نبهني الزملاء الاعزاء في مركز الحوار العربي في واشنطن، مشكورين، إلى دراسة قديمة كانت، مجلة الجزيرة السعودية نشرتها في العام 2004، عن مشروع الشرق الاوسط الكبير او الجديد الذي تسعى الولايات المتحدة الى فرض نموذجه، والذي يهدف، بحسب الادعاءات الامريكية، الى تشجيع ودعم الاصلاحات السياسية والاقتصادية ونشر الديمقراطية في الوطن العربي ودول اسلامية اخرى، دون التعرض للصراع العربي الصهيوني، الذي يعتبر السبب الرئيس في أزمات ومشاكل المنطقة، السابقة والحالية والمستقبلية، أيضاً.
وقد وجدت ان اعادة نشر هذه الدراسة مفيد في الوقت الحاضر، بينما تلتهب أجواء المنطقة بشعارات الحرية والديمقراطية ومايسمى (ربيع العرب).
مصطفى
مشروع أمريكي يرسم خريطة جديدة للمنطقة
* إعداد: د. سيد محمد الداعور(*)
(*) كاتب ومحلل سياسي
sayeddaur@hotmail. Com
***
المراجع والمصادر
باللغة العربية:
1نص مشروع (الشرق الأوسط الكبير)، دار الحياة، 1322004، http://www. daralhayat.com.
2 عبدالغني سلام، من شمعون بيريز الى جورج بوش: لماذا تفشل مشاريع (الشرق الأوسط)، مجلة اللواء، فبراير 2004http://www. aliwaa.com.
3 مصر والسعودية ترفضان مشاريع الإصلاح الأمريكية، الجزيرة نت، 2522004
http://www. aljazeera.net
4 (شرق أوسط كبير) أم (شكوك كبيرة)؟، 1922004، المنتدى السويسري للأنباء والإعلام swissinfo،http://www. swissinfo.org
باللغة الإنجليزية:
الشرق الاوسط ( الكبير ) أم ( الجديد)
* إعداد: د. سيد محمد الداعور(*)
ينظر العرب بريبة وتوجس إلى المشروع الأمريكي الجديد في المنطقة الذي يهدف، حسب ما تعلنه الولايات المتحدة الأمريكية، إلى تشجيع ودعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ونشر الديمقراطية في العالم العربي ودول إسلامية أخرى، دون التعرض للصراع العربي الإسرائيلي، الذي يعتبر المسبب الرئيسي للأزمات والمشاكل التي عصفت بالمنطقة ومازالت. وسوف يشمل هذا المشروع؛ الذي سُميَ ب(مبادرة الشرق الأوسط الكبير)، والذي يروج له هذه الأيام الساسة الأمريكيون، بدءاً بالرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني، مروراً بوزير الخارجية كولن باول ومستشارة الأمن القومي جونزاليزا رايس، وانتهاءً بكبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومراكز صنع القرار الأخرى؛ المنطقة الممتدة جغرافياً من موريتانيا غرباً إلى أفغانستان شرقاً، مروراً بإسرائيل وتركيا وإيران.
وقد سبق لإسرائيل أن طرحت مثل هذه المشاريع للمنطقة، وكان آخرها، بل أخطرها، رؤية رئيس وزرائها الأسبق وزعيم حزب العمل الحالي شيمعون بيريز في أوائل التسعينيات ل(الشرق الأوسط الجديد) التي عنون بها كتابه الشهير (The New Middle East) الذي نُشر في عام 1993، والتي كانت تطمح في الظاهر إلى جمع دول الشرق الأوسط في سوق مشتركة، بعد تحقيق السلام المزعوم، بحيث يعزز قيام هذه السوق المصالح الحيوية ويصون السلام على المدى البعيد، ولكنها تخفي أجندة أخرى كانت تدور في مخيلة بيريز وهي دمج إسرائيل في المنطقة بعد إعادة صياغتها وتشكيلها لتصبح (الشرق الأوسط) وليست (العربية)، وتصبح إسرائيل هي الدولة المهيمنة والمسيطرة على مقدرات المنطقة كونها رأس الجسر للمشروع الغربي الاستعماري منذ إقامتها في عام 1948.
وقد كشف بيريز عن نياته وأهدافه الحقيقية في مقابلة صحفية نشرتها (فصلية الشرق الأوسط) في مارس 1995 حين رد على سؤال حول قول سابق له مفاده (أن هدف إسرائيل المقبل يجب أن يكون الانضمام الى جامعة الدول العربية)، قائلاً: (أعتقد أن جامعتهم (العربية) يجب أن تُسمى جامعة (الشرق المتوسط)، وعندئذ يمكن لإسرائيل أن تنضم إليها. نحن لن نصبح عرباً، ولكن الجامعة يجب أن تصبح شرق أوسطية... لقد أصبحت الجامعة العربية جزءاً من الماضي).
أول المعلنين
وكانت صحيفة الواشنطن بوست هي أول من أفصح عن هذه المبادرة الأمريكية الجديدة حين ذكرت في 922004: (أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تعمل على صياغة مبادرة طموحة لتعزيز ونشر الديمقراطية في (الشرق الأوسط الكبير) وذلك بإعادة تكييف وتعديل نموذج اُسْتُعْمِلَ من قبل في الضغط من أجل نشر الحريات في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية).
وقد بدأ بالفعل كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية محادثات مع حلفاء أوروبيين رئيسيين حول رسم مخطط شامل لعرضه على مؤتمرات القمة لكل من مجموعة الدول الثماني الكبرى، ومنظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين قولهم إنه بالدعم والمساندة الدولية تأمل الولايات المتحدة كسب التزامات فعلية من الأقطار الشرق أوسطية والشرق آسيوية لتطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة، ومساءلتها عن سجلها في حقوق الإنسان.
وأضافت الصحيفة أنه لإعطاء هذه الدول حافزا على التعاون، ستعرض الدول الغربية زيادة توسيع نطاق تعاملها السياسي وزيادة المساعدات وتسهيل عضوية منظمة التجارة العالمية وتعزيز ترتيبات الأمن. وأوضحت أن المبادرة اتخذت نموذجا لها معاهدة هلسنكي لعام 1975، التي وقعتها 35 دولة، من ضمنها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، بالاضافة الى معظم دول أوروبا.
بوش يؤكد المبادرة
وقد جدد الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال اجتماعه مع المستشار الالماني جيرهارد شرودر في البيت الابيض في 2822004 دعوته لدول الشرق الأوسط لإجراء إصلاحات سياسية. واعتبر بوش أن فترة ما بعد إسقاط طالبان في أفغانستان نموذجاً للتغيير السياسي، وأعرب عن اعتقاده بإمكانية تكرار التجربة في دول أخرى بإقامة مؤسسات ديمقراطية.
وقال بوش إن هذه التجربة تشكل ميراثا يجب العمل من خلالها لتغيير ما سماه عادات العنف والخوف والإحباط التي غرست بذور الإرهاب وأدت إلى نموه في الشرق الأوسط على حد زعمه.. وانه من الضروري إقامة المؤسسات الديمقراطية التي تستجيب لتطلعات الشعوب.
وأصدر بوش وشرودر بياناً مشتركاً أكدا فيه تنسيق التعاون مع أصدقاء وحلفاء البلدين في أوروبا وفي (الشرق الأوسط الكبير) للاستجابة للنداءات التي تطلق من اجل الإصلاحات في المنطقة وتطوير اقتراحات محددة. وأوضح البيان ان هذه المقترحات سترفع إلى قمة مجموعة الثماني والقمة الأمريكية الأوروبية وقمة حلف الأطلسي التي ستعقد في يونيو 2004.
وأضاف البيان انه يجب بناء (شراكة حقيقية تصل أوروبا وأمريكا بمنطقة الشرق الأوسط بالمعنى العريض، وتهدف إلى التعاون مع دول وشعوب هذه المنطقة من اجل تحقيق هذه الأهداف والعيش جنبا إلى جنب بسلام).
وأما نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني فقد تحدث أثناء حضوره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 2412004، قائلا: (ان استراتيجيتنا من أجل الحرية تلزمنا بدعم أولئك الذين يعملون ويضحون من أجل الاصلاح على امتداد الشرق الأوسط الكبير. ونحن نناشد أصدقاءنا وحلفاءنا الديمقراطيين في أي مكان وفي أوروبا بشكل خاص أن ينضموا الينا في جهدنا هذا. لقد شاهدنا الحركة نحو الاصلاح في الشرق الاوسط الكبير... في المغرب والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية).
ومن ناحيته، قال وزير الخارجية الامريكي كولن بول في 922004 ان هذا المشروع يهدف الى الجمع بين مختلف اشكال المساعدات أو التشجيع على تحقيق تقدم على طريق الاصلاحات الاجتماعية والسياسية والانفتاح على اقتصاد السوق. وأضاف ان الخطة تهدف الى الجمع بين ما يتم تحقيقه حاليا في هذا المجال وما يمكن ان يتم تحقيقه لنرى كيف يمكن اعطاء طابع مؤسساتي لكل ذلك.
وفي حديث له مع قناة (الحرة) الفضائية الأمريكية الناطقة بالعربية في 242 2004، حاول باول طمأنة الدول العربية والاسلامية حول المبادرة الجديدة، وادعى انها لن تفرض عليهم بالقوة وسيتم تطبيقها من خلال التنسيق والتعاون مع الأطراف المعنية لتحقيق مصلحة الجميع.
الخطوط العريضة للمشروع
يعتبر مشروع (الشرق الاوسط الكبير) أن المنطقة تقف على مفترق طرق، وأن المطلوب هو السير في طريق الإصلاح الذي (استجاب له عدد من الزعماء). وأن بلدان مجموعة الثمانية الصناعية أيدت هذا الخيار, منوهاً ب(الشراكة الاوروبية المتوسطية)، و(مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط)، وجهود اعادة الاعمار المتعددة الأطراف في أفغانستان والعراق.
وتسعى واشنطن للحصول على تأييد كامل من مجموعة الدول الثماني لمبادرتها هذه، وتعدّ لإطلاقها في قمة دول المجموعة في سي ايلاند في ولاية جورجيا الامريكية, في يونيو المقبل.
وتحدد ورقة العمل هدف المشروع ب (الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الامنية ومصالح حلفائها)، وتركز على الدفع باتجاه (إعادة تشكيل) منطقة الشرق الأوسط عبر الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وإذ تتحدث الورقة عن (تشجيع الديموقراطية والحكم الصالح) فإنها ترمي الى تغيير سياسي على المدى الطويل، مما يعني تغيير الأنظمة. هذا التغيير ينطلق من منظور امريكي ووفقاً لتقويم امريكي لمنطقة واسعة، تعتبرها واشنطن ذات نمط واحد ولا تمايز فيها ويرى فيه محللون سياسيون ايضاً مشروعاً قائماً على فرض نموذج وقيم أمريكية بشكل أبوي، ويحمل في طياته خطراً حقيقياً نظراً الى تعقيد الامور في دول المنطقة التي بدأت مساراً اصلاحياً في ظل وضع معقد وحساس. ولا تتضمن ورقة العمل اية اشارة الى موافقة المنطقة على المشروع الذي لا يمكن ان يكون أكثر فاعلية لو حظي بتشاور أوسع.
لذا يطرح المحللون تساؤلات عن سبل انجاح مثل هذه الشراكة دون حل للصراع العربي الاسرائيلي وفي غياب الاستقرار في العراق.
واذ توحي الخطوة الأمريكية بأن مجموعة الدول الثماني تحولت حلفا سياسيا للحفاظ على مصالح تعتبرها الادارة الأمريكية (مشتركة)، فإن الدول الصناعية نفسها لم تستشر مسبقاً. ويقول خبير أوروبي :إن ما حاولت أوروبا تجنبه من خلال رفضها الحرب على العراق قد تجد نفسها مضطرة اليه من خلال تورطها في هذه (الشراكة) المبهمة التي قد تحول مجموعة الثماني الى اداة لهيمنة الولايات المتحدة التامة على اوروبا التي تمثل احياناً للدول العربية بديلاً عن سياسة أمريكية غير مقبولة في الشرق الأوسط.
أسئلة حول المبادرة
وتثير المبادرة الأمريكية عدة أسئلة:
هل تضمنت شيئا جديدا لم تشر إليه سلسلة المبادرات الأمريكية العديدة السابقة؟ وهل لها فرصة للتحّول إلى خطة دولية، وبالتحديد إلى مشروع أوروبي أمريكي مشترك؟ وما موقف الحكومات والشعوب العربية والاسلامية منها؟
القراءة السريعة لنص المشروع لا توحي بأي جديد في الواقع، سوى محاولة إلباس سلسلة المبادرات الأمريكية السابقة رداء عمليا من خلال بعض الاقتراحات التنفيذية. فقد اعتمد المشروع بشكل كثيف على تقرير التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة الذي وضعه عدد من المثقفين والخبراء العرب كأساس لتحليل أوضاع الشرق الأوسط، وكمنطلق لتحديد المناهج والحلول. كما كرر بشكل حرفي بنود مبدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش حول (الاستراتيجية المتقدمة للديمقراطية في الشرق الأوسط)، ومبدأ وزير الخارجية كولن باول حول (الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية).
وهكذا، خرجت المبادرة بالأهداف الرئيسية المكررة الآتية:
1 تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح في المنطقة، 2 بناء مجتمع معرفي، 3 توسيع الفرص الاقتصادية.
هذه العناوين النظرية الرئيسة، تفرّعت إلى عناوين فرعية تنفيذية. ففي باب (تشجيع الديمقراطية)، دعت إلى دعم الانتخابات الحرة في الشرق الأوسط من خلال المساعدات التقنية والتدريب على الصعيد البرلماني (خاصة للنساء)، والمساعدة القانونية للناس العاديين، وتطوير وسائل الإعلام المستقلة، وتشجيع دول المنطقة على مكافحة الفساد، ودعم قيام المجتمع المدني.
وعلى صعيد بناء المجتمع المعرفي، وضعت سلسلة مبادرات لدعم التعليم الأساسي، ومحو الأمية، وسد النقص في الكتب التعليمية، وإصلاح برامج التعليم، ونشر الإنترنت.
أما بالنسبة للهدف الثالث، وهو توسيع الفرص الاقتصادية، فقد اقترحت إنشاء صناديق عدة لتمويل ما سمته (تجسير الهوة الاقتصادية للشرق الأوسط الكبير) تتضمن صندوقا لتمويل المشاريع الصغيرة، ومؤسسة المال للشرق الأوسط الكبير (لدعم الأعمال المتوسطة والكبيرة)، وبنك تنمية الشرق الأوسط الكبير (لمساعدة الدول الساعية للإصلاح على توفير احتياجات التنمية)، والشراكة من أجل نظام مالي أفضل، إضافة إلى تسهيل انضمام دول الشرق الأوسط إلى منظمة التجارة العالمية، وإنشاء مناطق التجارة الحرة لتشجيع التبادل الاقليمي والمشاريع الاقليمية المشتركة.
بطء التنفيذ
ويعلّق بيتر سينغر، مدير (مشروع السياسة الأمريكية نحو الشرق الاوسط) في مؤسسة بروكينغز، على هذا المشروع قائلا:(انه يأتي بعد سلسلة طويلة من الوعود الأمريكية غير المثمرة لتحقيق الإصلاحات في العالم الإسلامي، لقد مل الناس: خطاب مليء بالوعود يطبق على خناق خطاب، ولا شيء ينفذ).
ويقول الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط مارك وولترز: (من حيث الشكل، تبدو المبادرة إيجابية للغاية. لكن من الصعب أن نصدق إلى أن يتم توفير التمويل الذي يغطي كل هذه المشاريع).
ومعروف أن الادارة الأمريكية لا تُخصص سوى أموال قليلة لمشاريعها الديمقراطية في الشرق الأوسط، وعلى سبيل المثال لم تحصل مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية، والتي أطلقت عام 2002 برعاية إليزابيث تشيني، ابنة نائب الرئيس الأمريكي تشيني، في عامها الأول سوى على 29 مليون دولار، واضطرت إلى الانتظار سنة كاملة وسط احتجاجات صاخبة من جانب مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية قبل أن تحصل على 100 مليون دولار إضافية.
ومع ذلك، يؤكد مسؤول أمريكي أن كل هذه الأموال (لا تزال في المصارف)، وأن تنفيذ البرامج (بطيء للغاية إلى درجة أننا يجب أن ننتظر جيلا كاملا قبل أن نرى بدايات التغيير، ربما 50 عاما أخرى).
ويرى الكثير من المحللين أن هذه المبادرة لنشر الديمقراطية في كل أنحاء (الشرق الأوسط الكبير) تأتي لتغطية الفشل الأمريكي في تحقيقها في (الشرق الأوسط الصغير) المتمثل في أفغانستان والعراق، إضافة إلى تعثّر تطبيق خارطة طريق السلام الفلسطيني الاسرائيلي.
ويقول بعض هؤلاء إن إدارة بوش تريد عبر هجومها الديمقراطي الكبير، الإيحاء للأمريكيين في السنة الانتخابية الراهنة بأن مشكلات العراق وأفغانستان وفلسطين، ليست سوى خدوش على سطح مشروع أمريكي أكثر طموحا لنشر الحرية والديمقراطية والقيم الأمريكية السامية في منطقة يعتبرها الناخبون مهمة في تشّكل هويتهم المسيحية.
شكوك الأوروبيين
باتت الولايات المتحدة بكل أطيافها السياسية، منذ 11 سبتمبر 2000، جادة ومصممة على إحداث تغييرات في الشرق الاوسط، وهذا ما أكدته الحملات الانتخابية الأمريكية الأخيرة، حيث بدا واضحا أن المرشحين الديمقراطيين للرئاسة ينتقدون سوء أداء إدارة بوش في العراق وأفغانستان وباقي دول الشرق الاوسط، لكنهم لم يعلنوا معارضتهم لبرامج وخطط بوش لتغيير الأمر الوضع الحالي في المنطقة، وتدور الشكوك حول الأهداف الحقيقية للتغيير الذي تريده الإدارة لا حول التغيير نفسه، وهي شكوك تتضخّم كثيرا في أوروبا. لماذا ؟ هذا التساؤل يقود إلى السؤال الأول حول فرص تحّول المبادرة الأمريكية إلى مبادرة دولية أو أوروبية أمريكية.
لقد أعلن المسؤولون الأمريكيون أنهم ينوون طرح هذه المبادرة على ثلاث قمم ستُعقد في صيف هذا العام: قمة الثماني الكبار في ولاية جورجيا الأمريكية، وقمة حلف الأطلسي في اسطنبول، وقمة الاتحاد الأوروبي. لكن هل أوروبا حقا في وارد الانضمام الى أمريكا في مشروعها الطموح هذا؟
لا أحد، لا في الغرب الأوروبي القديم، ولا في الغرب الأمريكي الجديد يشك بأن لأوروبا مصلحة استراتيجية عُليا في نجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير. فهذه المنطقة في نهاية المطاف هي الحديقة الخلفية للامبراطورية الأوروبية الناشئة، وهي بهذه الصفة قادرة على أن تكون، إما جنة غناّء لأوروبا، أو جهنم حمراء.
سيساعد الشرق الأوسط الديمقراطي المستقر والمزدهر والآمن على تحّول أوروبا إلى دولة عظمى مكتملة النمو، خاصة إذا ما تم دمج هذه المنطقة الحيوية بالعولمة الرأسمالية عبر البوابة الأوروبية، بينما الشرق الأوسط الديكتاتوري والفقير والمتفّجر، سيجعل المصير الأوروبي نفسه يتأرجح على كف عفريت، ليس فقط بسبب الخطر الإرهابي وأسلحة الدمار الشامل والصواريخ العابرة للقارات، بل أيضا بسبب الزحف الديمغرافي العربي والإسلامي الذي يُمكن أن يغيّر كل التركيبة السكانية الأوروبية، هذه هي رؤيتهم التي تتملك قناعاتهم.
إنهاء الاحتلال أولاً
ولكن الأوروبيين يشكّون في أن الولايات المتحدة ليست جادة في مشروعها الديمقراطي، ولو أنها كانت كذلك، لسارعت قبل أي شيء آخر إلى إغلاق ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي من دونه لا استقرار ولا أمن في المنطقة. ويشكّون في أن هدف واشنطن الحقيقي هو احتلال الشرق الأوسط الكبير لا تحريره. والهدف النهائي هو السيطرة المطلقة على نفطه.
والأهم، أن الأوروبيين تساورهم الشكوك في أن مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي، هو في حقيقته مخطط كبير لتحويل الحديقة الجغرافية الخلفية لأوروبا إلى حديقة عسكرية سياسية أمريكية متقدمة تُحيط بها من كل جانب وتحاصرها من كل ناحية. وهذا بالطبع في إطار (لعبة الشطرنج الكبرى) التي تحدث عنها مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبيغنيو بريجينسكي والتي تهدف إحكام القبضة على قارة أورآسيا برمتها عبر السيطرة على الشرق الأوسط.
توجس عربي
وإذا كان الأمر على هذا النحو بالنسبة لحلفاء أمريكا الأوروبيين، فكيف سيكون بالنسبة للحكومات والشعوب العربية؟
على المستوى الحكومي، تبدو الأمور متفاوتة فرئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري أعلن صراحة رفضه للمبادرة، وأعرب عن مخاوفه من تطبيقها. وهذا كان موقفا مهما لأنه جاء بعد لقائه الرئيس المصري حسني مبارك، مما أوحى بأن هذا الأخير يتّخذ موقفا مماثلا لكن، في الوقت نفسه، كان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يؤكّد أن عصر الديمقراطية قد بدأ، وانتهى عصر الديكتاتوريات، ويدعو إلى قبول الإصلاحات الأمريكية قائلا: (فلنحلق رؤوسنا قبل أن يحلقوا لنا).
بيد أن التحدي الحقيقي للمبادرة الأمريكية يكمُن في شك، إن لم يكن رفض ، الشعوب العربية لها، وهو رفض لا ينبع من إدارة الظهر للديمقراطية والحريات، بقدر ما هو إدانة للسياسات الأمريكية في المنطقة، خاصة إزاء الصراع العربي الإسرائيلي. لقد أوضح استطلاع للرأي، أجرته مؤخرا مؤسسة أمريكية أن 94% من المصريين لا يثقون بالولايات المتحدة.
ردود الفعل
وقد رفضت المملكة ومصر ضمنا المشروع الأمريكي، وأعلنتا في بيان مشترك صدر مساء 2422004 في أعقاب زيارة الرئيس المصري حسني مبارك للرياض، أنهما ترفضان المشاريع المفروضة من الخارج على البلدان العربية والاسلامية. وجاء في البيان (إن الدول العربية تمضي على طريق التنمية والتحديث والاصلاح بما يتفق مع مصالح شعوبها وقيمها وتلبية لاحتياجاتها وخصوصياتها وهويتها العربية وعدم قبولها فرض نمط اصلاحي بعينه على الدول العربية والاسلامية من الخارج).
واتفق الجانبان على (موقف مشترك بالنسبة لاصلاح الوضع العربي لطرحه في الاجتماع المقبل لوزراء خارجية جامعة الدول العربية بالقاهرة)، وشدد ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس مبارك في بيانهما على انهما يريدان التوصل الى استقرار الشرق الأوسط، وأن ذلك يستلزم (ايجاد حلول عادلة ومنصفة لقضايا الامة العربية والاسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وقضية العراق).
واتفق الجانبان على أهمية احياء مبادرة السلام السعودية التي تبنتها القمة العربية في بيروت قبل عامين كمبادرة عربية تدعو لسلام كامل مع اسرائيل مقابل انسحابها الى حدود ماقبل حرب 1967.
وانضمت سوريا الي المملكة ومصر في رفض المشروع الأمريكي حيث أكد وزير الاعلام أحمد الحسن، في تصريحات له رفض بلاده المطلق (اجراء أي اصلاحات بإملاءات أو ضغوط خارجية)، موضحا ان القيادة السورية راغبة في (اجراء اصلاحات بشكل متوازن ودقيق وعقلاني بعيدا عن الانفعال وعن الضغوط الخارجية، مشيرا الى ان أي نظام لا يقبل اجراء اصلاحات تحت ضغوط خارجية أو املاءات من الخارج.
ورفضت البحرين المشروع الأمريكي على لسان رئيس وزرائها الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الذي قال في حوار له يوم 2722004 مع اذاعة مونت كارلو:(ان فرض أية وجهة نظر خارجية بشكل منفرد ليس في صالح دول المنطقة).
كما أعرب وزير الخارجية السوداني مصطفى اسماعيل عثمان، لدى وصوله للقاهرة لحضور اجتماع لجامعة الدول العربية، عن رفض بلاده للمبادرة الأمريكية. وقال اسماعيل: إن كل الدول العربية مع الاصلاح حيث بدأنا في اصلاح الجامعة العربية وفي اصلاح داخلي في دولنا... لكن العرب يرفضون الاصلاح الذي يفرض من الخارج.
ومن جانبها رفضت ايران المشروع الأمريكي حيث قال وزير دفاعها علي شمخاني: (ان هذه الديمقراطية رأيناها في الأنظمة الدكتاتورية المدعومة أمريكيا).
وسبق ان انتقد وزير الخارجية اللبناني جان عبيد المبادرة الأمريكية عقب لقائه في القاهرة الشهر الماضي بالرئيس المصري حسني مبارك حيث قال:إن خطوات الاصلاح لا يمكن ان تكون مرهونة برضا أو غضب هذه الدولة أو تلك، وناشد الدول العربية التوصل الى تفاهم مشترك من خلال الحوار في مواجهة المبادرة الأمريكية.
وأضاف:(ما يجري في هذا الشأن يعد تجاوزا لكيانات قائمة، ولايمكن تصدير أنظمة ديمقراطية جاهزة الى دول المنطقة)، موضحا ان الديمقراطية هي تراكم وممارسات نابعة من تراث الشعوب، وإلا فإنها لاتكون ديمقراطية سليمة. وأشار عبيد الى ان كل ما طرح بشأن مشروع الشرق الأوسط الكبير لايمكنه اسقاط (الجدار العنصري) الذي تشيده اسرائيل في الضفة الغربية، أو حمل اسرائيل على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. واعتبر خلو هذا المشروع من الحل الشامل والعادل للصراع العربي الاسرائيلي أمرا صارخا لأنه لايمكن قبول مشروع أحادي متفرد حسب قوله.
مبادرة ناقصة
ومن جهته، هاجم أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى ما وصفه (بالمبادرات الناقصة غير المتوازنة والمثيرة للشكوك لتغيير خريطة الشرق الأوسط)، وانتقد عدم تطرق هذه الخطط والمبادرات الى القضية الفلسطينية.
وقال موسى في تصريحات صحفية: ان المبادرة الأمريكية سطحية وغير كاملة ولاتتعامل مع الحقائق، وأوضح انه ليس هناك أي سبب لرفضها كونها تدعو الى الديمقراطية، وأضاف: أن هناك عدة مبادرات أمريكية لم تبحث مع العرب ولم تجر استشارتهم بشأنها لكي يحددوا موقفهم منها.
وفي حقيقة الأمر، فإنه لايوجد فرق بين مشروع جورج بوش (الشرق الأوسط الكبير) وبين مشروع شيمعون بيريز (الشرق الأوسط الجديد) لأن أهداف المشروعين واحدة : فرض الهيمنة الأمريكية الاسرائيلية على المنطقة وتطويع العالمين العربي والاسلامي لخدمة المصالح الأمريكية الاسرائيلية.
إن المشروع الأمريكي هو نسخة منقحة من المشروع الاسرائيلي الذي طرحه شيمعون بيريز ودونه في كتابه الذي ذكرناه في البداية:(الشرق الأوسط الجديد)، حيث ان كلا المشروعين يحاولان القفز على المشكلات الاساسية التي تعانيها المنطقة ويكتفيان بوصف الشعارات الجاهزة التي لاتساعد على مواجهة التحديات القاسية التي تحاصر الشعوب العربية والاسلامية، تلك التحديات التي تشكل المصدر الأساسي لانتشار تيارات التطرف واندلاع موجات العنف وتأخر تنفيذ خطط التنمية.
فقد خيل لبيريز ان اسرائيل قادرة على تحقيق الهيمنة على مقدرات المنطقة عبر البوابات الاقتصادية بعد ان فشلت في ذلك عن طريق الحروب العدوانية والاطماع التوسعية، دون الأخذ في الاعتبار ان السلام العادل والشامل والاعتراف الاسرائيلي بحقوق الشعوب العربية هو الجسر الأول والأخير لأي تعايش حقيقي بين دولة الاحتلال الصهيونية وبين الدول العربية والاسلامية، وان نجاح تجربة العيش بعيدا عن العدوان والحروب يفتح أبواب التعاون الاقتصادي بين اسرائيل والدول العربية والاسلامية، ويؤدي الى قيام شرق أوسط جديد ينعم بالأمن والسلام والاستقرار.
ولكن أحلام بيريز بشرق أوسط جديد تبددت بانهيار اتفاقات أوسلو، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية المباركة، بسبب رفض اسرائيل تسديد استحقاقات السلام وتصعيدها للقمع والارهاب ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. ولا نخال مشروع بوش حول الشرق الأوسط الكبير سيكون أوفر حظا من مشروع بيريز.
الثقة المفقودة
ورغم شعارات الديمقراطية والاصلاح البراقة التي تحاول اخفاء اهداف الهيمنة والتطويع التي ينطوي عليها المشروع الأمريكي الجديد، الا أن مشاعر الكراهية والعداء ضد السياسات الامريكية من قبل العرب والمسلمين وفقدان الثقة بالادارة الامريكية الحالية تبقى في مقدمة العقبات التي ستؤدي الى اجهاض المشروع الأمريكي الجديد قبل ان يبصر النور.
كيف يصدق العرب والمسلمون ان المشروع الأمريكي المطروح يهدف الى خدمة مجتمعاتهم وتطويرها وتحسين أدائها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في حين ان السياسة الأمريكية على أرض الواقع تهدم كل مقومات النهوض والتطور والتقدم في تلك المجتمعات، وتساعد على انتشار بؤر التطرف وتناميها بعد ان أسهمت السياسات الأمريكية في زرع بذور العنف والتطرف في الأوساط العربية والاسلامية لحضهم على محاربة السوفيات الشيوعيين الكفرة في أفغانستان، تم تأسيس تنظيم (القاعدة) وبروز (الأفغان العرب)، برعاية ودعم مباشر من الاجهزة الأمريكية، التي تعمل حاليا على محاربة الارهاب وتعقب جماعات القاعدة في كل أنحاء المعمورة. كيف يمكن الوثوق في المشروع الأمريكي الجديد وما يحمله من شعارات العدالة والتحديث والتطوير والاستقرار الاجتماعي وكل الدلائل تدين هذا الانحياز الأمريكي الأعمى الى جانب دولة الاحتلال الصهيوني، التي تسبب وجودها وسلوكها في عرقلة مسيرة التطوير والاستقرار في المنطقة العربية والاسلامية.
كيف يمكن لأي مواطن عربي ومسلم ان يسلم بما ورد في المشروع الأمريكي من كلمات معسولة عن الحرية والديمقراطية وهو يشاهد يوميا كيف تذبح الحرية والديمقراطية في فلسطين بالسلاح الأمريكي.
المطلوب سياسة أمريكية رشيدة
إن طي صفحة العداء والكراهية بين أمريكا والعرب والمسلمين لا تحققه محطة تلفزيونية ممولة من الحكومة الامريكية، وان معالجة ازمة الثقة والمصداقية بين أمريكا والعرب لا يتم عبر إطلاق خطط الهيمنة والتطويع والتدخل المباشر.
المطلوب ان تعود واشنطن الى سياسة العقل والرشد والحكمة بعيدا عن غطرسة القوة والعظمة والتفرد، وترجع الى القيم الأمريكية الحقيقية في تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لجميع الشعوب، بما فيها الشعب الفلسطيني الذي يدفع غاليا ثمن التغطية الأمريكية على جرائم شارون، الذي وصفه بوش برجل السلام!، والشعب العراقي الذي يخسر يوميا المئات من القتلى والجرحى، فضلا عن الخراب، بسبب الاحتلال الأمريكي.
إنهاء الاحتلال الأمريكي في العراق، والإسرائيلي في فلسطين ورفع تهمة الإرهاب عن المسلمين ووقف الحرب المبطنة ضد الاسلام ، والإقلاع عن سياسة ازدواجية المعايير، سواء في تطبيق قرارات الامم المتحدة أم في معالجة ملفات أسلحة الدمار الشامل، هي الخطوات الأساسية لقيام شرق أوسط جديد آمن ومستقر وديمقراطي ومزدهر.
وقد سبق لإسرائيل أن طرحت مثل هذه المشاريع للمنطقة، وكان آخرها، بل أخطرها، رؤية رئيس وزرائها الأسبق وزعيم حزب العمل الحالي شيمعون بيريز في أوائل التسعينيات ل(الشرق الأوسط الجديد) التي عنون بها كتابه الشهير (The New Middle East) الذي نُشر في عام 1993، والتي كانت تطمح في الظاهر إلى جمع دول الشرق الأوسط في سوق مشتركة، بعد تحقيق السلام المزعوم، بحيث يعزز قيام هذه السوق المصالح الحيوية ويصون السلام على المدى البعيد، ولكنها تخفي أجندة أخرى كانت تدور في مخيلة بيريز وهي دمج إسرائيل في المنطقة بعد إعادة صياغتها وتشكيلها لتصبح (الشرق الأوسط) وليست (العربية)، وتصبح إسرائيل هي الدولة المهيمنة والمسيطرة على مقدرات المنطقة كونها رأس الجسر للمشروع الغربي الاستعماري منذ إقامتها في عام 1948.
وقد كشف بيريز عن نياته وأهدافه الحقيقية في مقابلة صحفية نشرتها (فصلية الشرق الأوسط) في مارس 1995 حين رد على سؤال حول قول سابق له مفاده (أن هدف إسرائيل المقبل يجب أن يكون الانضمام الى جامعة الدول العربية)، قائلاً: (أعتقد أن جامعتهم (العربية) يجب أن تُسمى جامعة (الشرق المتوسط)، وعندئذ يمكن لإسرائيل أن تنضم إليها. نحن لن نصبح عرباً، ولكن الجامعة يجب أن تصبح شرق أوسطية... لقد أصبحت الجامعة العربية جزءاً من الماضي).
أول المعلنين
وكانت صحيفة الواشنطن بوست هي أول من أفصح عن هذه المبادرة الأمريكية الجديدة حين ذكرت في 922004: (أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تعمل على صياغة مبادرة طموحة لتعزيز ونشر الديمقراطية في (الشرق الأوسط الكبير) وذلك بإعادة تكييف وتعديل نموذج اُسْتُعْمِلَ من قبل في الضغط من أجل نشر الحريات في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية).
وقد بدأ بالفعل كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية محادثات مع حلفاء أوروبيين رئيسيين حول رسم مخطط شامل لعرضه على مؤتمرات القمة لكل من مجموعة الدول الثماني الكبرى، ومنظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين قولهم إنه بالدعم والمساندة الدولية تأمل الولايات المتحدة كسب التزامات فعلية من الأقطار الشرق أوسطية والشرق آسيوية لتطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة، ومساءلتها عن سجلها في حقوق الإنسان.
وأضافت الصحيفة أنه لإعطاء هذه الدول حافزا على التعاون، ستعرض الدول الغربية زيادة توسيع نطاق تعاملها السياسي وزيادة المساعدات وتسهيل عضوية منظمة التجارة العالمية وتعزيز ترتيبات الأمن. وأوضحت أن المبادرة اتخذت نموذجا لها معاهدة هلسنكي لعام 1975، التي وقعتها 35 دولة، من ضمنها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، بالاضافة الى معظم دول أوروبا.
بوش يؤكد المبادرة
وقد جدد الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال اجتماعه مع المستشار الالماني جيرهارد شرودر في البيت الابيض في 2822004 دعوته لدول الشرق الأوسط لإجراء إصلاحات سياسية. واعتبر بوش أن فترة ما بعد إسقاط طالبان في أفغانستان نموذجاً للتغيير السياسي، وأعرب عن اعتقاده بإمكانية تكرار التجربة في دول أخرى بإقامة مؤسسات ديمقراطية.
وقال بوش إن هذه التجربة تشكل ميراثا يجب العمل من خلالها لتغيير ما سماه عادات العنف والخوف والإحباط التي غرست بذور الإرهاب وأدت إلى نموه في الشرق الأوسط على حد زعمه.. وانه من الضروري إقامة المؤسسات الديمقراطية التي تستجيب لتطلعات الشعوب.
وأصدر بوش وشرودر بياناً مشتركاً أكدا فيه تنسيق التعاون مع أصدقاء وحلفاء البلدين في أوروبا وفي (الشرق الأوسط الكبير) للاستجابة للنداءات التي تطلق من اجل الإصلاحات في المنطقة وتطوير اقتراحات محددة. وأوضح البيان ان هذه المقترحات سترفع إلى قمة مجموعة الثماني والقمة الأمريكية الأوروبية وقمة حلف الأطلسي التي ستعقد في يونيو 2004.
وأضاف البيان انه يجب بناء (شراكة حقيقية تصل أوروبا وأمريكا بمنطقة الشرق الأوسط بالمعنى العريض، وتهدف إلى التعاون مع دول وشعوب هذه المنطقة من اجل تحقيق هذه الأهداف والعيش جنبا إلى جنب بسلام).
وأما نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني فقد تحدث أثناء حضوره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 2412004، قائلا: (ان استراتيجيتنا من أجل الحرية تلزمنا بدعم أولئك الذين يعملون ويضحون من أجل الاصلاح على امتداد الشرق الأوسط الكبير. ونحن نناشد أصدقاءنا وحلفاءنا الديمقراطيين في أي مكان وفي أوروبا بشكل خاص أن ينضموا الينا في جهدنا هذا. لقد شاهدنا الحركة نحو الاصلاح في الشرق الاوسط الكبير... في المغرب والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية).
ومن ناحيته، قال وزير الخارجية الامريكي كولن بول في 922004 ان هذا المشروع يهدف الى الجمع بين مختلف اشكال المساعدات أو التشجيع على تحقيق تقدم على طريق الاصلاحات الاجتماعية والسياسية والانفتاح على اقتصاد السوق. وأضاف ان الخطة تهدف الى الجمع بين ما يتم تحقيقه حاليا في هذا المجال وما يمكن ان يتم تحقيقه لنرى كيف يمكن اعطاء طابع مؤسساتي لكل ذلك.
وفي حديث له مع قناة (الحرة) الفضائية الأمريكية الناطقة بالعربية في 242 2004، حاول باول طمأنة الدول العربية والاسلامية حول المبادرة الجديدة، وادعى انها لن تفرض عليهم بالقوة وسيتم تطبيقها من خلال التنسيق والتعاون مع الأطراف المعنية لتحقيق مصلحة الجميع.
الخطوط العريضة للمشروع
يعتبر مشروع (الشرق الاوسط الكبير) أن المنطقة تقف على مفترق طرق، وأن المطلوب هو السير في طريق الإصلاح الذي (استجاب له عدد من الزعماء). وأن بلدان مجموعة الثمانية الصناعية أيدت هذا الخيار, منوهاً ب(الشراكة الاوروبية المتوسطية)، و(مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط)، وجهود اعادة الاعمار المتعددة الأطراف في أفغانستان والعراق.
وتسعى واشنطن للحصول على تأييد كامل من مجموعة الدول الثماني لمبادرتها هذه، وتعدّ لإطلاقها في قمة دول المجموعة في سي ايلاند في ولاية جورجيا الامريكية, في يونيو المقبل.
وتحدد ورقة العمل هدف المشروع ب (الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الامنية ومصالح حلفائها)، وتركز على الدفع باتجاه (إعادة تشكيل) منطقة الشرق الأوسط عبر الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وإذ تتحدث الورقة عن (تشجيع الديموقراطية والحكم الصالح) فإنها ترمي الى تغيير سياسي على المدى الطويل، مما يعني تغيير الأنظمة. هذا التغيير ينطلق من منظور امريكي ووفقاً لتقويم امريكي لمنطقة واسعة، تعتبرها واشنطن ذات نمط واحد ولا تمايز فيها ويرى فيه محللون سياسيون ايضاً مشروعاً قائماً على فرض نموذج وقيم أمريكية بشكل أبوي، ويحمل في طياته خطراً حقيقياً نظراً الى تعقيد الامور في دول المنطقة التي بدأت مساراً اصلاحياً في ظل وضع معقد وحساس. ولا تتضمن ورقة العمل اية اشارة الى موافقة المنطقة على المشروع الذي لا يمكن ان يكون أكثر فاعلية لو حظي بتشاور أوسع.
لذا يطرح المحللون تساؤلات عن سبل انجاح مثل هذه الشراكة دون حل للصراع العربي الاسرائيلي وفي غياب الاستقرار في العراق.
واذ توحي الخطوة الأمريكية بأن مجموعة الدول الثماني تحولت حلفا سياسيا للحفاظ على مصالح تعتبرها الادارة الأمريكية (مشتركة)، فإن الدول الصناعية نفسها لم تستشر مسبقاً. ويقول خبير أوروبي :إن ما حاولت أوروبا تجنبه من خلال رفضها الحرب على العراق قد تجد نفسها مضطرة اليه من خلال تورطها في هذه (الشراكة) المبهمة التي قد تحول مجموعة الثماني الى اداة لهيمنة الولايات المتحدة التامة على اوروبا التي تمثل احياناً للدول العربية بديلاً عن سياسة أمريكية غير مقبولة في الشرق الأوسط.
أسئلة حول المبادرة
وتثير المبادرة الأمريكية عدة أسئلة:
هل تضمنت شيئا جديدا لم تشر إليه سلسلة المبادرات الأمريكية العديدة السابقة؟ وهل لها فرصة للتحّول إلى خطة دولية، وبالتحديد إلى مشروع أوروبي أمريكي مشترك؟ وما موقف الحكومات والشعوب العربية والاسلامية منها؟
القراءة السريعة لنص المشروع لا توحي بأي جديد في الواقع، سوى محاولة إلباس سلسلة المبادرات الأمريكية السابقة رداء عمليا من خلال بعض الاقتراحات التنفيذية. فقد اعتمد المشروع بشكل كثيف على تقرير التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة الذي وضعه عدد من المثقفين والخبراء العرب كأساس لتحليل أوضاع الشرق الأوسط، وكمنطلق لتحديد المناهج والحلول. كما كرر بشكل حرفي بنود مبدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش حول (الاستراتيجية المتقدمة للديمقراطية في الشرق الأوسط)، ومبدأ وزير الخارجية كولن باول حول (الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية).
وهكذا، خرجت المبادرة بالأهداف الرئيسية المكررة الآتية:
1 تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح في المنطقة، 2 بناء مجتمع معرفي، 3 توسيع الفرص الاقتصادية.
هذه العناوين النظرية الرئيسة، تفرّعت إلى عناوين فرعية تنفيذية. ففي باب (تشجيع الديمقراطية)، دعت إلى دعم الانتخابات الحرة في الشرق الأوسط من خلال المساعدات التقنية والتدريب على الصعيد البرلماني (خاصة للنساء)، والمساعدة القانونية للناس العاديين، وتطوير وسائل الإعلام المستقلة، وتشجيع دول المنطقة على مكافحة الفساد، ودعم قيام المجتمع المدني.
وعلى صعيد بناء المجتمع المعرفي، وضعت سلسلة مبادرات لدعم التعليم الأساسي، ومحو الأمية، وسد النقص في الكتب التعليمية، وإصلاح برامج التعليم، ونشر الإنترنت.
أما بالنسبة للهدف الثالث، وهو توسيع الفرص الاقتصادية، فقد اقترحت إنشاء صناديق عدة لتمويل ما سمته (تجسير الهوة الاقتصادية للشرق الأوسط الكبير) تتضمن صندوقا لتمويل المشاريع الصغيرة، ومؤسسة المال للشرق الأوسط الكبير (لدعم الأعمال المتوسطة والكبيرة)، وبنك تنمية الشرق الأوسط الكبير (لمساعدة الدول الساعية للإصلاح على توفير احتياجات التنمية)، والشراكة من أجل نظام مالي أفضل، إضافة إلى تسهيل انضمام دول الشرق الأوسط إلى منظمة التجارة العالمية، وإنشاء مناطق التجارة الحرة لتشجيع التبادل الاقليمي والمشاريع الاقليمية المشتركة.
بطء التنفيذ
ويعلّق بيتر سينغر، مدير (مشروع السياسة الأمريكية نحو الشرق الاوسط) في مؤسسة بروكينغز، على هذا المشروع قائلا:(انه يأتي بعد سلسلة طويلة من الوعود الأمريكية غير المثمرة لتحقيق الإصلاحات في العالم الإسلامي، لقد مل الناس: خطاب مليء بالوعود يطبق على خناق خطاب، ولا شيء ينفذ).
ويقول الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط مارك وولترز: (من حيث الشكل، تبدو المبادرة إيجابية للغاية. لكن من الصعب أن نصدق إلى أن يتم توفير التمويل الذي يغطي كل هذه المشاريع).
ومعروف أن الادارة الأمريكية لا تُخصص سوى أموال قليلة لمشاريعها الديمقراطية في الشرق الأوسط، وعلى سبيل المثال لم تحصل مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية، والتي أطلقت عام 2002 برعاية إليزابيث تشيني، ابنة نائب الرئيس الأمريكي تشيني، في عامها الأول سوى على 29 مليون دولار، واضطرت إلى الانتظار سنة كاملة وسط احتجاجات صاخبة من جانب مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية قبل أن تحصل على 100 مليون دولار إضافية.
ومع ذلك، يؤكد مسؤول أمريكي أن كل هذه الأموال (لا تزال في المصارف)، وأن تنفيذ البرامج (بطيء للغاية إلى درجة أننا يجب أن ننتظر جيلا كاملا قبل أن نرى بدايات التغيير، ربما 50 عاما أخرى).
ويرى الكثير من المحللين أن هذه المبادرة لنشر الديمقراطية في كل أنحاء (الشرق الأوسط الكبير) تأتي لتغطية الفشل الأمريكي في تحقيقها في (الشرق الأوسط الصغير) المتمثل في أفغانستان والعراق، إضافة إلى تعثّر تطبيق خارطة طريق السلام الفلسطيني الاسرائيلي.
ويقول بعض هؤلاء إن إدارة بوش تريد عبر هجومها الديمقراطي الكبير، الإيحاء للأمريكيين في السنة الانتخابية الراهنة بأن مشكلات العراق وأفغانستان وفلسطين، ليست سوى خدوش على سطح مشروع أمريكي أكثر طموحا لنشر الحرية والديمقراطية والقيم الأمريكية السامية في منطقة يعتبرها الناخبون مهمة في تشّكل هويتهم المسيحية.
شكوك الأوروبيين
باتت الولايات المتحدة بكل أطيافها السياسية، منذ 11 سبتمبر 2000، جادة ومصممة على إحداث تغييرات في الشرق الاوسط، وهذا ما أكدته الحملات الانتخابية الأمريكية الأخيرة، حيث بدا واضحا أن المرشحين الديمقراطيين للرئاسة ينتقدون سوء أداء إدارة بوش في العراق وأفغانستان وباقي دول الشرق الاوسط، لكنهم لم يعلنوا معارضتهم لبرامج وخطط بوش لتغيير الأمر الوضع الحالي في المنطقة، وتدور الشكوك حول الأهداف الحقيقية للتغيير الذي تريده الإدارة لا حول التغيير نفسه، وهي شكوك تتضخّم كثيرا في أوروبا. لماذا ؟ هذا التساؤل يقود إلى السؤال الأول حول فرص تحّول المبادرة الأمريكية إلى مبادرة دولية أو أوروبية أمريكية.
لقد أعلن المسؤولون الأمريكيون أنهم ينوون طرح هذه المبادرة على ثلاث قمم ستُعقد في صيف هذا العام: قمة الثماني الكبار في ولاية جورجيا الأمريكية، وقمة حلف الأطلسي في اسطنبول، وقمة الاتحاد الأوروبي. لكن هل أوروبا حقا في وارد الانضمام الى أمريكا في مشروعها الطموح هذا؟
لا أحد، لا في الغرب الأوروبي القديم، ولا في الغرب الأمريكي الجديد يشك بأن لأوروبا مصلحة استراتيجية عُليا في نجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير. فهذه المنطقة في نهاية المطاف هي الحديقة الخلفية للامبراطورية الأوروبية الناشئة، وهي بهذه الصفة قادرة على أن تكون، إما جنة غناّء لأوروبا، أو جهنم حمراء.
سيساعد الشرق الأوسط الديمقراطي المستقر والمزدهر والآمن على تحّول أوروبا إلى دولة عظمى مكتملة النمو، خاصة إذا ما تم دمج هذه المنطقة الحيوية بالعولمة الرأسمالية عبر البوابة الأوروبية، بينما الشرق الأوسط الديكتاتوري والفقير والمتفّجر، سيجعل المصير الأوروبي نفسه يتأرجح على كف عفريت، ليس فقط بسبب الخطر الإرهابي وأسلحة الدمار الشامل والصواريخ العابرة للقارات، بل أيضا بسبب الزحف الديمغرافي العربي والإسلامي الذي يُمكن أن يغيّر كل التركيبة السكانية الأوروبية، هذه هي رؤيتهم التي تتملك قناعاتهم.
إنهاء الاحتلال أولاً
ولكن الأوروبيين يشكّون في أن الولايات المتحدة ليست جادة في مشروعها الديمقراطي، ولو أنها كانت كذلك، لسارعت قبل أي شيء آخر إلى إغلاق ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي من دونه لا استقرار ولا أمن في المنطقة. ويشكّون في أن هدف واشنطن الحقيقي هو احتلال الشرق الأوسط الكبير لا تحريره. والهدف النهائي هو السيطرة المطلقة على نفطه.
والأهم، أن الأوروبيين تساورهم الشكوك في أن مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي، هو في حقيقته مخطط كبير لتحويل الحديقة الجغرافية الخلفية لأوروبا إلى حديقة عسكرية سياسية أمريكية متقدمة تُحيط بها من كل جانب وتحاصرها من كل ناحية. وهذا بالطبع في إطار (لعبة الشطرنج الكبرى) التي تحدث عنها مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبيغنيو بريجينسكي والتي تهدف إحكام القبضة على قارة أورآسيا برمتها عبر السيطرة على الشرق الأوسط.
