مأمون السعدون
الفساد، بشكل عام، أبرز سمات نظام الحكم الحالي في العراق، والنظام العراقي ومنذ الاحتلال عام 2003 هو بين الدول العشر الاوائل الاكثر فسادا!، ولم تتحسن صورته رغم مئات المليارات من الدولارات من عائدات النفط العراقي سنوياً التي تتسرب مئات الملايين منها، بشتى الوسائل، الى جيوب الحكام العملاء الذين نصبهم المحتلون، فأضحى هؤلاء الذين كانوا يعتاشون على مساعدات اللجوء او من خلال المهن البسيطة كالبقالة وبيع المسابح والتحايل والتزوير.. من ابرز ملّاك العقارات في لندن ودبي وعواصم اخرى مختلفة، فضلاً عن وضع اليد على الاملاك العامة والخاصة في بغداد والمحافظات الاخرى!!
الفساد المستشري في كل المرافق والذي يتعاطاه الجميع .. حقيقة لاينكرها حتى من هم في قمة سلطة المنطقة الخضراء ، بل انه اصبح ورقة تشهر بوجه هذا او ذاك بهدف الاسقاط والمشاغلة وبالذات بعد ان يخرج الامر من اليد و يصبح فضيحة بـ "جلاجل" كما هو الحال مع صفقة الاسلحة الروسية التي ابرمت في الزيارة الاخيرة التي قام بها (نوري المالكي) لـموسكو .
فقد أشاع هؤلاء الحكام العملاء، وبدفع من المحتلين الاميركان والايرانيين وكل اعداء العراق والامة العربية، الفساد في كل شيء بعد تدمير واحتلال العراق، فلا يوجد مرفق الا وطاله الفساد، بدءاً من القضاء والتعليم وانتهاءً بالصحة والخدمات ، ولعل كبريات فضائح السرقات والرشاوي هي في القطاعات الاستراتيجية الكبرى كالتسليح والنفط والكهرباء وحتى "البطاقة التموينية" التي تلوح حكومة المالكي بإلغائها! لم تسلم هي الاخرى من السرقات والتلاعب، وابرز امثلتها سرقة ملايين الدولارات التي كانت مخصصة لمفردات البطاقة من قبل (فلاح السوداني) وزير التجارة السابق وعضو قيادة حزب الدعوة، والذي رتبوا خروجه من العراق ليدير الاموال المسروقة من قبل حزبه وقادته في لندن!! كما رتبوا خروج لصوصاً اخرين، ابرزهم وزير الدفاع الاسبق (حازم الشعلان) الى لندن ،ووزير الكهرباء (ايهم السامرائي) الى الولايات المتحدة!
فعراق النفط والخيرات في ظل حكم عملاء المحتل .. في مقدمة قائمة الدول الفقيرة والمتأخرة بعد ان وصلت نسب الفقر والجهل والامية والتخلف فيه ارقاماً مخيفة !
وبغداد العز والمجد والتأريخ والحضارة ، بغداد الرشيد والف ليلة وليلة أضحت، في زمن هؤلاء "الدون والسفل" من أسوأ العواصم واكثرها قذارة وتلوثاً وفقداناً لأبسط مقومات الحياة !!.
ان الفساد وفضائحه التي تزكم الانوف، ابطالها ممن هم على رأس سلطة المنطقة الخضراء وهم ممن لا يعرق جبينه "لا حياء ولا خجل ولا ناموس ولا شرف" منذ ان اصبحوا مطيَّة المحتل وابرز ادواته في الايغال بتدمير وتمزيق واضعاف العراق واستهداف ابنائه الاصلاء والشرفاء، والافساد واستشراء الفساد احدى الوسائل للاثراء والمزيد من النهب والسرقات لاموال الشعب العراقي، ولايضير هؤلاء الحكام الفاسدين افتضاح هذه القضية ام تلك اذا ما كانت وسيلة للاطاحة بهذا الطرف او ذاك.
ومن فضائح الفساد هذه، فضيحة صفقة الاسلحة الروسية الاخيرة للعراق التي بلغت قيمتها 2،4 ملياردولار، والتي قيل انها جمدت بعد سقوط (علي الدباغ) الناطق باسم الحكومة وعضو الوفد المرافق للمالكي في زيارته لموسكو ومن الذين حضروا مراسيم التوقيع على هذه الصفقة اذ اعفي من منصبه! حيث فرغت ما تسمى بـ "لجنة النزاهة البرلمانية" من تجميع الادلة حول المتورطين في الـ "الكومشنات" العالية التي اتفق عليها مع الجانب الروسي بوفود مهدت للصفقة بزيارات خاطفة لموسكو كان ابرزها زيارة ابو ابراهيم (احمد ابن المالكي)!
وفضيحة من هذا النوع ليست جديدة على المالكي وحكومته، ولكن الغريب في الامر التركيز عليها وابرازها كفضيحة بهذه الصورة وفي هذا الوقت بالذات، فالصفقة اصلاً ذات اهداف سياسية، فهي بمثابة تكريم وامتنان للحكومة الروسية على موقفها من النظامين السوري والايراني، وان اغلب الاسلحة التي تضمنتها الصفقة والمدفوعة من مال الشعب العراقي هي لصالح سوريا وبدفع من ملالي ايران(!) وما يفيض منهالاستخدامات جيش المالكي في قمع الشعب العراقي، والصفقة لا تشكل خطورة على اي بلد وبالذات على اسرائيل! ولهذا لايستبعد ان تكون واشنطن وراء هذا التحرك العراقي ازاء الروس لإشعار حكومة (بوتين) بانها لم تنس حصة موسكو من "الكعكة العراقية"!
ولهذا، ورغم الضجة الاعلامية، سيستمر التعاطي مع هذه الصفقة لحين تحقيق اهداف فضحها وفي مقدمتها اظهار "ان المالكي عفيف ونظيف ولا يرضى بالفساد وسرقة اموال الدولة! بعكس حقيقته كونه كبير السراق واللصوص والمجرمين"!!، اضافة الى استخدام الضجة المفتعلة والتحقيقات الشكلية في التشهير والاسقاط والمشاغلة ولو لفترة عن الازمات والمخاطر المحدقة بالحكومة التي تتهدد النظام العميل برمته! وسيتم تقديم اكثر من كبش فداء الى جانب الدباغ [الذي سيقبض ويكافأ بمنصب ما لقاء سكوته وعدم فضحه لعمولات الكبار ومنهم ابن المالكي].
ورغم كل ما قيل وسيقال .. فان الصفقة ستقرُّ من قبل الحكومة والبرلمان، وان نسب العمولات "الكومشن" للمالكي ومستشاريه وازلامه والوسطاء سوف لن تتأثر، اذا لم تضاعف! وان مصير اي معترض، التصفية كما حصل لمرافق وزير الدفاع العميد (علي عكلة العبيدي) الذي قال في تصريح له قبل اغتياله لصحيفة البينة الجديدة العراقية التي نشرته في 17/7/2012 [.. اذا لم تسو قضيتي فانني سأفضح المنتفعين من صفقات السلاح!!] .
ان صفقة موسكو لاتختلف عن صفقات التسليح العديدة التي وقعتها حكومة بغداد مع اكثر من دولة وشركة وابرزها الصفقات التي ابرمت مع اوكرانيا وكرواتيا والتشيك وصربيا، فقد تناقلت بعض وسائل الاعلام ان نسب العمولا ت التي حصل عليها المسؤولون العراقيون مع نظرائهم الاوكرانيين والتشيك، على سبيل المثال، قد وصلت الى اكثر من 20 %!وان الاسلحة المتعاقد عليها وبالذات الطائرات والمدرعات فاشلة وغير عملية!! ومن الصفقات التي افتضح امر الفساد فيها والتكتم عليها، تلك الموقعة مع الجانب الصربي خلال السنوات الثلاث الماضية، اذ تناولت بعض وسائل الاعلام في بلغراد مؤخراً ان شهر تشرين ثاني/ نوفمبر من العام الحالي شهد سقوط 5 طائرات تدريب من انتاج صربيا خلال تجريبها !! ،علماً انها من نفس نوع الطائرات العشرين التي تعاقد العراق على شرائها ضمن صفقة كان قد وقعها في بلغراد (عبدالقادر العبيدي) وزير الدفاع العراقي السابق والمستشار العسكري الحالي للمالكي،وقد كانت قيمة الصفقة بحدود 3 ملايين دولار، لكنها وصلت الى اكثر من مليار بعد نسب العمولات "الكومشن" لوزيري الدفاع ومساعديهم، وخلال تلك الفترة شهدت بلغراد وبغداد زيارات العديد من الوفود العسكرية وبالذات العراقية،وخلال تلك الفترة شهدت بلغراد وبغداد زيارات العديد من الوفود العسكرية وبالذات العراقية، وفي اول جلسة للبرلمان الصربي بعد الصفقة، واثناء عرض منجزات وزارة الدفاع وما حققته من عملة صعبة للبلاد من قبل (دراغان شوتانوفيتش) وزير الدفاع وهو احد معاوني رئيس الدولة ورئيس الحزب الديمقراطي قبل ان يخسروا الانتخابات الاخيرة ويتركوا السلطة اواخر هذا العام، راح يتباهى بالعقد الكبير مع العراق، فتصدى له اكثر من نائب فاضحين ان "الاسلحة التي من المفترض تزويد العراق بها ليست صناعة صربية وانما هي اسرائيلية وصينية والعملة الصعبة الاكثر ستذهب الى بكين وتل ابيب، وصربيا في هذه الحالة ليست اكثر من وسيط! ".
وبعد اشهر، وفقاً للصحافة الصربية، اشترى وزير الدفاع الصربي شقتين "عبارة عن طابق كامل في احدى البنايات الجديدة" وقد طالب عدد من النواب استجوابه والتحقيق معه عن مصادر ثرائه المفاجئ، وقد حاول الوزير الدفاع عن نفسه في لقاء تلفزيوني مدعياً انه اشترى الشقتين بعد بيع شقة زوجته القديمة! وعند التعليق على حادث تحطم طائرة التدريب الخامسة التي سقطت على منطقة سكنية وراح ضحيته "مقدم طيار ومهندس" ذكر احد جنرالات سلاح الجو اليوغسلافي في لقاء تلفزيوني ان "هذه الطائرات كانت فاشلة منذ انتاجها في عهد الرئيس الراحل تيتو، وقد ثّبّت ذلك رسمياً بعد فشل العديد من التجارب رغم بعض المعالجات!" كل هذا وكأن الامر لايعني المالكي ولا لجان النزاهة والشفافية !! .. المهم توقيع عقود واستلام "الكومشن" ، سواء نفذ العقد ام لا! وسواء كانت الاسلحة المتعاقد عليها صالحة ام فاشلة كطائرات التدريب التي سقطت 5 منها اثناء التجريب!
اما مايجري من فساد في قطاعات اخرى كالنفط والكهرباء هو الاسوأ والاكبر حيث ابتلعت افواه حكام بغداد مليارات الدولارات تحت يافطة اعادة الاعمار وتوفير الخدمات التي لم يتحقق منها اي شيء طيلة السنوات العشر السوداء في تأريخ العراق، وان ما فعلته وتفعله هذه "الدمى الخزفية" التي تتسلط على رقاب شعبنا الصابر يفوق مراراً افعال وجرائم الغزاة المحتلين.
ان شعب العراق الابي الذي واجه من هم اشد عداء ووحشية وحقداً وسفالة في تأريخه المديد، لقادر على النهوض مجدداً وبطول قامته ليزيح هؤلاء السفلة من حكام الغفلة التي تؤكد الوقائع ان يوم الانتصاف منهم بات، بعون الله وعزيمة شعبنا ومقاومته الباسلة، قريباً.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق