وجهات نظر
حكمت نديم
كل النظم في العالم لديها مفتاح ومنجل، ولا أستثني أحداً .. وإذا كان "مهاجراني" يعتقد خلاف ذلك فليعطني نظاماً يخلو من منجل، ونظاماً يتباهى فقط بمفتاح بين يديه يتعامل به على وفق سياساته الداخلية والخارجية .!!
كتب عطا الله مهاجراني مقالاً نشرته الشرق الأوسط بتاريخ 24 / 6 / 2013 تحت عنوان (روحاني ، جئت بمفتاح وليس بمنجل!)، استخدم فيه توصيفات أراد برمزية فاضحة أن يأخذ بمنطق القياس بين حالتين تقعان على النقيض، فيما لا نجد إلا توصيفاً واحداً ينطبق على السلوك السياسي الإيراني، في ضوء حقائق التاريخ وحقائق الجغرافيا ..
الرمزية هذه وإن برعت على صفحات الورق إلا أنها لم تجد لها موضع قدم على أرض الواقع، وهذا ليس كل الأمر، المهم ما يترسخ في أذهان الناس الذين يعيشون لحظات القهر والإقصاء والتهديد بالموت والخوف من المجهول.
يقول "حسن روحاني"، إنه جاء إلى الحكم بـ(مفتاح) وليس بـ(منجل)، واعتبر "مهاجراني" الكاتب والوزير الإيراني السابق هذه المفردات رسالة ثانية بعد الأولى التي قالها روحاني، أنه (رجل قانون) وليس (عقيد) .!!
والربط كما يراه "مهاجراني" الكاتب واضحاً، بأن "روحاني" الرئيس الجديد لإيران، هو (رجل قانون بمفتاح) .. أي حَلاَلْ المشاكل .. وليس (عقيد بمنجل) يحصد به رؤوس الناس.. والمغزى من هذا التوهيم يكمن في معنى المفردات التي يريد تسويقها على أن العهد الجديد في إيران هو عهد قانون في يديه مفتاح لحل المشاكل والمعضلات مهما كان نوعها أو شكلها داخلية أم خارجية ..
هكذا، بقدرة قادر تنطوي صفحة إيران، التي يُقرُ "روحاني " ذاته ضمناً، بأن إيران قبل رئاسته كانت (حكم عقيد يحمل منجل) يحصد به رؤوس الوطنيين من أبناء الشعوب الإيرانية التي مسخها ولي الفقيه وحولها إلى عبيد باسم الطائفة الصفوية.. ألم يقتل "إسماعيل الصفوي" مئات الآلاف من أبناء الشعوب الإيرانية الذين رفضوا تغيير مذهبهم إلى الصفوية المارقة؟!
كما أن هذا الحديث بهذا المدلول يعكس للعالم أن فصلاً جديداً من تاريخ إيران الراهن سيبدأ إذ يقول "مهاجراني" .. (بدأ الإيرانيون، بعد ثمان سنوات يرون رئيسهم وهو يتحدث بشكل مهذب) ويضيف إن (الرئيس المنتهية ولايته "محمود أحمدي نجاد" لم يقم بتدمير السياسة والاقتصاد فحسب، ولكنه قام أيضاً بتدمير الأخلاق والثقافة)!
والتساؤل هنا .. ألم يكن أحمدي نجاد يرتبط بولي الفقيه طيلة ثمان سنوات؟ ألم يكن يحتل مكانة مهمة في نظام المرشد الأعلى "علي خامنئي" ؟ ألم يكن هذا الكلام اعتراف واضح بأن السنوات الثمان، التي قضاها احمدي نجاد كرئيس للجمهورية وهو يعبث بأمن المنطقة من خلال سياسة كان المرشد الأعلى يشرف عليها، فدمر الاقتصاد، والأخطر من ذلك الاعتراف بأن إيران مارست سياسة تدمير الأخلاق.. فإذا كان رئيس الجمهورية وطيلة عقد من السنين تقريباً يدمر الأخلاق، أخلاق الشعوب الإيرانية في سياسته الخارجية، فمن المسؤول عن سلوكه هذا؟ ولماذا يسكت عليه المرشد الأعلى "علي خامنئي" طيلة هذه الفترة التي دمر فيها السياسة والاقتصاد والأخلاق؟!
رواية الأديب العربي الكبير "نجيب محفوظ" الذي حاز على جائزة نوبل في الأدب، (الحرافيش)، تحكي قصة حكم الحرافيش الذين يدمرون السياسة والاقتصاد والأخلاق، فهم بهذا العمل ليسوا وطنيين، لأن الوطني لا يدمر اقتصاد بلده ولا يهتك أخلاق مجتمعه، فالوطني يحسب حساب الأخلاق في القيادة فينتهج سياسة أخلاقية لا يعتدي فيها على أحد ولا يتطاول على أحد ولا يضمر شراً وحقداً ولا انتقاماً.
في الحرب الإيرانية- العراقية، كان كثير من الأسرى العراقيون لا يرجعون، لا إلى معسكرات أو أقفاص الأسر ولا إلى بلدهم العراق، وكانوا يقتلون وهم أسرى، يقتلون بالجملة.. وهل ينسى العالم، حين تمزقت أشلاء أسير عراقي ربط بين سيارتين تسيران باتجاه معاكس.. تلك الجريمة البشعة قد ارتكبها الإيرانيون بدم بارد.؟!
يتكلم الكاتب "مهاجراني" عن الأخلاق، التي دمرها أحمدي نجاد.. وماذا عن هاشمي رفسنجاني ولاريجاني ومحتشمي وسليماني وآخرون كثر سبقوهم .. وماذا عن "خميني" وفتاواه التي يندى لها الجبين وهو يتحدث ويفتي في ما يرفضه شرع الإسلام الحنيف.. وتحريضه على الحروب وإزهاق أرواح مئات الاف الإيرانيين وتوزيع مفاتيح الجنة عليهم، وإزهاق أرواح الاف العراقيين وهم يدافعون عن وطنهم وعرضهم وأموالهم ومستقبل أجيالهم.. هذا الخميني الذي أواه العراق وحماه وأطعمه سنيناً طوالاً، ولكن رده كان لئيماً وحاقداً أشعل النار ثمان سنوات، فهو لم يأتِ إلى حكم إيران إلا من أجل إشعال الحرب وبث سموم الفتنة الطائفية بين المسلمين وقتل الأبرياء وتشريدهم من بلدانهم منذ عام 1979 وحتى الوقت الحاضر.
أما القادة الإيرانيون الذين جاءوا بعده ما يزالون يزاولون لعبة القتل المبرمج في الأحواز، فيما بات العراق وسوريا مرتعاً لضباع طائفية لا تشبع من قتل المسلمين ولا ترتوي من دمائهم.. فهل أن قادة إيران ومنهم "روحاني" بجلدهم الأملس، يحملون مفاتيح للإصلاح وحل المشكلات وحماية القيم والأخلاق؟
لماذا يخفي "مهاجراني" مناجل الحرس الثوري الإيراني، ومناجل فيلق القدس الإيراني، ومناجل فيلق بدر والميليشيات الإيرانية في العراق، ومناجل حزب الله في الجنوب اللبناني الخاضع لولاية الفقيه؟
لم يتحدث "مهاجراني" طبعاً، عن مناجل الخلايا الصفوية التي يخفونها في ثيابهم وهم بين ظهراني شعبنا العربي في اليمن والبحرين والسعودية والكويت والإمارات ومصر وغيرها..
يا لبؤسك يا "مهاجراني" على هذا الطرح .. والعتب كل العتب على صحيفة الشرق الأوسط التي تستقبل كلماتك التي تخفي السم الزعاف!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق