عبدالله الشمري
لمصر الكنانة, قلب العروبة النابض خصوصية خاصة تسكن في الروح قبل الجسد لما لها من ادوار في الحضارات الانسانية، وما قدمته للانسانية من انجازات, وعهدها في الاسلام شاهد اخر على رقي انتسابها للدين الاسلامي الذي تشكل في عدة صور اهمها الالتزام بالدين والدفاع عنه, وتقديم ثروة مصر لنشر هذا الدين العظيم, وبالمقابل فان قادة الاسلام واولهم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كانوا خير محبين لأهل مصر وتراثها ومعالمها وشخوصها الحضارية الى جانب احترام الاديان وعدم المساس بها, وقصة القبطي معروفة في مخاصمته لسيدنا عمرو بن العاص، رضي الله عنه، وكيف ان سيدنا بن الخطاب اخذ له الحق من والي مصر.
ومصر الحديثة في غنى عن استعراضي مآثرها، فلها ادوار يتشرف كل عربي بالحديث عنها وخاصة المنجزات التي قدمت في زمن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، يرحمه الله , وحتى حرب تشرين 1973 شاهد من شواهد عظمة الانسان المصري.
أسوق هذه المقدمة وأجد نفسي امام موضوع تتداخل فيه حسن النوايا مع اخبثها, واجد الخنادق تتداخل بحيث تنتابني مشاعر الانحياز لطرف على حساب طرف اخر, ولكن عندما اقلب الامور وامحصها في مختبر العقل اجد ان هناك في بعض الاحيان حق يراد به باطل, واجد ان طرفاً يناور من خلال خبرته وخبرائه ودس السم في العسل، وطرف اخر مندفع بالنشوة على حساب العقل والتفكر والتدبر، وبين الاثنين شياطين تؤزُّهم ازّاً .
ان التداخل الحاصل في اوراق اللعب بين القوى السياسية المصرية, ما هو الا نتاج تحريك خارجي، فأمريكا واسرائيل لهما اجندة معروفة في مصر وطبيعة التدخلات التي ترسم كل يوم لاضعاف مصر وابعادها عن المنظومة العربية، وكانت مرحلة حكم حسني الخفيف مرتعا لهذه السياسة وتطبيقاتها بأشكال مختلفة, ونسى البعض ان الجينات المصرية فيها من التعقيد بحيث انها عندما تستفز في دينها وعروبتها تعود وتنتفض وتقاتل الاعداء بأشرس أسحلة، وقد اثبتت الاحداث الاخيرة صدق ما ذهبنا اليه .
وهناك طرف اخر طامع بمصر, كما هو طمعه في الوطن العربي
تعتبر إيران من أكثر الدول في العالم إجادة للعب السياسية، فقادتها متفقون على حتمية أن تكون لبلادهم قوة إقليمية تتيح لها التعامل مع القوى الإقليمية والدولية بندية، وليس أدل من على ذلك من سياسة الجذب والشد التي تنتهجها إيران في علاقاتها الخارجية ولاسيما في السنوات القليلة الماضية، حينما تمكنت من إيجاد موطئ قدم داخل البلاد العربية تتمثل في عدة جيوب صغيرة كانت أو كبيرة، مما أتاح لها فرصة التدخل في الشؤون العربية من دون وجه حق.
وحسب مصادر خاصة فقد تعهدت إيران بتقديم الدعم المطلق للمدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعى فى مسعاه لتولى منصب رئاسة الجمهورية فى مصر، من خلال الانتخابات العام المقبل، وأبلغته استعدادها لتلبية كل مطالبه المالية، وذلك عبر رجل أعمال عربى مقيم فى أوروبا، سلمته شيكاً بمبلغ 7 ملايين دولار لتغطية التكاليف الأولية للحملة الانتخابية.
ونقل المسؤول الايراني الكبير، عبر الرسالة التي وجهها، تعهد القيادة الإيرانية بدعم البرادعى بالشكل الذى يناسبه، وطلب من رجل الأعمال أن يبحث مع البرادعى فى كيفية تلقيه هذا الدعم وتفعيل الوسائل التى تمتلكها طهران لتمكينه.
وأكدت المصادر أن القيادة الإيرانية أبدت ارتياحها الكامل حيال نتائج اللقاء مع رجل الأعمال العربى، معتبرة أنه فى حال سارت الأمور على ما هى عليه الآن، فإن انتخاب البرادعى لمنصب الرئاسة، على الرغم من أنه لا يبدو واقعياً، إلا أنه غير مستحيل.
ورأت هذه القيادة أن سياسات البرادعى المرتقبة والتى ستسير فى سياق سياسات طهران فى حال وصوله للرئاسة، من شأنها أن تغير موازين القوى فى المنطقة، لصالح إيران وحلفائها فى مواجهة التحديات التى تواجهها فى المنطقة وخارجها.
وفي الجانب الاخر... هناك حمدين صباحي، الذي قام برفقة أعضاء حملته الإنتخابية عند ترشحه لرئاسة الجمهورية بزيارة مفاجئة وغريبة إلى طهران، عاصمة الملالى لتمويل حملته.
ولهذا قامت ايران بتمويل الحملة بمبلغ 386 مليون دولار، عبر حزب الله اللبناني. وهذه حقيقة لا غبار عليها فحمدين وجماعته عقدوا زواجا للمتعة مع ايران بعد احتلال العراق من خلال حزب الله .
