موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الجمعة، 30 مارس 2012

العراق يمور غضباً، ومن لا ينصره اليوم لا حاجة له غدا

كتب الأستاذ بدرالدين كاشف الغطاء، مقالاً مهماً حلَّل فيه نتائج مؤتمر القمة العربية التي انعقدت دورتها الثالثة والعشرون في بغداد، أمس الخميس 29/3/2012.




بعد أن ولدت القمة فأرا
العراق يمور غضباً، ومن لا ينصره اليوم لا حاجة له غدا

بدرالدين كاشف الغطاء
أولا :وأخيرا إنفضّ (مولد) القمة العربية بإعلان بغداد الذي تضمن عبارت إنشائية ولغة خشبية يعاد تكرارها في كل القمم. وكانت القضية الأساسية المعروضة على القمة هي موضوع سوريا، ولإن مبادرة كوفي عنان لا زالت قائمة فقد إكتفت القمة بدعم المبادرة، ولكن بتناقض صارخ في الصياغة فقد شدد الإعلان على رفض التدخل الأجنبي في الأزمة السورية وبنفس الوقت أكّد على ضرورة التنفيذ الفوري والكامل لنقاط كوفي عنان الست، وكأن مبادرة كوفي عنان لا علاقة لها بمجلس الأمن والتدخل الأجنبي! والأدهى من ذلك أن نبيل العربي قال في المؤتمر الصحفي المشترك مع هوشيار زيباري بعد الجلسة الختامية للقمة الآتي (الأزمة السورية أصبحت مسؤولية مجلس الأمن الآن)، بينما قال زيباري (إن الملف السوري ذهب نحو التدويل)، وهكذا يرفضون التدخل الخارجي ويدوّلون القضية في آن واحد؟
ثانيا :إيران وأمريكا حشدتا جهودهما لعقد القمة في بغداد المحتلة (ولكل منهما أسبابه)، وإشتغلت ماكنة عملاء ايران من المتمرسين بالدجل والتلفيق والكذب والنفاق والأنتهازية فصوروا عقد القمة بالفتح الجليل الذي سيجعلهم يقودون العرب للسنة قادمة. المالكي إعتبر القمة نقطة تحول في تاريخ المنطقة، والنائب عن كتلته شاكر الدراجي قال (إن قمة بغداد ستخرج بمقررات تحقق للشعوب العربية الاستقرار الأمني والسياسي والأمن الغذائي، واتخاذ موقف موحد اتجاه مختلف القضايا الدولية). وقالت كتلة دولة القانون (القمة أكدتجاهزية العراق للعب دوره القيادي الإقليمي والعربي وحتى الدولي فضلا عن الساحة الوطنية). وشارك قطب السفسطة الفارسية إبراهيم الجعفري بالتنظيرحيث قال خلال لقائه السفير البريطاني يوم 25/3/2012 (من الضروري أن تكون القمة القادمة قمة احتكام تحتكم إليها الشعوب ويحتكمون إليها وليست قمّة تحكّم تتخذ إجراءات فوقية من قبل بعض الانفعالات التي طالما عبّرت عن إرادات شخصية لا عن إرادات شعوب).
العراقيون سخروا من زعم المالكي أن القمة ستعطيه شرعية عربية، لإن شعب العراق هو الذي يعطي الشرعية وينزعها، وقد قال شعب العراق كلمته في الإحتلال والحكومات المنشاة في ظل الإحتلال منذ أول رصاصة صوبها بوجه الغزاة يوم 20 آذار 2003. كما سخر العراقيون من المالكي وهو يخطب في إجتماعات وزراء التجارة والمال ثم في إجتماعات وزراء الخارجية ثم في القمة نفسها خلافا لقواعد العمل ولقواعد البروتوكول التي لا تبيح له أن يأخذ دور وزير التجارة ودور وزير الخارجية. وبلغت السخرية مداها عندما قرأ كلمته في اجتماع القمة وكانت تخفي بين سطورها مواقف فارسية واضحة، وكذلك عندما عرض تجربته في (المصالحة الوطنية) بإعتبارها مثلا يحتذى بالنسبة للدول العربية!
ثالثا :لم يكسب المالكي ورهطه من الروابضة عملاء إيران من هذه القمة غير المزيد من نقمة العراقيين. المالكي أنفق 2500 مليون دولار على القمة (هذا الرقم منقول عن خورشيد أحمد رئيس اللجنة المالية في البرلمان الكردي في تصريح له يوم 28/3/1012) ويضاف اليه مليار أخرى منها نصف مليار للكويت (تعويضات للخطوط الجوية الكويتية) ومثلها لمصر (الحوالات الصفراء) ومبلغ آخر غير معروف دفع إلى الأردن على شكل خصومات في أسعار النفط ومبالغ دفعت لرؤساء بعض الدول العربية الفقيرة لإغرائهم بالمشاركة في القمة، إضافة إلى (الهدايا) المقدّمة لبعض موظفي الجامعة العربية وعلى رأسهم الجزائري بن حلي الذي بدا في تصريحاته مالكيا اكثر من المالكي! هذا إلى جانب التنازلات السياسية التي قدّمها المالكي منها عدم الاعتراض على بناء ميناء مبارك، والموافقة على ترسيم الحدود الجائر مع الكويت وغيرها كثير مما ستكشفه الأيام.
رابعا :جامعة الدول العربية هي إنعكاس للنظام الرسمي العربي العاجز، فهي تجتمع دوريا على مستويات المندوبين الدائمين والوزراء والرؤساء والملوك وتصدر قرارات تملأ كتبا لكنها لم تتقدم ولو خطوة واحدة نحو هدف التكامل السياسي والإقتصادي العربي ولا نحو حماية البلدان العربية من العدوان الخارجي. قرارات الجامعة العربية هي توصيات لا تتضمن آلية ولا جدولا زمنيا للتنفيذ، لذا فهي توضع على الرفوف بعد إعتمادها ثم تعتمد نفسها في السنة التالية مع تحديث بسيط. وفيما عدا قمتا 1967 و1978 اللتان إتخذ فيهما قرار (اللاءات الثلاث) وقرار (عزل مصر بعد زيارة السادات للكيان الصهيوني) وحالات إستثنائية قليلة أخرى، فإن قمم الجامعة العربية وقراراتها كانت دائما شكلية لا تأخذها الحكومات العربية بجدية. ومنذ عام 1990 تحولت الجامعة العربية إلى الإتجاه المضاد لمصالح الشعب العربي وأصبحت غطاء لتدويل النزاعات الداخلية العربية، بدءا بالنزاع العراقي الكويتي عام 1990وإنتهاء بالأزمتين الليبية والسورية عامي 2011 و2012. ويكفي أن نستذكر أن وزراء الخارجية العرب إعتمدوا يوم 24/3/2003، أي بعد أربعة أيام من الغزو الأمريكي للعراق، قرارا أدانوا فيه العدوان الامريكي البريطاني على العراق وإعتبروه (إنتهاكا لميثاق الأمم المتحدة ولمباديء القانون الدولي وخروجا على الشرعية الدولية وتهديدا للسلم والأمن الدولي وتحديا للمجتمع الدولي والرأي العام العالمي) وطالبوا بإنسحاب المحتلين الفوري وتحميلهم المسؤولية القانونية عن هذا الغزو. هذا القرار إتخذه الوزراء وكثير منهم يعرف أن أرض ومياه وسماء بلاده كانت منطلقا هذا الغزو. ثم عاد نفس هؤلاء الوزراء في 9/9/2003 وقبلوا بالإحتلال الأمريكي للعراق وقرروا الإعتراف بمجلس الحكم الذي شكّله الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر واعطوا لهذا المجلس مقعد العراق في الجامعة العربية. وإستندت الأمم المتحدة إلى هذا القرار لمنح مقعد العراق للحكومة المنشأة في ظل الإحتلال في خرق فاضح لميثاق الأمم المتحدة.
ولقد أكّد الأمين العام نبيل العربي في مؤتمره الصحفي بعد الجلسة الختامية للقمة هذا الدور التدميري للجامعة خلال جوابه على سؤال حول سبب نقل الجامعة العربية الملف السوري إلى مجلس الأمن حيث قال (إن حقوق الإنسان أصبحت شأنا دوليا في عصرنا الحاضر) وتلك كلمة حق أريد بها باطل، فالغرب الذي يهيمن على مجلس الأمن له مفهوم إنتقائي لإنتهاكات حقوق الإنسان ويستخدم هذه الذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ولا يقبل الغرب أن يشار الى انتهاكات حقوق الإنسان في دوله أو في الدول الموالية له كالكيان الصهيوني.
خامسا :ستكشف الأيام القادمة مدى المأزق الذي وضعت حكومة الإحتلال الرابعة نفسها فيه بعقد هذه القمة عديمة الجدوى وبهذه النفقات الباهظة، وسيؤدي ذلك إلى تسريع إنهيار العملية السياسية بعد أن إستشرت الخلافات بين مكوناتها وفي داخل كل مكون منها. الأمريكان لم يعد لديهم قوة ضغط كافية لترميم العملية السياسية مثلما كانوا يفعلون خلال السنوات التسع الماضية، ولربما لم يعد لديهم الرغبة في ذلك (أنظر مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية عدد 23 آذار 2012 حيث نقل الكاتب جوش روغن عن مسؤولين أمريكان إقرارهم بإنحسار النفوذ أمريكي في العراق وضعف ثقتهم بالمالكي وأن إيران هي الأكثر نفوذا في العراق اليوم). أما الإيرانيون فهم اليوم مشغولون بساحات مواجهة عديدة جعلت تركيزهم على العراق يضعف.
سادسا :إن تهاوي العملية السياسية لا يعني بالضرورة أن أطرافها ومن يقف ورائهم سينهارون بلا مجابهة وستعود السلطة لشعب العراق، فعملاء إيران لا زالت لديهم أوراق هامة يلعبونها، فلديهم ميليشيات مسلحة تسليحا ثقيلا، ولديهم ميليشيات أخرى دمجوها في قوات الجيش والشرطة، ولديهم ميزانية الدولة ولديهم الدعم الإيراني من خارج الحدود، وهم حاليا يحاولون ترميم العملية السياسية من خلال تغيير التحالفات وتقديم التنازلات وإستبدال الوجود المستهلكة بوجوه جديدة.
سابعا :إستطاعت المقاومة العراقية وحاضنتها شعب العراق البطل إنجاز مفخرة ستذكرها البشرية ما بقيت وهي إيقاع الهزيمة بأمريكا أعتى وأشرس قوة عسكرية عرفها التاريخ ومعها جيوش 42 دولة مساندة. أما الإحتلال الإيراني فقد إستغل إنشغال المقاومة بالمحتلين الأمريكان لنشر نفوذه في العراق في عمل متعدد الأوجه والمسارت (سياسي وعسكري وعقائدي وإقتصادي وديموغرافي وثقافي وطائفي الخ..) وكثير من ممارساته في تمزيق النسيج الإجتماعي لشعب العراق وفي نهب ثروات العراق خفية لا تظهر للعيان، لذا فإن هزيمتة تحتاج إلى تظافر جهود جميع أبناء الشعب كل حسب موقعه وإمكاناته.
هزيمة إيران في العراق ستكون أكثر عمقا في أبعادها التاريخية والسياسية والفكرية والمكانية من هزيمة الأمريكان، فهي لن تقضي على نفوذ الفرس غير الشرعي في العراق فحسب، بل وستقوض هذا النفوذ في المنطقة ككل وستعطي قوة دفع كبيرة لشعوب إيران، ومنها شعب الأحواز العربي المجاهد، لنيل حقوقها.
الوقائع اليوم تقول إن مشروع إيران التدميري في العراق قد سقط في جوانبه الفكرية بفضل وعي شعب العراق وتمسكه بهويته الوطنية وقوميته العربية وعقيدته الإسلامية الوسطية غير المتطرفة، وحتى المواطن العراقي الأمّي الذي حاول عملاء إيران إستمالته طائفيا بإدعاء إنتمائهم لمدرسة أهل البيت عليهم السلام سرعان ما كشف زيف شعاراتهم. إبن البصرة رأى بعينه كيف إستولوا على حقول النفط في محافظته وكيف حولوا مجرى نهر الكارون الى داخل إيران، وكذا إبن ميسان والكوت وديالى، لا بل إن أكثر العراقيين نفورا من الفرس اليوم هم أبناء كربلاء والنجف الذين يعانون الأمرّين من هيمنة الفرس على النشاط التجاري وعلى المرجعيات ومواردها في مدينتيهم، والقناعة أصبحت اليوم راسخة بأن ولاية الفقيه نظام فارسي عنصري تدميري متخلف معادي للعراق والعرب والإسلام. إن هزيمة فكر ولاية الفقيه في العراق جعلت مهمة من إسقاط العملية السياسية وبقايا مشروع الإحتلال من دستور وتشريعات ومؤسسات مسألة قريبة المنال، لكنها لا تتحقق بالتمنيات بل تحتاج إلى جهد وصبر وتضحيات.
ثامنا :صحيح إن ظروف قيام ثورة شعبية لكنس عملاء الإحتلال قد نضجت، لكن ثورات الشعوب ليست عملا ميكانيكيا أو معادلة رياضية أو رد فعل فيزيائي. ثورات الشعوب ليس لها تاريخ محدد. وحتى عندما تكتمل ظروف الثورة وأسبابها فهي تحتاج الى شرارة تطلقها. الشعب ينقم ولكن لديه قدرة هائلة على كبت نقمته إذا لم يجد لها المتنفس الصحيح، ولذا هو بحاجة إلى الطليعة التي تستطيع إطلاق هذا الخزين الهائل من الغضب الشعبي وتحويله إلى ثورة عارمة تجعل الشعب ينزل إلى الشارع طوفانا وتسري الثورة في المجتمع كالنار في الهشيم مخترقة كل قوانين الفيزياء وعلم الإجتماع وتنظيرات السياسيين.
تاسعا :المقاومة العراقية، الممثل الشرعي الوحيد لشعب العراق، بحاجة الى تكثيف جهودها بين الجماهير للتمهيد للثورة الشعبية وإطلاقها وقيادتها، وهذا العمل يستوجب العمل في مسارات عديدة من بينها :
1 – إعلان تشكيل جبهة سياسية واسعة تفتح بابها لجميع القوى والشخصيات المناهضة للإحتلالين الامريكي والايراني، وأن تنأى الجبهة بنفسها عن البعد العقائدي الضيق لأي من أطرافها وعن مصالح أحزابها وعن نسب التمثيل فيها، وتركّز على برنامج عمل وطني موحّد للتحرير وبناء العراق المحررمن خلال إسقاط العملية السياسية والدستور والتشريعات والهياكل والمؤسسات التي جاء بها الإحتلال وتشكيل حكومة وطنية مؤقته تعدّ لإنتخابات تشريعية ودستور جديد.
2 – إيصال رسالة واضحة لإبناء شعب العراق كافة أنهم شركاء في الثورة وأن الثورة لا تستهدف سوى إنهاء بقايا مشروع الإحتلال وانها ستكون بيضاء تعفو عن المغرر بهم وكل من لا يقف ضدها ستعتبره معها.
3 – التركيز في العمل الإعلامي خلال الفترة القادمة على تذكير العراقيين بحقوقهم المهدورة وثرواتهم المسروقة وأمنهم المنتهك وشبابهم المعتقل لتصعيد النقمة ضد الإحتلالين الأمريكي والإيراني وضد عملاء الإحتلال. نتائج قمة بغداد التافهة هي أحد المنطلقات لفضح جنون العظمة الذي تلبّس المالكي ورهطه وجعلهم يهدرون أموال الشعب الفقير على قمة حصادها كلام في كلام والمشاركون فيها جاءوا لرفع العتب بعد أن نالوا المقسوم، هذا في الوقت الذي تعلن فيه وزارة التربية العراقية أن البلد بحاجة ماسّة لبناء 12000 مدرسة لتحل محل المدارس الطينية التي يدرس بها أبناء أول حضارة عرفتها البشرية.
والله المستعان

ملاحظة:
نُشر المقال هنا


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..