توجس عربي
وإذا كان الأمر على هذا النحو بالنسبة لحلفاء أمريكا الأوروبيين، فكيف سيكون بالنسبة للحكومات والشعوب العربية؟
على المستوى الحكومي، تبدو الأمور متفاوتة فرئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري أعلن صراحة رفضه للمبادرة، وأعرب عن مخاوفه من تطبيقها. وهذا كان موقفا مهما لأنه جاء بعد لقائه الرئيس المصري حسني مبارك، مما أوحى بأن هذا الأخير يتّخذ موقفا مماثلا لكن، في الوقت نفسه، كان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يؤكّد أن عصر الديمقراطية قد بدأ، وانتهى عصر الديكتاتوريات، ويدعو إلى قبول الإصلاحات الأمريكية قائلا: (فلنحلق رؤوسنا قبل أن يحلقوا لنا).
بيد أن التحدي الحقيقي للمبادرة الأمريكية يكمُن في شك، إن لم يكن رفض ، الشعوب العربية لها، وهو رفض لا ينبع من إدارة الظهر للديمقراطية والحريات، بقدر ما هو إدانة للسياسات الأمريكية في المنطقة، خاصة إزاء الصراع العربي الإسرائيلي. لقد أوضح استطلاع للرأي، أجرته مؤخرا مؤسسة أمريكية أن 94% من المصريين لا يثقون بالولايات المتحدة.
ردود الفعل
وقد رفضت المملكة ومصر ضمنا المشروع الأمريكي، وأعلنتا في بيان مشترك صدر مساء 2422004 في أعقاب زيارة الرئيس المصري حسني مبارك للرياض، أنهما ترفضان المشاريع المفروضة من الخارج على البلدان العربية والاسلامية. وجاء في البيان (إن الدول العربية تمضي على طريق التنمية والتحديث والاصلاح بما يتفق مع مصالح شعوبها وقيمها وتلبية لاحتياجاتها وخصوصياتها وهويتها العربية وعدم قبولها فرض نمط اصلاحي بعينه على الدول العربية والاسلامية من الخارج).
واتفق الجانبان على (موقف مشترك بالنسبة لاصلاح الوضع العربي لطرحه في الاجتماع المقبل لوزراء خارجية جامعة الدول العربية بالقاهرة)، وشدد ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس مبارك في بيانهما على انهما يريدان التوصل الى استقرار الشرق الأوسط، وأن ذلك يستلزم (ايجاد حلول عادلة ومنصفة لقضايا الامة العربية والاسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وقضية العراق).
واتفق الجانبان على أهمية احياء مبادرة السلام السعودية التي تبنتها القمة العربية في بيروت قبل عامين كمبادرة عربية تدعو لسلام كامل مع اسرائيل مقابل انسحابها الى حدود ماقبل حرب 1967.
وانضمت سوريا الي المملكة ومصر في رفض المشروع الأمريكي حيث أكد وزير الاعلام أحمد الحسن، في تصريحات له رفض بلاده المطلق (اجراء أي اصلاحات بإملاءات أو ضغوط خارجية)، موضحا ان القيادة السورية راغبة في (اجراء اصلاحات بشكل متوازن ودقيق وعقلاني بعيدا عن الانفعال وعن الضغوط الخارجية، مشيرا الى ان أي نظام لا يقبل اجراء اصلاحات تحت ضغوط خارجية أو املاءات من الخارج.
ورفضت البحرين المشروع الأمريكي على لسان رئيس وزرائها الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الذي قال في حوار له يوم 2722004 مع اذاعة مونت كارلو:(ان فرض أية وجهة نظر خارجية بشكل منفرد ليس في صالح دول المنطقة).
كما أعرب وزير الخارجية السوداني مصطفى اسماعيل عثمان، لدى وصوله للقاهرة لحضور اجتماع لجامعة الدول العربية، عن رفض بلاده للمبادرة الأمريكية. وقال اسماعيل: إن كل الدول العربية مع الاصلاح حيث بدأنا في اصلاح الجامعة العربية وفي اصلاح داخلي في دولنا... لكن العرب يرفضون الاصلاح الذي يفرض من الخارج.
ومن جانبها رفضت ايران المشروع الأمريكي حيث قال وزير دفاعها علي شمخاني: (ان هذه الديمقراطية رأيناها في الأنظمة الدكتاتورية المدعومة أمريكيا).
وسبق ان انتقد وزير الخارجية اللبناني جان عبيد المبادرة الأمريكية عقب لقائه في القاهرة الشهر الماضي بالرئيس المصري حسني مبارك حيث قال:إن خطوات الاصلاح لا يمكن ان تكون مرهونة برضا أو غضب هذه الدولة أو تلك، وناشد الدول العربية التوصل الى تفاهم مشترك من خلال الحوار في مواجهة المبادرة الأمريكية.
وأضاف:(ما يجري في هذا الشأن يعد تجاوزا لكيانات قائمة، ولايمكن تصدير أنظمة ديمقراطية جاهزة الى دول المنطقة)، موضحا ان الديمقراطية هي تراكم وممارسات نابعة من تراث الشعوب، وإلا فإنها لاتكون ديمقراطية سليمة. وأشار عبيد الى ان كل ما طرح بشأن مشروع الشرق الأوسط الكبير لايمكنه اسقاط (الجدار العنصري) الذي تشيده اسرائيل في الضفة الغربية، أو حمل اسرائيل على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. واعتبر خلو هذا المشروع من الحل الشامل والعادل للصراع العربي الاسرائيلي أمرا صارخا لأنه لايمكن قبول مشروع أحادي متفرد حسب قوله.
مبادرة ناقصة
ومن جهته، هاجم أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى ما وصفه (بالمبادرات الناقصة غير المتوازنة والمثيرة للشكوك لتغيير خريطة الشرق الأوسط)، وانتقد عدم تطرق هذه الخطط والمبادرات الى القضية الفلسطينية.
وقال موسى في تصريحات صحفية: ان المبادرة الأمريكية سطحية وغير كاملة ولاتتعامل مع الحقائق، وأوضح انه ليس هناك أي سبب لرفضها كونها تدعو الى الديمقراطية، وأضاف: أن هناك عدة مبادرات أمريكية لم تبحث مع العرب ولم تجر استشارتهم بشأنها لكي يحددوا موقفهم منها.
وفي حقيقة الأمر، فإنه لايوجد فرق بين مشروع جورج بوش (الشرق الأوسط الكبير) وبين مشروع شيمعون بيريز (الشرق الأوسط الجديد) لأن أهداف المشروعين واحدة : فرض الهيمنة الأمريكية الاسرائيلية على المنطقة وتطويع العالمين العربي والاسلامي لخدمة المصالح الأمريكية الاسرائيلية.
إن المشروع الأمريكي هو نسخة منقحة من المشروع الاسرائيلي الذي طرحه شيمعون بيريز ودونه في كتابه الذي ذكرناه في البداية:(الشرق الأوسط الجديد)، حيث ان كلا المشروعين يحاولان القفز على المشكلات الاساسية التي تعانيها المنطقة ويكتفيان بوصف الشعارات الجاهزة التي لاتساعد على مواجهة التحديات القاسية التي تحاصر الشعوب العربية والاسلامية، تلك التحديات التي تشكل المصدر الأساسي لانتشار تيارات التطرف واندلاع موجات العنف وتأخر تنفيذ خطط التنمية.
فقد خيل لبيريز ان اسرائيل قادرة على تحقيق الهيمنة على مقدرات المنطقة عبر البوابات الاقتصادية بعد ان فشلت في ذلك عن طريق الحروب العدوانية والاطماع التوسعية، دون الأخذ في الاعتبار ان السلام العادل والشامل والاعتراف الاسرائيلي بحقوق الشعوب العربية هو الجسر الأول والأخير لأي تعايش حقيقي بين دولة الاحتلال الصهيونية وبين الدول العربية والاسلامية، وان نجاح تجربة العيش بعيدا عن العدوان والحروب يفتح أبواب التعاون الاقتصادي بين اسرائيل والدول العربية والاسلامية، ويؤدي الى قيام شرق أوسط جديد ينعم بالأمن والسلام والاستقرار.
ولكن أحلام بيريز بشرق أوسط جديد تبددت بانهيار اتفاقات أوسلو، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية المباركة، بسبب رفض اسرائيل تسديد استحقاقات السلام وتصعيدها للقمع والارهاب ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. ولا نخال مشروع بوش حول الشرق الأوسط الكبير سيكون أوفر حظا من مشروع بيريز.
الثقة المفقودة
ورغم شعارات الديمقراطية والاصلاح البراقة التي تحاول اخفاء اهداف الهيمنة والتطويع التي ينطوي عليها المشروع الأمريكي الجديد، الا أن مشاعر الكراهية والعداء ضد السياسات الامريكية من قبل العرب والمسلمين وفقدان الثقة بالادارة الامريكية الحالية تبقى في مقدمة العقبات التي ستؤدي الى اجهاض المشروع الأمريكي الجديد قبل ان يبصر النور.
كيف يصدق العرب والمسلمون ان المشروع الأمريكي المطروح يهدف الى خدمة مجتمعاتهم وتطويرها وتحسين أدائها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في حين ان السياسة الأمريكية على أرض الواقع تهدم كل مقومات النهوض والتطور والتقدم في تلك المجتمعات، وتساعد على انتشار بؤر التطرف وتناميها بعد ان أسهمت السياسات الأمريكية في زرع بذور العنف والتطرف في الأوساط العربية والاسلامية لحضهم على محاربة السوفيات الشيوعيين الكفرة في أفغانستان، تم تأسيس تنظيم (القاعدة) وبروز (الأفغان العرب)، برعاية ودعم مباشر من الاجهزة الأمريكية، التي تعمل حاليا على محاربة الارهاب وتعقب جماعات القاعدة في كل أنحاء المعمورة. كيف يمكن الوثوق في المشروع الأمريكي الجديد وما يحمله من شعارات العدالة والتحديث والتطوير والاستقرار الاجتماعي وكل الدلائل تدين هذا الانحياز الأمريكي الأعمى الى جانب دولة الاحتلال الصهيوني، التي تسبب وجودها وسلوكها في عرقلة مسيرة التطوير والاستقرار في المنطقة العربية والاسلامية.
كيف يمكن لأي مواطن عربي ومسلم ان يسلم بما ورد في المشروع الأمريكي من كلمات معسولة عن الحرية والديمقراطية وهو يشاهد يوميا كيف تذبح الحرية والديمقراطية في فلسطين بالسلاح الأمريكي.
المطلوب سياسة أمريكية رشيدة
إن طي صفحة العداء والكراهية بين أمريكا والعرب والمسلمين لا تحققه محطة تلفزيونية ممولة من الحكومة الامريكية، وان معالجة ازمة الثقة والمصداقية بين أمريكا والعرب لا يتم عبر إطلاق خطط الهيمنة والتطويع والتدخل المباشر.
المطلوب ان تعود واشنطن الى سياسة العقل والرشد والحكمة بعيدا عن غطرسة القوة والعظمة والتفرد، وترجع الى القيم الأمريكية الحقيقية في تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لجميع الشعوب، بما فيها الشعب الفلسطيني الذي يدفع غاليا ثمن التغطية الأمريكية على جرائم شارون، الذي وصفه بوش برجل السلام!، والشعب العراقي الذي يخسر يوميا المئات من القتلى والجرحى، فضلا عن الخراب، بسبب الاحتلال الأمريكي.
إنهاء الاحتلال الأمريكي في العراق، والإسرائيلي في فلسطين ورفع تهمة الإرهاب عن المسلمين ووقف الحرب المبطنة ضد الاسلام ، والإقلاع عن سياسة ازدواجية المعايير، سواء في تطبيق قرارات الامم المتحدة أم في معالجة ملفات أسلحة الدمار الشامل، هي الخطوات الأساسية لقيام شرق أوسط جديد آمن ومستقر وديمقراطي ومزدهر.
(*) كاتب ومحلل سياسي
sayeddaur@hotmail. Com
***
المراجع والمصادر
باللغة العربية:
1نص مشروع (الشرق الأوسط الكبير)، دار الحياة، 1322004، http://www. daralhayat.com.
2 عبدالغني سلام، من شمعون بيريز الى جورج بوش: لماذا تفشل مشاريع (الشرق الأوسط)، مجلة اللواء، فبراير 2004http://www. aliwaa.com.
3 مصر والسعودية ترفضان مشاريع الإصلاح الأمريكية، الجزيرة نت، 2522004
http://www. aljazeera.net
4 (شرق أوسط كبير) أم (شكوك كبيرة)؟، 1922004، المنتدى السويسري للأنباء والإعلام swissinfo،http://www. swissinfo.org
باللغة الإنجليزية:
5 Shimon Peres, The New Middle East, NY Henry Holt and Company, 1st edn 1993.
6Yossef Bodansky, Peres and The New Middle East, The Maccabean Online, December 1995, http://www. freeman. org
7 Ranan R. Lurie, Shimon Peres: Unplugged, Middle East Quarterly, March 1995, http://www. meforum. org.
8 Robin Wright and Glenn Kessler, Bush Aims For 'Greater Mideast' Plan, Washington Post, 922004, p A01, http://www. washingtonpost. com
9 US Vice President Dick Cheney, The Greater Middle East The Bush Administration's Perspective, the Globalist, 622004, http://www. the globalist. com
10US Secretary of State Colin Powell, Interview on Al Hurra With Dalia Ahmed, 2422004, http://www. state. gov
6Yossef Bodansky, Peres and The New Middle East, The Maccabean Online, December 1995, http://www. freeman. org
7 Ranan R. Lurie, Shimon Peres: Unplugged, Middle East Quarterly, March 1995, http://www. meforum. org.
8 Robin Wright and Glenn Kessler, Bush Aims For 'Greater Mideast' Plan, Washington Post, 922004, p A01, http://www. washingtonpost. com
9 US Vice President Dick Cheney, The Greater Middle East The Bush Administration's Perspective, the Globalist, 622004, http://www. the globalist. com
10US Secretary of State Colin Powell, Interview on Al Hurra With Dalia Ahmed, 2422004, http://www. state. gov
هناك تعليق واحد:
جزيل الشكر الى استاذنا الفاضل مصطفى كامل على أعادة نشر هذه المقالة الهامة جداً للكاتب الدكتور سيد محمد الداعور حيث تستعرض لنا و باسلوب علمي منهجي أكاديمي جذور خطط و توجهات الولايات المتحدة الامريكية تجاه منطقتنا و اقترانها بمشاريع صهيونية فيما يبقى الدور الاوربي الغربي و الروسي و الصيني باهتاً و سلبياً بل و تابعاً في بعض الاحيان رغم أن خطورة تلك الخطط و التوجهات يشعر بها حتى ابسط طالب علم في السياسة. ان اعادة نشر هذه المقالة في هذه المرحلة يكتسب أهمية كبيرة و يلقي مزيد من الضوء على نوايا القوى الدولية و خلفيات تحركاتها و محاولات تدخلاتها في مجرى أحداث المنطقة الحالية. لقد كان التصور السائد و خلاصة ما استنتجه الكاتب أن الولايات المتحدة مهما جهدت في تنفيذ مشروعها للشرط الاوسط الكبير فانها لن تنجح و ان علاقتها بشعوب المنطقة ستبقى سلبية و عدائية و أن الشعوب لن ترحب مطلقاً بهكذا مشاريع مادامت مواقف الولايات المتحدة الامريكية سلبية من القضية الفلسطينية ، و يبدو الان أن هذه التصورات القديمة و الاستنتاجات الاولية للكاتب في دراسته تلك لم تبقى على حالها مع تطور استراتيجيات و تكتيكات السياسة الامريكية لتطبيق خططها و الوصول الى أهدافها. من وجهة نظري المتواضعة فان الولايات المتحدة نجحت في تقديم القرابين من اصدقائها حكام المنطقة على مذبح انجاح خطتها و التقرب من شعوب المنطقة عبر اختيار قوى جماهيرية معينة (هم الاخوان المسلمون) لعقد صفقات معينة معهم في سبيل السير بمشاريعها المعطلة خطوات نحو الامام. اليوم صارت شعوب المنطقة تفكر أكثر بموضوع السلطة السياسية و المشاكل الداخلية و لاترى ضيراً من قبول المساعدات الخارجية بعد أن كان الموضوع الداخلي مؤجلاً لصالح حل مشاكل الصراع مع الخارج و كانت المساعدات الخارجية و التدخلات الخارجية في موضوع حل مشكلة السلطة و سائر المشاكل الداخلية من الخطوط الحمراء التي قلما يفكر احد بتخطيها. اليوم انخرطت جميع القوى الاسلامية بما فيها القاعدة و السلفية الجهادية و الاصوليون و المتشددون و من كل المذاهب و الطوائف انخرطوا جميعاً في المشروع أضف الى ذلك الليبراليون و قسم كبير من اليساريين بل و حتى قوى محسوبة على التيار القومي و لم يبقى الا قلة قليلة تبذل جهداً مضاعفاً لتعليق الجرس و اطلاق رناته التحذيرية
إرسال تعليق