وجهات نظر
رايان كروكر*
ارتفع سقف التوقعات في أعقاب المحادثة الهاتفية بين الرئيس باراك أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني، في أواخر شهر سبتمبر (أيلول)، وبدا المتطلعون إلى حل دبلوماسي للمأزق النووي متحمسين إزاء إمكانية حدوث انفراجة وشيكة، لكن بعض حلفاء أميركا مثل المملكة العربية السعودية أبدوا في الوقت ذاته شكوكا بشأن التقارب الأميركي المحتمل مع إيران.
لم يتحقق أي تقدم خلال المفاوضات التي جرت بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين الشهر الماضي، لكن عددا ضئيلا من المراقبين توقع حدوث انفراجة في الجولة الجديدة التي ستعقد نهاية الأسبوع الحالي في جنيف.
نافذة التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة النووية لن تظل مفتوحة إلى ما لانهاية. ويواجه كل من أوباما وروحاني ضغوطا محلية من أعضاء الكونغرس المتشككين في واشنطن والمتشددين المناهضين للولايات المتحدة في طهران.
لكن رغم ثلاثين عاما من العلاقات الفاترة، ورغم عدم معرفة غالبية الأميركيين بذلك، قد نجحت المحادثات مع إيران في الماضي - وقد تنجح مرة أخرى.
خلال عملي في وزارة الخارجية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أجريت لقاءات مع دبلوماسيين إيرانيين لمناقشة الخطوات التالية في أفغانستان. حينئذ كان لدينا عدو مشترك، طالبان وحلفاؤها من القاعدة، وأبدت كلتا الحكومتين استعدادا للتعاون. كان الإيرانيون إيجابيين وبراغماتيين، حتى إنهم أعدوا في إحدى المراحل خريطة قيمة للغاية تتضمن خطة طالبان العسكرية قبل بداية العمل العسكري الأميركي.
كان الإيرانيون مكونا مهما في التحرك في أفغانستان. وقد التقينا خلال الشهور التي تلت من عام 2001 في أماكن مختلفة وكان الاتفاق الإيراني - الأميركي في مؤتمر بون حول أفغانستان محوريا في قيام السلطة الأفغانية المؤقتة التي قادها حميد كرزاي، الرئيس الحالي.
واصلت عقد محادثات مع الإيرانيين في كابل عندما جرى إرسالي لإعادة فتح سفارة الولايات المتحدة هناك. وتوصلنا إلى اتفاقات حول القضايا الأمنية المختلفة وسبل إعادة الإعمار. ثم، انتهى كل شيء فجأة، عندما ألقى الرئيس جورج دبليو بوش خطابه الشهير «محور الشر» أوائل عام 2002، والذي اختتمه بالقول إن القيادة الإيرانية على الرغم من تعاونها مع جهود الحرب الأميركية، فالولايات المتحدة لا تزال في حالة عداء صريح مع الجمهورية الإسلامية.
توقف التعاون الحقيقي كلية بعد الخطاب، وكانت التكلفة فورية. فقد كنا نتفاوض في ذلك الوقت، لنقل زعيم الحرب الأفغاني، قلب الدين حكمتيار، من الإقامة الجبرية في إيران إلى عهدة السلطات الأفغانية، ثم السيطرة الأميركية في نهاية المطاف. لكن الإيرانيين، عوضا من ذلك، سهلوا دخوله سرا إلى أفغانستان حيث لا يزال طليقا، وشن هجمات على قوات التحالف وأهداف أفغانية.
وقد أجريت مجموعة أخرى من المفاوضات مع دبلوماسيين إيرانيين عندما كنت سفيرا للعراق في عام 2007. وكان الهدف إقناع إيران بوقف دعم جماعات مثل جيش المهدي، التابع لمقتدى الصدر الذي كان يستهدف الحكومة العراقية وقوات التحالف. وخلافا للمفاوضات الأفغانية، جرت هذه المحادثات على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام، مما جعل دبلوماسية التوصل إلى حل وسط فاعلة أمرا مستحيلا. وعلى الرغم من عدم نجاح المفاوضات، لكنها أقنعت رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن الخيار الوحيد للتعامل مع الميليشيات كانت القوة العسكرية، فشن عملية عسكرية ضدهم في أبريل (نيسان) 2008. وتمكنت الحكومة في قتالها الذي امتد من بغداد إلى البصرة، إلى بسط سيطرتها في نهاية المطاف، بدعم ائتلاف كبير. تظهر التجربة الأفغانية أن التقدم الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران أمر ممكن. هذا ليس مضمونا بطبيعة الحال، لكن التوصل إلى حل دبلوماسي صلب، دائما أفضل من البدائل.
صحيح أن حكومة الجمهورية الإسلامية عدو صريح، لكنها في الوقت ذاته لاعب عقلاني. وهي ككل الحكومات، قادرة على أن تكون واقعية ومرنة عندما يكون في مصلحتها القيام بذلك. وهناك فرصة أمام إدارة أوباما لتكرار النجاحات السابقة إذا استفادوا من أربعة دروس من محادثات عام 2001.
أولا، بجب أن يفهم المفاوضون الأميركيون أن تقدما جديا سيأتي فقط عبر المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وأن مشاركة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا ينبغي أن تستمر، ولكن العبء الأكبر سيقع على عاتق اللاعبين الرئيسين.
ثانيا، يجب أن تكون موضوعات سرية. وألا تكشف التفاصيل سريعا حتى لا تمنح معارضي المحادثات الفرصة، وتحد من مرونة المفاوضين.
ثالثا، ينبغي أن تكون أميركا مستعدة لمناقشة قضايا أخرى غير الملف النووي. فالتقدم في أحد المجالات سيبني الثقة ويسهل من إحراز تقدم في مجالات أخرى. وقد ذكرت هذا في مناقشة مع القادة الإيرانيين في نيويورك الشهر الماضي وأظهروا تقبلا لذلك، مشيرين إلى أفغانستان وسوريا كفرص لذلك التقدم.
وأخيرا، يتعين على الولايات المتحدة أن توضح أننا لا نسعى لإسقاط النظام الإيراني. فجنون الارتياب الإيراني تجاه هذه المسألة أمر بلا حدود، ويمكن إدراكه. ففي عام 1953، أطاحت المخابرات الأميركية والبريطانية والإيرانية برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا، مشهد لا يذكره سوى قلة قليلة من الأميركيين لكن لا يزال ماثلا في أذهان الإيرانيين.
الخطوط العريضة للاتفاق واضحة بالفعل. فإيران تريد رفع العقوبات ووضع حد لعزلتها في حين أن المجتمع الدولي يريد التحقق بوضوح، لا لبس فيه أن برنامج الطاقة النووية الإيراني لن يستخدم في إنتاج الأسلحة.
وقد أخبرني القادة الإيرانيون، الذين التقيت بهم في نيويورك، أن السلاح النووي سيهدد أمن إيران بشكل فعلي، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى بدء سباق بين جيرانها العرب، للحصول على السلاح النووي، يزعزع الاستقرار في المنطقة. وأصروا على أن إيران تريد الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سباق التسلح النووي. هذا الحديث مشجع، لكن ينبغي على الإيرانيين القيام بالخطوة الأولي، ولن يكون هناك أي حديث عن تخفيف العقوبات الأميركية إلا بعد أن تثبت إيران جديتها في قصر أي برنامج نووي على الأغراض السلمية.
* سفير الولايات المتحدة الأسبق في أفغانستان والعراق وعميد كلية بوش للحكومة والخدمة العامة
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق