موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

السبت، 27 يوليو 2013

إلى والدي في ذكرى رحيله

وجهات نظر
مصطفى كامل
كنت في الصف الثالث الإبتدائي حينما كتب لي والدي، يرحمه الله تعالى، جملة نصائح، أتذكر منها قوله لي:
إعلم ان الصدق أمانة والكذب خيانة وان الدنيا مزرعة الاخرة..


ماتزال تلك الكلمات ترن في أذني، رغم مرور نحو 40 سنة عليها، أستذكرها اليوم، في ذكرى رحيله الثانية عشرة، وأجدها مفتاحاً مناسباً لاستذكار هذا الرجل، الذي كانت مسيرة حياته تجسيداً لهاتين الوصيتين: الصدق والعمل للآخرة.
في ذكراه هذه، أستعيد جزءاً من نبله وخلقه وعفَّته، يداً ولساناً، وأشهد، ليس لكوني ابنه، انه كان نادراً في صفاته الحميدة كلها، كأنه في ذلك يعيد عصر الصديقين وأولياء الله الصالحين، أو كأنه رجل جاء من ذلك الزمن وحطَّ رحاله في القرن العشرين، لا أذكر انه شتم أحداً، ولا ظلم أحداً، ولا نازع أحداً على شيء من متاع الدنيا، ولا أذكر له موقفاً أساء فيه لأحد أو أساء له أحد.. كأنَّ الله تعالى زرع في قلوب الناس محبته، ومن يزرع الله ذلك في قلوب خلقه يكون قد كتب له القبول في الأرض والسماء.. وعسى أن يكون من المقبولين عنده سبحانه.
أذكر أننا، عندما كنا شباباً صغاراً، كنا نتذمر من شدة صرامته معنا، ولكننا بعد أن كبرنا وعرفنا معنى الحياة، أدركنا أن تلك الصرامة كانت مفتاح نجاحنا في هذه الحياة وربما كانت مفتاح سعادتنا في الاخرة، وأقرُّ اليوم، علناً، أننا لولا تلك الصرامة والحزم والثبات على المبادئ لكنّا تهنا في دروب الأفكار الضالة المضلة وفي دروب الفتن، وما أهونها على الشباب!
لازَمَتهُ، يرحمه الله، تلك الفضيلة، فضيلة الثبات على المبدأ طيلة حياته، ولقي في سبيلها عنتاً كثيراً، ولقي أيضاً جفاء بعض صحبه، لكن ذلك لم يمنعه من الجهر بالحقِّ حيثما لزم الأمر.
لم تكن الدنيا تعدل عنده جناح بعوضة، هكذا علَّمه ربه، رغم انه كان يعيشها بكل آمالها وآلامها، وكان حريصاً على زرع الفضائل في مجتمعه، وفي مقدمتها صلة الرحم والتواصل مع الأصدقاء، كما كان يعتقد ان مهمته هي جمع الناس على المحبة والخير والعطاء، وقد منحه الله تعالى بعضاً ممايتمنى حين عكف على ذلك في آخر سنوات حياته، مكرِّساً وقته، كلَّه، لعمل الخير بكل صنوفه، وخاصة في ظل اشتداد طوق الحصار المجرم على رقاب العراقيين.
حين قررت الكتابة عن والدي، في ذكرى رحيله إلى رب السماوات والأرض، جالت في ذهني خواطر وصور كثيرة، لكنني حينما شرعت بالكتابة وجدت نفسي لا أقوى على كتابة الكثير مما كنت أزمع كتابته، ربما لجلال الموقف، لكنني أحمد الله تعالى أنه وفَّقني لقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، حين وصل إليَّ نبأ رحيله، يرحمه الله، ولعل ذلك يكون تجسيداً لقوله سبحانه (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) وهي بشرى كبيرة لو تحققت فعلاً.
يروي لي أحد مشيعيه، ولم أحضر ذلك لأنه كان قد توفي يرحمه الله في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة وكنت في بغداد، أنه حين دفنه كست المكان غلالة شفافة ونسمة منعشة رغم ان وفاته كانت في أحرِّ أيام الصيف في تلك البقاع، ويمضي صاحبي فيقول: انه يرحمه الله لم يشأ أن يسبب للناس إزعاجاً حتى في وفاته، مضيفاً: لعل ذلك كان حفيف الملائكة وهي تشيعه.

في ذكراه اليوم، أسأل الله تعالى أن يثبتنا على قول الحق حيثما وجب، وأدعو له بالرحمة والغفران وأن يجعل الله تعالى مستقرَّه في عالي جنانه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وأنعم بهم رفيقا، وان نكون دائماً عند حسن ظن من يظنون بنا خيرا..

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..