في مصر يدور جدل واسع، حول المصدر الرئيس للتشريع، وهي مادة في الدستور المصري، لم يكن عليها خلاف طيلة عقود، الا ان أجواء الحرية التي أعقبت خلع الفرعون الجاسوس، وبعضها انفلات غير مسؤول، بعثت نقاشاً عقيماً حول الموضوع.
لكن الجديد في الأمر ماالتقطه الكاتب المصري محمد سيف الدولة، في مقالته التي بعث بها إلي على بريدي الإلكتروني، وننشرها في أدناه.
كامب ديفيد المصدر الرئيس للتشريع
محمد سيف الدولةألف مبروك ، أخيرا حسمت لنا إسرائيل كل خلافاتنا وصراعاتنا فلن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع ولا حتى مبادئ الحفاظ على مدنية الدولة بكل وثائقها الاسترشادية أو فوق الدستورية وإنما المرجعية الأولى يجب ان تكون فقط و دائما للمعاهدة مع إسرائيل
* * *
كان هذا هو مضمون الرسالة التي أبلغتنا بها الخارجية الإسرائيلية في ردها الغاضب والوقح ، على تصريح عصام شرف بأن نصوص معاهدة السلام ليست مقدسة.
وكان شرف قد أدلى بهذا التصريح للإعلام التركى بكل فطرة وبراءة مصحوبة ببعض الكرامة للحفاظ على ماء وجه الحكومة التى لم يكن لها حول ولا قوة امام الجريمة الصهيونية .
ولكن حتى ماء الوجه يريدون تحريمه علينا !
فالصهاينة يريدونها معاهدة مقدسة وأبدية ، غير قابلة للنقاش أو لإعادة النظر مهما تغيرت الظروف او تبدلت الأنظمة او قامت الثورات، وكأنها دين أو عقيدة يجب ان يعتنقها كل المصريين بكافة تنوعاتهم وتياراتهم و أجيالهم وحكوماتهم وحكامهم الحاليين والقادمين .
يجب ان نعتنقها جميعا ، رغم انه لا إكراه فى الدين !!
يريدونها فوق الدستور والقانون وفوق مبادىء الشريعة الاسلامية وفوق الهوية والانتماء وفوق التاريخ والجغرافيا وفوق الشعب وسيادته وفوق المصلحة والأمن القومى وفوق الكرامة والعزة الوطنية ، بل فوق ابسط خصائص الإنسانية وهى حرية الاختيار .
* * *
وللأسف ان هذه المقاربة ليست ببعيدة عن حقائق الأمور فى بلادنا ، فلقد أثبتت الشهور التالية للثورة ان خلع رئيس الجمهورية أسهل من طرد سفير إسرائيل، وان إسقاط النظام أسهل من إغلاق سفارتها، هذه الحقيقة القاسية هى اخطر ما نتج عن كامب ديفيد، فهى ليست مجرد معاهدات ، بل هى نظام كامل يحكم ويضبط كل صغيرة وكبيرة فى حياتنا .
فنظام مبارك لم يكن فى حقيقته سوى نظام كامب ديفيد بمبادئه المقدسة الثلاثة :
· الأمن لإسرائيل
· والسيادة للأمريكان
· ولمصر التبعية والخضوع
وكل ما عدا ذلك مجرد تفاصيل وتوابع .
* * *
وللأسف أن غالبية النخبة السياسية تتجنب الاقتراب من فى المحظورات الأمريكية الإسرائيلية ، بوعى او بدون وعى ، ربما للفوز بمباركة الأمريكان و ربما تجنبا لشرهم وأذاهم .
والبعض يمتنع عن توجيه اى نقد لأمريكا او لإسرائيل مهما حدث :
لا فى المليونيات ولا فى التصريحات والبيانات ولا في حملات التوعية وبرامج التربية السياسية ولا على صفحاتهم على الفيسبوك والتويتر
بل ان احد مرشحى الرئاسة طالب مؤخرا بتعديل العقيدة العسكرية للقوات المسلحة المصرية التى تعتبر العدو هو إسرائيل، لتشمل أيضا مواجهة العنف والإرهاب ، فى تطابق لا تخطئه العين لذات التصريحات والمفردات الأمريكية والإسرائيلية حول جريمة الحدود .
* * *
واذا كان مفهوما ومتوقعا من الإدارة الانتقالية الحالية لمصر بموظفيها العسكريين والمدنيين ان تتصرف هكذا من باب الحذر أوالخوف او حتى من باب الحنين للنظام الراحل .
الا ان قوى الثورة يجب ان تكون على النقيض تماما من ذلك ، فيجب ان تكون أكثر جرأة وثورية فى اقتحام وفتح كل الملفات الشائكة للحوار والدراسة واستكشاف الحلول .
كما انها يجب ان تكون اكثر صدقا ووضوحا مع الرأى العام وخاصة الشباب ، فلا تتعمد تزييف الحقائق و تجاهل و تهميش القضايا الأكثر خطورة على مستقبل مصر ، وتبديد الوقت والجهد فى الخلافات الهامشية والصراعات الحزبية .
* * *
صحيح ان الوضع شديد السوء و الخطورة الذي وضعنا فيه النظام الساقط في علاقتنا مع إسرائيل وأمريكا ، يتطلب منا الحكمة والحذر والتأنى والدراسة والتوافق الوطني و أمور أخرى كثيرة . ولكن لا يجب ان يكون من بين ذلك تغييب الناس عن القضية وإبعادهم عنها وإخفاء حقائقها .
لأنه أيا كانت طبيعة الحلول و المخارج المطروحة مستقبلا للتحرر من هذه المعاهدة ، فان موقف الشعب المصري سيكون هو العنصر الحاسم والضاغط فيها وليس موقف القادة أو الحكام والحكومات .
وهو ما يوجب على كل القوى الوطنية المصرية ان تبدأ منذ الآن حملات توعية واسعة لكشف حقائق وأسرار ومخاطر كل ما تم فى الأربعة عقود الماضية من عدوان على استقلال مصر وسيادتها .
بالإضافة إلى حملات إعداد وتعبئة شعبية وطنية لمواجهة الضغوط والتدخلات الأمريكية الاسرائيلية المتوقعة فى المرحلة القادمة للحيلولة دون استقلال مصر وتحررها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق