هذه مساهمة مهمة كتبها الصديق الكريم الأستاذ أبويحيى العراقي، واختصَّ بها وجهات نظر، مشكوراً، عن النقاش الدائر في الدوائر الأميركية والصهيونية المعنية بالبرنامج النووي الإيراني وكيفية التعامل معه.
وهذه هي الحلقة الأولى من هذه المساهمة الغنية.
نقاشات لحظة الحقيقة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة 1
أبويحيى العراقي
كلام جاد يوثق لحقائق هامة
الملف النووي الإيراني يمثل مفصلاً غاية في الأهمية في سياسات وإستراتيجيات دول عديدة وبالخصوص كل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية. حيث يدور نقاش ساخن حالياً في داخل الكيان الصهيوني وبينه وبين الإدارة الأمريكية بشأن التصرف المناسب والتوقيت المناسب للتعامل الحاسم فيما يخص هذا الملف.
إن الاراء والنقاشات الحقيقية والجدية بشأنه تعكس معاني ودلالات كبيرة تستحق التمعن والتأمل فيها وأخذ العبر والدروس العميقة منها لما تقدمه من صورة جلية صادقة عن ما يختبئ في عقول وصدور الأطراف والقوى الدولية والإقليمية بعيداً عن قصص الإعلام وصخبه. وسواء تم ضرب المشروع أم لم يتم وسواء أدت الضربة إلى تدميره كلياً أو جزئياً أم لم تؤدي فإن المسألة الأهم والأكثر فائدة بالنسبة لنا من كل هذه القصة هي التعرف بدقة على النوايا الحقيقية وطريقة التفكير لكل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في المسائل المفصلية الجادة.
ما قاله الجنرال مارتن ديمبسي وما لم يقله
في يوم الخميس 30 اب 2012 و خلال حضوره رئيساً للوفد الأمريكي إلى دورة الألعاب ما بعد الأولمبية في لندن المخصصة للمعاقين صرح الجنرال مارتن ديبمسي (Martin E. Dempsey) للصحافة الإنكليزية وبرفقته الجنرال جيمس ستافاريدس (James Stavridis) قائد قوات الناتو في أفغانستان : لا أرغب أن أكون مشاركاً إذا إختارت إسرائيل أن تفعل ذلك[1].
سبق ذلك تصريحات للسيد ديمبسي أكثر تفصيلاً بذات المعنى أدلى بها في ختام زيارته للكيان الصهيوني مساء يوم الأحد 20 تموز 2012 و في طريق رحلته التي أقلته إلى أفغانستان حيث قال للصحفيين ومنهم مراسل وكالة فرانس برس[2] :
1- انه وعلى الرغم من أن القادة العسكريين الإسرائيليين و الأمريكان يشاهدون تقارير المخابرات نفسها إلا أن البلدين ينظرون للتهديد النووي الإيراني بشكل مختلف. الولايات المتحدة و إسرائيل لديهما تفسيرات مختلفة لنفس التقارير حول البرنامج النووي الإيراني.
2- انه يجري محادثات مع نظيره الاسرائيلي الجنرال بيني غانتز (Benny Gantz) مرتين اسبوعيا بهدف مقارنة المعلومات الاستخبارية ومناقشة التداعيات الأمنية لقضايا المنطقة. و نحن متفقان مع بعضنا البعض على أن الساعات لدينا تدق بإيقاع مختلف.
3- إسرائيل ترى التهديد الناجم عن الطموحات النووية الإيرانية عاجلاً و ملحاً و أكثر جدية مما تراه الولايات المتحدة نتيجة كون التسلح النووي الإيراني يهدد الوجود الإسرائيلي. هم يعيشون مع مخاوف وجودية شديدة نحن لا نعيشها.
4- القوات المسلحة الأمريكية لا تشعر بالضغط من إسرائيل لطلب الدعم والمساندة لموجة قصف محتملة تطلقها إسرائيل منفردة كما يتردد ذلك في تكهنات الصحافة الإسرائيلية.
5- كرر ديمبسي تصريحاته السابقة في أن ضربات جوية إسرائيلية يمكنها فقط أن تؤخر البرنامج النووي الإيراني لكنها لن تدمره كلياً.
6- يمكن أن تأخذ بلدان وتعطيهما نفس التقارير الإستخبارية لتحصل منهما على إستنتاجات متباينة وهذا ما يبدو حقاً أنه يحدث هنا.
7- أطلق ملاحظة تحذيرية حول أي عمل عسكري أمريكي محتمل ضد النظام السوري بالقول : علينا أن نعرف بوضوح مصلحتنا الوطنية. ما نفعله في مكان سواء كان سوريا أو مضيق هرمز له ثمنه. إنها مداولة يجب التقدم فيها بحذر.
هذا ما قاله الجنرال ديمبسي للصحفيين ، أما ما لم يقله و الذي يمكن لنا نحن إستخراجه مما بين السطور أن التهديد الرئيسي ذو الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة و منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحتى اليوم لا يزال ما يصطلح عليه أمريكياً بين هلالين بـ(الإرهاب)[3] المرتكز في جوهره وبحسب وجهة نظر نخبهم على الفكر الديني العربي الإسلامي المتطرف (Radical Islam) المستند إلى الفكر السلفي الوهابي السعودي والذي تجسد بالـ(14) شاباً عربياً سعودياً إلى جانب عرب أخرين من مصر والإمارات ولبنان الذين قاموا بالهجوم على المواقع الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر (بحسب الرواية المعلنة و المتداولة). إن خطورة هذا التهديد وفق الرؤية الأمريكية تنبع من كونه يستند إلى فكر رجعي غاية في التطرف والتشدد بشكل يصعب الحوار معه وذو بنية تنظيمية عشوائية غير مركزية بسيطة وذخيرته الأفراد العاديون جميعاً صغار وكبار ، نساء ورجال وهو يعتمد في جوهره على عنصر الإقناع الفكري والتجنيد للبشر مما يعطيه مرونة عالية وقدرة على التخفي ، وما حصل مع الأمريكي من أصل يمني أنور العولقي (Anwar AL-Awlaki) والمرتبطين به من الذين قاموا بعمليات إرهابية لاحقة لأحداث 11 سبتمبر ومنهم الرائد في الجيش الأمريكي نضال مالك حسن (Nidal Malik Hassan)[4] يعد خير مثال على ذلك ، وهذا على خلاف بنية التهديد النووي الذي بالرغم من عظم حجم القدرة التدميرية له إلا أنه يتميز ببنية ضخمة معقدة تكنولوجياً حيث يصعب إخفائه كما يصعب الحصول عليه أو تداوله من قبل الأفراد والمنظمات مما يسهل إستهدافه في أي مرحلة من مراحل إعداده وإدامة إستعداده و جاهزيته و تطويره بما يؤدي إلى إيقاف نموه و تطوره أو التوصل إلى تفاهمات منضبطة ملزمة مع الدول التي تمتلكه. هكذا تعايشت الولايات المتحدة مع دول نووية مثل الصين و الهند و باكستان وهي هزمت الإتحاد السوفياتي و فككته ليس عن طريق المواجهة النووية معه بل عن طريق التنظيمات الإسلامية الجهادية التي هي اليوم في صدام معها أو مع بعض أجنحتها. من هنا يبدو أن الولايات المتحدة سارت وتسير في خيار عقد التفاهمات مع إيران ذات المشروع الإمبراطوري الصفوي لمواجهة هؤلاء الخصوم الإرهابيين مصدر التهديد الرئيسي إنطلاقاً من كون إيران الخصم الديني والمذهبي والطائفي والقومي لهم وهي صاحبة أطماع ورغبة شديدة في التمدد بأرضهم وأنها الأقدر على مواجهتهم من داخل معسكرهم الإسلامي بدلاً من إطلاق حرب صليبية إسلامية جديدة. من هنا يمكن تفهم سعي الإدارة الأمريكية المحموم لتطبيق أفكار كمشروع الشرق الأوسط الجديد و الفوضى الخلاقة والتي تم تطويرها لاحقاً وعلى يد الإدارة الديمقراطية بقيادة أوباما لتتداخل مع الربيع العربي الديمقراطي لتستهدف رفع الحواجز من أمام الحركات الإسلامية بأنواعها ومنها الإخوانية والسلفية وتركها تنزلق في الدخول إلى لعبة السلطة التي طالما حلمت بها بما يجعلها تقبل على فكرة مبادلة طريق العنف بطريق السياسة وممارسة السلطة فتنغمس وتنشغل بإغراءاتها ومطباتها أو أن تغرق في صراعات فيما بينها سواء على تطبيق رؤى كل منها أو على إقتسام الكعكة. حتى أن أيمن الظواهري نفسه شجع و دعم الإنخراط في هذا الأمر في خطاب له بصوته في ربيع عام 2011 إبان بداية الأحداث في ليبيا.
هنا أتمنى أن لا يسيء البعض فهم هذا الكلام على أنه رأي مضاد ونقد موجه لحركات التحرر الشعبية وللربيع العربي وإعتبارها مجرد مشروع يخدم إستراتيجية وأجندة خارجية بلا أية ذاتية وجذور وطنية أصيلة ومستقلة بل على العكس من ذلك حيث حدود حديثنا إنما تقتصر على الإستثمار الخارجي للأحداث الجارية على الأرض وليس على نشأة تلك الأحداث ولسنا في وارد أن نبخس الناس اشيائهم أو نظلم الحقيقة الموضوعية والعوامل الذاتية ودور النخب الشعبية والوطنية والقومية الأصيلة ذات التاريخ العريق والتي تتحرك بإستقلالية على الأرض. إنه مجرد طرح لتصور أشمل وأعمق يتضمن إلى جانب العوامل الذاتية المستقلة فكرة إستغلال القوى الخارجية النشطة على الدوام للعوامل والظروف المحلية والداخلية وإستغلالها لصالحها.
إن الكيان الصهيوني ولكونه نشأ وتحرك ونما وتطور على أساس فكرة الدولة اليهودية المغلقة بمجتمع من نسيج أثني وعقائدي نقي لا يقبل في صفوفه الأغيار كمواطنين تحت عناوين المدنية العلمانية الديمقراطية كما في المجتمعات الأمريكية و الأوربية لذلك فهو وإن كان يعتبر نفسه عرضة للتهديدات الإرهابية من الفلسطينيين الذين يمارسون حقهم الشرعي في مقاومة وجوده الغاصب إلا أنه لا يشعر بتقدم خطر ما يعتبره إرهاباً بالطريقة ذاتها التي يستشعرها الأمريكي وسائر أفراد ونخب المجتمعات الأوربية الغربية التي تنفتح على المهاجرين من مختلف الجنسيات والإثنيات والديانات والعقائد. كذلك يستشعر الكيان الصهيوني أن إمتلاك إيران للقدرة النووية وما يستتبع ذلك من تداعيات في المنطقة وبضمنها رغبة العرب والأتراك إمتلاك مثل هذه القدرات كل ذلك سيؤدي إلى ظهور تهديدات جديدة توازي التهديدات القائمة وتتفوق عليها.
إن أهم معنى مباشر لتصريحات الجنرال ديبمسي وغيره من مسؤولي الأمن القومي الأمريكي في هذه المرحلة هي في كونها لا تمثل فقط خلافاً في الرؤى لحل مشكلة معينة في حقل معين مشترك بين بلدين بل هي تضمنت أيضاً إفصاحاً عن خلاف في الرؤى حول المصالح وطبيعة التهديدات ضد هذه المصالح وربما هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها هكذا خلاف في هكذا مناطق أساسية ومركزية ومحورية من السياسة والإستراتيجيا العليا بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني منذ أن إرتباطا سوياً ومصيرياً بشكل رسمي منذ أواسط القرن الماضي وما قبل ذلك بشكل غير رسمي. حيث أصبح ما هو وجودي بالنسبة للكيان الصهيوني ليس وجودياً ولا ذا أولوية بالنسبة للولايات المتحدة. ويمكننا ملاحظة هذا الفارق من خلال التمعن في الفقرتين التاليتين من فقرات تصريحات ديمبسي وبالنص الإنكليزي حسبما نشرت.
We compare intelligence, we discuss regional implications. And we’ve admitted to each other that our clocks are turning at different rates.
They are living with an existential concern that we are not living with.
ويتضح جلياً أن هناك تناقضاً في الكلام بين الفقرة الأولى التي تقصر موضوع الخلاف في إطار توقيت المعالجة والعبارة الثانية التي يظهر منها أن موضوع الخلاف هو في إطار التشخيص وتحديد طبيعة التهديد بالنسبة لكل طرف وعدم إكتراث الولايات المتحدة لأول مرة للتهديد الوجودي لإسرائيل حتى بعد التعرف عليه وفهمه جيداً. إن حجة توقيت ظهور الخطر وتوقيت مواجهته حجة في غاية السخافة والسخرية وهي تصدر من شخص بمثل مكانة وخبرة الجنرال ديمبسي في أعلى هرم مؤسسة دفاعية لدولة تبنت صراحة العقيدة الإستراتيجية الوقائية والإستباقية تجاه التهديدات والتي عانينا من أثارها كثيراً إبان سنوات الحصار الظالم عبر قصص الإستخدام المزدوج للمواد. إن بديهية فكرة المعالجة المبكرة للمشاكل والأمراض والتهديدات تقودنا إلى الإنتباه جيداً إلى موضع الخلاف الأساسي الذي أظهرته تصريحات الجنرال ديمبسي وكونه يرتكز في نقطة تعريف التهديد نفسه وتحديد طبيعته وخطورته. إن هذا الأمر يسلط الأضواء مجدداً على حجم وعمق التعاون الأمريكي الإيراني في ملفات عديدة في المنطقة إلى الدرجة التي تجعل الولايات المتحدة (وربما لأول مرة) لا تأبه كثيراً لقضية الملف النووي في مقابل مستوى الثقة والتعاون بين الطرفين وكونه يتجاوز نطاق الصفقات الموضعية العابرة إلى نطاق التفاهم الفكري والإستراتيجي (Big Bargaining) تجاه العدو العربي المشترك. هذا ما يفسر لنا سياسات أمريكية كثيرة في المنطقة ومنها الموقف تجاه التمسك بشدة بحكومة المالكي في بغداد والموقف من الأحداث في سوريا والمعارضة السورية والثورة السورية وهو ما تستفيد منه روسيا والصين ودول أخرى على الصعيد الدولي.
هناك تعليقان (2):
شكرا للاخ ابو يحيى على الموضوع الهام جدا في هذه المرحلة من اختلاف في الرؤية الامريكية الصهيونية تجاه بعض الاهداف في المنطقة والعالم
وهناك بعض الاضاءات الاضافية ومن وجهة نظري لاغناء الموضوع واثرائه للمتابعين اولا : لا يوجد خلاف استراتيجي بين الكيان الصهيوني والحكومات الامريكية حتى هذه اللحظات بل هناك اختلاف في تطبيق السياسات المتفق عليها بينهما اختلاف في الوسائل والوقت
ثانيا : انهما يشبهان بعضهما البعض عندما يفكران بان مصلحتهما في خطر فيبطشان بعدوهما دون رحمة ولا قانون والفارق بينهما ان امريكا لديها متسع من الوقت تبعا لمصالحها الممتدة على مساحة العالم لتوجيه ضربتها في وقت مريح بدون ان تكون تحت ضغط عامل الزمن
اما الكيان الصهيوني فهو يشعر بانه محاط بالاعداء من كل جانب فيقوم بعملياته الهجومية تحت مسمى "خير وسيلة الفاع هو الهجوم"ولهذا تراه يريد ان يحقق ضرباته الوقائية بصدى اعلامي ضخم وكما ورد في التحليل عامل وجودي
ثالثا :ان امريكا لها علاقات ديبلوماسية واصدقاء في كل انحاء العالم ومع اغلب دول العالم وترتبط بمصالح عليا فلا تحاول قطع علاقاتها بشن الحروب الا في حالات الضرورة القصوى او في حالات عدم خضوع الانظمة المعادية لها لتبادل المصالح مع امريكا التي تعمل من خلال هذه العلاقات على خلخلة البنى الداخليةللنظم المعادية لها وما دامت على علاقات مع الانظمة فهي بغنى عن شن الحروب
اما دولة الكيان الصهيوني فهي دولة اصطناعية ليس لها جذور في المنطقة وليس لها علاقات حسنة مع جيرانها وليس لها علاقات ديبلوماسية مع محيطها الاكالعلاقات المحرمة خارج الزواج الشرعي وهي تسلك سلوكا عدوانيا مع محيطها لانها لاتامن على تحقيق مصالحها الابطريقة فرض القوة او فرطها ولهذا نجدها متحفزة دائمة ومغرورة بقوتها في احايين كثيرة اخرى
رابعا:ان الفرق بينهما هو كالفرق بين الاب وابنه
الاب صبور والابن مدلل عجول ولكن في النهاية يعملان لمصلحتهما الاستراتيجية
فمثلا على التطبيقات
الاهداف الاستراتيجية لكلا القوتين في منطقتنا العربية وفي هذه المرحلة بالذات هو تشتيت القوى العربية وتقسيم الدول الى اثنيات واعراق
فكيف تتصرف امريكا لتحقيق هذا الهدف ؟ نجدها ضربت كل قوى الوحدة العربية والاسلامية سواء كانت دول او قوى حزبية او منظمات ثورية واستبدلتها بقوى حزبية طائفية او عرقية ولم تعلن لحد الان اي قوة جديدة منتجة لهذه السياسة الانفصال او التفسيم وجميعها يقول بانهم مع الوحدة ولكن لنا مطالب خاصة يجب تحقيقها
في حين تطالب دولة الكيان الصهيوني هذه القوى المنتجة ان تعلن استقلالها فورا لتقيم علاقات معها وعلى الملاء
وهذا هو في اعتقادي سر الخلاف الامريكي الصهيوني
الاولى تتمهل والثانية تتسرع في التنفيذ
ولكم تحياتي
السلام والتحية لأستاذنا العزيز المحترم أبا ذر العربي .. أشكر لكم إهتمامكم بالموضوع وتعليقكم الكريم المحترم عليه. أجدني وأنا أحترم تماماً شخصكم العزيز ووجهة نظركم الكريمة المبجلة لا أملك إلا أن أسجل بعض الإعتراض على ما أوردتموه من تعليقات قد يكون السبب فيه عدم توضيح وجهة بشأن الموضوع بالقدر و الشكل الكافي. أنا بكل تأكيد وحين طرحت هذا الموضوع لم يكن يدور في خلدي مطلقاً أن الخلافات بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني هي خلافات من النوع الإستراتيجي وإنها قابلة للتطور بإتجاهات أكثر تأزماً. لم أفكر بذلك مطلقاً ولا أفكر بالحديث عنه أو الترويج له لأني أعتبره سخفاً ، فالعلاقات بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني متجذرة وعميقة وهي أكثر من إستراتيجية فهي تبدأ من التلاقي في العقائد والأفكار والرؤى وتمر بالمصالح المشتركة على كافة المستويات وتنتهي بالتعاون في أصغر وأدق التفاصيل وفي كافة المجالات وهي تمتد عبر تاريخ طويل وحافل وهي ستستمر كذلك إلى ما شاء الله. إن ما اثار إنتباهي ودهشتي ودفعني لكتابة الموضوع هو هذا الخلاف بشأن إيران وكيف أن أمريكا و الكيان الصهيوني اللذان لا نتذكر أنهما إختلفتا في شيء (بغض النظر عن حجم الإختلاف ومداه) قد جاء الوقت ليقع اليوم بينهما خلاف في شأن حساس وهام (وأيضاً أقول بغض النظر عن حجم الإختلاف ومداه). تحليل ودراسة الإختلاف لا تنبع من توهمي بشأن حجم الإختلاف وأثره على العلاقة بين الإثنين لكنها تنبع من حساسية وأهمية موضوع الخلاف (البرنامج النووي الإيراني) وإرتباط ذلك الموضوع والموقف الأمريكي منه بنا نحن العرب ولولا ذلك ما كنت قد كتبت أصلاً ولا كنت قد تجشمت عناء التعليق على ما تفضلتم به. إني أجد فيما أضفتموه من تحليلات وتفسيرات من خلال تعليقكم الموقر ومع كامل الإحترام لكم وله ولكل ما جاء فيه إلا أني أجد أن تلك التحليلات والتفسيرات ليست بالعمق الكافي وذات طبيعة عابرة لا تلبي الطموح الذي ذكرتموه في صدر تعليقكم الكريم : هناك بعض الاضاءات الاضافية ومن وجهة نظري لإغناء الموضوع وإثرائه للمتابعين. في تصوري المتواضع فإن هذه التفسيرات جعلت الخلاف موضوعاً منفصلاً ثانوياً عابراً ليست له دلالة ولا إرتباط لا بإيران ولا بنا ولا تؤثر فيه العلاقة الإيرانية الأمريكية وبالتالي جعلت الموضوع كله وكأنه حدثاً و خبراً عادياً عابراً .. فأين الإغناء والإثراء هنا يا صديقي المكرم ؟!. هل من المفيد لنا تقييمنا لسياسة دولة كالكيان الصهيوني بالسذاجة والصبيانية والتعجل والفوبيا ووو وفي موضوع حيوي وحساس كالموضوع النووي ؟!.
بلا شك يمكن أن نجد لأي موقف على مستوى الفرد والجماعة وفي أي مجال كان تفسيرات عديدة تقليدية وغير تقليدية والإحتمالات هنا أكثر من كثيرة ، لكن الحكمة ومسؤولية المثقف وصاحب القلم الملتزم بقضايا شعبه وأمته تدفعنا ولا شك نحو تفسير معين هو الأكثر ملائمة للحقيقة وهو الأكثر إتصالاً بنسق الأحداث وسياقها وتطورها والأكثر جدوى والأكثر فائدة والأكثر عبرة والأنضج ثمرة.
بالتأكيد لست في وارد أن أفرض على شخصكم الكريم أو على أي أحد أو أية جهة أي وجهة نظر فلكل رأيه المحترم وتحليله للأمور ، أنا فقط وفقط أحببت أن أوضح بجلاء تام أن هناك نقاط إختلاف في الرؤى بيننا وهي هامة وجوهرية ولولا أني أعتبرها هامة وجوهرية وأساسية في تناول الموضوع ما كنت قد كتبت أي شيء من الأساس ولا بادرت لكتابة هذا التعليق الثقيل على نفسي قبل أن يكون ثقيلاً على أي أحد أخر.
التفسيرات والتحليلات التي تطرحونها يا أخي الكريم تهمل تماماً دور وتأثير طرف أساسي في المعادلة وفي الموضوع .. ذلك هو الطرف الإيراني وصلة الإثنين به ودور تلك الصلة في هذا الإختلاف ، كذلك موقعنا نحن العرب من هذه القضية وما يتصل بها من صلات و تعقيدات وصلة ذلك بأصل الموضوع المطروح. تحياتي ومحبتي وتقدير وعذراً عن الإزعاج.
إرسال تعليق