وجهات نظر
مثنى عبدالله
زار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بيت الطاعة في واشنطن الاسبوع الماضي، وقيل سيتبعه آخرون من الزعماء المشاركين في العملية السياسية.
وقد حصلت الزيارة على وقع قيام منظمات دولية وشخصيات عالمية نافذة بتقليب صفحات من يوميات القتل والدمار التي يعيش في دوامتها العراق، تحت ظل سياسة خرقاء يصر على ممارستها الطاغية. فقد أعلنت بعثة الامم المتحدة في العراق، أن عدد ضحايا التفجيرات في شهر تشرين الاول/اكتوبر الماضي بلغت 2881 قتيلا وجريحا، بينما اعلمت منظمة ‘هيومن رايتس ووتش’ الرئيس الامريكي أوباما أن
(
(
القوات الامنية التابعة للمالكي انتهجت نهجا روتينيا في اعتقال وتعذيب العشرات من المحتجين المسالمين من نساء ورجال)، في نفس الوقت الذي خاطب فيه نائب رئيس البرلمان الاوروبي ورئيس اللجنة الدولية للبحث عن العدالة الرئيس الامريكي قائلا: ان ‘الزيارة التي يقوم بها نوري المالكي، ديكتاتور العراق الجديد، هي سابقة حزينة في تاريخ الولايات المتحدة ونقطة سوداء في إرثك’. حتى أعضاء في الكونغرس الامريكي الذين جاءوا به على رأس السلطة من كهوف حزب الدعوة، قالوا في رسالة واضحة الى أوباما ان ‘سوء إدارة المالكي للسياسة العراقية تساهم في عودة موجة العنف الطائفي إلى العراق، التي كانت قد عانت منها خلال العقد الماضي بين عامي 2006 و2007 وراح ضحيتها الاف العراقيين’.
إذن وفي ظل كل هذه الكوابح التي لابد أنها عرقلت عجلة المالكي واستثماراته السياسية من الزيارة، نسأل أين هي المنطقة التي تحرك فيها الطاغية؟ ان العودة الى مقاله في صحيفة ‘نيويورك تايم’ الذي استبق به زيارته الى واشنطن، يفكك لنا الخط العام الذي رسمه لنفسه كي يعتمده في المباحثات السياسية والامنية التي أجراها في الولايات المتحدة، حيث يقول ان ‘هؤلاء الإرهابيين ليسوا أعداء العراق وحده، بل هم أعداء أمريكا أيضاً. لهذا السبب أنوي أن أقترح على الرئيس أوباما أن نعمل على تعميق العلاقات الأمنية بين بلدينا لمقارعة الإرهاب والتصدّي لأسباب القلق الأمني الإقليمي الأوسع، بما في ذلك الصراع الدائر في سورية’. ان هذا الربط بين ما يجري في العراق ويقينية المالكي من انعكاساته على أمن الولايات المتحدة، هو بالضبط الشيء الذي يريده صاحب القرار الامريكي، فالاخير يرغب باستمرار التبشير بخطر القاعدة من كل الحلفاء، لان الولايات المتحدة لا تستطيع العيش بدون عدو خارجي يبيح لها التحرك على خارطة العالم لتنفيذ سياساتها الاجرامية، لذلك صنعـــــت خطر ما يسمى بـ’الارهاب’ بعد خطر الاتحاد السوفييتي، الذي لحد اليوم ترفض تعريفه كي تبقى تهمته سائبة تطال كل من يرفــــض سياساتها. واذا كان الطاغية قد اختار هذا الوتر كي يعزف عليه في بيت الطاعة في واشنطن، فان ذلك ليس ذكاء ولا عبقرية سياسية يتمتع بها، هو فقط استحضر المنهج السياسي والامني الذي تسير عليه العملية السياسية التي صنعها الامريكان، والمرتبطة ارتباطا وثيقا بأمن وسياسة واشنطن، وجاءهم من جديد ليقسم أنه مازال يسير على نهجها، كي يستدر دعمهم له في مرحلة حساسة قبيل الانتخابات البرلمانية، التي يسعى فيها الى ولاية ثالثة أسقطت حجبها عنه المحكمة الاتحادية. وبما أن ما تقدمه الولايات المتحدة من تسهيلات عسكرية وتعاون أمني وسياسي، لا يسير بنفس نهج ما تقدمه المنظمات الانسانية من خبز وسكر، فان ثمن السلاح والتعاون الاستخباراتي والمساعدات الامريكية الاخرى، التي طلبها المالكي لن تمر من دون ثمن.
صحيح أن واشنطن فتحت ذراعيها لاحتضان الحليف الايراني القديم، لكنها ضغطت على المالكي كي تبقى المسافة بينه وبين ايران هي من تحددها وليس هو، وأن يعطي دورا أكبر لاحزاب الاسلام السياسي السني، كي لا ينقلبوا ضد المشروع الامريكي، وأن يقلم أظافر الميليشيات التي تستعرض في بغداد والمحافظات بأمر الولي الفقيه، والاهم ألا يبقى يقول ولا يفعل مع مطاليب الاكراد التي تراها واشنطن مشروعة
إذن أين السيادة الكاملة والاشتراك في المصالح التي يجب أن تكون قاعدة كل حوار بين الدول؟ في حوارات العراق وأمريكا لا يوجد هذا السياق في الوقت الحاضر، لان المالكي ذهب الى واشنطن ببدلة وربطة عنق فقط، من دون أية أوراق ضغط وهذه هي معضلة التابع أمام المتبوع . اننا أمام استمرارية تغييب المصلحة الوطنية العراقية في سبيل مصلحة المالكي الشخصية، ومصلحة دولة أخرى أثبتت الوقائع والوثائق وشهادات الشهود أنها غزت العراق من دون وجه حق، وحطمت وجوده المعنوي والمادي لمدة عقد من الزمن قد يتبعه عقد آخر، من دون أن يجرأ المالكي أو غيره على المطالبة بعُشر التعويضات التي يقرها القانون الدولي، فهل للشعب العراقي مصلحة حقيقية في ربط أمنه واستقراره بقطب دولي يريد أن يصهر الجميع في سبيل بقاء هيمنته؟ لقد تحول موضوع القاعدة في العراق الى أداة للحصول على التفوق السياسي، وصار كل طرف سياسي يتسابق الى الولايات المتحدة للاعلان عن انضمامه الى محاربة القاعدة، فقط لان الامريكان أعلنوا عن مساعدات عسكرية ومالية وسياسية وأمنية لكل من يحارب في هذه الجبهة التي هي ليست جبهة حقيقية، بل هي صناعة أمريكية بامتياز كي تبقــــى الولايات المتحدة تتحرك في العالم بهذه الحجة، بينما يبقى القتل والدمار مستمرا في العراق، وبعضه قد لا يكون من فعل القاعدة، بل من فعــل الاجنحة العسكرية التابعة للاحزاب الطائفية، التي لا يمكن أن تتخلى عن دورها في صناعة الفوضى لاغراض سياسية طائفية، أو لحساب أجندات دولية وأقليمية. فالعراق نقطة استراتيجية بالغة الاهمية في هذا المحيط، حيث تتقاطع مصالح الكثير من الدول الاقليمية والدولية، وسقف الرهان عال جدا الى درجة تجعل من السيطرة الاستراتيجية على هذا المنطقة ورقة رابحــــة في استراتيجية كل من له مشروع . لذلك فان انقاذ العراق على أساس وطني بجهود أبنائه المخلصين غير مهم بالنسبة للقوى الخارجية وشركاء العملية السياسية، بقدر اهتمام تلك القوى بتحقيق مصالحها الاستراتيجية والشخصية .
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق