موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

السبت، 8 سبتمبر 2012

مسلسل عمر.. آراء وملاحظات

هذا رأي فقهي تاريخي فني في مسلسل عمر، الذي عُرِض من على شاشة بعض القنوات الفضائية العربية في شهر رمضان الفائت، تتضمنه مقالة مطوَّلة للأستاذ عبدالله شاكر الدليمي، أرسلها الينا على البريد الإلكتروني، مشكوراً.
والموضوع بحاجة إلى قدر أوفى من آراء المتخصصين، في الجوانب المعنية، لمزيد من التفصيل والإثراء.

مسلسل عمر.. آراء وملاحظات


عبد الله شاكر الدليمي 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. 
وبعد...
فقد لاح مسلسل "عمر" في سماء الفضائيات المعتمة إسفافا وانحطاطا فأنارها في شهر الخير، فأحال العتمة متعة.
لاح "عمر" كأنه رعد أرسل برقا مبهرا، فصار الناس في أمره أقساما ثلاثة: قسم تطيّر منه خوفا من صاعقة تحدث ضررا، يكرّه إلى الناس البرقَ رغم كونه جنديا من جنود الله يرسله رحمة لمستحقيها وعذابا على مستحقيه؛ وقسم استبشر به خيرا، أملا في مطر تهتز له القفار وتربو؛ وقسم أدمن الظلام في كهف خربٍ يعج بالخفافيش التي تخشى أن يصيبها البرق بالعمى – فوق عماها-  أو أن يرسل عليها صاعقة تدك كهفها على رؤوسها.
أما القسم الأول، فالمحرمون والمعارضون لعرض المسلسل حرصا وورعا وخشية على الإسلام وتاريخه ورموزه؛ وأما القسم الثاني فمجيزوه الذين رأوا فيه فرصة لعرض صفحات تاريخنا المشرقة.
وكلا الفريقين ينطلق من نفس النوايا والمقاصد وإن تعارضا في الرأي.

أما القسم الثالث فلا دخل له بأي من الفريقين الأولين، وهم الذين يرتعدون فرقا من أي ذكر لسيرة الفاروق الذي أطاح بعرش جدهم وأطفأ نار شركهم بفضل من الله؛ فهم لا يريدون لأتباعهم رؤية صورة غير التي رسموها لهم عنه زورا وبهتانا.

مبررات المعارضين:
من خلال متابعتي لطروحات بعض المشايخ المعارضين للمسلسل، يمكنني حصر نقاط اعتراضهم فيما يلي – مع التعليق على كل نقطة:
1-   تجسيد شخصيات الخلفاء والصحابة – رضي الله عنهم - وخاصة من قبل ممثلين غير ملتزمين دينيا، ومؤدى ذلك الإساءة لهم وتشويه صورتهم. فتقمص هؤلاء الممثلين لأدوار الصحابة يجعل المشاهد يحتفظ بصور نمطية عنهم من خلال الممثلين أنفسهم، فإذا قاموا لاحقا بأدوار غير لائقة انصرف ذهنه إلى الصحابة الذين تم تقمص شخصياتهم، وبالتالي إسقاط هيبتهم والحط من قدرهم.
وهذه المسألة منطقية جدا، إذا لم يتم ضبطها والاحتياط لها. ومن وسائل الاحتياط:
·     عدم اختيار ممثل له تاريخ "فني" مشين للقيام بدور أي من رموزنا من صحابة أو صالحين.
·     التزام (أو إلزام) الممثل بعدم تمثيل أي دور مسيء مستقبلا لكي لا يشوه صورة الرمز الذي قام بتجسيده.
وفي هذا الصدد، جاء في صحيفة الشرق القطرية:
" تعهد الفنان السوري سامر إسماعيل الذي قام بدور الصحابي الجليل عمر بن الخطاب في مسلسل "عمر" بأن لا يقدم أي أدوارا مستفزة بعد قيامه بتقديم شخصية من أعظم الشخصيات في التاريخ العربي والإسلامي، مشيرا إلى أنه يتفهم حساسية هذا الدور الذي قدمه والذي كان بالنسبة له أكبر مغامرة أقدم عليها، منوها أن سعادته لا توصف لاختياره لهذا الدور... ." (1)
لكن ماذا عن سائر الممثلين الآخرين الذين جسدوا أدوار الصحابة؟
·     كفاءة الممثل للقيام بالدور المنوط به (وقد كان أداء الممثل مقبولا قياسا بخبرته، فهو خريج عام 2010 وهذا أول دور يقوم به - حسب علمي. ربما ينقص الممثل أن يعيش الدور بشكل أكثر إتقانا، وهذا ما يتأتى من الممارسة والاستفادة من باكورة عمله)
·     إتقان ترتيبات المكياج والديكور وسائر المؤثرات لتقريب الممثل من الشخصية التي يقوم بدورها، من جهة، ولإبعاده عن شخصيته الحقيقة، من جهة أخرى. وأظن أن جميع هذه التحوطات قد حصلت بشأن الشخصية المحورية في المسلسل – شخصية عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ولو بشكل مقبول كتجربة أولى يجب أن يعقبها نقد يصحح المسار ويتلافى الهنات، وهذا أمر طبيعي.

ثمة أمر مهم: إن خشية المعارضين من ربط المشاهد بين شخصية الصحابي والممثل ليست في محلها – برأيي. ذلك لأن المشاهد أحد اثنين: إما بالغ متعلم أو قاصر جاهل (أو بين بين)؛ أما المتعلم فيدرك أن الشخصية المجسدة شيء والممثل القائم بالدور شيء آخر، ويعلم أن ما يتم عرضه هو صورة تقريبية مفترضة للصحابي وليس الصحابي بلحمه ودمه. وأما الجاهل فيندر أن يعرف أن هذا الشخص المجسد للدور هو الممثل الفلاني بسبب ما يُجرى عليه من تغييرات تجعله شخصا آخر من خلال المكياج والديكور وتقنية تغيير الصوت، الخ. فالممثل سامر اسماعيل (الذي قام بدور عمر) أصبح صورة أخرى مختلفة بشكل شبه كلي عن صورته الحقيقية، بعد أن غطت اللحية الكثة وجهه وغير شاربه معالم فمه وغطت عمامته شعره المصبوغ بالبياض فاختفى شكلا ولونا وطولا؛ أما بشرته فتمت معالجتها بمساحيق المكياج، وطوله ومعالم جسمه اختفت تحت لباسٍ فضفاض يختلف كليا عما يلبسه عادة، بل وحتى صوته تم تفخيمه بتقنية معينة ليناسب صوت الفاروق- رضي الله عنه – فماذا بقي؟
الطريف أن المعارضين للمسلسل أصدروا مقطعا مرئيا على اليوتيوب كإحدى فقرات الحملة التي شنوها لمقاطعته، وأظهرت صورة شخصية "عمر" في المسلسل إلى جانب صورة الممثل سامر اسماعيل بشكله ولباسه الطبيعي، لتقول للناس ساخرة: "تفضلوا.. هذا هو الممثل الذي يؤدي دور عمر"! وربما لو ترك الناس – وخاصة العوام - على فطرتهم لما اهتدى أكثرهم إلى معرفة ذلك. فهم بذلك قد روجوا للممثل (والمسلسل عموما) وأزالوا المكياج والديكور عنه بأنفسهم.
للأمانة، عندما شاهدت ذلك المقطع رأيت فرقا كبيرا بين صورة الممثل قبل المكياج والديكور وبعده، وربما لولا هذه "الخدمة" التي قدمها المعارضون لما عرفت ذلك.
2-   احتمالية حصول تحريف – مقصود أو غير مقصود- في الأحداث التاريخية وعدم ضبط الوقائع والنصوص وسائر الجوانب بما يؤثر سلبا على مقصد المسلسل.
أما من حيث النص والحوار فقد تم اعتماد المراجع التاريخية الموثوقة وتمت مراجعته وتدقيقه من قبل لجنة من العلماء. وقد تم عرض جميع حلقات المسلسل، فمن كان لديه اعتراض على شيء في هذا الصدد (أو نُقل إليه ذلك - لأنه ألزم نفسه بعدم مشاهدته) فليطرحه للنقاش والتصويب إن استوجب ذلك.
3-   وجود الموسيقى وإظهار النساء – وخاصة المتبرجات من غير المسلمات.
وهذا الاعتراض في محله ولا غبار عليه، وأنا أضم صوتي إلى أصواتهم وأدعو إلى تلافي هاتين المخالفتين الشرعيتين بالاستعاضة عن الموسيقى بالمؤثرات الصوتية الطبيعية – إن كان ذلك ضروريا- وحجب أوجه النساء وكل ما هو عورة منهن.
إن إظهار النساء كاشفات الوجه أمام الرجال – بعد سنين من نزول آية الحجاب – لأمر غريب ومستهجن؛ ولا يقبل من عامة نساء الصحابة، فكيف بعاتكة زوجة عمر – رضي الله عنهما!


 تعليق:  أنا شخصيا لا أرتضي لزوجتي الظهور هكذا أمام الرجال – وأنا من عامة المسلمين وفي القرن الحادي والعشرين- فهل يليق ذلك بالصحابة؟


وهنا الطامة الأكبر: زوجة عمر مع بعض الصحابيات في المسجد بين الرجال!

في حين تظهر الكاهنة سجاح – مدعية النبوة – منقبة قبل إسلامها في هذه اللقطة!


فما دلالة ذلك؟ وما الرسالة المراد إيصالها يا ترى؟!

1-   الخطأ في قراءة بعض الآيات القرآنية: وهذا ما حدث فعلا في أعمال فنية أخرى، وهو مرفوض قطعا ويجب تداركه. لكن ليس من الإنصاف أن يؤخذ مسلسل عمر بجريرة غيره من الأعمال قبل أن يعرض (والمتهم بريء حتى تثبت أدانته).
2-   يذهب البعض إلى حرمة التمثيل بحجة أنه من الكذب: وهذا زعم غريب، لأن الممثلين يحكون أحداثا تاريخية مصورة ومجسدة بدلا من النص المقروء أو المكتوب. والتمثيل هنا نقل لأخبار ووقائع حقيقية وليس إخبارا عن شيء مكذوب أو خيالي (باستثناء ما تم الإشارة إليه آنفا).
3-   احتمال تجاوز الأمر مستقبلا إلى تجسيد النبي - صلى الله عليه وآله. وهذا افتراض وتخوف لا يبنى عليه حكم قبل حصوله؛ ويجب أن يدخل ضمن الحيطة والتحذير طالما أن مداره الظن لا الجزم.
إن الذين يحرمون المسلسل بسبب ما قد يخالطه من مخالفات - وليس بسبب حرمة تجسيد الصحابة (التي لم يأتنا أحد منهم بدليل قطعي عليها)- كمن يترك عنقود عنب شابه بعض الغبار أو القش. وبما أن العنب فاكهة لذيذة ومباحة، فلماذا لا يُزال ما علق به ثم يستفاد منه؟
أما تحريم المسلسل تخوفا من تطور الأمر إلى تجسيد شخصية النبي - عليه الصلاة والسلام - فهو كتحريم عنقود العنب ذاته بحجة أنه قد يتخمر فيصبح خمرا.

مع الفريق الثاني.. بشروط:
مع فائق احترامي لرأي المعارضين للمسلسل وتقديري لحرصهم وغيرتهم (وأنا أجلهم جميعا)، فأنا أميل إلى رأي المجوِّزين له (من حيث الفكرة.. وأغلب جوانب التطبيق)، للأسباب التالية:

أولا: ليس هناك نص صريح من القرآن أو السنة في تحريم تجسيد شخصيات الخلفاء الراشدين والصحابة – رضي الله عنهم.
والأصل في الشيء الحل ما لم يرد نص في تحريمه. وما يستند إليه المحرمون هنا ليست قطعيات وإنما احتياطات وافتراضات وظنون قد تكون في محلها وقد لا تكون. وبالتالي فلا بد من التأصيل في إصدار الحكم على الأشياء وتحديد محل الحكم ومناطه: هل هو الشيء لذاته أم لغيره؟ بمعنى: هل العلة في تحريم المسلسل هي التمثيل، أم تجسيد شخصيات لا يصح تجسيدها شرعا، أم احتياطا من أمور مصاحبة كعدم الدقة في عرض أحداث التاريخ الإسلامي ووجود الموسيقى وإظهار النساء، الخ؟ وماذا لو خلا المسلسل من كل هذه التحفظات؟
لا بد من تفكيك المسألة محل النقاش (مسلسل عمر) إلى عناصرها التي هي محل إنزال الأحكام والعلل المرتبطة بها واختبار كل علة على ضوء أدلة وقرائن، وهو ما يعرف عند الأصوليين بـ "السبر والتقسيم" (2).
إذن على المحرمين تجسيد شخصية عمر وسائر الخلفاء والصحابة – رضوان الله عليهم – أو التمثيل عموما، أن يأتونا بدليل على التحريم من أيٍ من مصادر التشريع لنقول "سمعنا وأطعنا".
ثانيا: الدراما إحدى الوسائل التعليمية والتثقيفية الفعالة جدا، ولعلها أقواها تأثيرا، وهي سلاح ذو حدين.. يمكن استغلالها في الخير أو الشر، شأنها شأن أي سلاح يمكن استخدامه في قتل بريء أو في جهاد في سبيل الله.
المحزن أن معظم القنوات الفضائية العربية تقوم بأدوار هدامة من خلال ما تتقيؤه علينا ليل نهار من مواد هابطة تستهدف ديننا وقيمنا، وهي تسهم سلبا في تشكيل جزء كبير من شخصية الجمهور المسلم - شعرنا بذلك أم لم نشعر. وبما أن القنوات الفضائية تغزو 99 % أو أكثر من بيوتنا، وقد لا نفلح في التحكم فيها والفرز بين صالحها وطالحها لأطفالنا ونسائنا إلا برقابة مشددة قد لا تتيسر في كل حين، فلا بد من عمل شيء يحد من هذه الخطورة إن لم نستطع منعها كليا. فتعدد وسائل الإعلام والاتصال اليوم يجعل من الصعب إبعاد الناس عن مصادر الخطر.
فمن لم يجد من أطفالنا أو شبابنا تلفازا في البيت فلربما لجأ الى الإنترنت أو الهاتف المحمول.. فإن مُنع من كل ذلك في بيته فلربما وجدها عند أقرانه أو أقاربه. وبالتالي فلا بد من مواجهة الواقع ومحاولة تغييره بدلا من الوقوف منه موقف المشنع المتسخط بلا معالجة واقعية مجدية. ولا بد من توفير البدائل السليمة- أو الأخف ضررا على الأقل.
ثالثا: الدراما وسيلة وجدت طريقها إلى الناس وقضي الأمر- شأنها شأن وسائل التقنية الحديثة الأخرى التي فرضت نفسها كواقع حال لا يمكن غض الطرف عنه؛  فإن لم نستغلها نحن المسلمين استغلها أعداؤنا ضدنا. فنحن في معركة متعددة الوجوه مع أعداء يستهدفوننا في هويتنا وقيمنا وثوابتنا، والأعمال التمثيلية عبر السينما أو التلفاز سلاح متواجد على نفس المسافة بيننا وبين أعدائنا، فإن لم نستطع حيازته دونهم فلا أقلّ من مشاركتهم فيه.
فماذا لو قام الإيرانيون – مثلا - بإنتاج  مسلسل عن عمر - رضي الله عنه - وقدموه للمشاهد حسب تصورهم وتصويرهم له وبثوه بيننا عبر العشرات من قنواتهم التي تغزونا في عقر دارنا وبلساننا وعبر أثير قمرينا العربيين (العرب سات والنايل سات!)؟ ماذا سيكون موقفنا عندئذٍ؟ هل يا ترى ستفلح شاحنات عملاقة من كتب السيرة ومناقب عمر في تصحيح الصورة التي انطبعت في ذهن المشاهد- غير المحصن وضعيف الثقافة خاصة؟
وحتى لو رددنا على مسلسل إيراني مفترض بمثله يصحح مغالطاته، فهل سيكون رد الفعل كالفعل، والاستجابة كالاستباق؟

مؤاخذاتي على المسلسل:
لي بعض المؤاخذات على المسلسل (بعضها شرعية والأخرى فنية تتعلق بالتأليف أو الإخراج). ووجود الأخطاء أمر طبيعي لكون العمل جهدا بشريا يعتريه ما يعتري أي جهد بشري من النقص والهنات:
1-   بالإضافة إلى مسألة الموسيقى والنساء التي أسلفنا ذكرها، هناك مسائل مهمة يجب على القائمين على المسلسل التنبه لها، مثل الضوابط الشرعية الخاصة بحجاب المرأة وهيئة الرجل كاللحية والشاربين واللباس (الهدي الظاهر)، الخ.
فقد ظهر أغلب المسلمين، بل حتى الخلفاء الراشدين، بلحىً قصيرة ومشذبة وملابس طويلة تحاكي إسلام اليوم (المودرن) ولا تمت بصلة إلى إسلام خير القرون. وهذا خطأ بحق الواقع والتاريخ- من جهة، وبحق المشاهد الذي قد يتوهم أن ذلك من الدين فعلا فيتخذه قدوة وذريعة- من جهة أخرى.
الغريب أننا شاهدنا "عامة المسلمين" في المسلسل (الكومبارس) – بل والمشركين كأبي جهل وأمية بن خلف وغيرهما - بلحىً أطول من لحى "الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة"!
أمر آخر استوقفني: في إحدى اللقطات، ظهر "عمر" يحدث رجلا ذا لحية – أو بالأحرى نصف لحية- وشارب غطى شفتيه، فكان يتكلم دون فم يرى، فخلته ممن أسلم من يهود أو فارس وبقي على بعض عادات ما قبل الإسلام (ومع هذا فلا أظنه يبلغ عهد عمر دون نصح وتصويب)، فإذا بعمر يسميه باسمه "أبو هريرة"، فصدمت! أبو هريرة؟! ذلك الصحابي الجليل الذي كان أكثر الصحابة حفظا للحديث ومن أعلمهم بالسنة؟!
2-   في إحدى اللقطات، يظهر "عمر" في عام الرمادة يواسي أرملة تحاول إقناع صبيها المريض ليأكل لقمة يقيم بها صلبه. فأخذ عمر كسرة خبز وغمسها بلبن أو نحوه ليضعها في فم الصبي - بيده اليسار! ومعلوم أن استخدام اليد اليسرى منهي عنه في الطعام (أو الإطعام) والشراب وأمور أخرى، فكيف مرَّ هذا الخطأ على القائمين على المسلسل أو المراقبين؟ نعم، كان عمر أعسر، لكن ليس فيما فيه نهي.
 ثم إن "عمر" كان يحاور المرأة وهو ينظر إليها وتنظر إليه بابتسامة! وهذا مخالف للشرع بل وللمنطق والسياق التاريخي المقروء والمشاهد الذي عرفنا من خلاله "عمر" حييا ورعا مُهابا لا يجرؤ حتى الرجال إطالة النظر في عينيه، فكيف بامرأة يفترض أنها أشد حياءً من الرجال وأكثر مهابة لـ "عمر"؟!
3-   المعروف أن جسم علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – كان قويا ذا عضلات، وهذه الصفة لا تتوفر في الممثل الذي قام بدوره.
4-   الأخطاء النحوية التي لا تغتفر، وهذا لا يليق بمعاصر ذي علاقة باللغة العربية.. فكيف بـ "أحد الخلفاء أو الصحابة" الذي يظهر أمامنا وهو يرفع وينصب كما يحلو له؟ أيعقل أن تمر لقطة دون رقابة يقول فيها "أبو بكر" مثلا: "اتقِ الله" – بتفخيم لام لفظ الجلالة المسبوق بكسر؟  (هذه العبارة أو شيئا من ذلك، وربما كانت ضمن آية – لا أذكر بالضبط، وأرجو ممن يتذكرها جيدا أن يراسلني مشكورا على:
https://twitter.com/AbdullahDelaimi)
وهنا تبرز الحاجة إلى لجنة لتدقيق النص لغويا وأخرى لتدقيق الجوانب الشرعية (مع التأكيد على مراجعة كل اللقطات المصورة قبل اعتمادها، والتنبه لخطورة دلالات كل مشهد مهما كان بسيطا وتأثيره على المشاهد؛ ويفضل أن يقوم بذلك عالم شرعي مشهود له بسلامة المنهج – أولا- وذو دراية بعلم النفس وعلم الاجتماع – ثانيا - ليكون أكثر قدرة على التحليل ورصد مكامن الخطر)؛  أما الاقتصار على لجنة لتدقيق النص والحوار من الناحية التاريخية فغير كافٍ.
5-   طيلة حلقات المسلسل، كنت أتساءل باستغراب: أين دور عثمان بن عفان الذي هو خير البشر بعد عمر، وثالث الخلفاء الراشدين– رضي الله عنهم؟ لماذا تم إغفال شخصيته ومواقفه المشرفة تجاه الإسلام والمسلمين بهذه الطريقة؟ وأين معاوية بن أبي سفيان الذي لا أذكر أني سمعت اسمه مطلقا- فضلا عن مشاهدة صورته؟ أليس في إسلامه سراً يوم عمرة القضاء (سنة 7 هجرية) ثم إعلانه يوم الفتح ما يثري أحداث المسلسل ويعطي هذا الصحابي الجليل حقه؟
6-   أحد "الصحابة" الذين تكرر ظهورهم في مجلس "عمر" كأحد المستشارين المقربين، أصبح وجهه مألوفا لكثرة ما يظهر للمشاهد، لكني كنت "أتقطع" رغبة في معرفة اسمه، وبعد انتظار دام حلقات تبين أنه "عبد الرحمن بن عوف"! وسبب ذلك أن نص الحوار لم يذكر أسمه إلا مرة واحدة على ما أذكر، وحسب ما رأيت.
عند انتقال الصورة إلى أماكن الفتوحات وغيرها، يظهر على الشاشة اسم المكان والتاريخ الهجري، وهذا مطلوب، لكن ما المانع أن يظهر اسم الشخصية مع صورته بين الحين والآخر لكي يعرف المشاهد الشخصية التي يشاهدها دون أن يقتله الفضول فترات طويلة؟ سبب أهمية ذلك هو أن بعض المشاهدين يلتحقون بالمسلسل من مراحل مختلفة، فليس كلهم متابعين له من أول حلقة أو من بداية كل حلقة، وبالتالي فهم بحاجة إلى الاندماج بأحداثه بدون علامات استفهام كثيرة تفقدهم المتعة.
7-   دور النجاشي كان هزيلا، من جهتين، الأولى: لغة الممثل التي بدت "بنكهة سوادنية" طاغية (لدرجة أنه لو قال "ااااااي" بدلا من "نعم" لما ابتعد كثيرا عن الجو!)، والثانية، طريقة إظهار شخصية "النجاشي" التي بدت فاقدة للهيبة. ولا أدري ما الحكمة في إسراف "النجاشي" في الابتسامات العريضة بين الحين والآخر وبلا مبرر - رغم سخونة الموقف وعمق حواراته التي جعلت قلب المُشاهد يخفق خوفا على مصير المسلمين الذين لجأوا إليه فرارا من اضطهاد  قريش!
8-   في أكثر من لقطة، كانت الكاميرا تركز على وجه "علي" وهو بمعية "أبي بكر" أو "عمر" – رضي الله عنهم – وكأن على محياه علامات التذمر (أو هكذا خُيّل إلي)، وهذه مسألة حساسة يجب التنبه لها لأنها قد توحي بأمور يزعمها البعض .
9-   مشهد مقتل عمر - رضي الله عنه – لم يكن بالشكل المطلوب، فقد كانت ردة فعل المصلين باهتة ولم يعط المشهد حقه من التأثر والتأثير؛ فقد كان هناك برود في رد الفعل تجاه المقتول والقاتل. كان الأولى بالمخرج أن يظهر شيئا من علامات الوجوم والحزن والارتباك على وجوه المصلين بدلا من إطالة التركيز على يد عمر المضرجة بالدماء.
أنا أجزم بأن جميع محبي عمر - رضي الله عنه - ممن شاهد المسلسل لم يكن يتمنى أن يرى هذا المشهد المؤلم الذي يشكل أكبر غصة في المسلسل، فإذا به يمر دون الشعور المتوقع والمستحق.
10- مشهد عمر - رضي الله عنه – وهو على فراش الموت بعد أن طعن كان فاترا هو الآخر، فقد  ظهر "علي" وسائر الصحابة - رضي الله عنهم –  وكأنهم في جلسة تشاور أو وعظ اعتيادية، فلم نر لأحدهم دمعة أو عبرة أو شيئا من هذا القبيل لإقناع المشاهد بعمق المشهد.
  11- إغفال بعض الأمور  المهمة، مثل:
·          قصة الصديق- رضي الله عنه – مع العجوز العمياء  حين ولي الخلافة، التي كان يأتيها كل يوم فينضج لها طعامها ويكنس لها بيتها وهي لا تعلم من هو، فكان يستبق وعمر بن الـخطاب - رضي الله عنه – إلى خدمتها. كان بالإمكان تسليط الضوء على هذه الخصلة العظيمة للصديق والفاروق - رضي الله عنهما – لإثراء المسلسل تاريخيا وفنيا، ففيها رسالة لا ينبغي تفويتها.
·         تبرع أبي بكر بكل ماله وعمر بنصف ماله في سبيل الله – رضي الله عنهما.
·         نزول آيات قرآنية تأييدا لآراء عمر - رضي الله عنه – في أكثر من 20 مسألة كما في آية الحجاب وأسارى بدر واتخاذ مقام إبراهيم مصلى، الخ. وهذه جوانب مهمة جدا يجب التركيز عليها لأنها تظهر حكمته وسداد رأيه. وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وآله- فيه: "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحدَّثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب" (البخاري)


وقد تكون هناك ملاحظات أخرى لم تحضرني (فقد فاتتني حلقة أو اثنتان وبعض المقاطع مما شاهدته من حلقات)؛ لكن مع هذا كله فأنا أفرق بين النظرية والتطبيق فأشجع على الأولى وأدعو إلى إتقان الثانية بحيث لا تمر أي معلومة غير صحيحة أو لقطة تحمل دلالة سيئة.
وأرى من غير الإنصاف تسقيط هذا العمل كليا، ولا بأس بالمناصحة وتصحيح المسار. فشكرا لتلفزيون قطر ومجموعة الـ MBC وكل من عمل على إظهار هذه التحفة الفنية الرائعة، وأدعو إلى تكرار التجربة مع سيرة جميع الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – بشرط تجاوز ما رافق مسلسل "عمر" من مؤاخذات وملاحظات.
كما أدعو إلى استغلال الدراما كوسيلة فاعلة في نشر نور الإسلام وتاريخه المشرق بأحداثه ورموزه ليتعلم الجاهل ويزداد المتعلم علما وإيمانا واعتزازا بدينه. فكم من مشاهد لم يكن يعرف شيئا عن سيرة الفاروق بدأ يقرأ عنها ويهتم بها بعد أن تأثر بها من خلال المسلسل.

أين الكِتاب من الدراما؟
قد يقول قائل، ولماذا الدراما؟ أليس بوسع من يريد الاطلاع على سيرة عمر أو غيره من الخلفاء الراشدين والصحابة - رضي الله عنهم-  أن يقرأ في الكتب أو المواقع الألكترونية أو يستمع إلى شريط مثلا؟ فأقول:
v   للتعليم وسائل مختلفة، منها القراءة والكتابة والاستماع والصور (الثابتة والمتحركة).. وسائر الوسائل النظرية والعملية؛ لكن أكثرها تأثيرا هو استخدام الصور، خاصة عندما تكون ذات ألوان وأشكال جذابة وتلامس الواقع بشكل مباشر؛ وستكون الفائدة مضاعفة إذا انطوت المشاهدة على المتعة والتشويق، فما يتعلمه الإنسان من الصور يزيد على ما يتعلمه من القراءة بأربعة أضعاف تقريبا. هذا بشأن الصور الثابتة الجامدة، فما بالكم بصور حية لبشر ينطقون بلساننا ويستثيرون عواطفنا ويحفزون أحاسيسنا إلى درجة أنهم يدخلوننا في جو المَشاهد قسرا لجماليتها وجزالة الحوار وتنوع الرسائل والمعاني العميقة؟   
v   في حالة القراءة، نوظف حاسة البصر فقط، وفي حالة الاستماع نوظف حاسة السمع فقط - مع شيء من الخيال في الحالتين-  لكي نتعلم، وكلتا الطريقتين تتطلبان تركيزا ذهنيا ووجدانيا، وإلا كانت القراءة أو الاستماع بلا فائدة. أما في الدراما، فالمشاهد يوظف عددا أكبر من الحواس: السمع والبصر والحضور الوجداني والذهني.. مع فرصة لا مثيل لها لاستبدال الحاجة إلى الخيال المتكلف بمشاهد حية "ملموسة" تكاد تنطبق مع الواقع المحكي فتنقله إلينا (أو تنقلنا إليه) بسهولة وقوة تأثير.

والذي تابع أحداث مسلسل "عمر" بتركيز يدرك مدى قدرة مَشاهده المؤثرة المتنوعة على تجييش كل مشاعر المُشاهد وتحشيد أحاسيسه ليصبح كتلة من الانفعالات المتداخلة والمتفاعلة مع بعضها لتجعله يندمج في صلب الأحداث اندماجا يصعب معه الانفكاك عنها (إلا على يد الأخ "زياد دلالة" وصاحب "أزمة السير الخانقة").
هذا الاندماج كفيل بإكساب المشاهد معلومات تضرب في ذاكرته عمقا ورسوخا على مدى الزمان، أو تعيد إلى ذاكرته معلومات نسيها سريعا لأن مصدرها الكتاب. فقولوا لي - بربكم - أي وسيلة تضاهي الدراما قوة وتأثيرا وحضورا؟
من شاهد الأحداث المؤثرة في المسلسل، كمشهد حمل عمر – رضي الله عنه – لكيس الطعام إلى المرأة صاحبة العيال الذين كانوا يتضورون جوعا، أو نومه على الأرض بلا حراسة وبتواضع فريد.. لا يملك إلا أن يصارع عبراته ويعالج دموعه.
ومن شاهد المعارك تحتدم بين المسلمين والمشركين – خاصة مع الفرس بجيوشهم الجرارة وفيلتهم المرعبة – يدخل في دوامة الهم والترقب وخفقان القلب والدعوة إلى الله بأن ينصر جنده – رغم أنه يعلم أن هذه المعارك حسمت للمسلمين وطواها التاريخ بما يزيد على أربعة عشر قرنا. فهل يحصل كل ذلك مع نص مكتوب نقرأه في كتاب أو موقع ألكتروني؟
v          القراءة تتطلب قدرا من الصبر والمطاولة والجهد البدني والذهني، إضافة إلى جهود مؤلف الكتاب من حيث اللغة وأساليب العرض، وجهود دار النشر من حيث الإخراج الفني وحجم الكتاب وجودة الطباعة، الخ. أما المَشاهد التمثيلية، فبالإمكان متابعتها بكل يسر وسهولة وعلى الوضع الذي يرغبه المُشاهد: جالسا، نائما، متكئا، متدثرا بفراشه، واضعا يديه تحت رأسه، يأكل من طبق حلوى أو فواكه (كما يحلو لي أن أفعل عند متابعة  حلقات مسلسل عمر). بل وتتاح له فرصة مسح دموعه كما أفعل أنا (رغم قلبي المتحجر ودمعتي العصية.. فكيف برقيق القلب سريع الدمعة؟!)
وإذا اعترفنا أن المثقف اليوم يفضل الدراما على الكتاب (وحُق له ذلك)، فماذا عسانا أن نقول بشأن العامي؟ ثم ماذا عن الأعمى أو من يعاني صعوبة القراءة والكتابة (الديسليكسياDyslexia ) والأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب؟
v          معظم القنوات الفضائية العربية معاول هدم تعمل على نخر قيمنا على مدار الساعة، وهي بلاء عمّ وطمّ.. وبالتالي فما العمل؟
نحن أمام خيارات ثلاثة لا رابع لها:
الأول: ترك الوضع كما هو عليه والاكتفاء بالإنكار والاستهجان؛ وهذا غير مجدٍ.
الثاني: إلغاء هذا الواقع كليا؛ وهذا محال، فقد عمت البلوى واستشرى ضررها          الذي يتزايد مع الزمن.

الثالث: مزاحمة الباطل ومنافسته على هدفه والتخفيف منه قدر الإمكان. وهذا هو الخيار الأمثل في ظل واقع مرير يلقي بظلاله القاتمة علينا وعلى أجيالنا. أوليس إشغال حيز من فضاء الفضائيات المفتوح بالخير خيرا من تركه شرا كله؟
v   الذي يحرص على قراءة كتاب أو صفحة ألكترونية عن سيرة الخلفاء والصحابة – مثلا- هو المسلم الحريص دون غيره، أما الدراما فيتابعها المسلم وغير المسلم، ذو الهمة وعديمها. وفي ذلك فرصة لإدخال نور الإسلام إلى قلبه بطريقة محببة.
وخلافا للكتاب الورقي الجامد المغلق، فإن الدراما كتاب مفتوح.. حي.. ناطق بالصوت والصورة لكل الناس – مسلمهم وكافرهم، من يحب القراءة ومن لا يحب- وكفى بذلك ميزات حري بنا استثمارها.
v  للأسف الشديد، نحن (أمة إقرأ) لا نقرأ.. وأرجو أن نقر بذلك بدون مكابرة، فكيف سنطلع على تاريخنا الإسلامي لنتعلم من دروسه ونعظم شعائرنا ونعتز بمناسباتنا ورموزنا؟
ولو أجرينا مقارنة بين نسبة من يشاهد القنوات الفضائية منا ونسبة من يقرأ لدفنا رؤوسنا في التراب خجلا."أثبتت الدراسات أن معدل قراءة المواطن العربي سنوياً هو ربع صفحة فقط، في حين أن معدل قراءة المواطن الأمريكي 11 كتابا، والبريطاني 7 كتب في العام!! أما الطفل العربي فلا يقرأ سوى 6 دقائق سنوياً خارج المنهج الدراسي رغم ما للقراءة والمطالعة خارج المنهج من أثر كبير على المستوى التعليمي للطالب، ويقرأ كل 20 عربيا كتاباً واحداً، بينما يقرأ كل بريطاني سبعة كتب - أي ما يعادل ما يقرأه 140 عربي! ويقرأ كل أمريكي 11 كتاباً أي ما يعادل ما يقرأه 220 عربياً!!.  (3)
يالها من مقارنة تسيء الصديق وتسر العدو!
هل بعد كل هذه الإحصائيات المخزية نتوانى في استغلال الدراما كوسيلة بديلة للتعليم والتوعية؟!
مزيدا من الروية يا علماءنا الأفاضل!
أرجو من العلماء الأجلاء الذين يقفون بالضد من الدراما أن يتعاطوا معها بمزيد من الروية والمرونة، لئلا تُظهر لهم الأيام تسرعهم فينتقلوا من مرحلة الرفض القاطع إلى مرحلة التبني.
قد يبدو كلامي هذا غريبا وصعب التصديق، لكني أعود بذاكرة القارئ بضعة عقود إلى الوراء عند بداية ظهور التلفاز، وكيف كان موقف العلماء والدعاة منه. فقد حذروا منه تحذيرا شديدا لما فيه من الشر والإفساد (وهو كذلك في الأغلب). حتى أن منهم من استشهد بحديث للنبي - صلى الله عليه وآله – ذكر فيه ست علامات صغرى للساعة، وذكر من بينها "فتنة لا يبقى بيت من بيوت العرب إلا دخلته.." وفسر هذه الفتنة بالتلفاز. ورغم أن الرأي الراجح في بيان معنى الفتنة في الحديث هو ما حصل بين علي ومعاوية من اقتتال على إثر مقتل عثمان بن عفان – رضي الله عنهم جميعا- كما ذهب إلى ذلك الشيخ ابن باز - رحمه الله- وغيره، إلا أنني سأفترض جدلا أن المقصود منها التلفاز فعلا، فأسأل: ألم تتلاشَ صرخات المشايخ المحذرة منه لتتحول إلى صرخات دعوة وتوعية من خلاله عبر قنواتهم الإسلامية الهادفة؟ ما الذي تغير ليتحول التلفاز من وسيلة إفساد إلى وسيلة تنوير وإصلاح.. ومن مصدر فتنة إلى مصدر دعوة – ولو جزئياً؟
الشيء ذاته ينطبق على الإنترنت، فكم من محذر منه عاد ليدعو إلى الله من خلاله.. حتى صرنا نجد مواقع ألكترونية غنية بمؤلفات وفتاوي أغلب المشايخ المشهورين التي فعلت فعلها في التعليم والدعوة.
أليس كل ذلك دليلا على إمكانية اجتماع الخير والشر في شيء واحد – وليست الدراما استثناءً؟
مفارقة!
عندما أعلِن عن موعد بث مسلسل عمر في شهر رمضان الأخير، ثار جدل مستفيض بين العلماء والدعاة بين مؤيد ومعارض. فانبرى المعارضون منددين به ومحذرين الناس من مشاهدته – مستندين على بعض المبررات التي منها ما هو في محله ومنها ما لا أراه كذلك.
الذي حدث أن نسبة مشاهدة المسلسل كانت عالية جدا ومتزايدة بشكل يومي؛ وهذه نتيجة متوقعة إذا ما أخذنا واقع المشاهد العربي الذي سيشاهد أي شيء آخر إن لم يجد شيئا أفضل. المفارقة أن دعوات التحذير هذه التي أخذت أشكالا متعددة – كالمناظرات بين طرفي الجدال وحملات المقاطعة، الخ - قد ساهمت في الترويج للمسلسل وعملت له دعاية مجانية ربما لم يكن منتجوه يحلمون بها. فقد تزايد عدد المتابعين له بشكل يومي مضطرد كلما تجدد النقاش حوله.
على أن هذا لا يعني إنكار وجود شريحة من المشاهدين التزموا برأي المعارضين وقاطعوه، وهم من الملتزمين بالطبع، لكن ماذا عن غير الملتزمين ممن يشاهد أي نوع من "اللحوم" يظهر على شاشة التلفاز؟ أليس إشغاله بشيء نافع خيرا من تركه يتقلب بين القنوات الماجنة؟ أليس من واجبنا الإحاطة بكل جوانب الحياة ورصد زواياها المظلمة لإيقاد شمعة ولو صغيرة؟
لا تكن صلبا فتُكسر!
إن مثَل معارضي الدراما عموما – ومسلسل عمر خصوصا- بهذه الحدة مثَل شخص وقف في طريق حصان جامح يحاول كبحه، فماذا تتوقعون؟ من يوقف من؟ أو بالأحرى.. من يسحق من؟
هل الأفضل الوقوف بوجه الحصان مباشرة لصده والسيطرة عليه أم التنحي عن طريقه جانبا ثم اللحاق به ومسايرته من أجل إيقافه تدريجيا أو توجيهه الوجهة المطلوبة؟
مثل آخر: إذا أردنا السيطرة على تيار سيل جارف منحدر من علٍ، فهل نستطيع ذلك عن طريق بناء جدار دون منافذ ومسارب لتصريفه وتخفيف حدته؟ هل يمكن كبح جماح هذا السيل وإبعاده عن المنطقة التي نريد حمايتها بدون إيجاد بديل يستوعبه؟
هذا السيل الجارف هو الغثاء الذي يأتينا من هذه القنوات الفضائية المائعة المميّعة، ولا بد من موقف للحد منه إن لم نستطع أيقافه.
فلنوقد شمعة .. بدلا من لعن الظلام!
أود لفت انتباه منتقدي المسلسل والداعين إلى مقاطته من المشايخ الكرام ومؤيديهم إلى الأمور التالية:
أولا: إجلالنا للخلفاء الراشدين والصحابة الكرام – رضي الله عنهم – واقتداؤنا بهم لا يعني أنهم معصومون أو مقدسون، وبالتالي فإن تجسيد شخصياتهم بحسن نية - بقصد تقريب سيرتهم حية مشاهَدة للمسلمين من أجل مزيد من الاقتداء والاعتزاز بهم واستلهام التاريخ المشرق، ولغير المسلمين لدعوتهم إلى دين الله - أمر محمود إذا ما تم معالجة ما سبق ذكره من ملاحظات.. اللهم إلا أن يكون هناك دليل صريح من الكتاب أو السنة على حرمة ذلك فيخرجوه لنا لكي (تقطع جهيزة قول كل خطيب).
ثانيا: الأمور الأخرى التي تنطوي على هواجس ومآخذ شرعية – وقد ذكرتها سابقا – جديرة بالتحذير - بلا شك- ولكن لا يجب خلطها بأصل المسألة. فإن اتفقنا على عدم وجود دليل يحرم التمثيل أو تجسيد أدوار الصحابة – كأصل- فما عداه من تلك الأمور يمكن مناقشتها ومعالجتها واحدة واحدة، فإن تكررت في أعمال لاحقة وأصبحت ملازمة للأصل لا تنفك عنه بسبب إصرار منتجي المسلسلات على تضمينها، فهنا سنقف جميعا ضد الفكرة، فالغاية لا تبرر الوسيلة.
ثالثا: إن مجموعة الـ MBC وتلفزيون قطر ليستا هيئتين دعويتين تابعتين لوزارة الأوقاف في المملكة العربية السعودية أو دولة قطر، وفريق عمل المسلسل من مؤلف ومخرج وممثلين ومصورين، الخ، ليسوا أئمة مساجد أو موظفين في إدارة الدعوة والإرشاد أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكي نتوقع منهم أن يأتوا بعمل ضخم كهذا بدون أي خطأ – مقصود أو غير مقصود؛ ثم إن الهدف من إنتاج المسلسل قد يكون الربح المادي في المقام الأول وليس الجانب الدعوي البحت.
لذلك فأني أدعو وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية في جميع الدول الإسلامية أن تدرس اعتماد الدراما كأحد أساليب الدعوة، لكي يكون كل شيء تحت رقابتها وتصرفها، بدلا من تركها بيد الآخرين ثم ننبري نقدا لهم وتسخطا عليهم.
فما المانع أن يضاف مسلسل أو فلم إسلامي إلى مكتباتنا الإسلامية إلى جانب الكتاب والمطوية والمجلة والشريط الصوتي والمرئي؟ ولمَ لا نجعل من بين المواد الدعوية المرسلة إلى المسلمين في مختلف البلدان الإسلامية فلما أو مسلسلا مترجما بلغاتهم، بدلا من تركهم يتخبطون في خضم أمواج من الأعمال الفاسدة المفسدة لمؤسسات سينمائية مؤثرة مثل هوليوود وبوليوود و(إيران وود)؟
ولماذا لا يضاف مجال الدعوة من خلال التمثيل إلى جانب مجالات الخطابة والوعظ والبرامج الدينية المتلفزة ومواقع الإنترنت وتأليف الكتب وغيرها؟
رابعا: إن في قرآننا وسنة نبينا – عليه الصلاة والسلام- وكتب السيرة والتاريخ الكثير من القصص والوقائع المهمة والمعاني السامية والرسائل الأخلاقية والإرشادات التربوية التي إن تم تمثيلها وإخراجها بالشكل المطلوب، فسيكون لها دور بالغ الأهمية في تنشئة الأجيال وتشكيل هويتهم. أليس هذا أفضل من تركهم ضحية لأفلام الكارتون وغيرها التي فيها ما فيها من سموم وألغام مدمرة للمنظومة القيمية والأخلاقية لأطفالنا وشبابنا؟
تخيلوا لو تم جمع قصص مختارة من القرآن مثل قصة يوسف أو أصحاب الأخدود أو ناقة صالح أو من السنة كقصص النبي - صلى الله عليه وآله - مع بعض أطفال الصحابة أو غيرها من القصص المليئة بالدروس والعبر والمتعة وتم تمثيلها بشخصيات حقيقية أو حتى كارتونية، فهل سنرى أطفالنا وشبابنا يتركونها ويلهثون وراء "أبطال الديجتال" أو غيرها من أفلام الكرتون المستوردة على ما فيها من مخاطر على عقيدة الطفل وقيمه؟
والشيء نفسه ينطبق على المواد التي تخص الكبار، فهم الرعاة والمربون والقدوات لأهليهم، فإن تُركوا فريسة للمسلسلات المكسيكية والتركية المدبلجة وغيرها من التفاهات فقد فسد المربون، وفاقد الشيء لا يعطيه.

هذا ما أراه والله أعلم.. فإن كان صوابا فبتوفيق من الله، وإن كان غير ذلك فمن نفسي، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه.

ملاحظة: أرجو ممن يستطيع أن يوصل رسالتي هذا إلى ذوي الشأن في مسلسل عمر وغيره من أعمال مماثلة، فليفعل مشكورا.
وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

المصادر
(1):

 (2) السبر والتقسيم: هو حصر الأوصاف التي تحتمل أن يُعَلَّلَ بها حكم الأصل في عدد معين، ثم إبطال ما لا يصلح بدليل، فيتيقن أن يكون الباقي علة" – المصدر:

(3) : مقتبس بتصرف يسير من:


هناك تعليقان (2):

جياد التميمي يقول...

رغم كل شيئ و رغم كل ما يقال و رغم كل هذه الإجابيات التي سردها الدكتور .. إلا إني لم استصغ هذا المسلسل .. و لم أشاهد منه إلا مشهدين فاترين لا يليقان بعمر !
و كل ما ذكره الدكتور لم يزعزع إيماني برفضه رفضا لا يشترط نصا صريحا من الكتاب أو السنة ..
و يكفي أن نعرف المؤسسة القائمة عليه .. هل أصبحت mbc نصيرة للفضيلة و منبر للسنة ؟؟!!

المضحك تبرير القائمين على هذا المسلسل كون الممثل جديد و تعهد بعدم القيام بأي دور مسئ في المستقبل !!

أولا.. لم لا يقوم بأي دور مسيئ مستقبلا ... هل صار هو عمر فعلا ؟
ثانيا .. وماذا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه .. فقد قام بدوره ممثل معروف تاريخه !! فهل لا قيمة لأبي بكر ؟؟

و لهذا و لغيره ..أرى إن هذا المسلسل لغاية سياسية بحته .. كان عمر رضي الله عنه " أداة " للرد .. حاشاه.

Anonymous يقول...

شكرا للاستاذ مصطفى وللكاتب
وأقول
كفانا سلبية
و دعنا من نظريات أن العالم لا شغل له الا التآمر علينا نحن العرب والمسلمين حملة رسالة السماء (نحمل أسفارا لا نقرؤها)
ولننظر بإيجابيه الى الامور ونستفد منها
ولنتعلم. فاليهود مثلا لم يصنعوا التاريخ (برغم زعمهم) ولكنهم أفضل من يجير الأحداث لصالحه.
و لمن لا يعلم منكم ف "إيران وود" و "حزبالله وود" قد سبقتا مسلسل عمر بسنين مسلسلاتا وأفلاما بل قد فطنوا الى (التشابيه) منذ قرن.
و جل ما تفعله إيران أو قطر أو تركيا أو اسرائيل أو أمريكا أو غيرهم من مؤامرات "ضدنا" ليس إلا تدافع للمصالح وتدافع بين الأمم (إن شئتم فأبحثوا عن إحصائيات زيادة السواح العرب الى تركيا مثلا بعد عرض مسلسل نور و مهند).
السؤال هل سنبقي رؤوسنا مدفونه في التراب أم سنصحوا من نومنا؟ لننتقل من ردود الأفعال الى الأفعال, من محاولة إقناع اطفالي بمشاهدة شيخ ملتحي (مع إحترامي وإعتزازي الشديدين) يسرد قصة (بسندها) عن أحد الخلفاء أو أبطال الاسلام (بطريقه يمل منها المسلم البالغ العاقل) عن مشاهدة "ابطال الديجيتال".
سؤال آخر: بأعتقادي أن غالبية القراء قد شاهدوا فلم الرساله, هل أجازت القنوات السعوديه الرسميه مثلا بثه الى الآن (بعد عشرات السنين) أم لا زال العلماء يتباحثون في الأمر!
ولنتذكر أن علينا مسؤولية الدعوه الى هذا الدين العظيم. وإذا نتج عن تصرفاتنا نفور الناس عن هذا الدين فإننا نتحمل الوزر.
اقول لمن يسمع و يعقل من وجهاء القوم وأعيانهم ومفتيهم: كفى تكديسا للمليارات في حسابات وأسواق المال في سويسرا ولندن وغيرها (أتمنى أن أسمع يوما على الفضائيات عالما يفتي بحرمة ذلك على اولى الأمر) وكفى تعميرا للقصور وللأبراج ولنلتفت الى تعمير العقول والقلوب وزرع الأبتسامه والسرور والمحبه والأخاء على الوجوه وفي القلوب ومسح رؤوس اليتامى والأيامى والفقراء وسد حاجات الناس كي يترحموا عليكم كما ترحمنا على أيام عمر.
كنت أقول لنفسي عند مشاهدتي لبعض حلقات المسلسل: لو أنني مسؤول أو رئيس وشاهدت المسلسل لتركت قصري أو ضيعتي ولنمت على الأرض حتى يشبع آخر فرد من شعبي ويكون له بيت و مورد ثابت ورعايه صحيه وتعليم, فهل من متعظ؟

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..