ضرغام الدباغ
مع ضعف احتمال أن يبلغ هذا الخطاب مداه المرغوب، ولكن من أجل إبراء الذمة، والنصيحة، والتوجه بلسان جمهرة من السياسيين والمثقفين العرب ممن يكنّون مشاعر الصداقة والود لروسيا تأسيساً على الذكريات السوفيتية والمنظومة الاشتراكية.
المواقف الروسية الحالية سوف لن تبقي صديقاً ومدافعاً وحتى متفهماً للمواقف الروسية، وسيظهر الروس على مقربة من الخندق الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، بل ربما أسوء قليلاً. فالعقدة الرئيسية في العلاقات العربية الأمريكية هي القضية الفلسطينية وتأييدها للكيان الصهيوني بشكل أعمى، بالطبع إلى جانب وجود قضايا صغيرة ثانوية. وعدا ذلك فالولايات المتحدة تزود العديد من البلاد العربية بالسلاح وبعضها كمساعدات، والأمر تجاري في حجمه الأكبر، ولكن إلى وجود أهداف سياسية، ومثلها فعل السوفيت والروس (تقريباً) مع العرب.
نعم، انتصرت ثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى لقضايا البلاد العربية والإسلامية، وأصدر المؤتمر الأممي (مؤتمر شعوب الشرق باكو/1920) بياناً رائعاً بإسناد نضال الشعوب الإسلامية والعربية ضد مستعمريهم ومضطهديهم، نعم نذكر ذلك ونحفظه.
نعم، انسحب الاتحاد السوفيتي من الحلف المعادي للأمة العربية سايكس/ بيكو/ سازانوف، وأصدر وزير خارجية الثورة تروتسكي بياناً بشجب وإدانة المؤامرات الاستعمارية على البلاد العربية.
نعم، أصدرت الثورة الاشتراكية العظمى أوامرها بسحب القوات الروسية من العراق، وكانت قد تغلغلت في نقاط عديدة منها محور ديالى/ راوندوز.
نعم، قبلت الكثير من القيادات العربية وبموضوعية ممتازة، أن الأحزاب الشيوعية العربية أساءت للاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية بمواقفها المعادية لآمال الشعوب العربية والإسلامية، بثلاثة موضوعات حساسة:
- بإشهارها الإلحاد في مجتمعات متدينة تاريخياً، بل هي مهبط للديانات السماوية.
- تأييدها للقرارات الاستعمارية بحق فلسطين، وتعاملوا مع القضية الفلسطينية (في الغالب) وكأنهم حياديين وضيوف في الوطن العربي.
- موقفهم المعادي للوحدة العربية، مع إدراكهم التام أن الوحدة العربية هي حلم كل عربي، وتقف الدول الاستعمارية والإمبريالية ضده لأجل إسرائيل.
نعم، مع وجود هذه السياسات لدى الشيوعيين العرب، فقد قبلت الكثير من القيادات العربية مبدأ فصل العلاقة مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي عن الشيوعيين العرب، فأقاموا علاقات سياسية واقتصادية وثقافية عريضة، بل كانوا السباقين في كسر الجمود حول الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، وصولاً إلى الانظمام إلى الكوميكون كمراقبين.
نعم، قدرت الأنظمة والجماهير العربية عالياً المواقف السوفيتية حيال مفردات الصراع العربي الإسرائيلي، ولم تقبل نظرية أن هذه المواقف إنما تأتي في سياق السجال الاستراتيجي بين الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، مع المعسكر الرأسمالي.
ولكن حتى الاتحاد السوفيتي مع وجود هذه المعطيات الإيجابية، كان سباقاً بالاعتراف بإسرائيل، وتعامل (غالباً) مع القضية الفلسطينية وفق سياقات السجال مع الولايات المتحدة، وليس بموجب الوقوف المبدئي بجانب الحق، والقانون. فلم تكن لتوافق على أكثر من استعادة الأراضي المحتلة بعد حرب حزيران/ 1967، وكانت صفقات السلاح لا تتجاوز هذه القدرات، في إبقاء الجيوش العربية الصديقة لها (المصري، السوري، العراقي) منفردة ومجتمعة أقل من القدرات الإسرائيلية وإن هناك اتفاقا مكتوباً أو ضمنياً بين السوفيت والأمريكان، أن لا تبلغ الجيوش العربية مستواً تقدر فيه أن تحقق انتصارا حاسماً على الجيوش الإسرائيلية المتفوقة. ولم تكن الجيوش العربية لتحصل على السلاح المتقدم، إلا بعد سنوات طويلة من إنتاجه في الاتحاد السوفيتي، وبعد أن يصبح في الصف الثاني في أهليته العملية.
أما الاتحاد السوفيتي في مراحله الأخيرة كان يتعامل بمعطيات تجارية/ سياسية، وفي هذا الاتجاه فقيادة غورباتشوف منحت الأمريكان كافة ما يحتاجونه من أسرار الأسلحة العراقية، وشفرات استخدامها.
وروسيا الاتحادية أعلنت أنها الوريث السياسي للاتحاد السوفيتي، ومع الإدراك التام للتغيرات على مستوى السياسة الدولية، ومع معرفة أن السياسة هي صيانة للمصالح، وتقدير هذه المصالح، نقول:
إن الحكومات العربية والشعوب العربية والإسلامية، تجد نفسها مضطرة لفحص مواقف روسية لا يمكن وصفها بأنها ودية لهم، فما زال ضمن التاريخ القريب ذكريات الحرب الأفغانية، ومجازر الشيشان، والتصرفات الأخرى التي تنم عن تناغم روسي/ أمريكي/ غربي حول القضايا المعادية للعرب والمسلمين.
ربما من الصحيح القول، أن السياسة مصالح، وأن الروس يجدون مصالحهم في الوقوف ضد العرب والمسلمين، فهذا من حق أي دولة، ولا سيما دولة تريد أن تلعب دوراً عالمياً وتطمح أن تستعيد مكانتها العالمية.
نعم هذا صحيح تماماً، ولكن وبتقديرنا المتواضع، نعتقد أن مصالح روسيا، وريثة دولة (وليس بالضرورة عقائد (الاتحاد السوفيتي) وهي تريد وفق شواهد عديدة أن تستعيد مكانة الاتحاد السوفيتي دون عقائده، وهذا ممكن، ولكنه ممكن فقط باتباع روسيا مواقف أخلاقية وسياسية لا تتناقض مع مصالح شعوب غيرها، ونحن نلحظ، ولسنا مسرورين لذلك، أن روسيا تخسر ذلك الود والتعاطف بل وحتى الاحترام في عيون أصدقائها قبل غيرهم، فلم يعد بإمكان حتى محبي روسيا ومقدري مواقفها التاريخية، ومن يتطلع إلى العقود المقبلة من العمل والتعاون، أن كل ذلك يصبح صعباً جداً حيال المواقف الروسية الحالية.
الموقف الروسي من الثورة السورية، سيان من يقود الثورة ومن يشارك بها، فهي ثورة بوجه نظام ديكتاتوري عائلي فاسد أشد درجات الفساد، والقيادات الروسية متأكدة من هذه المعطيات تمام التأكد، بل لعلها تمتلك معلومات أعمق وأدق على فساد النظام وإجرامه بحيث يجوز دفعه للمحاكم الجنائية حتى في أشد البلدان تخلفاً، وبصراحة فالروس يدافعون اليوم عن نظام لا مثيل له في التاريخ بفساده وإجرامه وقتله لأبناء الشعب واغتيالاته في الخارج، ونهب البلاد وثرواتها.
هذا الموقف الروسي لم يعد مقبولاً، ويهدد بعمق المصالح الروسية في كافة البلاد العربية والإسلامية، ولأمد بعيد جداً وعلى كافة المستويات.
في قول الوزير سيرجي لافروف الكثير من المعاني: أن الغرب يصلي لكي يتواصل الموقف الروسي. لقد فهمها الناس هنا على أنها توزيع أدوار في لعبة قذرة وقودها آلاف الضحايا من أبناء الشعب السوري.
أنكم تؤيدون بكل وضوح وبكل الوسائل طاغية قاتل وفاسد.
إنه موقف لم يعد مقبولاً البتة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق