عمر الكبيسي
ليس تحيزاً ولا نفاقاً، إذا اعترفنا أن محافظة الأنبار كما نالت شرف الحاضنة للمقاومة الوطنية المسلحة بوجه المحتلين والغزاة تنال اليوم شرف الحراك والاعتصام بوجه الحاكمين والفاسدين، وهو شرف لكل العراقيين والشرفاء وحق شرعي و وطني لكل العراقيين لكن الأنباريين كان لهم شرف التميز والإبداع في أن يكونوا رأس النفيظة والمبادرة في حمل لواء المقاومة الوطنية المسلحة بوجه الغزو والاحتلال العسكري منذ الأيام الأولى لوقوعه ومازالت تتعامل مع بقاياه وفلوله لغاية اليوم حتى بعد انسحاب معظم قواته في نهاية عام 2011.
واليوم تثبت الأنبار وابنائها وشبابها من خلال عتصاماتهم وتظاهراتهم في عموم المحافظة منذ يوم الأحد في 23 كانون الأول الجاري ولغاية الآن أنهم رأس النفيظة في مرحلة الحراك الشعبي السلمي في مواجهة حكومة فاشلة وعملية سياسية خائبة والمطالبة بالتغيير والتحرير الكامل . ما تميز به هذا التظاهر والاعتصام عن غيره هو الخطاب الواضح للمتظاهرين والمعتصمين والذي أكد على المبادئ التالية :
- عراقية الفعالية وعدم ارتباطها بأي شكل من الإشكال بواجهة طائفية او حزبية او عرقية وتأكيد المنظمين وانفتاحهم وترحيبهم بكل المناهضين والمشاركين للعملية السياسية وفسادها من كل أنحاء العراق وفخر المنظمين للتظاهرات والاعتصامات بانها امتداد لحراك الشعب وثورته في 25شباط 2011.
- انها تستهدف السلطة واجراءاتها التعسفية دون التفريق بين هذا او ذاك فكل المشاركين بهذه السلطة يتحملون وزرها وفشلها وابستثناء من يعلن براءته منها جملة وتفصيلا للالتحاق بها ، فإن كل المسئولين والمشاركين فيها غير مرحب بهم حيث أن أهداف ومطالب المعتصمين واضحة وحشر الساسة الحاليين فيها يثير الريبة والتشكيك بالاختراق وخلق الفتنة .
- دعوة المعتصمين والمتظاهرين لكل القوى المناهضة في عموم العراق للمساندة والالتحاق حتى لا توصم هذه الفعالية بالمناطقية والطائفية كما يروج عنها الفاسدون والمتشبثون بالسلطة وإعلامها الفاسد.
- إنسانية الأهداف والمطالب ذات العلاقة بحياة العراقيين وكرامتهم والتي تتضمن ملفات الفساد والاعتقالات وحقوق الإنسان والمرأة وإلغاء التمييز الطائفي والمحاصصة وإيجاد حالة التوازن في إقامة دولة عادلة نزيهة تحافظ على كرامة العراقيين وتضمن لهم المساواة في الحقوق والواجبات.
- سلمية الفعالية وتميزها بالانضباط وعدم التعرض لمنتسبي السلطة ومؤسساتها ورجالها واختفاء أي ظاهرة من مظاهر الصدام أو استخدام السلاح أو التهديد به مع توفير وسائل تنظيم المرور والالتحاق والمغادرة والراحة والإنعاش والإسعاف بالرغم من قساوة الظروف الجوية (برد وأمطار).
- الكثافة الشبابية ظاهرة متميزة لهذه الفعالية والتنظيم الشبابي المتميز للتظاهرات والاعتصامات والتشديد على منظومة القيم العراقية المتمثلة بسماحة الدين وكرامة العشائر وتأريخهم وتراثهم من نخوة وكرم وعفة وشرف واحترام للمرأة وشرفها وصونها .
- تأكيد المتظاهرين والمعتصمين على التمسك بوحدة العراق ورفضهم للخطاب الطائفي وللفدرالية ولصيحات المنتفعين بالأقلمة والفدرلة ,
- تبعية الإعلام المعاكس للحدث ومحاولة السلطة تجنب الحديث والتطرق للفعالية إلا من خلال توجيه الاتهامات بطائفيتها ومناطقيتها وهو السلاح المعتاد لوصم المناهضين والمعارضين .
- إن أول بشائر النصر كان يتمثل في خطاب المسؤولين والبرلمانيين الذين حاولوا استغلال الفعالية بحضورهم وكلماتهم والتي أظهرت فشل وضعف هؤلاء الساسة عن إنجاز مطلبا لناخبيهم ناهيك عن حماية أنفسهم مما كشف طابع التناقض في خطابهم حين يصفون السلطة والحكومة بالفشل والميلاشيوية ولكنهم لا يبررون استمرار مشاركتهم فيها منطقيا .
- وهكذا أثبتت هذه الفعالية وهي في حالة الاستحضار والتهيئة منذ إعلانها ، إن الشعب العراقي في واد وان المتسلطين الحاكمين فيه اليوم في واد آخر من خلال افتعال أزمات السلطة وزيارة المالكي في خضم أحداثها للأردن وإظهار حالة الصمت ومحاولة التحجيم تجاه ما يحدث .
إن الدرس المستخلص من اعتصام الأنبار وتظاهرها هو أنه لامناص ولا خلاص من هول ومكائد الاحتلال وعمليته السياسية في العراق إلا بالحراك الشعبي السلمي المدني الواسع والمناهضة والمقاومة الفاعلة للإحتلال ومؤسساته بشكل فاعل وجامع ومؤثر لإنقاذ العراق الواحد من نكبته.
هناك تعليق واحد:
ذاك أنّه في ظلّ الحرمان المديد من السياسة، والذي يرجع إلى عقود، جيء بالسياسيّين الجدد من المنافي ومن أوكار العمل السرّيّ. هؤلاء لم يقدّموا نموذجاً ناصعاً عن السياسة وطبقتها المرجوّة.
إنّهم يلعبون بالنار في العراق...
إرسال تعليق