موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 31 يوليو 2012

شيخ التلاوة البغدادية

في أجواء رمضان الكريم الإيمانية يستذكر الدكتور أكرم عبدالرزاق المشهداني واحداً من أعلام العراق البارزين، انه شيخ التلاوة البغدادية المقرئ الحافظ خليل اسماعيل، ويسرُّ وجهات نظر نشر هذا المقال الاستذكاري، الذي وصل إليها من كاتبه عبر البريد الإلكتروني، على صفحاتها..






شيخ التلاوة البغدادية الحافظ خليل اسماعيل العمر

أكرم المشهداني
تميّز التلاوة البغدادية عما سواها
اذا ذكرت مدارس التلاوة القرآنية، ذكرت الطريقة البغدادية في طليعة القراءات واكثرها انسجاما مع التراث النغمي العربي، واكثرها حفاظا على التنوع المقامي واصوله التي درج عليها مؤدوه. وقد حافظت الطريقة البغدادية على ما توارثته عبر أجيال من القراء حتى العصر الحاضر وشيوع مدارس اخرى، كالطريقة المصرية التي وجدت لها في العراق مستمعين كثيرين لشيوع استخدام الراديو وزيارات القراء المصريين للعراق.
أبرز رواد الطريقة البغدادية
إلا أن الطريقة البغدادية استقرت في ذاكرة بغداد ووجدانها. وحفظ تراث الرواد من اعلامها وتتناقله الاجيال بكل إجلال واعجاب. وبرزت اسماء كبيرة كالملا عثمان الموصلي وجاسم السلامة والحافظ مهدي العزاوي وملا خماس وعبد الفتاح معروف ومحمود عبد الوهاب وعبد القادر الخطيب وعبد الستار الطيار وعبد المنعم ابو السعد وحيدر الجوادي وعلي حسن داود وقصي ابو السعد وعبد المعز شاكر ومحي الدين بن عبدالقادر الخطيب وعلاء القيسي وغيرهم ممن خانتنا الذاكرة بذكرهم جميعاً.
 الحافظ خليل اسماعيل يبزُّ الجميع
ويبقى الحافظ خليل اسماعيل شيخ الطريقة البغدادية والمثل الاعلى في ادائها، ومن محاسن الايام ان يحفظ تراث هذا الرجل في صدور محبيه وفي آلات ووسائل الحفظ الحديثة ليبقى ثروة قرائية وفنية للاجيال التالية.
الفرق بين مدارس القراءة  (القراءات السبع أو العشر)  ومدارس التلاوة
أجمع العلماء على أن القرآن الكريم نُقل إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم بروايات متواترة، ووضع العلماء لذلك علماً لضبط تلك الروايات اصطلحوا عليه بعلم "القراءات القرآنية".
وإن القراءة القرآنية الصحيحة هي القراءة التي نقلت إلينا بسند متواتر، ووافقت الرسم العثماني (مصحف سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنهووافقت وجهاً من وجوه اللغة العربية الصحيحة.
وبعد توزيع المصاحف في مختلف الأمصار في عهد سيدنا عثمان وما نتج عن ذلك من نشاط في الكتابة والأداء، نشأت مدارس في الإقراء ارتكزت كل منها على بعض القراء من الصحابة، معتمدة على المصحف الذي أرسل إليها "إماما" في تثبيت النص القرآني؛ فبرزت للوجود مدارس في القراءات في مختلف تلك الأمصار، وهكذا برزت مدرسة الحجاز وكان من أبرز روادها أبي بن كعب وزيد بن ثابت، ومدرسة الشام وعلى رأسها أبو الدرداء، ومدرسة البصرة، ثم مدرسة الكوفة.. 
تطورت هذه المدارس بعد بروز قرائها الكبار، فلمع في جيل تابعي التابعين الأئمة القراء الذين تنسب إليهم القراءات السبع الشهيرة المتواترة التي أجمعت الأمة على صحة قراءة القرآن الكريم بها.
ومدارس القراءات القرآنية المتواترة (سبع) وقيل (عشر)، من أشهرها قراءة رواية (ورش عن نافع) و (حفص عن عاصم) وغيرها.
أما مدارس التلاوة القرآنية، فهي مدارس في الأداء الإقرائي والنغمي، وقد تعددّت مدارس التلاوة القرآنية في العالم الإسلامي، بين مدرسة مصرية، وأخرى سودانية، وأخرى شمال أفريقية، ومدارس أخرى أخذت أسمائها من طريقة الترتيل، أو من أفرع القراءات القرآنية المشهورة. 
المقام العراقي وصلته  بالتلاوة العراقية
تتأثر التلاوة البغدادية بالمقام العراقي، بشكل واضح، فرواد التلاوة البغدادية (وفي مقدمتهم الشيخ الحافظ اسماعيليتقنون المقام العراقي كالحويزاوي والجاركاه والزنكان والمخالف والخنبات والشطراوي والعنيسي والمصلاوي والخابوري والمثنوي وسواها
زار الموسيقار العربي  سامي الشوا   بغداد، وهو مسيحي قبطي، والتقى برواد المقام  )محمد القبنجي ورشيد القندرجي وسلمان الكفةجي وجميل بغدادي( واستمع للتلاوة البغدادية أعجب بها أيما إعجاب وأكد على ضرورة المحافظة على القراءة العراقية لأنها متميزة ولأنها تقوم على المقام العراقي.
سيرة الحافظ خليل شيخ قراء العراق
الحافظ خليل من مواليد بغداد الكرخ محلة سوق حمادة عام 1920، ولما بلغ صباه وهو في زهرة شبابه اليافع حفظ القرآن الكريم باتقان وتجويد كبيرين، تتلمذ على يد الملا محمد ذويب الذي كان امام مسجد السويدي القريب من مسكنه (محلة خضر الياس) كما تعلم واتقن علوم التلاوة والتجويد كما اشرف عليه واحتضنه الملا جاسم سلامة كثيراً لذكائه الخلاق والاخذ بتوجيهاته السديدة. وتعلم التجويد على يد جاسم السلامة النجدي في السنوات1932-1937، وبعدها دخل المدرسة الدينية في جامع نائلة خاتون في الحيدرخانة، وكانت بادارة الشيخ قاسم القيسي ثم الشيخ نجم الدين الواعظ . وتخرج فيها عام 1943 ثم دخلها ثانية وتخرج عام 1952 وكان متفوقا على اقرانه. ومن ذكرياته فيها ان الواعظ كان يحب ان يسمع منه مقام الخلوتي من الماهوري والمخالف والبهيرزاوي.
 الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً وجلالاً!!
في عام 1937 عُيّن في جامع السراي المقابل للقشلة، كما شغل رئاسة محفل القراء في جامع الإمام أبي حنيفة النعمان ثم انتقل الى جوامع اخرى منها الشيخ صندل وجامع حنّان وجامع عمر السهروردي، وكان آخرها جامع الحاج محمود البنية قارئا ومدرسا للتلاوة، وكان الكثير من المعجبين بصوته وطريقته يحضرون الى هذه الجوامع للاستماع اليه وتسجيل ما يقرأه.

جامع الإمام الأعظم أبا حنيفة النعمان

وقد ذكر انه قرأ بنغم ومقام الزنكران، ولم يجرؤ احد من القراء على ذلك لصعوبته، لكنه قرأه باتقان كبير. وكثيرا ما كان يردد الحديث النبوي: زينوا القرأن باصواتكم فأن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا .
 دخوله الإذاعة 1941
عام 1941 ذهب الحافظ خليل الى دار الاذاعة بالصالحية، وكان مديرها فائق  السامرائي وسكرتيره سلمان الصفواني، فاشارا عليه أن يقوم الحاج محمود عبد الوهاب بإختباره، فرفض الحافظ خليل، لأنه يعرف قيمة نفسه وخبرته، لكن أعضاء اللجنة سمعوا الحافظ خليل بعد فترة وهو يقرأ في جامع الشيخ صندل بالكرخ، فقبلوه بسرعة، وكانت أول تلاوة له على الهواء يوم 9 تشرين الثاني 1941 واول مذيع قدمه هو حامد محمود الهاشمي وتلا فيها سورة المؤمن، حيث كان البث على الهواء مباشرةثم بدأ يتلو مع عبد الستار الطيار والحافظ صلاح الدين
وفي عام 1942 وجه الاستاذ الكبير نشأت السنوي دعوة الى دار الاذاعة يدعوهم فيها الى الرعاية والعناية بالمقرئين في دار الاذاعة والى توجيه الدعوة لجميع المقرئين في الاذاعة للحضور الى ديوان مديرية الاوقاف لاجراء الاختبار والامتحان لمن يستحق ان يلقب بلقب الحافظ لأن كلمة الحافظ تعني معرفته لعلوم القرآن الكريموفاز بها الشيخ الحافظ خليل اسماعيل.
وفي عام 1943 سجلت له اذاعة لندن العربية بعض التسجيلات اخذت تذيعها الى يومنا هذا.
وقد وصفه الاستاذ الكبير المرحوم محمد القبانجي بانه بستان الانغام العراقية البغدادية الاصيلة، وفي عام 1951م عندما زار العراق شيخ المقرئين عبد الفتاح الشعشاعي قال في حقه "اني لم اطرب ولم اسمع بمثل الشيخ الحافظ خليل اسماعيل"، وفي عام 1961م سافر الى القدس وقرا القران في الحرم القدسي الشريف فنال اعجاب المستمعين هناك، وفي عام 1979م وبدعوة من وزارة الاوقاف العراقية سافر الى الكويت لقراءة القران الكريم خلال شهر رمضان المبارك.
كانت له (رحمه الله) صفات جميلة كثيرة منها انه كان لا يقرأ القرآن إلا متوضئاً ومستقبلا القبلة، وكان دقيقا في مواعيده انيقا في مظهره وملبسه يهتم كثيرا بعمامته التي كان يلفها بنفسه بشكل دقيق وجميل، وكان رحمه الله منضبطا في تصرفاته مع الآخرين صريحا في اقواله ولايجامل احداً في الحق.
وفي عام 1966  اكمل تسجيل قراءة القران الكريم المرتل بنفسه دون الاستعانة باحد، وكان رحمه الله  يراجع القران الكريم كثيرا في حياته وفي ايامه الاخيرة وحتى في مرض موته بل كان يراجع القران ويقرؤه في سكرات موته رحمه الله تعالى.
ذكرياتي مع الشيخ الحافظ خليل اسماعيل (أبو مهند(
من محاسن ذكرياتي معه أنني تعرفت على الحافظ خليل اسماعيل بداية الستينات، وكنت طالبا بالمتوسطة، من خلال مسجد المنطقة ، مسجد الحاج نايف بالرحمانية ومن ثم مسجد المدلل بالعطيفية، وكذلك زياراتي له في بيته بالرحمانية والعطيفية،  وكان يكلفنا، ونحن صغار بالعمر، أن نستمع لتلاوته ونقارنها بالمصحف لأنه دائم التثبت من صحة حفظه.
ولم أسمع له في حياتي خطأ أو سهواً في تلاوة
كان أبا مهند،  ومهند كسر ظهر الحافظ خليل، كما يقال، لأنه ولده المحبب، وصار ضابطا بالجيش العراقي لكنه اسر في الحرب الايرانية العراقية بالثمانينات، كان يحدثنا ويؤكد ان الطريقة العراقية تخضع لمذهب حفص ابو عمرو بن سليمان من القراءات السبع المجمع عليها، وقد عاش حفص في البصرة واتصل بالخليل بن احمد الفراهيدي ثم نزل ببغداد وقرأ بها...
واكد ان العراقيين يعشقون هذه الطريقة ولايفضلون غيرها، ومن الطريف ان الملا عثمان الموصلي قرأ بالقراءات السبع لمعرفة ردود افعال مستمعيه، فوجد انهم لايستسيغون غير طريقة حفص التي درج عليها القراء منذ القدم
شَرّفني بتلاوة القرآن الكريم في مجلس الفاتحة على روح والدتي عام 1982 ومن بعدها فاتحة والدي عام 1990 يرحمهم الله جميعاً، وكنت أتكفل بنقله بسيارتي من داره بالعطيفية إلى قاعة الفاتحة بالتربية الاسلامية بسوق الجديد وإعادته.
موقف الحافظ  خليل من القراءة بالمواليد
لم يدخل الحافظ خليل غمار (المواليد) فهو يرى أنها (صنعة متعبة) واحيانا تستهلك القاريء على الرغم من وجود الكثير من اللمحات الفنية والتراثية الجميلة فيها، وكان المتميز فيها هو الحافظ عبدالستار الطيار وملا خماس وملا طه الشيخلي.
ومن الطريف انه كان يقول ان (المواليد) هي من شغل صوب الرصافة واهل باب الشيخ بالذات.
 ويعترف الحافظ خليل أنه حاول مرة قراءة (المواليد) في جامع ثريا بالكرخ واجاد فيها ولكنه لم يعد لذلك أبداً.
الشعشاعي يطرب لصوت الحافظ خليل
في عام 1951 زار شيخ المقرئين عبد الفتاح الشعشاعي العراق واستمع لتلاوة الحافظ خليل، وقال بحقه (اني لم اطرب ولم اكن اسمع مثل الشيخ المقرئ الحافظ خليل)، وهذا التصريح مثبت في الصحف البغدادية التي نشرت هذا القول للشيخ الشعشاعي.
وفي عام 1961 سافر الحافظ خليل الى القدس الشريف، وقد قرأ في حرم القدس الشريف ونال اعجاب المستمعين هناك.
وطيلة الخمسينات كان الحافظ خليل يرأس المحفل القرآني بأبي حنيفة وكان الملك يحضر صلاة العيدين هناك ويستمع لصوت الحافظ خليل في ايام مجده وعزّه.
قصة ظريفة للحافظ  خليل مع عبدالباسط عبدالصمد
أواسط الستينات كانت الحكومة العراقية تقوم باستقدام عدد من قراء القرآن الكريم المشهورين في الدول العربية للحضور الى العراق خلال شهر رمضان المبارك، ويقدمون تلاوات في المساجد وكذلك تسجل  لهم الاذاعة والتلفزيون.
وكان أن سمع الحافظ خليل تصريحا للشيخ عبدالباسط عبدالصمد وهو يسأله المذيع: رأيك بالقراء العراقيين هل استمعت لهم ومن أعجبك منهم؟ إلا أن عبدالباسط بزهوه أجاب على سؤال المذيع: (لا والله ما في!!)، فما كان من الحافظ خليل إلا أن يركب التاكسي إلى فندق بغداد بالسعدون حيث يقيم عبدالباسط ليقابله هناك، ويسمعه (نقداً أدبياً) لم ينساه عبدالباسط لسنوات طوال.. يرحمهما الله.
في عام 1979 وجهت له دعوة من وزارة الاوقاف العراقية للسفر الى الكويت لتلاوة القرآن الكريم خلال شهر رمضان، وهناك أجريت له مقابلات تلفزيونية وصحفية كثيرة وكان المقرئ الوحيد الذي مثَّل العراق أحسن تمثيل ونال استحسان كل من معه هناك لأن القراءة العراقية ذات شجن في عالم التلاوة القرآنية.
الحافظ خليل في ذمة الله
في عام 2000 اشتد عليه المرض ، فأدخل دار التمريض الخاص في مدينة الطب ببغداد يوم 23/1/2000، واجريت له عملية غسل الكلية، غير ان هذه  العملية تكررت لمرات عديدة، فأتعبته كثيرا حتى وافاه الاجل المحتوم ظهر الاربعاء  5/7/2000 فشيِّع تشييعاً مهيباً من جامع المدلل في منطقة العطيفية القريب من بيته الى مقبرة الكرخ العامة، يتقدمه اصحاب الفضيلة العلماء والاحباب والكتاب والشعراء ولفيف من المقرئين وجمع غفير من المواطنين الذين أتوا ليشاركوا مصابهم الاليم واقيم مجلس العزاء على روحه الطاهرة من قبل اسرته في جامع عادلة خاتون في بغداد...

الحافظ خليل في أواخر أيامه
وقد صعقنا لخبر استشهاد شقيقه في حادث التفجير الارهابي الذي حصل قبل عامين في جامع أم القرى يرحمه الله. هنيئاً لمن افنى حياته في ظل كتاب الله!
رثاه عدد من الشعراء،  ومنهم الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي بقصيدة مشهورة قال فيها:
خلَّفت قالاً في الجموع وقيــــــــلا       لما رحلت ولم تُعـــدَّ بديــــــــــلا
اني لأشهد ان بفقدك قد هــــــــوى       جبل اناف على صحابك طــــولا
فبكتك مدرسة اقمت صروحــــــها       فاذا رحلت فمن يقود الجيــــــلا
ياسيد القراء من نشد الهــــــــدى       بقراءة فقد اصطفاك (خلـيـــلا)
حبَّرتــــه ( كالاشعري ) تغنيــــــاً       ونضدت حُسن ادائه ترتيــــــــلا
والى (ابن ام العبد) شدت سبيله       بتلاوة سمعت هدى واصــــــولا
وضربت اطناب الشموخ (لعاصم)        وجعلت ما تتلو عليـــه دليـــــــلا
لو ان (سبعتهم) دروا بك مبدعاً       عدلوا اليك (بسبعتهم) عـــدولا
تبعوا خطاك لتستقيم لحونـــــــهم       وانرت كيما يهتدوا  قنديــــــــــلا
واعدت في (العشرين) ما قد امتعوا       قدماً فعادوا جملة وتفصيــــــــلا
زاوجت في نهجين حلـو تنغــــــم       وفصاحة تحكي القرون الاولــى
بتلاوة القرآن زنت قلوبنـــــــــــا       وبحلو صوتك زدنا تبتيـــــــــــلا
وبنطق حرف الضاد ملت بنـا الى       من لقَّن القرآن والتنزيــــــــــــلا
ياحافظاً لفظ الكتاب وواعيـــــــــاً       درر المعاني فُصلت تفصيـــــــلا
من بعد (مهدي) و( محمود )علت       نغمات صوتك انجـــداً وسهــولا
وتركت في (عبدالمعز) ملامحاً       ليظل حسن ادائه موصـــــــــولا
وكذا القرون اذا تتباع اهلهـــــــا       يمضي القبيل ويستضيف قبيــلا
أأبا المهند لا ارى لك مسكنـــــــاً       الا الجنان بما قرأت مقيــــــــــلا
اهنأ بمنزلك الذي قد خصـَّــــــــه       رب الكتاب لكي تكون نزيـــــــلا
فعلى ضريحك وابل من رحمـــة       يا سابقاً نحو الجنان سبيــــــــلا
ياحافظ القرآن يشهي لفظـــــــه       فأواره في السامعين جميـــــــلا
لما اشتهيت الحفظ قلت مؤرخا        وشهيت حفظك يا ابن اسماعيلا


 ملاحظة من الناشر
لإتمام الفائدة نحيل القراء الكرام إلى أحد تسجيلات الحافظ خليل، للاستماع يرجى الضغط هنا.

بين التجديد والجديد!


يقول الكاتب الدكتور مصطفى يوسف اللداوي، في مقالته التي تسلَّمتها منه هذا الصباح، ان الأيام القليلة القادمة ستشهد انتخابات المكتب السياسي الجديد لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) بعد طول انتظار، فمالذي سيحدث خلال ذلك؟
تابعوا التفاصيل في هذه المقالة.


قيادة حماس بين التجديد والجديد

مصطفى يوسف اللداوي
بات في حكم المؤكد أن الأيام القليلة القادمة ستشهد قبل انقضاء شهر رمضان الكريم انتخاب وإعلان رئيس المكتب السياسي الجديد لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بعد طول انتظارٍ وتأخيرٍ متكررٍ سببه عدم إتمام الانتخابات الداخلية لإقليم الخارج، الأمر الذي أخَّر تشكيل وانعقاد مجلس الشورى المركزي للحركة، الذي يملك وحده صلاحيات انتخاب رئيس المكتب السياسي، والذي ستكون له كلمة الفصل الحاسمة في تحديد هوية الرئيس الجديد، إذ أنه سيد نفسه، ولا وصاية لأحدٍ على أعضائه، ولكلٍ صوته وتأثيره واستقلالية قراره، وفيه تجري انتخاباتٌ حقيقية، نزيهةٌ وديمقراطية، يفترض فيها الشفافية والمصداقية، فلا محاولات كولسة، ولا مساعي لكسب أعضاء أو تجيير أصوات، أو تبهيت الانتخابات، فالكل حرٌ في تحديد قراره، وهي بالنسبة لهم أمانةٌ كبيرةٌ ومسؤوليةٌ عظيمة.
يحدد شورى الحركة المركزي الرئيس الجديد للمكتب السياسي لأربع سنواتٍ قادمة، ليرسم سمات المرحلة الجديدة، ويحدد الكثير من ملامح سياستها القادمة، وإن كانت الحركة تقودها مؤسساتٌ، وتدير شؤونها هيئاتٌ منتخبة، وتحكمها قوانينٌ ولوائح، وينظم عملها أنظمة وضوابط، بما يقلل من سلطة الفرد، ويحد من صلاحيات الرئيس منفرداً، ما يجعل منه ضابطاً للعمل، ومنسقاً للجهود، ومديراً للاجتماعات، ومعبراً عن سياسات الحركة باتفاق، فلا يحركه هوى، ولا تحكمه مزاجية، ولا تسيطر عليه رغباتٌ شخصية، وحساباتٌ فئوية، وميولٌ خاصة.
وإلا فإنه يتعرض للمساءلة، ويخضع للاستجواب والتحقيق، وصولاً إلى سحب الثقة ونزع الصفة أو التجريد من الصلاحيات، إذ أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، تضطلع بمهامٍ وطنيةٍ كبيرة على مستوى الوطن الفلسطيني كله، وعلى مستوى الأمة العربية والإسلامية، بما يتناسب مع دورها ونفوذها وانتشارها ومدى تأثيرها، ما يجعل لشخص رئيس المكتب السياسي وهويته أهمية كبيرة، خاصةً لجهة الصفات والمميزات التي يتمتع بها.
إن الحركة التي تتعاظم فيها مسؤوليات رئيس المكتب السياسي، تدرك عظم دورها، وسمو أهدافها، ومدى مسؤوليتها، وثقل الأمانة التي تحمل، تحرص على تصويب أداء رئيس مكتبها، وتقييم عمله، ومساءلته إن أخطأ، ومحاسبته إن تجاوز، فلا تطلق يده، ولا ينداح لسانه، ولا ينجر إلى مواقف غير وفاقية، ولا يتبنى سياساتٍ فردية، ولا يحرجه مسؤول، ولا يغريه المنصب ولا تبطره هالة السلطة وأمارات القوة، فهو مهما علا محاسب، ومهما عظمت صلاحياته فإنه مسؤولٌ ، ومهما طال مقامه فهو إلى رحيل.
ساعات الحسم في هوية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس باتت قريبة، وستكشف الأيام القادمة عن هويته، أهو خالد مشعل نفسه في دورةٍ خامسة يتم بها عشرين عاماً متوالية من الأمانة والمسؤولية، بغض النظر عن تصريحاته التي أطلقها في وقتٍ مبكرٍ من هذا العام، أنه لن يترشح لدورةٍ جديدة، وأن سيفسح المجال لشخصيةٍ أخرى تقود الحركة، وتشرف على تنفيذ سياسات المرحلة القادمة.
إلا أنه قد يخضع لرأي إخوانه كما أعلن، وقد يستجيب إلى رغباتهم، ويحترم إرادتهم، وينزل عند قرارهم، إذ أن من حق أعضاء شورى الحركة أن يرشحوا لهذا المنصب من يرون فيه الكفاءة والقدرة، والمسؤولية والأهلية، في الوقت الذي لا يستطيع أي عضوٍ أن يرشح نفسه، أو يقدم ذاته بنفسه، إذ أن تقديم النفس وترشيح الذات مثلبةٌ كبيرة، وفي ديننا عيبٌ ومنقصة، فطالب الإمارة في عرفنا لا يؤمر، والساعي للرئاسة يحجب ويمنع، علماً أن قوانين الحركة ونظمها تتيح لمشعل أن يكون رئيساً للمكتب السياسي لدورةٍ جديدة وأخيرة، ففي تسميته انسجامٌ مع اللوائح والنظم، وعدم تجاوزٍ للقوانين التي حددت رئاسة المكتب بدورتين متتاليتين لا أكثر، حيث اعتبرت أنظمتها ما مضى بسنواته الستة عشر دورةً واحدة، ما يعني أن لمشعل الحق في دورةٍ أخيرة.


قد يكون هناك نوعٌ من التوافق العام على أن يكون خالد مشعل هو عنوان المرحلة القادمة لحركة حماس، ورئيساً مجدداً له لمكتبها السياسي، ولكن هذا لا يمنع أبداً مفاجئات اللحظة الأخيرة، وتفاهمات ما قبل الانعقاد الأول للشورى، وإمكانية أن يظهر مرشحٌ آخر، وأن تختار أغلبية شورى الحركة شخصيةً جديدة، إعمالاً للديمقراطية، وتحقيقاً لمبدأ الانتخاب، إذ أن المجلس سيد نفسه، ومن حقه المفاضلة والاختيار، فيجدد للقديم أو يختار جديداً، كما أن في الحركة رجالاً آخرين، أكفاء وأقوياء، ولديهم الخبرة والكفاءة، ومنهم من كان رئيساً سابقاً للمكتب السياسي، ما يجعل من إمكانية ترشيح آخر واردة، وانسحاب مشعل ممكناً، وفي التجديدِ تجديدٌ، وتنافسٌ وإبداع، وتطلع نحو الأحسن واختيارٌ للأفضل، ولا يعني الحق في دورةٍ ثانية وجوب الاختيار ولزوم الانتخاب، فكثيرٌ ممن كان لهم الحق في دورةٍ ثانية لم ينتخبوا، ولم تجدد شعوبهم الثقة بهم، ولكن كثيرين آخرين جدد لهم، وتمتعوا بدورةٍ ثانية وأخيرة.
لستُ فيما أوردتُ داعياً لتجديدٍ أو محرضاً على اختيار بديل، فالأول فيه الخير والبركة وقد سبق وأعطى، وله محبوه ومريدوه، وحوله مناصروه ومؤيدوه، وغيره سيكون أميناً ووفياً، ومدركاً لعظم المهمة وجسارة المسؤولية، ولكني أستعرض واقعاً يهم الشعب الفلسطيني كله، ويتعلق بالمقاومة، ويمس القضية، وينعكس على كل جوانب شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات، ويتعلق بأمن المنطقة والعلاقة مع المحيط والإقليم، فحركة المقاومة الإسلامية "حماس" لم تعد شأناً خاصة، وحركة مغلقة، وكياناً محدوداً، وجماعة قليلة العدد، عديمة التأثير، محدودة الانتشار، بل أصبحت ملء السمع والبصر، وغاية المدى ومنطلق الأمل، حكومةً تحكم، وحركةً تقود، فهي مع حركة فتح السارية في الخيمة الفلسطينية، والوتد في القضية، ولعلها مرجعية جزءٍ كبير من الشعب الفلسطيني، وموضع ثقتهم، ومحط آمالهم، أمرها يهم العامة والخاصة، وشأنها يمس الشعب والحكومة، لهذا فالجميع فيها شركاء، لهم فيها رأيٌ ومشورة، وعندهم نصحٌ وإرشاد، يتابعون تفاصيلها، ويقلقهم أمرها، يحرصون عليها ويحبون لها الخير، ويدعون لها بالتوفيق والسداد.


فضائح بالجملة!

برغم الخلاف بين المحدِّثين بشأن القول المنسوب إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (لاغيبة لفاسق) ونسبة بعضهم هذا القول إلى التابعي الزاهد الحسن البصري، رحمه الله، إلا إن الفقهاء أجمعوا على أن مُظهر المعاصي المُفاخر بها يجوز إظهار معصيته وبيانها للناس، لأنه في الأصل لايتورَّع عن المجاهرة بمعصيته، ولا يؤذيه ذكرها.

وخيانة الأوطان معصية كبيرة، ترقى إلى مرتبة كبائر الذنوب، وفضح مرتكبيها واجب، وقربة إلى الله، لأن هؤلاء الخونة يتصدَّرون المجالس ويسيطرون على شاشات الفضائيات، ويزوِّقون جرائمهم وخياناتهم، والناس في الغالب لا يعرفون خفايا الأمور يوصدِّقون بكثير ممايُقال..
وإنطلاقاً من منهجنا في فضح العملاء الأراذل الذين تسلَّطوا على العراق وأهله، نحيل القراء الكرام إلى ماورد هنا، ليطلعوا على جملة من الفضائح الموثَّقة لاثنين من عملاء الاحتلالين الأميركي والإيراني في العراق.




الاثنين، 30 يوليو 2012

موهبة القراءة الخاطئة!

في مقالته هذه التي بعث بها على بريدي الإلكتروني، يقرأ الدكتور ضرغام الدباغ حقيقة الموقفين الروسي والصيني، حيال مايجري في سوريا اليوم، ومنذ أشهر، يحلل الدكتور الدباغ الموقف ويعطي تصوراً بشأنه.. قد نتفق أو نختلف بشأنه، ولكنه في كل الأحوال وجهة نظر جديرة بالقراءة والاهتمام..



موهبة القراءة الخاطئة!

ضرغام الدباغ
كنت أمرُّ ذات مرة بالقرب من وزارة الخارجية السوفيتية في موسكو (وهي بناية عملاقة) والساعة قد تجاوزت الثانية عشر ليلاً، لاحظت أن نسبة كبيرة من الغرف مضاءة، مما يعني أن هناك موظفين يعملون في هذه الساعة، فلما أبلغت ملاحظتي هذه  لمن معي وكانوا من الدبلوماسيين المعتمدين في موسكو، أجابوني بأن الوقت الآن في واشنطن الآن في قلب ساعات العمل، وكذلك في بقاع شتى من العالم، أدركت أي جهاز دبلوماسي عملاق يعمل في هذا المكان.

مبنى وزارة الخارجية الروسية في موسكو
وإذ كانت موسكو ليست مولعة بنشر الأحصاءات كالامريكان، ولكننا لا نعتقد أن الأمر يختلف عنه كثيراً في واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقوم بالعمل في وزارة الخارجية كادر عملاق  يبلغ عدد موظفيه 28,053 ألفاً موظفا، منهم: 11467 موظفا في السلك الدبلوماسي و7802 من رعايا دول أجنبية و8784  موظفا في السلك الإداري.
وبرغم هذه الأجهزة العملاقة، التي لا ريب أن شاغلوها من الموظفين على درجة عالية جداً من الكفاءة والتأهيل والتجربة، وتستخدم أرقى أجهزة العمل والاتصال الكترونية، معززة بقدرات تكنيكية كبيرة، ولكننا مع ذلك نسمع وبين الحين والآخر من مخولين بالتصريح أن وزارة الخارجية ارتكبت خطأ هنا أو أخطاء هناك.
هو بالطبع ليس بغباء، فهؤلاء رجال ومؤسسات، ولم يبلغ أحدهم موقعه إلا بعد تراكم خبرة علمية وتجربة عملية(هذا على الأرجح ولكن مع احتمال حدوث أخطاء) بيد أن المشكلة تكمن بتقديري بالقراءة الخاطئة وإهمال التسلسل الموضوعي للأحداث أولاً، وطغيان عوامل الهوى على الحسابات العقلية المجردة ثانياً .
ولا يعني مطلقاً أن الدول الكبرى التي تتمتع بوفرة في الكوادر المهيئة والمدربة ذات المواصفات المهنية العالية أن لا تقع في الخطأ، بل يحدث أن يعترف أكبر المسؤولين في الجسم الدبلوماسي في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان وزير الخارجية، أنهم ارتكبوا ألاف الأخطاء ..! اعتراف صعب ورد على لسان الوزيرة رايس بصدد النشاط السياسي / الدبلوماسي والعسكري الأمريكي في العراق وهو اعتراف ليس بالسهل، وقبلها أعترف الرئيس بوش نفسه بأنهم في الإدارة الأمريكية اخطأوا في الشأن العراقي فيما يخص مسألة جوهرية مثلت ذريعة للعدوان وهي أسلحة الدمار الشامل. واعترف وزير الخارجية الأسبق كولن باول أن اللحظة التي أخرج فيها أمام مجلس الأمن زجاجة صغيرة بحجم الخنصر، مخاطباً أعضاء مجلس الأمن أنها عينة من أسلحة الدمار الشامل العراقين، الوزير باول وصف هذه اللحظة أنها أسوأ ما فعل طيلة حياته.
وهذه الاعترافات هي كافية لإقامة ملاحقة قضائية / سياسية بحق مرتكبي الأخطاء أفراد وجماعات، وإقامة المسؤولية السياسية على من تولى إدارة العمليات السياسية والعسكرية. ولكن في العديد من الحالات، فإن القوى عظمى تخطئ في تقدير موقف معين، بل هي بالاحرى تخطئ تقدير عواقب مواقفها على بناء مفردات الموقف أو حتى على مصالحها في المدى البعيد أو القريب.
أتحدث تحديداً عن الموقف الروسي بالدرجة الاولى ثم الصيني، اللذان يتصرفان حيال الثورة السورية بقراءة خاطئة والسبب على الأرجح ليس لافتقار الدولتين العظميين إلى موظفين سياسيين / دبلوماسيين أكفاء لينضجوا قرارات سليمة لحكوماتهم، بل إلى قراءة خاطئة للموقف برمته، بل بالأخرى للثورات العربية ونتائجها على المدى القريب أو البعيد، فهو قرار قيادي لم يتخذ في  القنوات الدبلوماسية، بل في موقع سيادي وصار إلى إبلاغ هذا القرار إلى الجسم الدبلوماسي  بالوقوف إلى جانب خطأ في الوقت الخطأ والمكان الخطأ، وتسعى الوزارات الخارجية مذعنة للقرار السيادي إلى تفصيل ثوب (وقد يأتي مهلهلاً) لهذا الخيار الخاطئ.
ومن نافلة الكلام القول أن لا علاقة البته بالآيديولوجيا، أو المواقف الشعبوية، فروسيا والصين غادرتا هذا الموقع منذ زمن بعيد جداً، بل لم يعد يتذكره جيل الموظفين السياسيين  الحالي (الدبلوماسيين) حتى لمرتبة السفير، فعشرون عاماً (وهي فترة الانفتاح الاقتصادي والسياسي التي دشنها الروس والصينيون) تكفي لبلوغ الموظف الدبلوماسي المبتدئ في الخدمة لدرجة المستشار، أو السكرتير الأول في أقل الأحوال وهي مراتب قيادية في العمل الدبلوماسي.
فالتحولات الجوهرية التي أنتقل من نتائجها البلدان (الاتحاد السوفيتي/ روسيا ـ الصين) إلى اقتصاد السوق، وما أدراك ما اقتصاد  السوق، الذي يعني فيما يعني اعتماد مبدأ الربح كأساس لنجاح أية فعالية أو نشاط اقتصادية، ودخلوا العولمة من أبوابه العريضة، فدخلت الاحتكارات الإمبريالية العواصم الاشتراكية وهي تصدر الأرباح بالمليارات، ولكن هذا المبدأ يعني بالضبط البراغماتية في السياسة، وهو مبدأ مخالف تماماً لمبدأ العمل السياسي للدبلوماسية الاشتراكية التي ذهبت مع الريح ولم يبقى منها سوى ذكريات دولتين عظميين كانتا تتعاملان وفق المبادئ الاشتراكية والديمقراطية الشعبية، وتقفان إلى جانب الشعوب، ما أمكنها ذلك مع حسابات عدم المجازفة حتى في تلكم العهود الاشتراكية الزاهرة.
الآن تخطط الدوائر السياسية/ الدبلوماسية برامج تحركها بناء على مبادئ المصالح الصرفة، بل صرحت أعلى المستويات السياسية في روسيا، أن ليس هناك مواقف تضامن مجانية كما في عصر الاتحاد السوفيتي، وكاد المسؤول الروسي الكبير بلهجته الساخرة أن يصفها بالغبية.
ربما على المدى القريب فقدت روسيا والصين أنظمة (ليبيا وستخسر سوريا أو خسرتها فعلاً) ولكنها لم تخسر ليبيا وسوريا ومصر الشعب والمستقبل، بل أن روسيا والصين تهددان الآن هذه بمواقفها تهدد مستقبل علاقاتها في الآجال البعيدة دون أن يكون هناك داع حقيقي لهذه المواقف.
فالسوفيت / الروس أنفسهم (وسائر البلدان الاشتراكية في أوربا الشرقية) أذعنوا لشعوبهم في إنهاء أنظمة كانت قد قدمت الكثير جداً لشعوبها من المنجزات التاريخية، فقوضوا بأيديهم ذلك البناء ولم يتركوه للمصادفات أو لتدخل أصابع أجنبية، بل هم من حدد ملامح المستقبل بعد النظام الشيوعي، وربما حسناً فعلوا، فهم أدركوا أن الأمر تجاوزه التاريخ، ولابد من دولة جديدة ونظام جديد، والأمر الذي يقع في الأولوية المطلقة التي لا نقاش فيها: هو صيانة الوطن، وسلامته ومستقبله.
وعلى هذا النحو تقريباً تصرف الصينيون، فاعتبروا أن المهمة الأهم هي تقديم منجزات للشعب، وخلق أنسب الظروف للتقدم، وأطلق دينج شياو بينج قائد الإصلاح الصيني جملته المشهورة " لا يهم إن كان لون الهر ابيضاً أو أسود، المهم أن يلتهم الفئران" جملة حوَّلت مسار تحولات اجتماعية وسياسية والاقتصادية، وتبعه الجهاز الحزبي بانضباط دون أن يتفوَّه أحدهم بكلمة عن يسار ويمين وانحراف وما شاكل ذلك من المصطلحات التي تصدَّر لنا وتجد من يبرع في استخدامها.
ولكن ليس على هذا النحو يتصرف النظام السوري، فمصلحة سوريا الوطن، الاستقلال السياسي، المنجزات، أرواح الناس، هي لا تخطر على بالهم مطلقاً.
وهكذا فالروس والصينيين يرتضون لنا ما رفضوه لأنفسهم، فيقبلون نظاماً في سورية خارج التاريخ والجغرافية والخارطة والزمن، نظام لا هوية له، عائلة فاسدة تريد مواصلة التسلط على بلاد وتستخدم كل شيئ لمواصلة هذا التسلط، بل ويدافعون عنه دفاعاً مستميتاً، ولا دخل للمبادئ هنا، ولا للأخلاق فلسنا نتناقش في تكية، بل سمعنا من لافروف وزير الخارجية الدبلوماسي المحنك كلاماً لم تقله أشد الدوائر تربصاً بالعرب والمسلمين. هذا بعض مما عندهم، ترى ماذا يكنون لنا في الواقع ...؟
مصالحهم هي  أن لا يتحد العالم العربي والإسلامي، وهم في ذلك أكثر تطرفاً من الغرب، هم لا مصلحة لهم أن تحل القضية الفلسطينية لصالح العرب والمسلمين، وهم يتفقون مع الغرب جزئياً في ذلك، ما لا يرتضونه هو أن يكسب الغرب إسرائيل ويحولها إلى قاعدة سياسية وعسكرية واقتصادية له هذا ما يزعجهم فقط .... فقط  ....! وأخيراً وليس آخراً أن لا يخسروا مصالح اقتصادية هي هزيلة إذا ما قورنت بأنشطتهم الاقتصادية التي يجازفون بها.
هو مأزق، أن تجد دول كبرى في موقف الدفاع عن نظام مجرم، مأزق الخروج منه أصعب من الدخول فيه، لا ترتضي لنفسها أن تتراجع بعد بحر من الدماء، ليس هناك ذرة نخالة تتذرع بها روسيا والصين، دماء الآلاف في مسؤوليتهم، يدعمون نظاماً احترقت أوراقها كلها ولم يعد له أي ساتر يتستر به سوى موقف روسيا والصين، نظام يقتل شعبه بالمدفعية والدبابات والطائرات لمدة سنة ونصف.
سمعنا من مصادر روسية مطلعة، أن أوساط القرار السياسي الروسي تعرضت للغش، واستلمت معلومات بولغ بها، وتصورت أن النظام صامد صمود الجبال ثم ثبت أنها نظرية غير دقيقة، وأي نظام هذا يسفك دماء شعبه ليل نهار بوحشية غير خائف من قانون ولا من المحاسبة، والفضل في ذلك للروس والصينيين وفق نظرية:
من أمن العقاب أساء الأدب
ماذا بعد عن موقف الروس والصينيين ....... لا ذريعة لكم،  لقد ألجمتم أفواه محبيكم وأصدقائكم وقريباً جداً سوف لن تجدون من يتحدث عنكم بكلمة خير.


تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..