موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

السبت، 17 مارس 2012

البصرة وإن جار الزمان..

وصلتني رسالة من صديق كريم، تخبرني أن العراقي الطيب وابن البصرة الفيحاء، كاظم فنجان الحمامي، بعث إلى وجهات نظر، بالسطور التالية، التي تفيض حنيناً إلى البصرة، ونفيض معها حنيناً إلى كل شبر في أرض العراق..




البصرة وإن جار الزمان

كاظم فنجان الحمامي
لقد فاض طوفان الأشجان حتى صار تسونامي. .
فقد كنت أتشمس في حديقتي الصغيرة, أتأمل نخلتي البرحيتين وقد تفتقت طلعاتها, ويقوم الفلاح بتلقيحها, وأنا أراقبه وهو يأتي كل موسم لتلقيح البرحيتين البصريتين وتشذيب كربها وسعفاتها وربط عذوقها حينما تثقل ثمارها .. شممت رائحة اللقاح (فكبسلتني) مثل حشاش مصري في نشوته تحت أشعة الشمس الدافئة .. غادر الفلاح بعد أداء عمله وجلست على الكرسي تحت أشعة الشمس .. وحلقت في سماء غير سمائي, طرت خفيف الجناحين كطيور القطا إلى بصرتي وبيتي وأصحابي .. أغفيت في مكاني حالما بأنني في البصرة وفي بساتين الجنوب أشم رائحة اللقاح والقداح والجوري مخلوطا بنسمات من شطنا الذي كان رائعا..


غمرتني ذكريات عزيزة, استعرضت في خيالي أيام الصبا والشباب والبصرة وأهلها الطيبين, كنت مغمض العينين وكأني في نشوة حلم وردي, تحاصرني خيالات الماضي.. الشمس ليست شمسي, ورائحة الطلع ليست رائحة بساتيني .. شمسي هناك تدغدغني بحنان بالغ .. تسلمني إلى إغفاءة طفولية حيث يأتي الحاج عبود رحمه الله والد نجم بقوري الشاي (السنكين) بعد وجبة دسمه من الصبور والدولمة .. فنشرب حتى الثمالة .. ما ألذ الشاي في ربوع بلادي ؟ تذكرت أيامي في هذا الفصل الربيعي حيث كنا كصيادين نودع الموسم حين كانت الطيور المهاجرة تستعد للعودة إلى مواطنها واليوم اسأل نفسي : أليس هناك عودة للوطن بعد 42 سنة من الاغتراب ؟ ..
حتى الطيور تريد العودة إلى أعشاشها, وهي تقطع عشرات الآلاف من الأميال, ونحن على مرمى حجر من الوطن ولا نستطيع الوصول إليه, ؟ الجنسية والجواز والهوية لا تنتزع الإنسان الشريف من جلده, فالحنين يسري في شرايينه نارا تلظى .. أتمنى زيارة مدينتي وبيتي, والتقي أحبائي الذين غادر معظمهم عالمنا المضطرب دون أن نحمل نعوشهم فوق أكتافنا, ولا نقرأ الفاتحة على قبورهم, ولا نحضر مجالس عزائهم.. إنها والله حسرة لا تزول, استغرقت في أحلامي الوردية وأنا استنشق رائحة اللقاح وافتقدت رائحة الصبور المشوي والدولمة البصرية والطرشي الخصيباوي والخبز الحار وأغنية (على درب اليمرون أريد اكعد وأتاني) .. يا ترى هل سأرى بصرتي كما تركتها قبل الاحتلال؟. هل استطيع أن أنام قرير العين من دون أن يفاجئني زوار الفجر للبحث عن السلاح أو إلصاق تهمه (4 إرهاب), أو صفة إرهابي تكفيري, وهابي, أو بعثي صدامي ؟ .. هل استطيع أن أنام في بيتنا بالصنكر, الذي تم هدمه ظهرا على صوت طير (الشكرك) المزعج, بعد أن غفت عيوني على تغريد البلابل ؟ , هل سأرى الوجوه البصرية, التي تشع بالطيبة والمحبة ؟, أم وجوه كالحة كذئاب جائعة ؟.
تساؤلات كثيرة تدور في البال .. ثم تختلط الأمور فأرى الكآبة مخيمة على أولئك الطيبين الذين كانوا عنوانا للعراقي المضياف الدمث الأخلاق, الذي لم تغيره المآسي والمحن, فكم مرت عليه من كوارث, لكنه كان صامدا فقد حارب أعداءه الخارجيين بكل ضراوة, ودفع الدماء والأرواح رخيصة, وردكيدهم إلى نحورهم, لكنه اليوم يحارب من ؟. أيحارب الذين يدعون بعراقيتهم وانتمائهم وهم الذين ساموا هذا الشعب الذل والهوانوالجوع ؟, وكيف يقتل العراقي أخاه ؟, وكيف يداهم الجندي والشرطي بيت أهله ؟, ويحطم أثاثهم ويروع أطفالهم ؟, ويغادر بابتسامة صفراء تشفيا وحقدا.. إن جاءك الضيم من عدو فلا حول ولا قوه إما أن يأتيك من ابن وطنك فهي الطامة الكبرى ..
أتمنى العودة, فعلى الأقل تستقر أجسادنا فوق الثرى, الذي ولدنا عليه لكن أن تموت كمدا في بيتك وأنت تشاهد إن القتلة والمجرمين واللصوص هم من مواطنيك وليسوا أعداءك فلا تملك إلا أن تتمنى جحيم العدو ولا جنة هؤلاء.
استيقظت من أحلامي التي استحالت إلى أحلام رمادية أعادتني بقسوة إلى عالمي, وأنا أطيل النظر إلى النخلتين البصريتين اليتيمتين اللواتي ربطن مصيرهن بمصيري, على الأقل يشربن ماءا حلوا, وينعمن بالأمن والأمان, فلن تصرخ مثل نخلات الجنوب من الظمأ والإهمال, ومن الماء المالح المسموم بمخلفات مصانع جارة السوء.
لا ادري هل سيكتب الله لي أن تكتحل عيني برؤية بيتي وصحبي وحديقتي وشمسي؟.  أم أظل اقطع باقي الخطوات في صحراء الاغتراب ؟؟؟. .

تلك كلمات أثارتها رائحة طلع النخيل, والويل كل الويل لو كانت معها نسمات القداح والجوري حينها سيفلت العقل من مكانه.
إلى الله المشتكى..

هناك تعليقان (2):

صقر العراق يقول...

الله كريم ( ما تضيچ الا تفرج )

فدوى علي أحمد يقول...

ان شاء الله بتبقي مصونة وحصنك حصين وتبقى البصره محط انظار الجميع

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..