عمر الكبيسي
مرات عديدة تلك التي قلنا فيها ان السلطة في العراق ليست دولة لمن كنا نتوسم فيهم خيرا وصلاح من الساسة الشركاء في العملية السياسية، من مختلف الكتل، وان شراكتهم في هذه العصابة لا تليق بمهنيتهم او بتاريخهم او بانحدارهم العائلي، لكنهم كانوا يتذرعون دائما بان ما موجود واقعيا هو دولة وحكومة يعترف بها العالم ويتعامل معها، وحين كنا نقول لهم انكم تسهمون بإضفاء هذه الشرعية الدولية لهذه العصابة التي تعرفون غاياتها، كانت إجابتهم تتلخص بعبارة: (ما البديل؟).
من بين المشاركين في العملية السياسية أطلق العديد من قادة كتل و وزراء ونواب من مختلف الاتجاهات تصريحات واضحة ومتكررة مفادها ان العراق لم يعد دولة، وأن السلطة القائمة لا تحمل معايير الحكومة، وان القضاء مسيَّس وغير مستقل، وان السلطة سلطة أزمات، وأكثر من ذلك، منهم السيد مسعود البرزاني وأياد علاوي وصالح المطلك، وآخرها ما جاء في تصريحات رافع العيساوي، على إثر اعتقال حماياته .
على ضوء ما حدث أقول لقد كانت تجربة السنين العشر كافية ووافية لكشف حقيقة ونوايا ومقاصد الشركاء في العملية السياسية والتي اجتذبت وأغرت الصالح والطالح للترويج والمشاركة فيها بسبب حجم الإغراءات والحمايات والألقاب والمخصصات والامتيازات التي تكفلها هذه الشركة لمساهميها.
مشاهد المسؤولين ومواكبهم ومساكنهم والنعيم المادي الذي فيه ينعمون اليوم ليس بخافِ لمن كان يعرفهم وقريبا منهم قبل اندراجهم في شركة المصالحة الوطنية بالأمس!، لكن ما الذي حققته هذه الشركة لعموم الناس والشعب؟
من المؤكد أنها أنتجت عنفا وإرهابا ونزوحا وتهجيرا وبطالة وجهلا وأمية وأمراضا وأوبئة وتلوثا وسجنا واعتقالا واغتصابا وتعذيبا وفسادا لشعبنا المنكوب، فيما أسفرت عن أزمات متعاقبة وصراعات على السلطة تميزت بابداع سياسي وتكتيكي بالغ التنفيذ في تبييض المال واقتناء الأملاك وتزوير الشهادات وتقاضي الهدايا والرشوات وفساد العقود والصفقات وتبادل التهم والإشهار بملفات التصفيات والإعدامات بين بعضهم البعض.
.هذه العصابة التي تحكمنا، انيطت بها مهمات السلطة لا تكريما او اعتباطا، وانما عن عمق وحسن اختيار لتنفيذ أغراض واهداف مناطة بها، في مقدمتها إضعاف العراق وتقسيمة وإعادته، كما صرحوا، عقودا الى الوراء.
وهذا ما تم فعله، مع ان شعبنا بالرغم من فضاعة وبشاعة مشاريع الغزو والإحتلال وقساوتها، لم يكن سهل الترويض والقياد، فكانت أعتى معالم صلابته هي مقاومته الوطنية وتمسكه بلحمة وحدة الوطن.
اليوم الولايات المتحدة الأمريكية سحبت معظم قواتها بعد ان فقدت كل مبررات البقاء في العراق ناهيك عن إمكانية إدامة تكاليف مشروعها وتحولت الى سياسة إدارة المشروع بالنيابة والتوكيل للعصابة الحاكمة بتوجيه إقليمي مما زاد الأزمة تعقيدا حتى أصبحت الإدارة الأمريكية مثار انتقاد المنظمات الدولية والإنسانية وفق حجم الكارثة التي ألحقتها الإدارات الأمريكية باحتلال العراق والتي كان آخر من اعترف بحجم كارثيتها الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، بالأمس حين قال: العراق مدمر ومقسم بسبب احتلال اميركا، وكذلك تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ناهيك عن ان الواقع الإقليمي كالحراكات الشعبية والأزمة السورية والوضع السياسي والمجتمعي داخل العراق ومصالح الدول الكبرى ضمن توافقاتها لا تنبئ بأن سلطة هذه العصابة ستستمر على حالها، فيما تبدو احتمالية أجواء توقف نهج هذه العصابة عن غيها أو توجهها للإصلاح من داخل منظومتها غير ممكنة.
أمام هذا ما الذي يطلبه الوطن، وأعني به العراق، من أبنائه ومخلصيه للخلاص من هذه السلطة ، بأقل الخسائر والتضحيات في مرحلة الإنقاذ؟
العراقيون بحاجة الى رفض حالة الانقسام المجتمعي التي فرضها الاحتلال خلال السنوات العشر العجاف حيث أسست الطائفية والعرقية أرضية هذا الانقسام المستفحل اليوم .
العراقيون ذهنيا وواقعيا بحاجة الى فرز سياسي لقياداتهم بين من هو مخلص ونظيف ونزيه لوطنه، ومن هو منتفع وفاسد ومحتال من اجل مصالحه، لا يهمه وطن ولا تردعه قيم.
لم يعد بعد هذه السنين منطقة وسطى او رمادية بين من مخلص وبين من هو منتفع .
العراقيون بعد مرارة التشظي والتهجير مهتمون بالعراق الواحد فقط مهما كان نظام ادارته، يهمهم أن يكونوا أحرار غير مقيدين بالعيش فيه بعد أن ذاقوا لوعات الاغتراب والتهجير والنزوح، عراق يعيش الناس فيه متساوون أحرار بما انعم الله لهم فيه من ثروات ونعم.
لا يهم العراقيين فكر واتجاه من يحكمهم، شريطة ان يكون الحاكم وبطانته، عراقيون، لديهم حب وولاء وإخلاص للعراق الذي يحتويهم بعزة وكرامة.
العراقيون عرفوا أين يكمن سر النهوض والتنمية؟ انه يكمن في العلم والخبرة والمهارة والكفاءة الممزوجة بالولاء والنزاهة والخوف من الله، وهذه الامتيازات ليست ملكا ولا حصة لطائفة معينة أو قومية أو دين، لكنها سمة العراقيين النبلاء والأوفياء لوطنهم وشعبهم. هذا هو المشروع الوطني وهؤلاء هم قياداته وقواعده.
العملية السياسة التي رتبها الاحتلال بأسسها وركائزها، كانت خائبة وفشلها تيقن بتجربة 10 سنين عجاف, لا خير بعرابيها ولا بعملائها ولا بالمتشبثين بها بعد كل هذا الفشل الذريع، فالتغيير أصبح حاجة ماسة للحياة والعيش في العراق وعناصر التغيير نضجت بحكم المعاناة, وطوبى للمناهضين والمقاومين وكل من حان له الوقت عن قناعة تامة للحاق بركب التغيير وتيار التحرير، ولتخرس ألسنة من يدعي إمكانية تحقيق التغيير والإصلاح من داخل هذه العملية الخائبة، وليس امام، من له شعرة دقيقة من المصداقية والوطنية ممن هم شركاء فيها، إلا اللحاق بالركب الوطني ومشروع التغيير والتحرير، قبل فوات الأوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق