مع إطلالة الذكرى التاسعة والخمسين لثورة 23 يوليو المجيدة، يسر (وجهات نظر) ان تنشر هذا المقال، للمناضل القومي العربي الكبير، سامي شرف.
مع التقدير لجهود مركز الحوار العربي في واشنطن ومديره الاستاذ صبحي غندور على إرسال هذا المقال المهم.
مصطفى
...
مبادرة ميثاق جديد من أجل مصر
سامي شرفمواطن قومي عربي ناصري مصري
رغم الإلحاح المتواصل من الإعلاميين والأصدقاء، واستفزازات الوقائع والأحداث للتعليق على شئون السياسة في مصر، آثرت الصمت واعتزال العمل العام؛ لإدراكي أن أي كلام لن يجدي نفعاً في ظل نظام لا يسمع إلا ما يريد، ولا يرى إلا ما يحب، في إطار مناخ مجتمعي عام مشوه ساده اليأس والإحباط.
ورغم اقتناعي بموقفي، كان بداخلي -على الدوام- شعور بالتعاطف والمسئولية حيال أبنائي وأحفادي من شباب مصر، الذين أورثهم جيلنا أخطائه وعثراته، ولم نكتف بذلك بل شوهنا وعيهم وضللناهم بتزييف التاريخ وإفساد الحاضر وضياع أي أمل في المستقبل، ثم اتهمناهم بكل ما ليس فيهم من عدم الوعي والتفاهة والسطحية، وعدم الاكتراث بمستقبل هذا الوطن، وكأننا نسقط عليهم عجزنا وخنوعنا المذل والمهين، وجعلنا كل ذلك لا ندرك حقيقة ذلك الكنز الذي بين أيدينا، حقيقة أجمل ما فينا .. شبابنا العظيم.
ولكي أكون صادقاً، فإنه رغم إيماني بمعدن هذا الشعب الحر الأصيل، وبقدرته على وضع نهاية لكل المستبدين الذين مروا به عبر التاريخ، إلا أنه مع اقتراب قطار العمر من محطته النهائية، فقدت الأمل في أن أشهد بعيني نهاية هذا النظام الباطش الفاسد، وأرى مصر حرة قوية من جديد.
أما الآن وقد حباني الله بطول العمر لتقر عيني بما فعله هذا الجيل من أحفادي شباب مصر، الذين سطروا بدمائهم الطاهرة الزكية ملحمة جديدة في تاريخ هذا الوطن في القضاء على الظلم والاستبداد، وحققوا ما عجزنا نحن عن تحقيقه، ومحوا عن كاهلنا الذل والخنوع، وأعادوا لنا العزة والكرامة، والأهم أنهم أعادوا لنا مصر من جديد، أعطوها شبابهم بعد أن هرمت ووهنت .. كان واجباً علي أن أكسر حاجز الصمت وأتحدث بكل فخر مدركاً أن هناك آذان تسمع وعقول تعي، وضمائر مخلصة.
لذا أقدم لهذا الجيل الرائع رؤيتي المتواضعة حول مستقبل مصر، لعل يكون فيها ما يفيد في بناء مصر الجديدة، تلك الرؤية التي أصوغ خطوطها العريضة في مشروع مبادرة من أجل مصر.
مبادرة ميثاق جديد من أجل مصر
تقديم:
العمل الثوري ظاهرة هامة في التاريخ السياسي للشعوب، يهدف إلى تغيير الوضع الراهن من خلال إحداث تغييرات عميقة في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشكل كامل وجذري وعميق على المدى الطويل، ينتج عنه تغيير في بنية التفكير الاجتماعي للشعب الثائر وفي إعادة توزيع الثروات والسلطات.
وتاريخ المصريين حافل بالثورات والانتفاضات ضد الظلم والاستبداد عبر العصور. وكل قارئ جيد لتاريخ هذا الشعب العريق يدرك أنه بقدر ما يطول صبره – المحبط أحياناً- بقدر ما تكون ثورته عظيمة .. شعب قد يفقد توازنه ولكنه لا يقع على الأرض .. يمرض ولا يموت.
وليس بخاف على منصف أن مصر شهدت في ظل النظام البائد تدمير وتجريف لمقدراتها وأهمها الإنسان المصري بصورة غير مسبوق في تاريخ مصر حتي في أحلك فتراته إبان حكم المماليك، وذلك لصالح أسرة حاكمة فاسدة، ارتبطت بها طبقة طفيلية مستغلة، سرقوا وطن بأكمله من شعبه، وسخروا جميع مقدراته لخدمة مصالحهم الضيقة التي تناقضت مع صالح هذا الشعب، في ظل نظام سياسي قوامه مركب شيطاني من رأس المال والسلطة.
ضاعف من سوء الوضع أن جل النخبة من قوى المعارضة الحزبية والمستقلة كانت تهادن وأحياناً تحالف هذه الطبقة التي اجتذبت بعضهم بالامتيازات الطبقية، ونزعت منهم كل قدرة على الصمود والمقاومة الحقيقية، بل تم استخدامهم من قبل النظام في خداع وتزييف وعي الجماهير تحت ستار المعارضة الكرتونية، والترويج لمفاهيم مضللة من قبيل الإصلاح والفكر الجديد.
وفي الوقت الذي بدا فيه للجميع أن الإحباط واليأس خيم على الوطن، وأن الأمل في الخروج من أسر هذا النظام الفاسد ومشروعه الكارثي في توريث الوطن أصبح مستحيل، أعاد لنا الشباب التونسي العظيم الأمل حين قضى على نظام زين العابدين بن علي الذي لا يقل استبداداً وفساداً عن نظام مبارك.
وكم تمنينا لو أن ثورة الياسمين في تونس كانت لدينا، ولم يخيب شبابنا الحر الباسل رجائنا، وأخذ بأدوات العصر، وأطلقوا صرخة الغضب التي زلزلت عرش الفساد، وخرجوا بصدور عارية يملأها الإيمان بالله والوطن والحرية، وصمموا ألا يعودوا حتى يستعيدوا مصر من اللصوص، ويعيدوا لآبائهم وأمهاتهم كرامتهم، فصنعوا بدمائهم الزكية الطاهرة أعظم ثورة في تاريخ البشرية بشهادة العالم أجمع.
والآن لازالت الثورة تواصل طريقها، ويخطئ كل من يظن أن الثورة أنجزت أهدافها بخلع الرئيس مبارك، ومحاكمة بعض أركان نظامه، فالثورة رغم نجاحها لم تحقق النصر بعد، ولن يحدث ذلك إلا بتحقيق أهدافها في بناء دولة مدنية ديمقراطية قوية، وحتى يحدث ذلك لابد أن يحافظ المصريون على ثورتهم بمواصلة الطريق في التخلص جذرياً من كافة رواسب الماضي الفاسد .. من بقايا الاستبداد والظلم، وأن نسقط جميع السلبيات التي كانت تعوق الإرادة المصرية في بناء دولة حرة قوية، والأهم هو حماية الثورة من لصوص الثورات، وهم فئة تصاحب كل الثورات، والنزول إلى الشارع مرة أخرى لو استدعى الأمر، ويذكرني هنا قول الرئيس عبد الناصر: " لو الثورة المضادة اتحركت حألبس الكاكي تاني، وأعمل ثورة جديدة ".
قواعد عمل أساسية:
-القاعدة الأولى: العمل الجماعي والاندماج ضمن إطار المصلحة العامة بعيداً عن المنطلقات الفردية.
-القاعدة الثانية: المحرك الأساسي لأي قرار هو تحقيق مصالح الغالبية الساحقة من أبناء هذا الوطن.
-القاعدة الثالثة: لابد أن يواكب الثورة ثورة في الفكر، بمعنى الاستقلال العقلي عن التبعية للموروثات الثقافية والعادات والتقاليد التي رسخت الجهل والفساد، وبررت للظلم والاستبداد، ولا يجب أن يعرقل هذا بدواعي الثوابت الوطنية أو بفعل الإرهاب الفكري من تيار أو جماعة، فلا تناقض على الإطلاق بين الثواب والمعتقدات الوطنية، والتخلص من إسار التخلف والجهل والاستبداد.
-القاعدة الرابعة: إتباع منهج التفكير العلمي النابع من عقل مستنير، واعي لدروس التاريخ ومنفتحاً على كافة التجارب الإنسانية يأخذ منها ويعطيها، لا يمنعه في ذلك تعصب ولا يصده عُقد موروثة.
-القاعدة الخامسة: ينبع من التفكير العلمي وضوح في الرؤية والأهداف، والموازنة بين الأولويات والقدرات، وتجنب الانسياق الانفعالي وإهدار كثير من الطاقة والوقت في إدراك ما يحقق مصلحة حقيقية لوطننا.
-القاعدة السادسة: الشفافية في كل ما يتخذ من قرارات وأفعال؛ فالضمير الوطني المصري لا يزال مصدوماً من حجم الانحرافات والفساد اللذان يكتشفان يوما بعد يوم، لذا من حقه أن يقف على الحقيقة كاملة حتى يستطيع أن يتجاوز ما حدث في الماضي، ويثق في نظامه السياسي، ويتفرغ لبناء المستقبل برؤية صافية نقية.
-القاعدة السابعة: مراعاة الواقع المجتمعي الراهن؛ فحتى يسير التغيير الثوري في مساره الصحيح لابد أن ينطلق من نقد موضوعي لتجربة الماضي، وتوصيف صحيح للحاضر، واستشراف واقعي للمستقبل؛ بمعنى أن جميعنا يدرك أن هناك مثلث (فقر- جهل- أمية) يعاني منه معظم الشعب المصري، ويساهم بشدة في إنتاج الفساد وتنميته، وبالتالي إعادة إنتاج الاستبداد من جديد؛ لذا يجب أن نأخذ في الاعتبار وجود هذا المثلث وتأثيره حين نتخذ قرارات التغيير الثوري، وفي هذا الإطار ليس من العيب أن تكون الأولوية لآراء النخبة الوطنية التي استطاعت أن تتخلص من آثار ذلك المثلث لكي تقود عملية التغيير الثوري فالنخب دائماً هي طليعة التغيير، لا سيما في حالة ثورتنا المصرية ليس لها قوة واضحة، وحتى تفرز هذه القيادة، ويختفي تأثير هذا المثلث.والمثال على ذلك؛ كان جلياً في الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي دعا إليه المجلس العسكري، حين تحالف أصحاب رأس المال من رجال النظام البائد، وتيار الإسلام السياسي ووظفوا أدواتهم من رأس مال وإرهاب فكري ديني للتأثير على إرادة الناخبين، وأخذهم في طريق الموافقة على التعديلات بما يحافظ على مواقعهم التي اكتسبوها في ظل النظام الفاسد السابق، والتي يهددها التغيير، وتباهوا بانتصارهم فأطلقوا على الاستفتاء "غزوة الصناديق"، هذا رغم رفض النخبة الوطنية المصرية، وشباب الثورة لهذه التعديلات.
فإذا سيرنا على هذا المنهج في اتخاذ قراراتنا فنحن في طريقنا لإنتاج دولة فاشية دينية يحركها رأس المال والدين، وتؤد الثورة في مهدها.
عناصر المبادرة
أولاً: إعادة بناء الفرد:
تشكيل فريق عمل من خبراء تكنوقراط في كافة تخصصات المعرفة تكون مهمتهم إعداد دراسة تشريحية لواقع المجتمع المصري، والوقوف على مواطن الضعف والقوة فيه، ووضع تصورات عملية لمعالجة مواطن الضعف، وتعظيم مواطن القوة.
إنشاء مجلس قومي اجتماعي يضم شعباً للتعليم والصحة والإسكان وغيرها مما يتصل بالحاجات الأساسية للمواطن، هدفه تطوير هذه المجالات بالتعاون مع غيره من مؤسسات الدولة للنهوض بهذه المجالات.
إنشاء هيئة أو مؤسسة أو وزارة هدفها الرئيسي انجاز مشروع قومي يهدف إلى القضاء على الأمية في مصر خلال عشر سنوات، ومتابعة ما يتم انجازه سنوياً. فالأمية وباء ينهش عقل وضمير المصريين، ويرسخ قيم الخنوع والذل، وقبول الفساد والاستبداد. لذا تدخل الأمية بكونها قضية سياسية لا حضارية فحسب من أوسع الأبواب إلى صلب قضية الديمقراطية والعدل الاجتماعي.
تطوير منظومة التعليم في جميع مراحلها، والاهتمام بالتعليم الفني، بحيث تتواكب مخرجاتها مع عصر العلم والتكنولوجيا، وسوق العمل وحاجات الوطن.
توفير كافة الإمكانيات والموارد، وتذليل كل المعوقات للنهوض بالبحث العلمي في مصر.
إنشاء مراكز متخصصة لرعاية المبدعين والمتفوقين في جميع المجالات، تعمل وفق قواعد استثنائية تتناسب مع طبيعة هؤلاء المبدعين الاستثنائية؛ بحيث تذلل أمامهم كافة العقبات التي تعوق إبداعهم. بالإضافة إلى توفير الحافز المادي لهم، تقديراً لقيمة المبدعين، واحتفاظاً للوطن بطاقاته البشرية الخلاقة القادرة على أن تقود قاطرة الوطن في عصر العلم والإبداع فيه صارا هو القوة الحقيقية.
الاهتمام بأمل الأمة من شباب وأطفال من خلال الإعلام والثقافة والفنون والآداب، والتعليم ومؤسسات الشباب، والمسجد والكنيسة، بترسيخ مبدأ المواطنة، وتدعيم قيم التسامح والوسطية، وإتقان العمل، وتحصيل العلم والمعرفة، وممارسة الحرية المسئولة، والمشاركة الايجابية في العمل الوطني.
إحياء لجنة كتابة التاريخ المصري، لتنقية تاريخ مصر من كافة ما لحق به من تزييف وتشويه.
ثانياً: العملية السياسية:
تهدف هذه العملية في المرحلة الحالية إلى إقامة نظام حكم ديمقراطي يصون الحريات ويحمي الحقوق والواجبات، والديمقراطية في حد ذاتها وسيلة وليست غاية كما يتصور البعض، فهي وسيلة لتحقيق العدل والمساواة والحرية، ومن خلال هذا المفهوم يجب الاهتمام بالجوهر من خلال الابتعاد عن فلسفتها المادية الصرفة، القائمة على الفردية المطلقة، والمصلحة واللذة والمنفعة ونسبية الحقيقة، هذه الفلسفة التي تحول الديمقراطية إلى وسيلة في يد أصحاب رأس المال والمتاجرين بالدين والإيديولوجيات لإعادة إنتاج الاستبداد.
لذا؛ يجب الاهتمام بجوهر الديمقراطية الرامي إلى إقرار العدل والمساواة والحرية، وفي هذا الإطار لابد أن نراعي أن لكل مجتمع ظروفه وقيمه الخاصة النابعة من تجاربه الذاتية، والتي تختلف عن غيره من المجتمعات الديمقراطية الأخرى.
وهناك عدة أسس يجب أن يتم من خلالها عملية التحول الديمقراطي في مصر هي:
أ- الدستور: قبل الانتخابات النيابية وانتخابات الرئاسة يجب الإسراع بتشكيل لجنة من فقهاء القانون الدستوري تمثل كافة التيارات في المجتمع لصياغة مشروع دستور جديد، يؤكد على الآتي:
مفهوم الدولة المدنية التي تقوم على مبدأ المواطنة.
قيام دولة عصرية في سياستها وإدارتها، دولة تقوم على العلم والمعرفة، وهذه لا يصلح لإدارتها فرد أو أحزاب سياسية كرتونية، وإنما يباشر الحكم فيها رئيس الجمهورية من خلال مجلس وزراء، وبواسطة مجالس محلية في إطار التخصص واللامركزية.
تحديد سلطات رئيس الجمهورية بوضوح شديد، وتقليصها لصالح مجلس الوزراء والمجلس التشريعي.
صيانة المعتقد والدين.
مبدأ الفصل بين السلطات.
حصانة القضاء واستقلاليته، وحق المواطن في التقاضي أمام قاضيه الطبيعي.
وضع سقف زمني للاستمرار في الوظائف العليا في الجهاز التنفيذي للدولة، وذلك ضماناً للتجديد، وإتاحة الفرص للشباب، ومنع تكون مراكز القوى.
توفير كافة الضمانات لصيانة الحرية الشخصية واحترام الخصوصية، وحرية التفكير والمعرفة والتعبير والنشر، والبحث العلمي.
تنظيم العلاقة بين الملكية والإنتاج بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، والأمن الاجتماعي.
10. التزام الدولة بتوفير حاجات الإنسان الضرورية لمواطنيها في إطار مبدأ الكفاية في الإنتاج وعدالة التوزيع.
11. كل عملية انتخابية لابد أن تتم في كافة مراحلها تحت الإشراف القضائي، وأن مجلس القضاء الأعلى هو المنوط به اختيار القضاة دون تدخل السلطة التنفيذية.
12. تجريم استخدام رأس المال أو الدين في العملية السياسية.
13. أي تصرف في الملكية العامة بالبيع أو الرهن لابد أن تحظى بموافقة المجلس التشريعي.
ثم يعرض هذا المشروع على الشعب للاستفتاء مادة مادة.
ب- إصدار قانون مباشرة الحقوق السياسية بما يضمن حق المواطن في الترشيح والانتخاب بالمجالس النيابية والنقابية بكل نزاهة شفافية، ويغل يد السلطة التنفيذية في التدخل في هذه العملية. بالإضافة إلى إقرار حق المصريين المغتربين في الخارج في التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات التي تتم.
ج- إعادة النظر في القوانين التي تنظم عمل النقابات المهنية والعمالية، ومؤسسات المجتمع المدني لإحياء دورها في حماية حقوق الفئات التي تمثلهم وتشجيعهم على المشاركة وممارسة العمل العام لصالح المجتمع.
د- إنشاء مجلس للأمن القومى، ويكون هيئة دائمة ملحقة بمكتب رئيس الجمهورية، وتمثل فيه بصفة دائمة وزارات الخارجية والداخلية والدفاع والأجهزة الأمنية المختصة، على أن يشارك فيه الوزراء المعنيون بالموضوعات محل البحث، وتصبح مهمته تلقي تقارير أجهزة الامن الداخلي والخارجي وتقارير وزارة الخارجية ووزارة الداخلية، كما يتلقي تقارير معلومات واردة من أجهزة المخابرات للدول الصديقة والحليفة حيث يوجد تعاون بين أجهزة المخابرات في تبادل المعلومات والحصول علي تسهيلات ومساعدات.
يقوم هذا المجلس بفحص كل التقارير وتحليلها ومقارنتها.. وكذلك مراجعة هذه الأجهزة لاستكمال بعض الأمور التي وردت في تقاريرهم؛ وذلك لمحاولة الوصول الي أقصي درجة من المصداقية لأن الحقيقة المجردة لا يملكها البشر!! وبعد ذلك يقدم تقريراً مجمعاً إلي رئيس الدولة مشفوعاً باقتراح قرارات لكي يختار منها الرئيس مايراه صالحاً للوطن من منطلق رؤيته الواسعة بحكم منصبه.
هـ- تطبيق قانون الغدر على كل من ساهم في النظام البائد في إفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فلا توجد ثورة في التاريخ تغير بأيدي من ثارت عليهم.
ثالثاً: الاقتصاد:
الاقتصاد هو عصب الحياة، ومعيار القوة والتقدم للمجتمعات، وعندما نصوغ هوية نظامنا الاقتصادي في المرحلة القادمة يجب أن نراعي التوافق بين الفعالية الاقتصادية من جهة والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى؛ فكلا الوجهين مرتبطان بعضهما البعض، فكلما انخفضت الفعالية الاقتصادية، كلما تراجعت قدرة الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية، والعكس صحيح.
ولا يمكن أن يتحقق ذلك سوى بإعادة الاعتبار لدور الدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي وتدخلها الحاسم في تنظيم العلاقة بين الملكية والانتاج، وهو أسلوب تطبقه أكثر الدول رأسمالية. ولا يعني ذلك تأميم وسائل الإنتاج أو الملكية الخاصة أو المساس بالإرث الشرعي المترتب عليها.
ويمكن تطبيق ذلك من خلال الآتي:
إنشاء مجلس اقتصاد قومي يضم شعباً لجميع فروع الاقتصاد تكون مهمته متابعة تطوير هذه الفروع.
إنشاء قطاع عام قوي وقادر، يقود قاطرة الاقتصاد الوطني نحو التحديث في جميع المجالات، خاصة في الصناعات الرأسمالية والانتاج الزراعي والتنمية البشرية، مع فصل الإدارة عن الملكية العامة.
إعادة الاعتبار للتعاونيات التي تقوم على تحقيق المنافع والأرباح مع ملكية الدولة لوسائل الإنتاج.
تشجيع القطاع الخاص على القيام بدوره في عملية التنمية في إطار الخطة الشاملة للدولة دون إهدار لحقوق العاملين واستغلال المستهلكين.
قصر الاستثمارات الخارجية العربية والأجنبية على المشروعات الانتاجية الكبرى والصناعات الثقيلة التي تضيف للرصيد الرأسمالي للدولة.
وضع خطة قومية لتعظيم الموارد الطبيعية للدولة، واستغلالها بأفضل صورة ممكنة، وتقليل المهدر منها قدر الإمكان.
الاهتمام بتعظيم مصادر الطاقة بما فيها الطاقة النووية.
تغليظ العقوبات على جرائم الفساد الاقتصادي وإهدار المال العام.
ربط الاستهلاك بالإنتاج، والتشجيع على الادخار.
10.ربط سياسات التعليم والتدريب والبحث العلمي باحتياجات الاقتصاد الوطني.
11. فتح أسواق خارجية للصادرات المصرية في الدول العربية والأفريقية.
12.العمل على تقليص الدين العام المحلي والخارجي، وعدم الاعتماد على الاقتراض من الخارج إلا في أضيق الحدود.
رابعاًً: الأزهر والكنيسة:
الدين في مصر يلعب دوراً حيوياً، فالتدين طبيعة مصرية متوازنة عبر التاريخ أيا كانت الأديان، وهو ما جعل للمؤسسات الدينية في مصر مكانة هامة في نفوس المصريين، وعلى رأس هذه المؤسسات الأزهر الشريف والكنيسة، فهما مؤسستان دينيتان مصريتان قامتا بأدوار تاريخية وطنية مشهودة.
لكن هاتان المؤسستان شهدتا تراجعاً كبيراً في دورهما التنويري والوطني في ظل سيادة حالة تدين مجتمعي شكلي واكبت انسحاب الدولة من حياة المواطن، وهو ما جعل هاتان المؤسستان تحل محل الدولة لتعلب أدواراً سياسية، وشتان بين الدورين الوطني والسياسي، فالأول واجب مطلوب، أما الثاني مرفوض لأنه يخلط الديني بالسياسي، وهي كارثة تهدد استقرار وأمن المجتمع.
لذا، لابد أن تعود هاتان المؤسستان إلى ثكناتهما الدينية والروحية والتنويرية، وأن تترك المواطن بعيداً عن أي وصاية سياسية، وتترك الفرصة لمنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتنمية الوعي السياسي، وفتح المجال للمشاركة السياسية الحقيقية والفعالة من أجل بناء مصر المدنية الديمقراطية.
خامساً: استقلال القضاء:
تحقيق العدالة يلزمه استقلال حقيقي للقضاء، وعدم جواز التدخل والتأثير من قبل الغير على ما يصدر عنه من إجراءات وقرارات وأحكام، سواء كان هذا التدخل والتأثير مادياً أو معنوياً، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبأية وسيلة من الوسائل.
ويدخل في نطاق الممنوع التدخل من السلطتين التنفيذية والتشريعية، وغيرهما من أشخاص القانون العام والخاص، والرؤساء الإداريون للقضاة وأطراف الدعوى ... إلخ.
ويجب أن يدار القضاء من داخله وبرجاله، وأن يتم فك وثاق تبعيته لوزارة العدل سواء إدارياً أو مالياً.
لذا، نحن بحاجة ماسة لتعديل قانون السلطة القضائية بما يحقق الاستقلال الحقيقي للقضاء المصري الذي هو حصن كل المصريين وملاذهم الأخير.
وفي هذا السياق، لابد من تغيير أسلوب تعيين رئيس وقضاة المحكمة الدستورية العليا؛ بحيث تتحرر من سيطرة مؤسسة الرئاسة، خصوصاً وأن دورها هو الحكم بين المتنازعين سياسياً.
سادساً: حقوق الإنسان:
مثلت ممارسات النظام البائد نموذجاً في انتهاك كافة حقوق الإنسان المصري. ورغم محاولات الإعلام التابع للنظام تجميل صورة هذا النظام في الداخل والخارج، إلا أن بشاعة الانتهاكات طغت على أي تجميل، وتجلت أبرز مظاهرها في تعامل النظام مع معارضيه، والشرفاء من أبناء هذا الوطن، وصولاً إلى قتل شبابه بدم بارد أثناء الثورة.
ولكي نؤسس لمرحلة جديدة في مجال حقوق الإنسان لابد أن نبدأ بالآتي:
إقرار مبدأ المواطنة في التعامل مع جميع المصريين على حد سواء.
مكافحة ظاهرة الفقر.
القضاء على الأمية.
حماية الفئات الضعيفة في المجتمع (المرأة – الطفل – كبار السن – المعاقين – المرضي – العاطلين ...إلخ).
الارتقاء بمستوى الخدمات الأساسية المقدمة للمواطن.
دعم مؤسسات العمل المدني والجمعيات الأهلية المعنية بمجال حقوق الإنسان.
تفعيل دور المجلس القومي لحقوق الإنسان، وتعديل القانون رقم 94 لسنة 2003 الخاص بإنشاء المجلس، بما يضمن عدم تبعيته لأي جهة حكومية أو نيابية، ومنحه صلاحية المشاركة في التشريعات والقوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، ويمكنه من الرقابة الفعالة على كل الأجهزة والمؤسسات الرسمية في رصد انتهاكات حقوق الإنسان، ثم الإشراف على المساءلة والمحاسبة القانونية للمتورطين.
بالإضافة إلى تفعيل دور المجلس بما يضمن عدم اقتصار دوره على الحريات المدنية والحقوق السياسية والثقافية بل يمدها إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتوثيق علاقته بمؤسسات المجتمع المدني والمواطنين في هذا الشأن.
سابعاً: إحياء دور مصر الإقليمي:
لقد اقتضى تحقيق المصالح الوطنية وحماية الأمن القومي لدولة مثل مصر؛ بما لها من موقع جغرافي وتجربة تاريخية وإمكانيات ورسالة حضارية أن تقوم بدور خارجي فعال ومؤثر في محيطها المجاور، وربما أبعد من هذا المحيط .. فمصر القوية هي التي تمارس دوراً إقليمياً نشطاً ومؤثراً، والعكس تقوقع مصر وتراجع دورها الخارجي هو انعكاس لضعفها الداخلي، فالدور الخارجي هو انعكاس لفائض القوة في الداخل.
كما أثبتت التجربة التاريخية أن المجال الطبيعي للوظيفة الإقليمية لمصر يتحدد بالأساس في ثلاث دوائر رئيسية هي على الترتيب من حيث الأولوية؛ العالم العربي، القارة الأفريقية، العالم الإسلامي فيهم يجتمع الحد الأقصى من كثافة وفاعلية السياسة الخارجية المصرية، وكذلك جدواها ومردودها.
وقد استطاعت مصر عبد الناصر أن تقوم بدورها الخارجي في هذه الدوائر، وقادت الشعوب العربية والأفريقية نحو التحرر والاستقلال والتنمية، كما لعبت دوراً هاماً في نشر رسالة الإسلام الحضارية، وقدمت للعالم أجمع مفهوم الإسلام الوسطي المتسامح، الذي يقبل الآخر ويتعاون معه.. بل امتد دورها لتقود حركة عدم الانحياز التي تضم معظم دول العالم النامي، ومثلت قطباً ثالثاً فاعلاً ومؤثراً في العلاقات الدولية بجانب الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي.
وحين انعزلت مصر عن محيطها العربي، وأهملت الدائرة الأفريقية وتراجع دورها الحضاري منذ منتصف السبعينات، وأصبح المعامل الأمريكي في سياستها الخارجية المحرك الرئيسي لدورها الخارجي، تم تقليص هذا الدور ومحاصرته، لخدمة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، مقابل ضمان بقاء النظام، وهو ما جعل الدور المصري يبدو متخاذلاً وضعيفاً بل ومتآمراً في بعض الأحيان، وهو ما نال من مكانة مصر في المنطقة، لصالح فاعلين آخرين فيها ومن خارجها، وهو ما أثر على مصالح مصر وأمنها القومي كثيراً بالسلب، وسنحتاج لسنوات طويلة لإصلاح ما فسد.
ولابد أن نبدأ من الآن وعلى الفور من خلال:
إعادة الاعتبار للمؤسسة الرسمية والرئيسية المنوط بها المساهمة في صنع وإدارة السياسة الخارجية المصرية، وهي وزارة الخارجية بما لها من تاريخ عريق وخبرات مشهود لها في مجال الدبلوماسية.
التأكيد على أهمية الدبلوماسية الشعبية.
صياغة إستراتيجية محددة الأهداف والأدوات للسياسة الخارجية المصرية؛ بحيث لا تصبح هذه السياسة خاضعة لتقلبات صانع القرار.
يجب أن يكون للسياسة الخارجية المصرية منظور أوسع وأشمل للعالم، فبالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة هناك الصين والهند ودول أمريكا اللاتينية.
إحياء الدور الخارجي لمصر في دوائره الثلاث الطبيعية:
العربية: تبني مصر لنهج القيادة الجماعية في تفعيل دور مؤسسات وآليات العمل العربي المشترك، مع التركيز على العامل الاقتصادي كمحرك لتحقيق التكامل العربي، والأخذ في الاعتبار دول الجوار العربي (تركيا وإيران) كشريكين استراتيجيين.
الأفريقية: استغلال ما لدى مصر من رصيد سياسي وعاطفي لدي الدول والشعوب الأفريقية لإحياء دور مصر في القارة السمراء، بعيداً عن نظرة التعالي، وفي إطار سياسة تبادل المنافع، مع إعطاء الأولوية لدول حوض النيل، لما لقضية المياه من أهمية حيوية لمصر .. قضية حياة.
الإسلامية: لابد من عودة الأزهر الشريف لدوره ورسالته الحضارية في التعريف بصحيح الإسلام وقيمه السمحة، والتفاعل مع الأديان والثقافات الأخرى.
كما يجب على مصر أن توجد آلية أو صيغة لتفعيل العمل بين هذه الدوائر مجتمعة على غرار منظمة عدم الانحياز، يتم من خلالها التنسيق بين دول هذه الدوائر، وهو أمر من شأنه أن يصلح الخلل في هيكل النظام العالمي لصالح هذه الدول.
هذه هي الخطوط الرئيسية لمبادرة ميثاق جديد من أجل مصر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق