موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الاثنين، 8 سبتمبر 2014

سهولة الانتقال من العمالة الى الوطنية في عراق اليوم

وجهات نظر
سعد ناجي جواد
من نوادر السياسة العراقية المعاصرة والحقيقية، أن أحد القيادات العسكرية في العهد الجمهوري الأول، وعندما كان رئيس الوزراء آنذاك المرحوم عبدالكريم قاسم يتكئ على الشيوعيين لمحاربة المد القومي الوحدوي، وجد أن خير وسيلة لارضاء (الزعيم) كما كان يطلق على قاسم، والتقرب منه، هو بملء دائرته أو المصلحة التي يرأسها بالموظفين الشيوعيين ومليشياتهم (المقاومة الشعبية) حتى أصبحت مصلحته احدى القواعد الشيوعية الكبيرة في بغداد.

استمر هذا الرجل على نهجه حتى بعد ان استنفد قاسم هدفه من تقريب الشيوعيين وأبعد فكرة الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة آنذاك (مصر وسورية) من الشارع العراقي، الأمر الذي أثار حفيظة قاسم فاستدعاه الى مكتبه كي يعنفه وينبهه. ويبدو أن هذا القيادي، وهو ضابط زميل لقاسم، كان من السذاجة والطيبة بحيث انه لم يلحظ تغير سياسة قاسم. وبعد أن استمع لتعنيف قاسم قال له "يا سيادة الزعيم أنت لم تخبرني بأنك بدَّلت، اي غيَّرت، كير" اشارة الى أداة التعشيق في السيارة (الفيتيس عند البعض ايضا) من سرعة الى سرعة.
وهو مثل صار العراقيون يضربونه عندما يغير الشخص موقفه 180 درجة. ثم طلب منه أن يمهله حتى يعود الى مقره كي يبدأ سياسة جديدة. وبالفعل فانه بمجرد أن ذهب الى مقر عمله حتى قام بفصل وطرد كل الكوادر الشيوعية وأفراد (المقاومة الشعبية) وكل من يؤيدهم. وانقلب من مؤيد كبير للحزب الشيوعي الى معاد له.
وبينما شعر هو بفخر كبير لارضاء قاسم واحتفاظه بمنصبه لم ينتبه الى أن فعلته جعلت منه اضحوكة يتندر بها زملاؤه الضباط، بل وكل العراقيين. ويبدو أن أغلب قادة العراق الجديد وعملاء الاحتلال لا يزالون يعتقدون ان عملية (تبديل الكير) في السياسة أمر سهل وينطلي على الشعوب بسهولة.
تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ تصريحات عديدة ومتزايدة من ساسة عراقيين يتحدثون الآن عن الاحتلال الامريكي وأثره السيئ على العراق، متناسين انهم في 2003 و2004 كانوا ينعتونه (بالتحرير) وكل من يطلق على ما جرى صفة الاحتلال كانوا ينعتونه بعميل صدام أو بعثي أو من أزلام النظام السابق، ناهيك عن ارتمائهم في أحضان الادارتين الامريكية والبريطانية، بل وحتى الصهيونية، اثناء الحصار اللاانساني والظالم على العراق منذ عام 1990، الذي حصد أرواح أكثر من مليون و800 الف نسمة من العراقيين، اغلبهم من النساء والأطفال.
فهذا الذي روَّج للاحتلال يتحدث عن سوء الاحتلال وفشله، وعن مواقفه البطولية في مواجهته ومواجهة ادارته، وذاك الذي تبجح بتعاونه مع عشرات الأجهزة المخابراتية الدولية من أجل اسقاط النظام، يحتج اليوم على تدخل ادارة الاحتلال في السياسة العراقية وتفضيل شخص على آخر، وثالث احتل أعلى القيادات يشمئز من محاولة البعض تدويل القضية العراقية، متناسيا انه كان يحرض المجتمع الدولي على العراق، ورابع اعتبرت كتاباته من أهم ما استند اليها قادة المحافظين الجدد لتشويه النظام السابق واحتلال العراق، يتحدث اليوم عن (جمهورية القتل والفساد) في العراق، ولكنه لم يتجرأ ويكتب لنا كتابا واحدا خلال أكثر من سبع سنوات يفضح فيه هذه الجمهورية الجديدة خشية أن يغضب قيادات الدولة المحتلة والكيان الصهيوني. والأخير يتحدث عن تغلغل ايران في ادارة شؤون العراق والهيمنة عليه وهو الذي كان من اكبر المساهمين في ادخال هذا النفوذ للعراق.
الأمر اللافت للنظر أن هذه الظاهرة لم تقتصر على (الساسة الكبار) وانما انتقلت الى الصغار والتافهين منهم والذين أبرزهم الاحتلال وجعلت منهم دعاياته مفكرين ومناضلين كبارا.
فمثلا نجد أن أحدهما وهو الذي اعتاد أثناء الحصار والتحضيرات للحرب أن يظهر علينا على شاشات التلفاز متبجحا بقرب خلاص العراقيين من "ظلم البعثيين" ويبشرهم بديمقراطية ستكون نموذجا يحسدهم عليه العرب وابناء المنطقة بل والعالم، اختفى من وسائل الاعلام بصورة شبه تامة واكتفى بالقول بأنه لا يلوم الولايات المتحدة على ما فعلت في العراق وانما اللوم يقع على العراقيين لأنهم أفسدوا (المشروع الأمريكي العظيم) ولم يكونوا بمستواه.
وآخر خصصت له اذاعة كي تمهد للاحتلال يكتب اليوم بأسى أن الجيش العراقي الجديد الذي شكَّله الاحتلال هو جيش غير قادر على حماية البلاد ويذكرنا بأن الأسس الرصينة والمهنية العالية التي كانت معتمدة في السابق في اختيار قادة الجيش وضباطه وأركانه قد اختفت وحلَّ محلها أسلوب منح الرتب الى من لا يستحقها وتعيين غير الكفوئين واصحاب السمعة السيئة.
ويتذمر أحد الاعلاميين المغمورين الذي أصبح في ليلة وضحاها اعلاميا يشار له بالبنان في احدى القنوات الأمريكية الناطقة بالعربية، من أن اسناد المناصب، وحتى الصغيرة منها، في عراق الاحتلال يكون للأشخاص غير المؤهلين والفاسدين الجهلة. وأذكر أن هذا الاعلامي كان قد علَّق على مقالتين جريئتين كتبها استاذان جامعيان من جامعة بغداد وفي ظل النظام السابق عن ضرورة الديمقراطية في العراق نشرت في صحيفة عربية واسعة الانتشار، علَّق بمقالة قال فيها ان الأساتذة العراقيين قالوا نصف الحقيقة مع تلميحات سلبية أخرى. بينما عندما اصبح مقدما لبرنامج أسبوعي عن العراق في القناة التي يعمل بها، كنت ألاحظ كيف انه كان يقمع كل رأي يطرحه عراقي منتقدا الاحتلال وممارساته الفاشلة، ويفسح المجال لمؤيدي الاحتلال وممثليه لكي يصولوا ويجولوا بدون مقاطعة تذكر.
ربما تكون العاطفة العراقية وحب العراق هو ما يجعل العراقيين يتذكرون هذه الحقائق وهؤلاء الأشخاص بين فترة وأخرى وربما أيضا من السذاجة المطالبة الآن بمحاسبة هؤلاء الصغار الذين كانو يعملون ضمن خطة موضوعة بدقة لاحتلال العراق وتدميره، في الوقت الذي سكت فيه المجتمع الدولي عن ساسة كبار كذبوا وزوروا وأمروا بالقتل والتدمير. وسكت نفس المجتمع ويتستر على عملاء صغار حاولوا، بعد هروبهم من العراق لأسباب هم اعلم بها ولكي يحصلوا على اقامات وجنسيات أجنبية ودعم مالي بعد هروبهم، الترويج لدعايات كاذبة عن امتلاك العراق لسلاح نووي وأسلحة محظورة وعن قدرة العراق على مهاجمة الغرب والولايات المتحدة خلال 45 دقيقة ووصفوا بأنهم علماء كبار، ثم لم يعد لهم ذكر.
وربما يكون من المبالغة الدعوى الى محاسبة اعلاميين وكتاب صغار او مطالبتهم بأن يتحلوا بالنزاهة والمهنية والحيادية، في الوقت الذي لم تلتزم به أهم وأكبر وأعرق الصحف العالمية بهذه المهنية والنزاهة وروجت لأكاذيب أقنعت الكثيرين بضرورة احتلال العراق، وتحاول اليوم لعب نفس الدور مع ايران وفنزويلا.
صحيح أن الأقلام التي بقيت موضوعية قليلة جدا. وصحيح أننا نعيش في زمن اصبحت فيه نعوت العمالة وخدمة الأجنبي نعوتا لا يخجل من ينعت بها ان لم نقل انها اصبحت مدعاة فخر لبعضهم، وصحيح أن ظاهرة (تبديل الكير) اصبحت ظاهرة واسعة الانتشار، وخاصة في العراق وما يتعلق به بعد أن أثبت الاحتلال فشله، وها هو الان يترك جزئيا عراقا يقتل فيه المئات كل شهر وضاعت فيه حياة اكثر من مليون ونصف المليون عراقي بريء، وشرد خمسة ملايين انسان وخلف ثلاثة ملايين يتيم ومليوني أرملة وأهدر المليارت من الدولارات وخلق طبقة من الفاسدين لا يقوى هو على محاربتها، ان لم نقل انه لا يريد لأنه يأوي عددا غير قليل من هؤلاء الفاسدين والسراق.
الا أن التاريخ يخبرنا ان عملية (تبديل الكير) قد تنطلي على البعض ولبعض الوقت، الا أنها لا تنطلي على المؤرخين النزيهين والمحايدين. فالكل عرف ان الجنرال بيتان خائن لفرنسا وأن ديغول يبقى محررها وقائد نهضتها، على الرغم من قلة مؤيديه اثناء نضاله. والكل يعرف من هو باتريس لومومبا ولا أحد يتذكر مويس تشومبي. وان سلفادور أليندي قتل مناضلا شريفا وان قاتله بينوشيت الذي عاش ضعف عمر أليندي ظل يلاحق على جرائمه وعمالته. والكل يعرف من هو هوشيه منه والجنرال جياب ولا أحد يتذكر اسما من الأسماء الفيتنامية التي تعاونت مع الولايات المتحدة ضد أبناء جلدتها. والأمثلة كثيرة على نماذج حاولت أن (تبدِّل كير) وفشلت في تغيير التأريخ.

ملاحظة:
نشر المقال هنا.
  

هناك تعليقان (2):

Hillal Aldulaimy يقول...

قلناها شعار كما تذكر اخي ابو عبدالله في مؤتمر انت طرف فيه: عميل اليوم مناضل الغد لا يمكن ان نقبله.
وهذا الامر هو اشد ما يلاقي عقل العاقل لان الخائن لا امانة له ومن لا امانة له لا دين له ومن لا يعرف طعم الحرية ما فرقت لدية الوان العبودية

ابوزينه العربي يقول...

تبديل الكير ههههه مطلح عراقي اعجبني . واستشهد بتوصيف شاعر لهولاء مبدلين الكير من علاقمة القرن الحالي في قصيدته الشهيره اخر العظماء

(( ياااا اخر العظماء اذهلت الورى. ..
وتحير المعقول والمنقول

فرد توهج عزمه فاختاره ..... لجليل افعال الزمان جليل
ترعى العهود وينكثون عهودهم. ... فسلالة ابن العلقمي مغول ))

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..