موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الجمعة، 8 نوفمبر 2013

ذكرى معركة الفلوجة الثانية وأمنية شرق أوسط خالي من أسلحة الدمار الشامل

وجهات نظر
محمد الدراجي
تمر علينا هذه الايام ذكرى معركة الفلوجة الثانية 7-30 نوفمبر 2004 التي صادف وقوعها اثناء شهر رمضان الكريم. هذه المعركة التي أعتبرت كبرى معارك المدن للقوات الامريكية في العصر الحديث منذ معركة مدينة هيو الفيتنامية مع القوات الامريكية عام 1968، والتي لم يكشف من تفاصيلها الا القليل. رغم استمرار جراح تلك المعركة سواء من شدة الارواح التي أزهقت او غيبت الكثير منهم لحد الان.

لكن الجريمة الاكبر والمستمرة حتى هذا اليوم وتهدد الاجيال القادمة، الا وهي التلوث البيئي والصحي للمدينة بعد اعتراف القوات الامريكية باستخدام الاسلحة الكيميائية المسماة (MK-77) والتي هي قنابل محورة من قنابل النابالم بالاضافة لادلة استخدامها سابقاً في المعركة الاولى للمدينة، ومع أدلة بحوث دولية أثبتت أستخدام أسلحة تحوي نظائر اليورانيوم المشع والمنضب على حداً سواء. ناهيك عن الخطر التراكمي للاسلحة التي قذفت، وتصل اعدادها فقط خلال المعركة الثانية بحسب مصادر عسكرية أمريكية الى 14000 من قذائف الهاون والمدفعية، بينما أطلقت الدبابات 2500 قنبلة و218000 رطل من الذخيرة مع اشتراك 20 نوعاً من الطائرات الحربية، وكل هذا ضمن مدينة تبلغ مساحتها بحدود 30 كم2.

ومع هذا قامت القوات الامريكية فقط بإزالة الطبقة السطحية من تربة بعض المناطق الملوثة بالاسلحة المختلفة ورميها في نهر الفرات والطمر في مناطق ضمن جانب المدينة الجنوبي لتلويث المدينة. مما ساعد بدخول العوامل المسرطنة والملوثة ضمن الدورة البايلوجية للحياة هناك، وكان هذا سبب الظهور السريع للاعداد الكبيرة من التشوهات الجنينية الحديثة الولادة مع تزايد اعداد المصابين بالامراض السرطانية او المزدوجة الاعراض.
بداية معرفة المجتمع الدولي بكارثة التلوث بدأت مع حدثين لا يمكن نسيانهما، الاول بعد أكثر من 4 أشهر من انتهاء المعركة، عندما دعينا لاجتماع مع مديرة مكتب العراق لمنظمة الصحة العالمية د. نعيمة الجاسر، من البحرين، بالاضافة الى كلاً من ممثل الامين العام للامم المتحدة اشرف القاضي ومستشاره الاعلامي أيمن الصفدي مع كبير موظفي مكتب حقوق الانسان التابع للامم المتحدة أليو طمبوري. حيث عرضنا شرحاً للادلة التي جمعناها من شهود وضحايا اضافة الى عرض الفلم الوثائقي الذي أنتجته القناة الرابعة البريطانية عبر صحفييها الذين دخلوا المدينة بعد شهرين من انتهاء المعركة ليفضح حجم الدمار الشامل للمدينة وهول تلك المعركة، ناهيك عن هول الجرائم التي بقيت أثارها شاخصة في تلك الفترة. وفي ذلك الاجتماع كان السيد أشرف قاضي يصرخ بصوت مسموع (كيف هذا؟ الامريكان أخبروني انه لم يحدث!!).


ومع هذه المعلومات الموثقة عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان بالاضافة الى عرض عن خطورة الوضع الصحي والبيئي في المدينة من قبل ممثل منظمة الصحة في بغداد، فقد أمر اشرف القاضي بإرسال فريقي تقصي للحقائق الى داخل المدينة أحدهما من منظمة الصحة الدولية، والاخر من مكتب حقوق الانسان في البعثة الاممية للعراق. لكن القوات الامريكية رفضت السماح لهم بحجة خطورة الوضع الصحي. وبقيت الفلوجة سجينة تحت هذا العذر مع كامل ساكنيها وهم اكثر من 250 الف نسمة ليعيشوا داخل سجن كبير لا يسمح لمواطنيها بالخروج منها او الدخول اليها الا ببطاقة خاصة أصدرتها قوات المارينز بالرغم من التلوث الخطير والمتفاقم. وتحت ظل خرق صارخ لأبسط حقوق الانسان أستمرت وكالات الامم المتحدة بعدم الاكتراث بسبب الضغط السياسي في تجاهل ما يحصل في المدينة.
ورغم ان قوات الاحتلال حاولت التستر على جريمتها عبر تقديم منحة مالية كبيرة من اجل انشاء مستشفى الفلوجة الجديد، الا أن الزيادات الخطيرة في نسب الولادات المشوهة والامراض السرطانية قد دفعت أطباء مستشفى الفلوجة الى عمل احصاء لعام 2006 ومنتصف 2007 والذي نشرناه ضمن أول تقرير احصائي عن الوضع الصحي في المدينة ووزع داخل اجتماع مجلس حقوق الانسان للامم المتحدة في جنيف. كما ارسلنا نسخة منه الى بعض أعضاء الكونغرس الامريكي عبر ناشطين أمريكيين، فتفاجأنا بقدوم وفدً من اثنين من اعضاء الكونغرس الى المدينة ومستشفاها بصحبة قائد المارينز لغرب العراق في شهر اب من عام 2008، من اجل التأكد من حقيقة الارقام في التقرير ومن هي الجهة المسربة للمعلومات وليس لإيجاد حل حقيقي لهذه الكارثة. وكانت صدمتهم من سرعة ظهور هذا الكم الهائل من التشوهات والامراض السرطانية بالعكس من الفترة الاطول قبل ظهورها في البصرة بعد معارك الكويت 1991 وكما جاء في رسالة احد المقربين من أحدهم!!.


ثم جاءت جهود باحثي مستشفى الفلوجة وبمساعدة باحثيين غربيين بإجراء دراسات دقيقة على عينات مواد أخذت من داخل المدينة، فكانت النتيجة تأكيد وجود نسب ارتفاع عالية جدا من التشوهات الجنينية وخصوصا ما أثبتته دراسات مؤسسة السرطان والتشوهات الخلقية في بريطانيا عن وجود نسب عالية لنظائر اليورانيوم المشع أيضا، مع إثبات دراسة مشتركة ايطالية فلسطينية لإمكانية احداث الاسلحة الكيمياوية (الفوسفور الابيض) كالذي استخدم ضد أهالي مدينة غزة على احداث تشوهات جنينية بأكثر من 28% من المعدل الطبيعي!!. ولتفادي هذه الفضائح خصوصا مع تصاعد الضغط الدولي للمنظمات والناشطين الدوليين، قامت منظمة الصحة الدولية بعقد اجتماع دولي طارئ حول موضوع التلوث البيئي في العراق، وباشتراك وفد من وزارة الصحة العراقية برئاسة وكيل الوزارة د.خميس السعد، وبعد تأخر اعلان التقرير عن الوقت المحدد لهذه الدراسة التي اقتصرت على مجرد توزيع استبيان على عينات عشوائية لبعض مناطق المدينة ومن دون الاستناد على سجل المستشفى او حتى تحليل عينات من المرضى او بيئة المدينة!! ورغم ان ان التقرير لم يعلن لحد الان برغم انه من المفترض ان يعلن في شهر شباط 2013، لكن ما صدرّ بعد هذا الموعد بأشهر هو مجرد خلاصة محرفة للحقائق وبتوقيع وزارة صحة المالكي ومن دون توقيع او تعليق يصدر من منظمة الصحة العالمية حول هذه الخلاصة.
وقد كتبت د.سعاد العزاوي ضمن تحليلها لهذه الخلاصة قائلة (رغم مرور 22 عاماً على جريمة التلوث باليورانيوم في العراق، وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية انتظرت 22 عاماً لإجراء دراسة غير اختصاصية أو حتى علمية لضمان اختفاء الأدلة على استخدام هذه الأسلحة، وسينتظرون 20 سنة أخرى للتأكد من اختفاء السكان الذين تعرضوا لجرعات إشعاعية وسمّية عالية، وهو على العكس مما عملته وكالات الامم المتحدة حول ما حدث في أوربا من مشاكل مشابهة بالتلوث باليورانيوم ليؤكد الازدواجية للمجتمع الدولي تجاه قضايا منطقتنا وشعوبنا من جهة، ومحاولة وزارة الصحة اعطاء صك الغفران لقوات الاحتلال). في حين أجري مسح ميداني مشترك لفرق من وزارات مختصة زارت المدينة ووجدت مواد مشعة بنظائر اليورانيوم من بقايا أسلحة الاحتلال، الا ان هذا التقرير لم يعلن عنه او ينشر لحد الان.
الفلوجة والبصرة الان هما من اعلى مدن العراق الملوثة بشهادة النسب المرعبة للولادات المشوهة والامراض السرطانية وبحسب الكثير من الدراسات الغربية، ناهيك أصلاً عن بقاء وجود الالاف الاطنان من مخلفات الاعتدة النووية على حدود العراق مع الكويت والسعودية وبعض مدن العراق التي شهدت معارك طاحنة خلال حربي 1991 و2003.
ويذكر أن الاتحاد الاوربي ارتكب خطأ كبيرا بتقديم منحة لحكومة المالكي من اجل أنشاء مكب نفايات نووية قيل انها لمخلفات البرنامج النووي العراقي السابق والاسلحة النووية التي استخدمت ضد العراق في مخالفة صريحة للاعراف الدولية التي تجبر مستخدمي هذه الاسلحة على إرجاع مخلفاتهم الى بلدانهم، كما حدث في الكويت.
مشكلة التلوث أصبحت تتعدى حدود العراق، فتأثير الاسلحة النووية سيستمر لبضع مئات من السنين وسينتقل تأثيره لدول الجوار. ناهيك عن ان منطقة الشرق الشرق الاوسط أصبحت ملوثة بعد استخدام العدو الصهيوني للاسلحة الكيماوية ضد قطاع غزة الفلسطيني وتلاها نظام بشار الذي استخدمها ايضاً ضد شعبه السوري،.
لهذا أصبح من الضروري أن تطالب الدول العربية بالذات في الشرق الاوسط بعقد مؤتمرات دولية ترصد التمويل الكافي والارادة السياسية لاجراء بحوث ودراسات لمعالجة تاثير هذه الاسلحة من جهة وتمهد لحزمة اجراءات دولية جديدة من اجل تعزيز الضغط الدولي نحو منطقة شرق أوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. خصوصا وان السباق لامتلاكها من قبل إيران سيدفع لسباق تسلح خطير يهدد أمن المنطقة بصورة أوسع، بينما نحن لا زلنا نعاني من جراح لم تشف بعد.
كما أن رفع التعتيم وكشف حقائق مخاطر التلوث التي حدثت سوف لن تساعد فقط الجهود الدولية لمنع سباق التسلح، بل الاهم انها ستساهم في حماية أجيالنا القادمة ونمو شعوبنا. ومهما كانت جهود بعض الجهات الدولية للتستر على هذه الكارثة سواء بسبب تورطها او رضوخها لضغوط قوى دولية، الا أن شمس الحقيقة تشرق كل يوم مع بزوغ الحالات الجديدة للتشوهات الجنينية. وان كان للباطل جولة فإن للحق جولات سيتصدرها الضحايا ضد من أجرم وتستر معاً.
وختاماً نذكر أولي الالباب، أن صرخة المظلوم ليس بينها وبين الله من حجاب وإصلاح الخطأ يجنب غضب الباري عزّ وجل. 


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..