انطلاقاً من واقعة محددة، يقدم الكاتب العربي السيد زهره، أفكاراً مهمة حول العلاقة بين العروبة والاسلام والصراع المفتعل بين المشروعين/ الفكرتين، خدمة لتوجهات مشبوهة، إن لم نقل خيانية.
عروبة وأمن الخليج أفكار انتحارية
السيد زهره
شهد مؤتمر عروبة وامن الخليج الذي نظمته جمعية الوسط العربي الاسلامي جدلا حادا حول القومية العربية وانتمائنا القومي العربي.
الذي فجر هذا الجدل احد الأساتذة المشاركين هو الدكتور محمود المبارك أستاذ القانون الدولي في السعودية. قال في بعض مداخلاته ان القومية العربية ماتت مثلها مثل الاشتراكية، ووجه انتقادات إلى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
هذا الرأي الذي عبر عنه أثار غضب عدد كبير من المشاركين في المؤتمر الذين انبروا لتفنيده، وتحدثوا في مداخلاتهم دفاعا عن القومية العربية، وركزوا على اخطار افتعال تناقض لا وجود له بين العروبة والإسلام، وبين انتمائنا القومي العربي وانتمائنا الإسلامي.
الجدل حول هذه القضية ليس جديدا كما نعلم. هو مثار منذ عقود. وعلى الرغم من ان مشاركا واحدا في المؤتمر هو الذي طرح هذه الرؤية، فإن القضية مهمة وتستحق التوقف عندها، خاصة إننا نعلم ان هناك كثيرين يتبنونها في دول الخليج العربية خاصة، والدول العربية عامة.
وهناك مجموعة من الأمور والحقائق يجب ان تكون واضحة في أي مناقشة هادئة للقضية.
بداية، حين نتحدث عن القومية العربية او عن الانتماء القومي للشعوب والدول العربية، نحن لا نتحدث عن ايديولوجيا سياسية، كالاشتراكية أو غيرها، يمكن ان نقبلها أو نرفضها ، ويمكن ان تنتهي أو لا تنتهي.
نحن نتحدث عن جوهر هويتنا وجوهر انتمائنا كشعوب ودول عربية. جوهر هويتنا إننا عرب، تجمعنا الروابط القومية العربية، وننتمي الى أمة عربية واحدة.
مع هذا، من المفهوم بطبيعة الحال ان من حق أي احد ان يكون له موقفه أو رأيه من القضية. لكن المسألة لا تتعلق فقط بالقناعات الشخصية. المسألة تتعلق بجوهر المصالح الوطنية لدول الخليج والدول العربية كلها.
نعني أننا إذا كنا نتحدث عن أخطار وتهديدات لعروبة وامن الخليج ولمستقبل الدول الخليجية العربية كله، فالأمر المؤكد ان تأكيد عروبتنا ورد الاعتبار لانتمائنا القومي العربي، والسعي إلى ترسيخ الانتماء القومي، هو احد المتطلبات الكبرى لمواجهة هذه الأخطار والتهديدات، سواء الأخطار الأجنبية أو الداخلية.
على مستوى الأخطار الأجنبية، علينا ان نلاحظ أمرين:
1– ان القوى الأجنبية التي لديها مخططات ومشاريع تستهدف عروبة وامن الخليج تستند في خططها الى استنهاض قوميتها العنصرية. المشروع الإيراني مثلا هو في جوهره مشروع قومي فارسي. والمشروع الصهيوني هو مشروع قومي عنصري. حتى تركيا في سعيها إلى مد نفوذها في المنطقة، تستعيد الروح العثمانية.
وليس معقولا ونحن نواجه هذه المشاريع القومية العنصرية التي تستهدفنا ان نفرط نحن في قوميتنا وانتمائنا العروبي.
2– كل القوى التي تعادي دول الخليج العربية أو تستهدفها، على الرغم من الخلافات أو حتى الصراعات بينها، فإنها تتفق على أمر واحد.. محاربة العروبة والانتماء القومي العربي بكل السبل. ينطبق هذا على إيران وأمريكا والعدو الإسرائيلي.
لماذا يجمعهم الاتفاق على هذه الحرب ضد العروبة والانتماء القومي؟
لأنهم يدركون كلهم ان هذا هو مصدر القوة الأكبر الكامن في الدول والشعوب العربية. يدركون ان القومية العربية وهذا الانتماء الذي يجمع الدول والشعوب العربية هو القاعدة التي يمكن ان يقوم عليها النهوض العربي والقوة العربية، وهي حائط الصد في مواجهة مشاريعهم ومخططاتهم.
ان كانوا هم يدركون ذلك، فكيف يمكن قبول ما يريده البعض منا من التشكيك في قوميتنا وعروبتنا، والتفريط في مصدر القوة هذا.
وعلى مستوى الأخطار والتهديدات الداخلية ايضا، وخصوصا في مواجهة هذا الصعود المخيف للطائفية في دول الخليج العربية، ليس أمامنا أيضا سوى الاعتصام بقوميتنا العربية وسوى السعي إلى تكريس مشاعر الانتماء القومي بكل السبل السياسية والإعلامية والتربوية.. الخ.
هذا الصعود للطائفية كان في جانب أساسي منه نتاجا أصلا لتراجع الفكر القومي العربي، والانحسار العروبي الذي شهدته دول الخليج العربية في السنوات الطويلة الماضية ، وتنامي النزعات الانعزالية.
الحديث عن هذه القضية يطول جدا.
لكن أردنا فقط ان نثير هذه النقاط كي ندرك ان من العبث المطلق، وفي هذا الوقت بالذات، إثارة مثل هذه الأفكار حول موت القومية العربية، وما شابه ذلك.
حقيقة الأمر ان مثل هذه الأفكار هي اليوم أفكار انتحارية بكل معنى الكلمة.
نعني ان هذه الأفكار في جوهرها أشبه ما يكون بدعوة الى الانتحار، أو الى الاستسلام في مواجهة الأخطار والتهديدات لعروبة وأمن الخليج.
ملاحظة:
نُشر المقال هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق