موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

المداخل (الخلفية) للهيمنة الكونية 2


هذه هي الحلقة الثانية من مقال الكاتب العربي السيد صلاح المختار، عن المداخل الخلفية للهيمنة الكونية، بعد ان كنا نشرنا الحلقة الأولى من هذه الثلاثية هنا.





المداخل (الخلفية) للهيمنة الكونية  2

نحن نعزل الملوك لكن لا نغير السلوك
الكاتب المصري جلال عامر 

صلاح المختار
ما هي حالة ما قبل الانسان؟
حينما تغير امريكا الانظمة وتنجح في ذلك فانها ، في حالة الدول ذات الحضارات العريقة والتي تتجذر فيها قيم عليا متكونة ومتبلورة منذ مئات السنين وربما منذ الاف السنين ، تواجه مشكلة ليست سياسية وانما نفسية فكرية تربوية بالدرجة الاولى تتمثل في منظومة قيمية تشكل مصدر صلابة تكوين وصمود الشعوب ، او نخبها على الاقل ، بما في ذلك سلبية العناد والتصلب مهما كانت الخسائر نتيجة الانحطاط الحضاري الذي اصاب الامم القديمة ولكنه لم يقتل جذورها الحضارية كلها ، وهي منظومات قيم تمكنهم من تحمل ومقاومة كافة اشكال الاضطهاد او الاغراء وتحمل كافة التضحيات دفاعا عن قيمهم العليا وهي قيم تمثل هويتهم امام انفسهم وامام  العالم . وذلك تجد الفلاح العراقي الامي وغير المثقف لديه حكمة وضوابط سلوك راقية لا تجدها في الدول المتقدمة حاليا .
في هذا النوع من الصراع لاتنفع وسائل القهر العسكري ولا العمل المخابراتي المباشر والسريع ولابد ، اولا وقبل كل شيء ،  من هز ثم تفكيك منظومة القيم للشعوب ووضعها عند حافة الموت لفترة طويلة ، ثم جعل كتل ضخمة تذوق الموت في اشد اشكاله وحشية وتأثيرا سلبيا على من بقي حيا بايصاله الى حافة الموت ، لان تلك الحالة خير وسيلة لازالة الطبيعة الثانية للانسان المتكون قيميا واعادته الى عبوديته لطبيعته الاصلية والارسخ : الغريزة ، وهي حالة ما قبل الانسان !
بتعبير اخر جعل القانون المطلق المتحكم بالمخلوق هذا هو التمسك بالبقاء الحيواني المجرد من القيم واهم مقدماته قبول طروحات العدو التقليدي الاخلاقية والقيمية والسياسية من اجل العيش فقط مع انه كان يرفضها بشدة بلا تفكير او بتفكير عميق ، وعندها تبدأ رحالة الفساد والافساد وتظهر فئات كثيرة لديها الاستعداد للتكيف مع غريزة البقاء المجرد من القيم الانسانية والاخلاقية . وهكذا تعاد ولادة الحيوان الوحش الذي يتلذذ بالقتل والاعتداء حتى حينما يكون شبعانا ، بلا حسابات او تفكير عقلاني ، وهذا الحيوان الوحش ليس الحيوان العادي الذي لا يقتل الا عندما يجوع ويحتاج فعلا للاكل .
ان النخب الامريكية المسيطرة على المجتمع بقوة المال تنتمي للحيوان الوحش وليس للحيوان العادي ، وهذا ما تجلى ويتجلى في حروب وحملات ابادة الشعوب وتعمد تدمير الحضارات ومقومات الحياة وليس فقط نهب ثرواتها ، والتي تجاوزت 40 حربا عداونية رغم ان عمرها يزيد قليلا على 200 عاما ! وهذا العدد من الحروب لا توجد اي دولة وصلت اليه حتى تلك التي عمرها الاف السنين ، ولذلك فان من مصلحة امريكا اعادة تشكيل بنية وعي الانسان الحالي في العالم ليكون على شاكلتها في هذا الجانب بالذات وتلك هي الامركة في اشد اشكالها وحشية وارتدادا عن الوجود الانساني .
وربما ينبري البعض فيقول تلك اتهامات مبالغ فيها ولذلك نقول باصرار بانه  ليس اتهاما بل هو حالة عشناها ونعيشها في العراق منذ فرضت امريكا علينا الحصار الشامل وغير المسبوق بقسوته ووحشيته لمدة 13 عاما واكملته  بغزو شامل في عام 2003 لم يقتصر على اسقاط النظام فقط بل تعمد تدمير الحياة الانسانية ابتداءا من تفكيك منظومة قيمها وتدمير ما حصل من تقدم حضري وانساني وانجازات عظمى في مجالات اعادة تربية الانسان ليكون اكثر انسانية وتقدما ، وكان من بين اول ما تعمدت امريكا تدميره في العراق المحتل هو الاثار التاريخية لبابل واور اللتان حولتا الى معسكرات ضخمة ممنوع دخولها على العراقيين ، ونهب  المتحف العراقي الذي يضم ادلة التحضر الانساني لفترة تصل الى ثمانية الاف عام ، وهذه الخطوة وحدها تكفي لتحديد الهوية الحقيقية للنخب الحاكمة في امريكا .
             في العراق لجأت امريكا الى محاولة اعادة الانسان الى ما قبل الانسان ، وليس فقط الى ما قبل الصناعة كما هدد جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكية ، وكانت قابلة توليد حالة ما قبل الانسان  هي الحصار الطويل المقترن باسوأ اشكال المعاناة الانسانية والتي وصلت حد منع الدواء والغذاء عن العراقيين وكانت نتيجته موت اكثر من مليوني عراقي ما بين عامي 1991 و2003  بالاضافة لاصابة ملايين العراقيين بعوق نفسي او جسدي ، كانت تلك الخطة حرفيا عبارة عن وسيلة لاعادة انتاج المخلوق الذي كانه الانسان قبل ان يصبح انسانا ، واعادة الانسان الى ما قبل الانسان هو الهدف الجوهري للستراتيجة الكونية الامريكية ، ففي عالم الفوضى الهلاكة تبقى امريكا هي الحزب الوحيد المنظم تنظيما جيدا والمسلح تسليحا متفوقا وهي ذلك تستطيع في بيئة الفوضى فرض ديكتاتوريتها العالمية .
والخطورة القاتلة فيما جرى في العراق هي عملية التهجين الاصطناعي الحتمي للمخلوق الانساني ، اذ ان اعادة توليد مخلوق ما قبل الانسان تتم في بيئة غير البيئة التي ولّدت ذلك المخلوق وهي بيئة بدائية وعفوية وطبيعية حيث كان المخلوق يكتشف الاشياء بنفسه عبر الاختبارات اليومية معتمدا على ذكاء بسيط جدا وبدائي ، لذلك كانت وحشيته محدودة الاثر وطبيعية . اما اعادة توليد مخلوق ما قبل الانسان الان فانها عملية تخضع مخلوقا اصبح انسانا ولم يعد وحشا كامل الوحشية وامتلك تجارب وخبرات وذكاء حاد مبدع للخير وللشر في ان واحد فهو مخلوق واع وذكي ومجرب ومبدع من جهة ، ومن جهة ثانية انه اخترع اسلحة مدمرة ومذهلة .
ما الذي يترتب على ذلك ؟ ان انتاج اعادة مخلوق ما قبل الانسان الان خطوة كارثية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الوحشية الحيوانية برمته منذ خلق كل حيوان بما في ذلك من نسميه ب ( الانسان )، لانها تقوم على الافناء والتدمير الشاملين للبشر والحجر  والنهب الفوضوي والمنظم للثروات ، وهي حالة لم نرى مثيلا لها من قبل لان التدمير في عصور الهمجية كان من افعال مخلوق همجي ومتخلف ، لذلك فمخلوق ما قبل الانسان الحالي اكثر خطورة بمراحل من مخلوق ما قبل الانسان القديم . الا يفرض هذا الواقع علينا تذكر شيئا ما ؟  هل نستطيع فصل وجود مخلوق ما قبل الانسان الان عن تطبيق مفهوم الفوضى الخلاقة الذي بشرت به كونداليزا رايس وزيرة خارجية امريكا ؟ هل توجد فوضى اكثر خلقا للدمار وابادة الانسان واعادة تصنيع الوحش المنفلت من فوضى كوندي وبوش ؟
ان اعمال القتل الجماعي والفردي وعمليات نهب المال والاغتصاب وارتكاب اخطر الجرائم واشدها بشاعة تم ويتم في بيئة هيمنة قيم ما قبل الانسان وجعلها عمدا حالة هستيريا خطيرة غذتها امريكا ومخابراتها وايران ومخابراتها لايصال الشعب العراقي ورغما عنه وعن معتقداته الى حالة التوحش المنفلت وغير القابل للكبح . في هذه البيئة غير الطبيعية فقط يمكن الشروع في تقسيم العراق وغيره ، وازالة هويته الواحدة وغرس هويات اخرى في النثار المتناقض الذي ادى اليه التقسيم ، هويات لا صلة لها بالهوية الاصلية والطبيعية .
كيف يتم ذلك ؟ يمكن تمييز ثلاث ممهدات رئيسة كانت المقرر الحاسم وراء ستراتيجية اعادة الانسان الى ما قبل الانسان وهي :
الممهد الاول : الردة القسرية : علينا اذا اردنا ان نفهم حقيقة الشخصية الامريكية المهيمنة وتصرفاتها العامة والخاصة ان نتذكر دائما ان الامريكي بلا هوية لانه مازال يحتفظ باصوله القومية والدينية الاصلية ولم يندمج الا في مجال العمل اساسا ، ولذلك لم تتكون بعد هوية الامة في امريكا وكل ما لديها هو  رشوات الرفاهية وتوفر الفرص لمن فقدها في بلده فهاجر الى بلد ( الفرص والثراء ) ، وهذه الحالة تجعل امكانية تفتيت امريكا اسهل من تفتيت امة متكونة واصيلة ، خصوصا حينما ينتهي عصر الرفاهية وتنعدم الفرص ويستبعد الثراء السريع ويحل محلهما شبح الفاقة والموت سواء بسبب الازمات الاقتصادية او الحروب . لذلك ، ونتيجة لعدم وجود روابط الامة والهوية القومية ، استعان الامريكي بكافة اشكال اللصق الاصطناعي لتكوين امة بسرعة ، وكانت هولي وود اكبر مطبخ لسلق امة بسرعة وعلى نار حارة جدا وسخرت الافلام وكل وسائل اعادة تكوين الوعي الانساني من اجل اقناع المستوطنين في امريكا الشمالية بانهم امة متكونة ، ومن تعود على اكل طعام مطبوخ بسرعة وعلى نار شديدة الحرارة  يعرف جيدا ما نعني .
 هذه الحقيقة شخصها صموئيل هنتنغتون في نظريته  تصادم الحضارات  Clash of civilization   حينما اعترف بان وجود عدو خارجي لامريكا هو اهم عوامل وحدتها وزواله اهم اسباب تفككها وتقسيمها لذلك وصل لاستنتاج خطير على الشعوب الاخرى وهو انه اذا لم يكن هناك عدو خارجي يهدد امريكا فيجب خلقه لضمان استمرارية وحدتها ، ويتابع في احدى دراساته وهي ( تأكل مفهوم المصلحة القومية ) المنشور في عام 1998 ويقول بعد زوال الاتحاد السوفيتي اصبحت امريكا مهددة بالتشرذم من الداخل وتقسيمها لذلك علينا خلق عدو جديد لابقاء وحدة امريكا ومنع تقسيمها والعدو الجديد هو الاسلام ! ونتيجة لهذه النزعة الانانية الصرفة نرى الامريكي ، طبعا المنتمي للنخبة المسيطرة ، مخلوق يرتدي زي الانسان المتحضر فقط لكنه في واقعه مخلوق ما قبل الانسان بشراسته المتطرفة واستعداده للقتل والابادة للاخرين من اجل الاستيلاء على ثرواتهم ومصادر حياتهم حتى لو كان هو شبعانا ومتخما بالثراء ومريضا بالسمنة لا نه يستهلك 80% من استهلاك اللحم في العالم مع ان سكان امريكا لا يتجاوز عددهم  300 مليون انسان من مجموع 6 مليار انسان .
وحالة النخبة الامريكية تشبه حالة فئة من مخلوقات ما قبل الانسان كانت اسيرة الموت جوعا لفترات طويلة ثم وجدت ملاذا امنا وغنيا فشبعت واستقرت وسهلت حياتها ولكنها بقيت تعاني من ( عقدة الجوع القديم ) وتهديده بالموت والعذاب لهذا لم تتوقف عن غزو الاخرين وتكديس الثروات المنهوبة في الكهوف وتحت الارض لضمان انها لن تجوع مرة اخرى ، دون الاهتمام بحقيقة ان هذه العملية تمت على حساب اخرين ماتوا جوعا نتيجة سرقة المقدار القليل من الغذاء لديهم . وتلك هي حالة ما قبل الحيوان وليست حالة ما قبل الانسان فقط لان الحيوان العادي لا يقتل او يغزو الا عندما يجوع ، وعندما يشبع يكف عن الغزو والهجوم وهذه الحقيقة معروفة للحيوانات الاخرى التي كانت فرائس لذوي الانياب وكانت تقترب من المفترس دون خوف لانها تعرف انه شبع ولن يقتل .
من هنا فان احد اهم ممهدات اعادة كل البشر لما قبل الانسان ، اي مرحلة الحيوانية المرضية وليس الحيوانية الطبيعية ، جعل كل او على الاقل الكثير من البشر على شاكلة امريكا من حيث النزعة الحيوانية المرضية . والحيوانية المرضية تختلف عن الحيوانية العادية في ان الاولى حيوانية شرهة لا تشبع ابدا وتكدس الجثث التي لا تحتاجها بعد الشبع لاجل ضمان ان الغد فيه اكل . لهذا تتميز الحيوانية المرضية بانها اسيرة لاخطر انواع نزعة ابادة الاخر سواء كانت ابادته ضرورية او غير ضرورية . واعادة الانسان الى مرحلة الحيوانية المرضية ، او جعله مصابا بجرثومتها يبدأ بتدمير منظومة قيمه العليا ومكونات هويته الحضارية الثقافية والانسانية وتجريده من الروادع وجعله اسير نزعات انانية متطرفة لا تعرف الشبع والاكتفاء ، وهذه الردة الجذرية  لن تتم الا بتجويع من كان شبعانا طوال حياته او بعض حياته ووضعه امام احتمال موت دائم وقتل ابناءه وزوجته واقاربه وصدقاءه امامه بلا رحمة وبلا ذنب او مبرر ،  وسلب داره وماله وتهجيره من وطنه بالارهاب الاحمر  وتعذيبه كل دقيقة بتغييب وسائل العيش وافقاده الامان ، ان حالة العراق بعد غزوه تقدم لنا حالة انموذجية لشروط ارتداد الانسان لمرحلة ما قبل الانسان ، وتلك هي اكبر جرائم امريكا في العصر الحديث ، لان جريمة ابادة 112 مليون هندي احمر هم السكان الاصليون لامريكا بلا مبرر فسرت على انها من اجل تاسيس وطن للمهاجرين من اوربا ، اما تدمير الانسان في العراق بتدمير بيئة عيشه فانه لم يكن باي شكل من اجل حاجة حيوية طبيعية لامريكا بل كان نتاج نزعة حيوانية مرضية صرفة .
  الممهد الثاني : الازمة البنوية ، وهذا الممهد داخلي في المقام الاول وهي العامل الحاسم في التعجيل بالامركة ، لان امريكا وهي ترى ان فرصة العمر قد توفرت للسيطرة على العالم وامركته ، وذلك اهم اهداف امريكا منذ انشاءها ، نتيجة زوال العقبة الاساسية وهي غياب النظم الشيوعية الاوربية ، ترى ايضا وبرعب بان قدرتها على اقامة الامبراطورية الكونية ناقصة او غير كافية لانها مريضة من الداخل وتفتقر لاهم متطلبات التوسع الامبريالي ، وهي الاقتصاد السليم والقوي والخالي من الامراض البنيوية . ان امريكا مريضة حد الاحتضار فنظامها الرأسمالي شاخ ووصل مرحلته الاخيرة ، لكن المفارقة الكبرى هي ان امريكا المحتضرة والشائخة غنية على حساب الاخرين بفضل الدولار الورقي اساسا والذي وفر لها اعظم فرص بناء القوة المادية المتفوقة عسكريا وتكنولوجيا ، وهي لذلك تربط بقاءها وبناء امبراطوريتها ببقاء الدولار عملة عالمية لا تنافس ولا تحل محلها عملة اخرى ، مع ان العالم يشهد بروز عملات اخرى منافسة واقوى من الدولار مثل عملات اليابان والاتحاد الاوربي والصين  . ولاختصار الفكرة نركز على ما يلي :
أ – الدين العام الامريكي فتح سقفه وتجاوز ال12 تريليون دولار وهو رقم يعني ان امريكا تعيش بالدين وتقاتل بالدين وتتاجر بالدين ، فكل دولار في العالم هو دين بذمة امريكا وبما ان ما طبع من دولارات منذ منتصف السبعينيات كان بلا رصيد ذهبي فان تغيير العملة اومنافسة العملة الامريكية يعني انهيار امريكا من الداخل وافلاسها نتيجة كونها مدينة للخارج باكثر من مجموع قيمة ناتجها القومي ، فكيف تمنع بروز اخرين منافسين وهي مريضة ؟ ان الازمة المالية التي اندلعت في عام 2008 ليست سوى مثال بسيط لما تعاني منه امريكا . انها مريضة حتى العظم .
ب – العجز العسكري : نتيجة بروز المقاومة الشعبية المسلحة كبديل عن المواجهة العسكرية النظامية فتفوق امريكا المطلق دفع الشعوب لفكرة اعتماد المقاومة المسلحة لاجل تحييد اغلب امكانيات امريكا العسكرية ، وقدمت المقاومة العراقية مثال رائعا وناجحا لفعالية هذا الرد على التفوق الامريكي ، ولذلك فان امريكا ورغم تفوقها العسكري عاجزة عن مواجهة شعوب لديها مقاومة مسلحة او ستعداد لممارستها اذا تعرضت للغزو الامريكي .
ان من اهم  دروس غزو العراق الذي جعل امريكا تواجه هزيمة منكرة بفضل المقاومة العراقية هو درس ضرورة تغيير اساليب التوسع الامبريالي في الوطن العربي والتخلي عن الغزو المباشر واعتماد جوهر نظرية ستراتيجية معروفة وهي نظرية الضربة الاستباقية  Preemptive strike والتي تقوم هنا على استغلال عزلة الانظمة العربية عن الجماهير ورفضها نتيجة فسادها واستبدادها وعمالة اغلبها وتشجيع الناس على اسقاطها وتدريب شباب  غير مسيس وغير واع ستراتيجيا ، وبعضه مدرب استخباريا ، للقيام باسقاطها قبل ان تتمكن القوى الوطنية من اسقاطها ، مع استبعاد القوى الوطنية بكافة الطرق عن مجرى الحدث التغييري ، ودعم ادوات محلية ملغومة او ساذجة ستراتيجيا لتقوم باشعال الفتن ، بدل الثورة الشعبية الحقيقية .
وهكذا بدلا من تحقيق اهداف الشعب عبر اسقاط الانظمة فان النتيجة تكون انتشار فوضى خطيرة تحرق الاخضر واليابس وتدمر الدولة والمجتمع  ولا تقف الاحداث عند اسقاط النظم ، وتلك هي الضربة الاستباقية الذكية التي تمنع الثورة الحقيقية وتجهضها ثم تنشر بدلا عنها الفوضى الهلاكة برضا واسع النطاق من قبل من يتعقدون بسذاجة بان ما يجري هو ثورة ستوصل الى خلاصهم وحريتهم وتحقيق العدالة .
ج – هشاشة المعنويات الامريكية : نتيجة غياب الهوية القومية واعتماد البراغماتية موجها للحياة الامريكية التي تجعل الفائدة او المصلحة الفردية معيار الخطـأ والصواب وليس الحق والحقوق ، فالامريكي لا يقاتل عندما يدرك انه خاسر او سيخسر المعركة او انه سيتعرض للموت و الاسر او التعذيب على يد العدو ، وهو قوي بقدر ما  يكون بعيدا عن الاشتباك المباشر مع العدو خصوصا حينما يكون متفوقا عليه تكنولوجيا وماديا ، لكنه ما ان يخوض معركة متكافئة الطرف الاخر فيها مقتدر فان الانهيار المعنوي يكون اول ظاهرة تواجه القوات الامريكية . وهذه حقيقة بلورتها وفرضتها حرب فيتنام واكدتها وجذرتها المقاومة العراقية بعد غزو العراق حيث كان الجندي الامركي يصاب بالرعب ويتعرض لمختلف الامراص العصابية عندما يكون في المعركة نوع من التكافؤ القتالي الذي يتحقق بوجود معنويات عالية تصل حد الاستعداد للاستشهاد لدى المقاوم العراقي مقابل تفوق تكنولوجي لدى جنود امريكيين لكنهم بلا معنويات وبدون حافز قتالي اخلاقي او وطني حقيقي .
الممهد الثالث : فرصة العمر المهددة بالضياع : سنوح فرصة اقامة الامبراطورية الامريكية العالمية بانهيار الخصم الاشد خطورة وهو الاتحاد السوفيتي اتيحت اعظم فرص التاريخ لامريكا كي تنفرد بالسيطرة على العالم ولكنها وجدت انها تواجه مشاكل خطيرة داخلية في المقام الاول تحد كثيرا من قدرتها على تحقيق خطوات كبرى على طريق السيطرة المنفردة على العالم . ان تجربة غزو العراق اثبتت لامريكا انها اعجز من ان تقوم بالهيمنة على العالم فاذا كان العراق بمقاومته الفقيرة ماديا الثرية روحيا ووطنيا وقوميا ودينيا قد هزمت امريكا فهل تستطيع امريكا غزو العالم كله ؟ الجواب الحاسم بعد عام 2005 هو كلا فلا تستطيع امريكا بقوتها الخاصة العسكرية والمالية اقامة امبراطوريتها الاستعمارية الكونية .
أذن ماهو البديل على اعتبار ان امريكا مصرة على تحقيق حلمها الاعز وهو السيطرة على العالم ؟ البديل هو الاسراع في الامركة وتنفيذ خطط يعرف من وضعها انها قد تكون لها مفاعيل خطيرة على امريكا ذاتها ولكن العجز العام ترك لامريكا فرصا ضيقة لتحقيق حلم السيطرة ، ومن بين الخطط التفتيت المنظم لكل دول العالم ولكن تدريجيا وتحويل العالم الى فسيفساء متناقضة ومتصارعة لا تهدأ ازمة ساخنة حتى تتفجر عشرة ازمات وبذلك تستطيع الانفراد بكتل واجزاء وتحشيد الكتل والاجزاء الاخرى ضدها مادامت كلها في صراعات فيما بينها .
الممهد الرابع : استبدال الستراتيجية المعتمدة : بعد انتهاء الحرب الباردة كانت ستراتيجية امريكا تقوم على اكتساح العراق بالقوة العسكرية واحكام واكمال السيطرة على منابع الطاقة كلها واستخدامها وسيلة ابتزاز للعالم كله ، وكانت ستراتيجيتها التنفيذية تقوم على امكانية خوض حربين في وقت واحد من اجل اكمال مقدمات الهيمنة على العالم ، لكن غزو العراق والفشل الستراتيجي فيه رغم تحشيد كل قواها لتحقيق النصر اجبرها على استبدال الستراتيجية تلك باخرى قلبت الادوار ، ففي الستراتيجية السابقة كانت القوة العسكرية هي اداة الحسم النهائي وكانت المخابرات مساندة وداعمة للقوة العسكرية ، اما في الستراتيجية الجديدة فان العمل المخابراتي تقدم واصبح هو الاول والعمل العسكري هو الداعم .
بتعبير اخر  يجب اولا تفتيت الامم والشعوب بواسطة عمل مخابراتي مدروس وجرها الى تناحرات مهلكة تستنزف طاقاتها وتقسم جماهيرها وتحولها الى كتل مبعثرة امكانية توحدها مستبعدة فتضعف روادعها الوطنية والقومية والدينية ، ثم تتقدم امريكا كمنقذ لاعادة ترتيب الاوضاع واحلال ( السلم الاهلي ) بطلب من اطراف محلية .  واهم وسائل العمل الاستخباري تنفيذ الاهداف الامريكية ليس بواسطة القوة العسكرية الامريكية كما حصل في العراق بل بواسطة اطراف محلية تفتقر الى الوعي الوطني والستراتيجي ومعجبة بنمط الحياة الامريكية بعد تدريبها واعدادها من اجل ان تتصدر عملية تغيير النظم العربية .
            هذه اهم الممهدات التي وضعت امريكا على مسار استخدام (المداخل الخلفية ) لتحقيق اهم اهدافها وهو نشر الفوضى الهلاكة تحت شعار ( تصادم الحضارات ) واصطراع القيم والتي لا نتيجة لها الا شرذمة الامم والشعوب واستنزاف القوى وتبدل الاولويات وبديهيات العمل السياسي . والاخطر النجاح في خداع منظم للملايين من العرب تحت شعار التغيير !  
والان نصل الى السؤال المركزي في بحثنا وهو : ما هي اهم المداخل الخلفية ؟ يتبع الجزء الاخير .
           

هناك تعليق واحد:

ابو ذر العربي يقول...

في البداية ادعوا الله العلي القدير ان يمد الاستاذ صلاح المختار بالصحة والعافية بعد العملية الجراحية والحمد لله على السلامة
وبعد
اعتقد ان ما يقوم بتحليله الاستاذ صلاح هو افضل ما قرات عن السلوكية الامريكية المتوحشة التي حطمت ومنذ قيام وتاسيس دولة امريكا كل الاسس الانسانية التي عرفها البشر وبنى حضاراته عليها
وكذلك فهي في كل حوالي عشر سنوات تشن حربا مفتوحة غير مبررة على احدى دول العالم غير مبررة من وجهة نظر الشعوب الاخرى
ولهذا تحاول اخضاع الشعوب بالقوة لارادتها كما فعلت مع الهنود الحمر والافارقة
فهي اصلا اي امريكا مبنية على اسس الاستغلال وبكل معانيه وديمقراطيتها تعني سيطرتها على خيرات الشعوب وبدون ان تصرخ هذه الشعوب والامم او تطالب بحقوقها
وهذا الجانب مرتبط وكما اعتقد بالجوانب النفسية المعقدة للاجيال الامريكية المتعاقبة والتي انتجت نتيجة لعلاقات غير شرعية بين الرجل والمراة في امريكا اي ان المجتمع الامريكي مجتمع لقيط بمعنى الكلمة
ومن هنا يحقدون على كل من ينتمي الى اصل او عائلة حقيقية
واعتقد ان هذا الجانب السلوكي بحاجة الى كثير من التعمق والتحليل
ولكم تحياتي

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..