وجهات نظر
العراق للإحصاء والمسح
بسبب الظروف السياسية المضطربة خلال السنوات الأخيرة يدعو البعض إلى تنفيذ فكرة الأقاليم داخل العراق، ويغطي هذه الدعوة بغلاف الاستقلال الإداري وحرية اتخاذ القرارات وبناء المشاريع والقضاء على البطالة وإلغاء الروتين وإنهاء الارتباط بعدد من القنوات بمركز الدولة التي تقرر حاليا مستقبل المحافظات وإداراتها وحياتها الاقتصادية.
إن من يدعو للإقليم يبرز إيجابيات براقة لهذه الفكرة سينطفىء بريقها في الشهر الأول من تنفيذها، وإن نتائج طرحها الكارثية لا يتحدث عنها الداعي إما لكونه جاهلا ومدفوعا سياسيا أو جاهلا اقتصاديا أو باحثا عن سلطة وقوة وفي جميع الحالات سينتحر مرغما لأنه سيطبق نظام الإنتحار الجماعي لسكان الإقليم، وهذا يعني الحكم بالقضاء الفوري على من يدعو للإقليم عندما ينتفض سكان الإقليم الجياع والعاطلين حين يكتشفون زيف الدعوة البراقة.
لو تم التدقيق في تكوين العراق ومحافظاته منذ تأسيس الدولة العراقية ثم في التقسيمات الإدارية والاجتماعية والزراعية وأخيرا بمواقع الثروات النفطية والمعدنية بعد اكتشافها لوجدنا ارتباطا عجيبا بين المحافظات لا يمكنها الانفصال عن بعضها تحت أي اسم كان لأسباب عديدة لا تحصى أهمها الارتباطات الدينية والعشائرية والاجتماعية وخاصه الاقتصادية، وكل محافظة تكمل حياة المحافظات الأخرى.
مضت سنوات حاول البعض في العمارة والبصرة وغيرها إقناع الآخرين بفوائد الإقليم ولكنهم فشلوا جميعا ولكن لازال البعض يتمسكون بهذه الدعوة خاصة في المحافظات الغربية.
إن الدارس لهذه الفكرة يجب أن يكون مطلعا أولا على كيفية تأسيس دولة ونظام وحكم ثم مطلعا على أسس إدارة الدولة وحياة سكانها الاقتصادية والمالية أولا قبل أن يتعلم الإدارة وضرورات الحياة لأهلها من عمل وغذاء ومعاشات وأعمال.
لتوضيح معنى الانتحار الجماعي للإقليم تم اتخاذ نموذج إقليم الأنبار لوجود بعض المتمسكين بهذا الشعار دون دراسة النتائج.
الداعي لهذا الإقليم يعتمد على المبادىء التالية:
أولا - النتائج الإيجابية (لإقليم) المحافظات الكردية السليمانية وأربيل ودهوك والمشاريع التي تم بنائها وحصولها على ١٧% من واردات النفط المصدر.
ثانيا - الثروات الغازية والنفطية والمعادن في الأنبار.
لبيان الأخطاء القاتلة لهذه المبادىء يمكن تفسيرها للداعي إلى الإقليم وليس هناك شك بقبول التفسير إن كانت نيته صادقة.
المبدأ الأول: تم بناؤه على قرار الحاكم (بريمر) ودستوره الذي منح حصة ١٧% من واردات النفط الحكومية إلى (طالباني وبرزاني) وبموافقة إجبارية من قبل المكونات السياسية القادمة من خارج العراق، وذلك مكافأة لدور العشائر الكردية التي ساهمت في احتلال العراق وبقائه، وكل ذلك تمهيدا لانفصال إقليم تحت اسم كردستان بعد أن اختار الأكراد طريق الحروب الدائمة مع عرب العراق والحكومة المركزية وفضلوا الانفصال وتدمير من يقف ضدهم وضد مخططاتهم واخترعوا قصة الأراضي المتنازع عليها ليبتلعوها ويهجروا أهلها.
بقيت هذه الحصة منذ سنوات ولا تلغى إلا بإلغاء (دستور بريمر) وقوانينه المتعلقة بفترة حكمه والمؤسسات التي ابتكرها. وفي نفس الوقت كانت هناك قوات (البيشمركة) التي كانت جاهزة لإدارة المحافظات الثلاث واستولت على الأسلحة والأعتدة للنظام السابق.
السؤال إذن كيف يتخيل الداعي للإقليم بأنه سيحصل على حصة مالية من واردات النفط لإقليم حارب الاحتلال سنوات، ويصرخ أهله منذ سنه مطالبين بعمل وعدل وكهرباء دون أن يستجيب المركز ولو بواحد بالمائة لأنه يعتبر الإقليم عدوا أزليا له، وإذا أصر الداعي لدعوته لأن الحكومة المركزية وعدته بشيء فذلك يعني خدعة واضحة لتدمير الدعاة لهذه الفكرة والتمهيد للإنتحار الذاتي دون أن يتحمل المركز أي مسؤولية.
إن الأكراد يدعون للإقليم والإنفصال لتكوين دولة قومية من أكراد تركيا وإيران وسوريا، وكل ذلك نتيجة لتوفر الأموال من الحكومة المركزية التي لا تستطيع إلغائها، إذن أساس بقاء)الإقليم الكردي( يبقى مرتبطا بإبتزازه لأموال نفط العراق ومحافظاته وقدرها حوالي ٢٥ مليار دولار إضافة إلى مدفوعات أخرى، ولن يستطيع قادة الأكراد بالتصريح لإقليم قومي دون سند مالي وقوة عسكرية ضد العرب، أما ما يهرب من نفط إلى تركيا أو يصدر من بعض الحقول فلن تكفي للصرف على المحافظات والإقليم ولا على حروب أكراد الدول الأخرى في الوقت نفسه يستفيد الأكراد من عوائد تهريب النفط ومنتجاته إلى تركيا مقابل واردات نقدية ومشاريع إنشائية تنفذها شركات تركية.
لذلك يبحث الأكراد عن موارد أخرى كتصدير النحاس وتجارة الترانزيت والسياحة والتهريب وإذلال العراقيين العرب وابتزازهم مقابل عبورهم للدول المجاورة.
أما إذا تحولنا إلى إمكانية الداعي للإقليم بتأسيس جيش يحميه فذلك يعني دخوله إلى مواجهة مباشرة مع جيش الحكومة المركزية لأنه لم يؤسس من قبل (دستور بريمر)، وكذلك لا يتمكن هذا الإقليم بتهريب النفط إلى تركيا وبناء مشاريع إنشائية بقيمتها.
المبدأ القاتل الثاني: هو التصور الحاصل لدى الداعي للإقليم بالاعتماد على الثروات والاستغناء عن مدفوعات الحكومة المركزية.
ربما هناك بعض الإيجابيات في هذا الجانب ولكن ذلك يحتاج إلى سنوات وربما عقود من الزمن ولن تغطي إطلاقا المبالغ التي يحتاجها الإقليم. ولتوضيح ذلك يمكن القول، إن أهم مركز صناعي هو “عكاشات” ويعتمد في إنتاجه على الكبريت من محافظة نينوى فلو توقف “المشراق” عن التزويد وفضل تصديره للخارج لتوقف إنتاج الأسمدة المركبة، وإذا اعتمد على (الفوسفات ومنتجاته) لما استطاع المنافسة والتصدير كما في السابق مع الدول الأخرى لأن المملكة العربية السعودية بدأت بمشروع الفوسفات ولديها ميناء ينبع للتصدير إضافة للطاقة الكهربائية الرخيصة للإنتاج الصناعي.
وقبل كل ذلك أين هي الطاقة الكهربائية التي تزود المصنع للعمل، ومن أين المنتجات النفطية لتشغيل المصنع، وهل يمكن الحصول عليها من بيجي أو من كركوك (إقليم التأميم)؟ إذن سيكون هذا المجمع الضخم الذي كلف مليار دولار سابقا جثة ميتة.
وإذا كان الحديث عن وجود الغاز في منطقة القائم فإن إنتاجه يحتاج إلى عدة سنوات بعد تجهيز المعدات والخزانات ومعامل التحويل وأنابيب التجميع والتصدير وهذا يكلف مليارات الدولارات، فمن أين تأتي هذه المبالغ التي لا يدفعها المركز ولا يدفعها المستثمرون الأجانب الباحثين عن مناطق إنتاج مستقرة سياسيا وأمنيا؟ ثم إن مشروع إنتاج الغاز كان مصمما للتصدير عبر سوريا واليوم لا وجود لهذه الدولة، وإذا توجهنا للاستهلاك المحلي، فإن المحافظات الأخرى لا حاجة لها لأنها ستعتمد على غاز البصرة في المستقبل القريب، إذن يجب إلغاء أي اعتماد مالي على الثروة الغازية للسنوات الخمس القادمة حتى لو توفر الاستقرار المحلي والإقليمي وهذا بعيد المنال.
أما الاعتماد على إنتاج مادة الإسمنت، فهذا وهم أيضا لأن أرباح هذا الإنتاج لا يتعدى ١٥ دولار للطن الواحد، وهناك عشرين مصنع للإنتاج في المحافظات كلها مستعدة للبيع والمنافسة، ولما كانت مصانع الأنبار بعيدة عن الموانىء إذن لا يمكن التفكير إطلاقا بالتصدير.
لم يبق إذن غير معمل الزجاج المعطل وغيره من المعامل الكسيحة التي تكلف مصاريفها أكثر من إيراداتها ومبيعاتها إضافة لعدم وجود الكهرباء لتشغيلها.
هنا يتم الرجوع إلى الداعي لتأسيس الإقليم، من أين لديك المخصصات المالية والواردات لتدفع للرواتب والموظفين والشرطة والدوائر الرسمية والخدمات والمتقاعدين والطوارىء والمصانع إن وجدت والمشاريع المستعجلة لتشغيل العاطلين والبنية التحتية وغيرها وغيرها ، للأشهر الثلاث الأولى من الإدارة؟
وفقا للجداول المعلنة من الحكومة المركزية نجد أن المخصصات لسنة 2012 للأنبار ونينوى وصلاح الدين هي ١،٢ مليار دولار أي مائة مليون دولار شهريا، عدا الرواتب المدفوعة لجهات رسمية وأمنية عديدة لإدارة المنطقة وهذه المبالغ لا يمكن توفرها حاليا لأي إدارة جديدة (لإقليم جديد) تطمح إلى الاستغناء عن مدفوعات المركز، ثم كل عاقل يستغرب لماذا يرفض أبناء (الإقليم) استلام جزء من واردات النفط في محافظة البصرة وهي ملك لكل العراقيين؟
كل ما ذكر أعلاه يؤكد أن من يدعو (لإقليم) يهدف إلى قتل أهله سواء يدري أو لا يدري! التفسير الآخر هو أنه يريد استثمر التظاهرات للعودة إلى الحكم بوجه جديد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق