موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

عين على واشنطن وعيون على طهران

وجهات نظر
نزار السامرائي
لم يكن قرار نوري المالكي قطع زيارته لواشنطن عن شوق جارف قاده للعودة للعراق قبل انتهاء زيارته الرسمية للولايات المتحدة، ولم يأته تقدير موقف مفاجئ من قيادة حزب الدعوة الحاكم بأن هناك اضطرابا داخليا لا يستطيع الحزب بكل قياداته الحالية القضاء عليه إلا بحضور القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع ووزير الداخلية، الذي كان قد ألح على الإدارة الأمريكية لقبول زيارته إليها بعد أن عجز عن اقناع أوباما بتوجيه دعوة رسمية له، ومع ذلك عاد المالكي إلى العراق خلسة على الرغم من أنه كان يرغب في استثمار كل دقيقة منها في تسويق نفسه لولاية ثالثة يعرف أنها لن تمر إلا عبر توافق أمريكي إيراني.

ولكن المالكي راهن على العامل الخارجي في محاولته تثبيت نفسه على كرسي رئاسة الحكومة وتجاهل العوامل الداخلية، متجاهلا حقيقة لا يجهلها حتى البسطاء من الناس وهي أن الدول الكبرى تبني استراتيجياتها على وفق ما تمليه مصالحها والتي لا ترتبط عادة بأشخاص مهما ظنوا أنهم كبار، فهم في واقع الأمر ليسوا أكثر من عتلات صغيرة في ماكنة هائلة من التقاطعات الدولية التي ترسمها تلك الدول لحدود مصالحها وما تضعه من خطوط حمر لمجالها الحيوي.
المالكي ذهب محملا بتلك الأفكار البالية وحذف من قاموسه السياسي إن كان له قاموس أصلا، ما للعوامل الداخلية من تأثيرات على القرار السياسي للمواطن، فالعوامل الداخلية هي العامل المركزي في أي شرعية شكلية أو حقيقية يريد أن يحصل عليها كل من يريد تثبيت أركان حكمه بصرف النظر عن الوعاء الذي خرجت منه، ولهذا أعطى المالكي للدورين الأمريكي والإيراني أكثر من 90 بالمئة من أوراق اللعبة السياسية الخطرة التي مارسها مع شركائه وخصومه على حد سواء، معتمدا على حصيلة ثماني سنوات من حكم خلع عن نفسه كل شرعية، واعتمد إلى جانب الدعمين الأمريكي والإيراني على تفرق الخصوم وعلى قوة المال السياسي ومصادرة سلطة القضاء والسطو على صلاحيات السلطة التشريعية المشكوك بشرعيتها هي الأخرى، فسجل في أقصر فترة لحاكم في العراق أعلى مستويات من القتل والتهجير وتعطيل القضاء وتنشيط عملية السطو على المال العام من قبل المقربين من حاشيته وحلفائه في عملية تخادم متبادل، أو في عملية استهداف مبيت من خلال تعتيق الملفات وطرحها عند الضرورة في معارك سياسية تخلو تماما من أي معيار أخلاقي.
إن إلحاح المالكي على زيارة رسمية للولايات المتحدة، ربما تؤكد أنه لا يحسن قراءة المشاعر فضلا عن أمية مركبة ومستحكمة في قراءة المشهد السياسي الإقليمي والاستراتيجية الدولية، إذ يبدو أن المالكي قد فاته القطار الصحيح وقد يضطر لأخذ قطار يحمله إلى الجهة المعاكسة، وهذا يطرح سؤالا محددا عن دور مستشاريه الذين لا يمتلك رئيس في العالم عددا مماثلا لما يتوفر في مكتب رئيس حكومة المنطقة الخضراء، ألم ينصحه واحد منهم بأن الوقت ليس مناسبا لزيارة لواشنطن التي اكتشفت في وقت متأخر وبعد فوات الأوان إلى أية كارثة سياسية وإنسانية واقتصادية وأمنية يقود المالكي العراق، لم تحلم بمثلها على الرغم من أنها ما جاءت إلا من أجل تدمير العراق.
بعد أن عرفنا غاطس الانتكاسة التي مرت فوق رأس المالكي في واشنطن من خلال من التقارير الصحفية والسياسية التي تسربت من الأوساط المقربة من مكتب المالكي أو من البيت الأبيض، ومما شاهدناه عن ازدراء الرئيس الأمريكي باراك أوباما لنوري المالكي أثناء استقباله في المكتب البيضاوي الذي تأجل أكثر من مرة، لا يسعنا إلا أن نسأل عن الخطة التالية لكل من واشنطن وبغداد.
بالنسبة لواشنطن ليست على عجلة من أمرها بشأن أي من الملفات المطرحة على موائد الحوار الثنائي أو المتعدد الأطراف وفي أية بقعة في العالم، طالما أن يدها في ماء معتدل الحرارة، على حين أن أيدي بقية الأطراف في مياه مختلفة الحرارة منها ما هو ساخن ومنها ما هو بدرجة الغليان، وربما بعضها في سائل يشبه الماء ولكنه من المياه الحارقة، ولهذا تأتي القرارات الأمريكية متأنية جدا وبطيئة إلى حدود بعيدة وخاصة بعد مرارة تجربة الاحتلال الأمريكي للعراق والتي نقول ومن دون أية مبالغة إنها أدبت اليانكي وجعلته يأخذ حجمه الحقيقي داخل أمريكا وخارجها، وهذا ما لمسناه من التذبذب والتردد الأمريكي المخزي اللذين رافقا الموقف الأمريكي من موضوع التدخل في سوريا.
أما الآخرون فأمرهم مختلف كثيرا، وربما يدفع رد الفعل الانعكاسي لدى المالكي جراء ما يستشعره من استخفاف به أو إهانة أو تجاهل له طيلة وجوده في الولايات المتحدة، إلى اتخاذ موقف منفعل وفي جو عصبي يظن أنه الرد المناسب على الولايات المتحدة وقد يذهب إلى اعتبار ما لحق به هو استهداف للعراق، وقد يتعكز في محاولته الرد على الموقف الأمريكي على العصا الإيرانية المكسورة، أو على العصا الروسية التي ما تزال في طور التكون والتي تحاول الانتقام من تجربة الاتحاد السوفيتي الأيديولوجية باعتماد شراهة المقامرين المفلسين الذين يسعون لتعويض خسارتهم بأية صورة، ويلوح المالكي بهما في وجه الولايات المتحدة من أنه سيجد أحضانا أكثر دفئا من الحضن الأمريكي.
فما هي فرصته في الحصول على البديل المناسب أو المتاح؟
بعد الصفقة الأمريكية الروسية الشاملة بشأن الملف السوري والتي ما يزال نطاقها الجيو- سياسي مجهولا لكثير من المراقبين، سيكون من الغباء المراهنة على أن موسكو تقبل بالتفريط باتفاقيتها الاستراتيجية مع واشنطن لمجرد ارضاء حالة انفعالية انتابت المالكي وهو الذي ذهب ليبحث عن السلاح الأمريكي بعد صفقة تسليح روسية رافقها فساد مالي كبير وكأنه يريد أن يقول بأن السلاح الأمريكي أكثر جدارة وتطورا من السلاح الروسي، لاسيما وأن تجربة موسكو مع المالكي نفسه في آخر زيارة رسمية لروسيا ورافقتها سلسلة من الفضائح التي أطاحت بعدد من كبار المسؤولين في شؤون الصناعات الحربية الروسية، وقد يصيب رذاذها المسؤولين السياسيين الكبار في إدارة الرئيس فلاديمير بوتين، وهو ما لا ترغب به موسكو التي تتطلع لسياسة التهدئة مع واشنطن لتعزيز مكاسبها الدولية واحتلال المكانة التي كان عليها الاتحاد السوفيتي، لأن فضح أي حالة من الفساد بمستوى ما حصل أثناء زيارة المالكي بشأن الرشى والعمولات المدفوعة في الاتجاهين، يضر ببوتين أكثر مما يضر بالمالكي، لسبب بسيط وهو أن الأخير نتاج لعملية فساد كبرى لم تعد أية حالة أخرى لتهمه بأي قدر من المقادير، في حين أن بوتين يريد تكريس نفسه زعيما نظيفا وصل إلى الحكم بطرق نظيفة.
أما إيران فلها شأن آخر، فهي متورطة في الشأن السوري وغارقة فيه تماما، ووضعها الاقتصادي يوشك أن يطبق على حياة المواطن الإيراني، ويكاد يفقد المسؤولين أعصابهم، ولديها من الجبهات الكثير ولا تريد أن تضيف لنفسها جبهة جديدة مع الشعب العراقي الذي تعرف كيف يقاوم ومتى يفعل ذلك، فضلا عن أنها تحاول اكمال ترتيبات شهر العسل مع الولايات المتحدة، فهل هي على استعداد لخسارة كل الفرص المطروحة لها مثل قطعة لحم لقط أنهكه الجوع؟
إيران البراغماتية التي عودت العالم على أن تحسب عناصر الصفقة من جميع أبعادها لتضمن أنها لن تخسر شيئا، لا يذهب المراقبون إلى أنها ستقدم نجدة حقيقية للمالكي وتفرط بفرص أكبر منه بكثير، ومن المؤكد أن الولي الفقيه ومستشاريه يعكفون على البحث عن البديل الذي لا يسبب خسارة لإيران أو يلحق بها أقل الخسائر ليكون بديلا للمالكي، على أمل الوقوف على منصة الوثوب لتعويض ما فات، قد تلوح طهران للمالكي بأنها معه ولكنها قطعا ومن أجل التنصل عن أي التزام معه، ستربط ذلك ظاهريا بقرار الشعب العراقي وقواه السياسية والدينية، وحينها سيكتشف المالكي أن من ظنهم ظهيره في معركة كسر العظم في العملية السياسية هم أول من تخلى عنه وخذله.
كل هذا لا يدعونا إلى افتراض هذا النضج السياسي لدى طهران، ولا هذه الواقعية لدى موسكو، فجميع الأطراف في لعبة ملء الفراغ تجري وراء قطعة اللحم المعروضة مثل أي قط جائع حتى إذا كانت قطعة اللحم هذه معروضة وراء جدران سميكة ومقاومة للرصاص، ومن المؤكد أن كل الاحتمالات واردة في مشهد بلد كالعراق يزخر بكل الثروات المعلنة والتي لم تعلن بعد، ومن يحمل بجيبه ملفا مثل الملف العراقي قد يكون على استعداد لخوض غمار مغامرات محسوبة حينا وغير محسوبة أحيانا.
   

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..