وكان صباحي قال ان برنامجه يهدف إلى تكوين علاقات طيبة بين مصر وإيران وتكوين التحالف العربى الإيرانى ليكون قلب العالم الإسلامى وتدعيم تبادل المصالح والعلاقات بين دولتين والإبتعاد عن أى خلافات قد تضعفه.
اما الاخوان فهم يعملون ليل نهار من اجل الامساك بما حصلوا عليه, من مغانم الثورة المصرية .
بانتقال الإخوان من مرحلة "طلب الشرعية" إلى مرحلة "طلب السلطة" انتهت عقدة "الشرعية السياسية" التى طالما جاهد الإخوان فى طلب الحصول عليها منذ قيام الجماعة وحتى ثورة 25 يناير. فالثورة، التى لم يبادر بها الإخوان، أهدتهم، على طبق من ذهب، ما فشلوا فى تحقيقه منذ عشرينيات القرن الماضى، فقد كانت الشرعية السياسية للإخوان، بل وشرعية الجماعة نفسها، محل تساؤل حتى مجيء الرئيس الراحل أنور السادات .
وأذكر أنه أثناء الدعوة إلى مقاطعة انتخابات مجلس التوريث المنحل عام 2010 ، رفض الإخوان بشدة هذه الدعوة، من باب أن ابتعادهم عن البرلمان من شأنه أن يهدد شرعيتهم التى اكتسبوها بوجودهم داخله، ولم يسحب الإخوان مرشحيهم إلا بعد أن فشلوا جميعا في المرحلة الأولى.
الآن، انتهت عقدة الشرعية بالنسبة للإخوان، وانفتح المجال السياسى أمامهم، فأسسوا حزبهم السياسى وأنشأوا وسائل اعلامهم المختلفة، وعقدوا مؤتمراتهم السياسية فى الساحات والشوارع، بدون مضايقة من الجهاز، الذى كانت صفقاتهم السياسية مع النظام السابق قد مرت من خلاله، وبانتهاء هذه العقدة، انتقل الإخوان فعليا من مرحلة "طلب الشرعية" إلى مرحلة "طلب السلطة".
المخاوف من الاخوان
دأب الإخوان على تأكيد أن هدفهم هو إقامة الدولة المدنية، وهذا مطلب جماهيري مُجمعٌ عليه ما دامت النماذج السياسية التي حكمت باسم الدين في نهايات القرن العشرين وبدايات الواحد والعشرين مثل إيران وأفغانستان والسودان خلفت انطباعا سيئا لدى الرأي العام الداخلي والخارجي، بسبب تحويل الدين من "الشاملية" إلى "الشمولية"، وبنظرة أيديولوجية إقصائية تُحرّم الاختلاف وتقمع الرأي الآخر.
لكنّ المتابع لكتابات عدد من النخب الفكرية الإخوانية سيجد أن أسس ومقومات الدولة المدنية كتقديس مفهوم المواطنة واحترام الرأي الآخر لا تزال موضع "ريبة"، فالحديث عن العلمانيين والليبراليين يشوبه رميٌ بالكُفر والمروق من الدين، بشكل صريح أو غير صريح، واعتبار أنهم "قومٌ لا خلاق لهم"، الى اخر قائمة الأوصاف المشينة التي تُلصق بهم، واستغلال "الديمقراطية" باعتبارها "وسيلة" وليست "غاية"، ولا يزال الهاجس الأول هو "أسلمة الدولة" في إطار "فقه التمكين" و"الاستخلاف" كما ذكرها الشيخ حسن البنّا وأتباعه.
ليست هذه الآراء تهمة، على صاحبها أن يتبرأ منها، ولكنّ المطلوب هو أن تُحدد الجماعة موقفها بوضوح، بشكل عملي يتحدد في اجتهادات فقهية معاصرة وكتابات واضحة، وكذا التعامل مع المخالف (إعلاميا وسياسيا)، وسينجح الإخوان في التحدي لو تمكنوا من إدارة العملية السياسية، وفتحوا المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني لتمارس دور الرقابة على عمل السلطات التشريعية والتنفيذية (وفي مقدمتها الرئيس) والسماح بكل أشكال التعبير السلمي (إعلاميا وميدانيا) وإنعاش الحياة السياسية بالنقاشات الجادة والعمل البنّاء، لا تُستغل الديمقراطية باعتبارها "وسيلة نقل جماعي" توصل المسافرين إلى المحطة ثم تعود أدراجها!
ان مخاوف المواطن المصري لها مبرراتها من حكم الاخوان ومن صعود البرادعي او صباحي الى سدة الحكم, وهنا لابد من التوجه الى الاطراف كافة لإدراك خطورة المأزق الذي تمر به مصر، ولو كان هناك حبٌ لمصر ولوحدتها ودورها التأريخي, لنأت مصر عن كل هذه الصراعات, وعلى الاخوان احترام شعب مصر بكل تنوعاته العرقية والدينية والسياسية, فالحكم الاسلامي الحقيقي ليس إلغاء الاخر وعدم الاعتراف به, ولا يمكن الطعن بالناس كما فعل نفر من المحسوبين على الاسلام والاسلام منهم براء.
أتمنى لمصر العروبة كل خير وأن تعبر هذه الازمة بسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق