المرشد بالانقلاب، مطالباً بـ«إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة على السيدة زهرة رهنورد، والسيد مير حسين موسوي، والسيد مهدي كروبي». وكان هؤلاء من أبناء الثورة وكوادر إدارة الإمام.
صدر البيان من قبل اللجنة المركزية للحزب، وهو يعمل في الخارج منذ اشتداد الحملة ضده (أواسط الثمانينيات)، بظهور أمينه العام كيانوري وغيره من كوادر الحزب تحت العنف، والاعتراف من على شاشة التلفزيون. حصل هذا وكأن إدارة الإمام تعلمت أساليب تسقيط الخصوم اجتماعياً وسياسياً من إدارة خصمها العراقي الذي كانت تصفه بالكافر، أو من جهاز «السَّافاك» الذي حل محله جهاز «إطلاعات» بطهران.
كان رفسنجاني أحد قادة النظام عندما تم الفتك بـ«تودة»، وربما كان أحد المتحمسين ضده، لكن ما ورد في بيان الحزب المذكور يوهمنا أمراً، وهو اتفاق القوى النافرة من نظام المرشد الأعلى الذي وصف البيان سياسته بـ«المدمرة والطَّائشة»، وهو ما يتجاوب مع كلمة رفسنجاني تماماً.
هذا، وقد سبق أن أفصح رفسنجاني عن محنة جمعته بأمين عام الحزب الحالي علي خاوري، أو خفاري، في سجون النظام السابق، فقال بعد جولة العذاب في السجن: «ما إن صرت في الزنزانة، حتى أحضر لي السيد علي خاوري، رئيس حزب تودة، كوب شراب، وقد كان في الزنزانة المواجهة، وهو الآن في خارج البلاد» (رفسنجاني، حياتي).
كتب رفسنجاني هذا بعد أن أصبح رئيسياً للجمهورية، وقد وصفه بيان «تودة» بـ«ركيزة النظام ورفيق الإمام». أما خاوري فولى هارباً إلى الخارج، ولو ظل داخل إيران لسقي كأس المنية مقابل كأس العصير الذي سقى به رفسنجاني في محنته، ومعلوم أن ذلك الكأس، وفي تلك الشّدة، لا يُقدر بثمن! بمعنى أن السُّلطة تقطع الآصرة مهما كانت، فبالنسبة لـ«تودة» وغيره مِن الجماعات التي كانت تعمل ضد نظام شاه إيران محمد رضا (ت 1980) لم يتغير شيء، مع مساهمتها القوية بالثورة، سوى أن العمامة حلت محل التاج، والعصا محل الصولجان، مع سلطة دينية.
لقد ساهم «تودة» في ثورة 1979 ولأجل هذا سُمح له، في بداية الأمر، بإصدار صحيفة «مدرم»، وفتح مقار، لكن الاستئثار بالسلطة أدى إلى تحقيق مبدأ: «الثَّورة تأكل رجالها». ذلك إذا علمنا أن علماء دين وشخصيات، كان لها القدح المعلى في الثورة، قد صفيت بالتدريج، وانتهى الأمر إلى ما عبّر عنه حزب تودة «المرشد الأعلى وأعوانه». فحتى رفسنجاني لا يُعلم بعد تصريحاته ماذا يحل به، وهو «رفيق الإمام».
ويضيف رفسنجاني عن دور «تودة»، وهو يتحدث عن أيام السجن: «كانت علاقتنا جيدة بالشيوعيين، كانوا يستضيفوننا ونستضيفهم، وحين يدعوننا إلى الطعام كانوا يستفيدون من خبرتنا في المطبخ، وكنا نعاملهم بمودة، وكانوا يشكلون الغالبية العظمى من المسجونين...» (حياتي).
ليس هذا فحسب، بل كانت لـ«تودة» صلات بالخميني نفسه، عن طريق أمينه العام رضا رادمنش، حيث كانا يلتقيان خلال وجودهما بالعراق، أيام النزاع الإعلامي بين البلدان (قبل 1975)، بل تمتد العلاقات بين الحزب والخميني إلى أقدم من هذا، أي قبل تسلم «البعث» للسُّلطة ببغداد (يوليو 1968). يقول باقر إبراهيم، أحد البارزين في قيادة الحزب الشيوعي العراقي آنذاك، والذي كان على صلة شخصية برادمنش، عن علاقة الأخير بالخميني: «كانت جدية وودية، تدور حول التعاون بين أطراف المعارضة الإيرانية، والاتجاهات المطلوبة للبديل عن نظام الشاه، وأُسلوب إزاحته... وقال الخميني مرة لرادمنش مازحاً: أريد أن أُصالحكم مع الله» (إبراهيم، مذكرات). ويذكر إبراهيم أيضاً أن الخميني كان يلتقي مسؤول منظمة الحزب الشِّيوعي العراقي بالنجف في الشارع ويتحدثا، ومما قال له: «إنهما معاً يُدافعان عن الكادحين» (مذكرات).
ولفعل «تودة» المؤثر، أن شاه إيران كان يعتبر التظاهرات التي أسقطته لـ«شيوعيين وعملاء» (كونسلمان، سطوع نجم الشيعة). بل إن الأميركان أنفسهم لم يهتموا للخميني والقوى الدينية قُبيل الثورة، إنما كانوا يتوقعون «أن يخرج حزب تودة الماركسي فائزاً من الحركة الثورية، وهو الحزب الذي سيتعاون مع موسكو بشكل وثيق، وبعد انتصاره يقوم بداهة بفتح ترسانة الأسلحة أمام خبراء السُّوفييت» (المصدر نفسه).
إن الحديث عن حزب «تودة» وعن القوى التي صنعت الثورة ذو شجون، فالمصادفة وحدها منعت الجنرال غلام رضا (أُعدم بعد الثورة) من ضرب الطائرة التي حملت الخميني من باريس إلى طهران (سطوع نجم الشيعة)، ولو حصل هذا لتغيرت مسارات الثورة ولم تصبح إسلامية، ولظل علماء الدين حكاماً على ملوك إيران، لا هم الملوك أنفسهم، فيوصفوا بالدكتاتورية الظلامية، وما دخلت عمامة إلى السجن أو اغتيلت، مثلما حصل لكبار المراجع في عهد حكم العمائم.
فيما تقدم درس من دروس السياسة المغلفة بالدين، فماذا تغير في الخميني، وهو في المعارضة عنه وهو في السلطة؟ فأمين عام «تودة» السابق رادمنش عاد إلى إيران بُعيد الثورة، ثم رجع من حيث أتى (مذكرات)، فالوجوه ليست نفسها. كذلك هرب الرئيس بني صدر تحت جنح الظلام، واغتيل مَن اغتيل وحُجر مَن حُجر في داره. فعادت القوى التي كانت فاعلة في الثورة تصدر البيانات ضدها، حتى الموصوف بـ«رفيق الإمام» أخذ يقول: «لم يكن بالإمكان إدارة البلد بطريقة أسوأ مما يجري».
ومن عجبٍ أقول: هل كان «تودة»، ممثلاً بأمينه العام، بالنسبة للخميني وبقية عمائم الثورة، قبل السلطة مؤمناً؟ وكيف غدا بعد السلطة كافراً؟ ذلك إذا علمنا أن التهمة التي «أوجبت» تصفية الآلاف من المحسوبين على «تودة» هي الكفر! أليست هي لعبة السياسة تحت راية الديانة؟

ملاحظة:
نشر المقال هنا.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..