عمر الكبيسي
- الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية التي أطاحت بأنظمة كان حكامها مستبدين ومتسلطين ، كانت ثورات وطنية وشعبية خالدة في التاريخ تفخر الشعوب بقادتها وأبطالها . التغيير الذي حدث في العراق في نيسان 2003 مؤامرة امريكية غربية صهيونية، استهدفت العراق لتنطلق بعدها الى جاراته تستهدف الثروات والطاقات و وحدة الشعوب والدول وتقسيمها بلا جدل .
- الذين قبلوا بالاحتلال من اجل تغيير السلطة في العراق لم يفاجأوا بتفاصيل مشروع الاحتلال وأهدافه، بل ساهموا في تنفيذه، ولذلك تحتسب كل القيادات التي جاءت مع الاحتلال أو صنعها بعد وصوله و وظفها لصالحه ، قيادات عميلة ومأجورة تخدم المشروع الأمريكي الصهيوني مهما كانت هويتها وطبيعة انتماءاتها السياسية والفكرية ، توثيقياً كل الأحزاب والكتل السياسية التي جاءت مع الاحتلال وأسهمت في إسقاط النظام الحاكم وشاركت في حكومات الاحتلال تحسب عميلة بما فيها الأحزاب الدينية والعلمانية ، التيار الصدري وجبهة الحوار الوطني ومجاميع سياسية أخرى تجاذبتها بعدئذ الأحداث والمغريات واستقطبتها تفاصيل مشروع الاحتلال واصطبغت بصبغته ولم تفلح في إنجاز ما أعلنت عنه على العكس من ذلك أوغلت في الفساد وتآلفت مع قوى عميلة في أحرج المواقف وأنقذت وتشبثت ببقاء السلطة الفاسدة لمصالح شخصية وفئوية وطائفية .
- مظلومية الأكراد والشيعة كانت مبرراً لاحتواء ساسة المكونين بالمشروع الاحتلالي، مع أن الحزب الإسلامي وشخصيات سنية عديدة جاءوا مع الغزاة لكن ثقلها بمشروع الاحتلال وتمثيلها النسبي في مؤتمرات المعارضة كان هامشياً، والدور الذي أسند لهم وفق النسبة السكانية التي فرضت تمثيلهم ألحق حيفاَ بمكوِّنهم، لذلك كان التحالف الشيعي الكردي هو الذي أشرف على حل الجيش واجتثاث الدولة وكتابة الدستور الجديد وإقراره وأسس لمشروع المحاصصة والأقلمة والفدرالية .
- مجرد الإقرار بوجود تحالف شيعي كردي ومجرد الإفصاح عن تحالف بديل تحت هذه المسميات (تحالف سني كردي مثلا) هو جريمة سياسية بحق شعبنا ووحدته، بل هو جريمة دستورية وفق الدستور الحالي الذي أقره المحتلون والساسة الشركاء، وقلة حياء وإصرار على الجريمة لمن يتباهى بمثل هذه التحالفات الطائفية والعرقية.
- البرلمان العراقي الحالي برلمان لأكثرية فاسدة، وجريمته الحقيقية هو انه نقض العهد والدستور حين تغاضى عن النص الدستوري بضرورة وإلزامية التغيير له خلال فترة حددها، رئاسة البرلمان تتحمل كل المسؤولية لأنها لم تستطع تعديله وتغييره ولم تعلن للشعب عدم إمكانية إجراء التعديل ولا إقراره بصيغته الحالية، شعبنا أمام هذا الواقع في حل من شرعية دستور لم يعدل ولا يمكن تعديله وهم يحسبوه دستورا أزليا، بالرغم من هشاشته وفشله في حل الأزمات ، إن لم يكن هو مصدر تأجيجها وإثارتها .
- إعلان حالة الإنذار والطوارئ وكأنها حالة حرب بما تحمله من ابعاد مادية ومعنوية وسياسية و يتعامل فيها المالكي مع شريكيه البرزاني والطالباني بمنطقية انهيار التحالف الشيعي الكردي كما يعبر عنها عزت الشاهبندر وسامي العسكري، ويقول عنها احد القادة الأكراد ان قضية الطوز وحدَّت الأكراد (بما يوحي أن خلافات كل طرف يجب أن تحل على حساب الآخر) تمسح من الذاكرة حقيقة ان العراق دولة واحدة لأول مرة لأن الصراع يدار اليوم بين أطراف كل يحسب لنفسه الشرعية وليس بين حكومة ودولة مركزية وبين متمردين كما كانت الدولة تتعامل معهم في صراعاتها السابقة.
- إثارة هذه الأزمة بهذه الصيغة والتهديد بالحرب لا تعد ولا يستطيع المالكي ان يحسبها لصالح موقفه من اجل مفهوم وحدة العراق، لأنه أساسا كان من أحرص وأنشط الضاغطين على تمرير الدستور المكتوب بكل ما فيه من علَّات ونصوص انفصالية.
- المالكي يثير أزمته الحالية وما يصوغه من تحضيرات عسكرية بعد أن احترقت أوراقه وانكشفت، انتهاءً بصفقة السلاح الروسي والبنك المركزي والحصة التموينية وملف المعتقلات وحقوق الانسان، وابتداء بملف التخلص من خصومه السياسيين بما يعرفه ويضمره من ملفات تدينهم بالفساد والعنف.
- من خلال هذه الأزمة تخطط إيران للمالكي وحزبه وتضغط باتجاه أن يكون في حل من توافقاته وتحالفه مع الشركاء الأكراد لعله من خلال اصطفافات جديدة يكون فيها ناجيا ولو الى حين مما ينتظره من قاصمة الملف السوري، الذي أصبحت قضية حسمه لصالح الثوار السوريين مسألة وقت لا غير، وهذا ما يفسر حقيقة أن إيران تدفعه باتجاه التشجيع لدفع شخصيات سنية عربية لتشكيل تكتلات سياسة تحت لافتة مظلومية السنة تكون فزَّاعة للمكون الشيعي لإعادة انتخابه، وتتحالف معه بعدئذ، ليبقى في منصبه دورة أخرى، أنا احسب مثل هذه التكتلات على اختلاف مسمياتها ورجالاتها حين تُستقطب وتُشكَّل لتكون حليفة دائمية لهذا الائتلاف أو ذاك ترتكب جريمة كبيرة، وهي تبيع مواقفها بالمال السحت لصالح الشخوص وليس لصالح العراق، وان أي تحالف وتوافق ثنائي مبرمج علني أو سري ومدفوع الثمن يحمل روح عدوانية وإقصائية ضد المصالح الوطنية ولو كان في صالحها لشرَّعت بشكل جماعي كما يفترض.
- لقد ساهم الائتلاف الشيعي الكردي بتمرير تشريعات وقوانين وقرارات منذ الاحتلال ولغاية اليوم غادرة وظالمة بحق العراقيين أهمها تمرير الدستور وتشكيل حكومات متعاقبة أما مترهلة او ناقصة ، سمتها المحاصصة وعدم الكفاءة والفساد المالي والإداري الفاضح دون خجل . ولو حدث مثل هذا التحالف اليوم بين كتل سنية وشيعية تستهدف الكرد فأن النتائج ستكون أكثر غدرا وظلما من سابقيه .
- غياب القرار الوطني وهيمنة النفوذ الإيراني على سياسات حزب الدعوة والأحزاب الطائفية في ظل التحالف الشيعي والكردي طيلة السنوات الماضية، كان سمة كل التداعيات التي ألحقت الضرر بشعبنا على اختلاف مكوناته. العلاقات الإقليمية مع العراق والعلاقات الاقتصادية والسياسة الداخلية من عنف وتفجيرات وفساد وتهجير واستهداف، تشكل إرادة إيرانية صرفة تنصب لصالح نظام ولاية الفقيه الملزم لهذه الأحزاب الطائفية ، شرعيا بالإلزام بقرار الولي الفقيه وبالنهج بقرار النزعة الصفوية، الشيعة العرب في العراق هم الأشد تضررا وإنهاكا واستغلالا بهذه السياسة وما زالوا يدفعون ثمن سياسة استلاب الإرادة والقرار تحت يافطة (مصلحة المذهب) .
- لا تتقاطع الإدارة الأمريكية مع نظام طهران في قضية العراق إلا عندما تتعرض المصالح والامتيازات الأمريكية لتهديد او مخاطر، في حين تتوافق على طول الخط مع استمرار الفساد والصراع الطائفي والعنف والإرهاب فيه، وكل ما يشجع على التشظي والتقسيم وإلحاق الأذى بالبنية التحتية وبقوة العراق ووحدته.
- لقد بلغ سيل الإفساد الزبى في مجال السياسة والإدارة والمال والقيم، لم تعد رمزية تذكر في واقع الحال فيما يخص المثل والقيم والسلطة بدلا من أن تكون ٌقدوة حسنة للمجتمع أصبحت ترعى السرَّاق من المسؤولين وتحميهم من إجراءات النزاهة والمساءلة، وأجهزتها الأمنية تداهم وتعتقل وتعذب وتغتصب بلا رقابة او مسوغ، والجهاز القضائي يتخذ قرارات عجيبة غريبة وفق ما تطلبه السلطة وتبيض وتهريب الاموال أصبح هم الوزير والمسؤول، ومحاصصة الرشى في العقود والمقاولات تسري بلا حدود، والرشوة ومكائد المخبر السري والتزوير أصبحت أعرافاً سائدة، في حين أصبحت فيه السلطة غير قادرة على توفير القوت لشعبها والأمن لرعيتها تنخر في مفاصل الشعب آفات البطالة والجهل والمرض والأمية وسوء التغذية والتلوث والإدمان، ناهيك عن مشاكل التهجير والتغيير الديموغرافي .
- وصل حد الفساد الى حالة أن يكون دفع الرشى حالة اعتيادية كي تقبل أي معاملة وتدرج في كافة مؤسسات الدولة. ولا عجب أن يحدث ذلك في دولة يتم فيها اللف والدوران من قبل السلطة للهيمنة على أموال البنك المركزي بكل وسيلة وبشتى الأعذار والمبررات .
- إن اقل وابسط ما يمكن أن يفعله القادة السياسيون الذين مكَّنوا المالكي من تشكيل حكومته الناقصة والفاشلة كي يمثلوا ناخبيهم ويبرئوا ذمتهم مما وعدوهم به، بعد أن ثبت فشل وفساد هذه الحكومة واستمرار رئيسها باختلاق الأزمات لتمرير فشلها وفسادها وتفاقم الصراع بين أطرافها على السلطة والمنافع، هو إسقاطها والذهاب إلى تشكيل حكومة مهنية تكنوقراطية لا تخضع بتشكيلها الى أي لون طائفي أو عرقي أو كتلة سياسية كحكومة انتقالية تقوم بانجازات تشريعية مهمة قبل انتهاء الدورة الحالية أهمها: التعديلات الدستورية وإجراء التعداد السكاني وتشريع قوانين الانتخابات والأحزاب وتشكيل المحكمة الاتحادية ومفوضية انتخابات مستقلة وحل مشكلة الحصة التموينية وحل ملف المعتقلين والسجناء وترصين استقلالية البنك المركزي واستعادة الأموال المفقودة واستقلالية القضاء ومهنية الجيش والخروج من مظلة البند السابع ومن ثم إجراء انتخابات نزيهة بإشراف ورقابة دولية تحسم فيها النتائج بشكل شفاف وعادل، لكن مثل هذا الحل الانتقالي الذي لا يتقاطع مع الدستور الذي أقرُّوه لا ترضَ به ولا تقرُّه الكتل الشريكة بهذه السلطة لأن ذلك يجردها من امتيازاتها الفئوية والشخصية!
- إمكانية أن يحدث مثل هذا التغيير من داخل العملية السياسية القائمة التي فشلت في توفير القوت لشعبها الجائع في ظل اكبر موازنة مالية في تاريخ العراق لا تعرف واجهات صرفها وتفاصيل اختفاء مبالغ كبيرة منها، تبدو مستحيلة بسبب فساد ركائزها وتشبث المستفيدون الفاسدون منها، الإنتخابات اصبحت مشاريع استثمار ولن تعد ولا يمكن ان تكون وسيلة ديمقراطية بحكم التشريعات التي تتحكم بآليات إجراءها.
- استمرار المالكي بسياسة إثارة الأزمات المتعاقبة والخطيرة واستمرار التصعيد بالمطالب الكردية التقسيمية ستأخذ بالمشهد العراقي الى المزيد من العنف والفساد والتشظية والإنفراد بالحكم .
- لم يعد من وسيلة للتغيير إلا من خلال الخلاص من هذه العملية السياسية الفاسدة وعرابيها والمتشبثين بها جملة وتفصيلاً :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
- التغيير الحقيقي والنوعي يستوجب إيقاف النزيف والنخر بالجسد العراقي تمهيدا للتأسيس لدولة مدنية عصرية في ظل دستور رصين وسيادة كاملة وقضاء مستقل تعيد للعراق وحدته وقوته واستقلاليته وللمواطن أمنه وعيشه بأمن ومساواة.
- العراق يستحق، وبحاجة الى ساسة ورجال حكم ذو خبرة وحكمة ونزاهة يكون إنقاذ العراق همهم وغايتهم من أزلام السلطة القائمة الذين عبثوا بمقدراته وثرواته ووحدته فهم بلا استثناء، طلاب مال وجاه، منهم المدعي والمفتري والنصَّاب والعرَّاب، لا يرتجى منهم إنقاذ ولا نجاة! لماذا يسكت الشعب بلا حراك فاعل للخلاص منهم؟ ولماذا لا يتبلور المشروع الوطني الجامع لكتله وقواعده وشخوصه الوطنية لإنقاذ العراق من واقعه العليل؟ أمر يثير التساؤل الى حد الإحباط!
هناك تعليق واحد:
مع الأسف الكثير من العراقيين اليوم في المناصب الحكوميه يستغل منصبه ولو كان موظف استعلامات في خمط ما يمكن خمطه (حاله حال ساسته) ولا يأبه إن كان من في السلطه زيد ولا عبيد طالما لن يتم المساس بمورد المال الحرام.
يعني لو جائت جدلا حكومه تكنوقرات تكافح الفساد فأنهم سيحاربونها لأنها ستقطع "أرزاقهم".
فمنذ يوم المحمره تعلمت فئات من العراقيين وإستمرأت المال الحرام, وما لبث أن إستشرى الداء مرورا بالبوك في الكويت واللغف في الحصار تبعها الحواسم والآن تتوج بالخمط.
فكيف يا عزيزي الكاتب تتسائل لماذا لا يتبلور المشروع الوطني؟ وأنت تحاول أن تزرع في أرض صبخ.
القله يفكرون بالوطنيه ولا حتى في الدين والطائفه والعشيره و الكثير يفكر بنفسه والمال الذي يجمعه فقط ولا يفكر حتى باقرب الناس له فما بالك بالوطن!
مع الأسف
إرسال تعليق