وليد خدوري*
نشِرت معلومات كثيرة عن سرقة أموال النفط العراقي، سنحاول أن نستعرض هنا أهم ما صدر منها منذ 2003، وهدفنا الأساس طرح الأسئلة التالية: من ارتكب هذه السرقات؟ وهل سرقة ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من النفط ممكنة من دون معرفة الجناة وعدم رفع دعاوى ولو غيابياً عليهم؟ أم هل الاستهتار بالمال العام أصبح شائعاً في ظل استشراء ثقافة الفساد؟
تتعلق المسألة بسرقات حدثت خلال العقد الماضي، لكن معرفة هوية المسؤولين تبقى مهمة، ولو بعد سنوات، فالمبالغ المسروقة ضخمة جداً، تتيح للسارقين تبييضها أو استعمالها لأغراض سياسية. وهم إذا اطمأنوا إلى سرقة مئات الملايين من الدولارات في الماضي من دون مساءلة أو محاسبة، ما الذي سيردعهم عن سرقة ملايين أخرى عند تبوئهم مناصب ومسؤوليات سياسية واقتصادية في المستقبل؟
تنوعت طرق سرقة النفط، فمنها ما جرى نتيجة عدم تواجد مقياس صحيح لتدفق النفط من الآبار وخطوط الأنابيب منذ 2003، ولفت المجلس الدولي للاستشارات والمراقبة المشرف على الموارد الطبيعية في البلاد، في بيان عام 2006، إلى أن مطالبته لسنوات بنظام قياس دقيق لم تسفر عن نتائج ذات جدوى.
وكان جرى تكليف شركة «كي بي آر» المملوكة من شركة «هاليبورتون» الأميركية والتي تعتبَر من كبار موردي مقاييس النفط العالمية، بشراء أجهزة كهذه وتركيبها، لكن تصدير النفط العراقي لسنوات استمر من دون حساب دقيق، ما فتح المجال واسعاً للسرقة. وعبر المجلس في مذكرة في تموز (يوليو) 2004 عن قلقه إزاء عدم وجود نظام قياس صحيح.
واستمرت الأمم المتحدة في المطالبة حتى عام 2010 بتركيب مقاييس دقيقة لصادرات النفط. فهل معقول أن تعجز مؤسسات النفط في العراق، مع كل الإنجازات التي حققتها طوال عقد، عن تركيب المقاييس اللازمة لحساب كميات النفط الخام المصدّر؟ وإذا كان من عجز، فلماذا ومن المسؤول؟
ويعني غياب المقاييس أن فارقاً نسبته واحد في المئة لحمولة ناقلة عملاقة، إمكان الحصول خلسة على كمية من النفط تعادل 500 شاحنة تحمل كل منها نحو ألف غالون. وذكرت صحيفة «غارديان» البريطانية في 2007 أن قبيلة في البصرة كانت تدفع نحو 250 ألف دولار أسبوعياً لمسلحين لتأمين ميناء نفط البصرة في مقابل تحميلهم ناقلات بنفط غير مقاس (أي مسروق من الدولة).
وجرت طريقة أخرى في السرقة عبر خرق أنابيب النفط والاستفادة غير الشرعية (السرقة) من مرافق رئيسة لجمع النفط وتخزينه. وجرت السرقة عن طريق سلب شاحنات النفط والمنتجات البترولية المنقولة براً.
وشكلت الهجمات على مرافق نفطية، في ما وصف بهجمات لإرهابيين، وسيلة أخرى للعصابات المنظمة. ويقدر وزير المال السابق علي علاوي أن المسلحين كانوا يحصلون على 40 - 50 % من إيرادات النفـط (ما يعنـي البـلايين من الدولارات سنوياً).
واستفادت العصابات (الإرهابية أو المدعومة من أحزاب حاكمة) من الفوضى وانعدام الأمن في الطرق المقفرة، فسرقت عشرات الشاحنات المحملة بمنتجات البترول.
وأفاد المفتش العام لوزارة النفط العراقية آنذاك بأن السرقة كانت تستهدف شحنات المـنتجات التي تدخل العراق من الكويت وتركيا.
وبـلغ هـذا النـوع مـن الإجـرام ذروته خلال 2004 - 2005 عـندما كـان الـسعر الرسمي لغالون البنزين فـي الـعراق ثـلاثة سـنـتات في السـوق الرسـمية وأكثـر من دولار في السوق السوداء.
ويضيف تقرير الـمفتـش العام للوزارة أن الفترة بين شباط (فبراير) وأيلول (سبتمبر) 2005 شهدت سرقة نحو تسع شاحنات يومياً كانت تنقل منتجات البترول من البصرة إلى الأسواق العراقية الداخلية.
وعام 2007 قدر تقرير حول الأمن والاستقرار في العراق أصدرته وزارة الدفاع الأميركية أن نحو 70 في المئة من المنتجات المكررة لمصفاة بيجي (الأكبر في البلاد) جرت سرقته، وأن عدد منافذ بيع البنزين المسروق بالقرب من بيجي ارتفع من ثمانية عام 2003 إلى أكثر من 50 عام 2008.
وجرى التعامل والانتهاء من هذه السرقات من خلال خفض دعم الوقود ثم إلغائه من وزارة النفط بدءاً من 2010.
هذه المعلومات عينة من الأمثلة على سرقة النفط العراقي في السنوات الماضية، وجرى نشرها كلها في كتاب صدر حديثاً بعنوان «تقويم النفط العراقي: الدليل المرجعي» عن مؤسسة «أوبن أويل» في لندن.
لكن هذه المعلومات كانت صدرت في مطبوعات أيضاً، ويرجَّح وجود معلومات أخرى لا تزال قيد الكتمان. و «أوبن أويل» منظمة غير حكومية تعنى بالشفافية في صناعة النفط العالمية.
يذكر أن الصناعة النفطية العراقية استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية الانطلاق ثانية، إذ يصل مستوى الإنتاج الحالي للنفط الخام إلى نحو 3.4 مليون برميل يومياً ما يعني أن المستوى الإنتاجي للعراق هو الثاني بين دول «أوبك»، كما يبلغ مستوى التصدير الحالي للنفط الخام نحو 2.62 مليون برميل يومياً.
* مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق