وجهات نظر
علي الكاش
نود الإشارة بادئ ذي بدء إلى أن المهدي لم يظهر في ليلة القدر كما وعدنا أصحاب (أنت في زمن الظهور). ولا نلومهم مطلقا على ادعاءاتهم الباطلة، فموقفهم المخزي مع أتباعهم والقراء اصبح محرجا للغاية فهم في موقف لا يُحسدون عليه!
لقد كنا على يقين بأن الوهم لا يمكن أن يتجسد كرؤية حقيقية للعيان. كما إن هذا الوهم عرف عنه النكث بالوعود والعهود لا عتب عليه، والعتب على الواهمين به. فهل من يختفى خوفا من قوى الإستكبار العباسي سيتمكن من مقارعة قوى الإستكبار الأمريكي؟
كما إن بعض الاخوة من الكتاب والمثقفين إعترضوا على تمييزنا بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي، مدعين بأنه لا يوجد ما يسمى بالتشيع الصفوي!هناك تشيع واحد فقط. ولأن هذا الأمر خطير جدا وفيه إنعكسات سلبية على مذهب آل البيت رضوان الله عليهم، فإننا سوف نناقش الموضوع بمبحث مستقل بعد الإنتهاء من هذا الموضوع الشائك.
ليس من الصدف ولا من مستحدثات الأمور توظيف الدين لخدمة السياسة. فهذا الأسلوب معروف منذ فجر التأريخ. لأن الدين بلا جدل هو أفضل الوسائل وأنجحها لتحقيق الأهداف السياسية، مع الأخذ بنظر الإعتبار مستوى تطور المجتمعات الإنسانية وتباين الأهداف والوسائل السياسية وتأثير العوامل الإقتصادية والإجتماعية والنفسية. صحيح إن العامل الروحاني يتناسب عكسيا مع مستوى التطور الثقافي الإقتصادي والوعي الإجتماعي. لكن هذه المعادلة غالبا ما تتعرض للخلل والتصدع في كثير من الأحيان لأسباب عديدة كما هو الحال في العراق الجديد.
إن مصيدة السياسيين تحوي قطعاً من أجبان تثير شهية جراذين الدين الشرهة، فيسيل لعابهم لها، ويدخلوا المصيدة بكل سهولة. ويبذل السياسيون على طول الخط جهودا كبيرة لتطويع رجال الدين ليكونوا خواتم في أصابعهم الصغيرة، وغالبا ما يكون النجاح حليفهم!
فالمزايا الدنيوية كالمال والجاه والنفوذ هو حجر الأساس لبناء هرم الولاء السياسي.
وأحيانا أخرى يبنى الهرم من أنقاض الجهل والتخلف والفقر والجوع الجمعي. لذلك لا وجه للغرابة عندما لبس نابليون عمامة تضاهي عمامة السيستاني ليلتقي برجال الدين ويناقشهم مسائل فقهية معقدة في الدين الإسلامي إستعد لها مسبقا مستعينا برجال دين مسلمين وبعض المستشرقين، ولصق صورته بالعمامة في أرجاء مصر المستعمرة مرفقة بكراريس ومنشوررات تؤكد إنه أحرج البابا بسبب عشقه الشديد للإسلام، وبات هائما لايطيق البعد عن أحبابه المسلمين! وإنطلت الخديعة على الشعب المتخلف الجاهل لشؤون دينه ودنياه! ومازال الغرب يمارس نفس الخديعة مع الشعوب العربية والإسلامية، والمصيبة إننا لازلنا نتقبلها برحابة صدر كأنما العقل العربي نائم في سبات طيلة قرون ماضية ولم يستفق بعد. الأنكى منه أن تنطلي نفس الخديعة على الشعوب الأوربية أيضا. والغزو الأمريكي للعراق أبرز دليل على ذلك.
فقد وظف وزير الدفاع الأمريكي السابق (دونالد رامسفيلد) الإنجيل لخدمة الغزو مستعينا بنصوص من الأسفار سطرها على التقارير العسكرية أو روجها كشعارات كتبت على الطائرات والدبابات الغازية. وقد وصفت إحدى المجلات الأمريكية هذه الدعاية بأنها "تشبه شعارات الحروب الصليبية". كما إن إسخدام الرئيس بوش كلمة (crusade) لتبرير تحرير العراق على حد زعمه، التي فندها المحلل السياسي (سوماس ميلني) في صحيفة ذي غارديان 20/2 /3200 بقوله "إن إعادة استعمار العراق لا يمكن أن يسوق كتحرير". وبرر الإعلام حينها غلطة بوش بأنها زلة لسان. وكلنا نعرف إن الرئيس الأمريكي لا يتفوه بكلمة دون أن تمر على سلسلة من المستشارين ولا تتزحلق من فمه للخارج إعتباطا. كما إن وزير خارجيته كولن باول كررها ثانية! وهذه المرة لم يعلق الإعلام على الكلمة ولم يدَّعِ إنها مجرد زلة لسان!
الإمام المهدي يمثل تهديدا خطيرا للإدارة الأمريكية وفقا لتحليلات فقهاء السحر والشعوذة واصبح مصدراً لإزعاج الامريكان أكثر من الإرهاب نفسه، فهو شغلهم الشاغل بإعتباره محور حربهم القادمة وليس الحرب ضد الإرهاب. لذلك ألزم البيت الأبيض مفكريه وعلمائه لدراسة كل الأحوال المتعلقة بالمهدي منذ الاختفاء الميمون وحتى الظهور المأمون! ولديهم أضابير خاصة بأبيه الأمام العسكري وأمهاته المزعومات نرجس وصقلية وسوسن وكذلك عمته وعمه وأقاربه وكل من إلتقى به حتى الذين إدعوا بإنهم المهدي وغالبيتهم من المجانين والمشعوذين!
وتشير مراجع الدجل والشعوذة بأن ملفات الإمام في البنتاغون تزن أطناناً من الورق، وآلاف الأقراص الليزرية تضم كل من ما يتعلق بالمهدي ولو بإشارة صغيرة. وأسست شعبه سرية مهمة في وكالة المخابرات الأمريكية لمتابعة موضوع المهدي وتم تكليف مراكز البحوث الاستراتيجية بإعداد دراسات وتحليلات عن هذه الشخصية الخطيرة المهددة لمستقبل أمريكا خلال السنوات القليلة القادمة. سيما إن الخميني أكد بأن أولاده سيعيشون ظهور القائم وكذلك أكد الرئيس أحمدي نجاد هذا الزعم عدة مرات مدعيا "إن المهمة الرئيسية لحكومتنا تتلخص في تمهيد الطريق لعودة الإمام المهدي". وكذلك ربط الخامنئي قيام الدولة لإسلامية العالمية "بحتمية ظهور زعامة المهدي المنتظر" وأكد الشيخ المصباح اليزدي بقوله "إننا نعيش في زمن الظهور".
والعسير في الأمر انه لم يرد بشكل مباشر أو غير مباشر في مصادر الإمامية بأن خطة المهدي تتضمن هجوما مدمرا على أمريكا، فالأحاديث لم تتناول سوى بضعة أمصار في الشرق كان أعظمها وأبعدها القسطنطينية. وكذلك عشائر لا تزيد عن (70) عشيرة ولم يرد فيها أسماء عشائر امريكية مثل آل جونسون وآل كابوني وآل ستيوارت وآل كندي.
وألفت عشرات الكتب لتؤكد ب (انك في زمن الظهور) وإستندوا فيها إلى علامات ومؤشرات لحوادث يمكن أن تنطبق في كل زمن ومكان، مما حدا بقوى الإستكبار العالمي على إتخاذ تدابير اليقظة والحذر قبل إعلان حالة الطوارئ القصوى. سيما إن بعض المصادر الصفوية المطلعة على الخطط الحربية للقائم وتحركاته تؤكد بأن إستحضاراته الحربية قد إكتملت ولم يبق سوى إعلان ساعة الصفر.
وأشار البعض إلى وجود قواعد عسكرية للإمام المهدي في مثلث برمودا وهي وراء سقوط الطائرات (المشكلة جميعها مدنية وليست حربية) وإغراق السفن (جميعها تجارية وليست حربية).
ومن المعروف أن الإعلام الأمريكي غالبا ما يحضر نفسه لخدمة اللوبي السياسي من خلال ضخ الأفلام والمسلسلات التي تستقطب إهتمام الناس وتخلط السم بالعسل. ففي عام 2007 أنتج فلم (313) وهو يعني بقصة القائم ويرمز العنوان إلى عدد أعوانه المخلصين الذين يومنون خروجه. والطامة الكبرى إن رجال الدين العرب نفخوا في نفس البوق الأمريكي. فالسيد محمد صادق الصدر (نوَّرنا) بمعلومات إستخبارية واستغفالية إستقاها ربما من أحلامه الوردية أو الزهايمر بقوله "يوجد في الأخبار ما يكفي من إن امريكا قد أسست منذ عدة سنوات ربما (10) سنين ما يسمى بقوات التدخل السريع تحسبا لظهور المهدي (ع) وليس لشيء آخر. كما إنها افتعلت حرب الخليج لأجل أن تملأ الخليج بالبوارج الحربية تحسبا لظهور المهدي (ع)".
وتابع الصدر الأب "كما إنه من الأكيد إن له في البنتاغون ملفا كاملا وضخما عن أخباره التي تستطيع امريكا جمعها، حتى قالوا إنها تفتقر إلى الصورة الشخصية وهي طبعا مفقودة" وبلغة غريبة يضيف "ولاشك إنه تأخذ بنظر الإعتبار في كومبيوتوراتها السياسية – معذرة من شركات الحاسوب- كأحد أهم المحتملات – معذرة من اللغويين- للتغيير الإجتماعي الممكن حصوله في الشرق المسلم- معذرة من علماء الإجتماع- طبعا مع التعتيم العام على كل هذه الامور. وعلى أي حال من الحكمة الإلهية إخفاء موعد ظهور المهدي وبقاء الموعد غامضا مجهولا". وبذلك أفنى الصدر كل دعاوى (إنك في زمن الظهور).
وسار الإبن مقتدى على خطى (السيد الوالد قدس سره) خاطفا الأنظار من حوله بأنه تمكن- وربما بمساعدة مستشاريه الأفذاذ كالعلامة أبو درع والفهامة سعد سوار، وعناصر جيشه الواعي المتطور النزيه الذي يضم النخبة الكبرى من العلماء والمحللين السياسيين والقادة العسكريين والإكاديميين وخبراء تحليل الجفرة، من اكاديمية مريدي، تمكن من سبر أغوار الدهاليز السرية للمخابرات الأمريكية وكشف جميع ملفات القائم ذات الطابع السري للغاية. وبشَّرنا بأنه حيَّر البنتاغون الذي حيَّر العالم! كما عجزت وكالة المخابرات الامريكية عن منازلة المخابرات الصدرية على حداثتها وفقرها التقني وهي منظومة صغيرة تابعة لجهاز مخابرات القائم.
الحرب السرية بين المخابرات الأمريكية والصدرية لم تكن تعرف لو لم يكشفها الصدرين الأب والإبن أمام الرأي العام. ففقد الأمريكان بذلك ميزة المباغتة التي أصبحت بقبضة القائم فقط! وهي ميزة مهمة في الحروب. تساءل الصدر الإبن أمام جمهوره في مسجد الكوفة: "هل سألتم أنفسكم" ماذا قدمت امريكا الظالمة للشعب العراقي غير ما تشاهدونه من قتل ودمار"؟ وأجاب على سؤاله "ما ذلك الا ترصدا لظهور المهدي (عج)"؟ ثم طرح جميع أوراق اللعبة على الطاولة بقوله "القوات الأميركية لم تأت إلى العراق من أجل السنة أو الشيعة، وإنما جاءت وفق معتقدات أيديولوجية يمينية غربية، للتصدي لخروج المهدي المنتظر منالعراق"!
لاشك إن هذا التصريح المقتدائي أرعب الإدارة الأمريكية التي كانت تركز إهتمامها إلى إيران على إعتبار إن الرئيس نجاد وليس جلال طالباني من يمهد لظهور المهدي! ولم تدرج في حساباتها إن الظهور سيكون من الكوفة وليس خراسان! وهذا يعني إن جميع خططها قد أخفقت وتحتاج إلى وقت طويل لتعيد حساباتها وتعدل خططها الحربية. وهذه ميزة إستخبارية مضافة لصالح القائم. فالوقت عامل حاسم في الحروب العادية فكيف بحرب كونية مدمرة بين قوة حقيقية وأخرى غيبية؟
لكن لو نظرنا لهذ الموضوع من زاوية أخرى سنجد إن الصدر الإبن قدم خدمة -لا نعرف إن كانت مجانية أو مدفوعة الأجر- للرئيس الاحتلالي بوش، وذلك من خلال تحويل الإنظار عن القصد الحقيقي لغزو العراق. وهذا الطرح يتوافق مع فتوى السيستاني بالتعاون مع الامريكان وعدم رفع السلاح بوجههم. علما إن السيستاني والصدر يتسلمان التوجيهات من نفس غرفة الحركات في طهران. كما أن أمر الصدر لأتباعه بتسليم أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة للأمريكان- مقابل ثمن- وكذلك مناشدته لجيشه بمواجهة الأمريكان بالطرق السلمية، أي دون إراقة قطرة دماء بقوله "هذه الحرب أريدها حرباً سلمية ضدهم ولا أريد ان تراق قطرة دم واحدة، قاتلوهم بحرب شعبية سلمية" كل هذه الأمور صبَّت في صالح الإدارة الأمريكية لتحويل الانظار عن اهداف الغزو الحقيقية.
الأنكى من ذلك إنه في الوقت الذي يفضح بعض السياسيين والإعلامين الغرض من غزو العراق فإن زعماء العراق الجديد يغطوا عن حقيقة الأهداف!
مثلا قبل الغزو بثلاثة أعوام ذكر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق هارولد براون وهو يدلي بشهادته أمام الكونجرس "إن التراجع المتنامي لأمن مصادر الطاقة يمثل أكبر تهديد لأمن الولايات المتحدة على المدى البعيد". وذكر الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر في آخر خطاب له كرئيس بأن "أية محاولة تقوم بها قوى خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي ستعتبر تهديدا للمصالح الحيوية للولايات المتحدة وتستلزم مواجهتها بكافة الوسائل بما في ذلك القوة العسكرية". وإعتراف نائب وزير الدفاع الامريكي بول ولفوفيتز خلال زيارته لسنغافورة والذي نشرته صحيفة الغارديان بتاريخ 4 حزيران 3200. حيث جاء فيه "لم يكن أمامنا أي خيار اقتصادي في العراق فالبلد يسبح على بحر من البترول". وذكر دان مورغان في مقال نشره في صحيفة واشنطن بوس في19/9/2002 "إن مصادر المعارضة العراقية أكدت بأن إسقاط نظام صدام من شأنه فتح أبواب كنز هائل لشركات النفط الامريكية". وفي 03ايلول عام 2002 نقلت صحيفة هاآرتس الاسرائيلية عن عضو مجلس النواب الامريكي توم لانتوس (Tom Lantos) قوله لمسؤول إسرائيلي "لا تقلقوا فلن تجابهوا أي مشاكل مع صدام، سنضع في مكانه دكتاتورا مواليا للغرب يكون جيدا لنا ولكم". أي الغرض من الغزو هو النفط وأمن إسرائيل كما إعترف بوش ورامسفيلد. أي ان النفط العراقي هو المنتظر في عيون الامريكان وليس الإمام المهدي!
لم يخطر على بال الأمريكان بأن حروب المهدي تتخذ أشكالا هلامية لايمكن أن يتوقعها البشر مهما أتوا حظا من العلوم والمعارف والتقنيات، ليعدوا لها من إحتياطات وخطط بديلة. الحرب خدعة فكيف بمن تدعمه الملائكة وهي رهن إشارته، ولديه جند عمالقة وبقوة خارقة، وناطقه الرسمي جبرائيل! إنها حرب الكهرباء هذه المرة وما أدراك ما حرب الكهرباء! قصة هذه الحرب تمثل تماديا خطيرا في الجهل المعرفي وفقرا مدقعا بأبجدية العلوم السياسة والعسكرية وإنحرافا خارقا عن جادة الصواب. لقد فجر الصدر الابن قنبلة إعلامية أشد تأثيرا وفتكا بأسماعنا من قنبلة (السيد الوالد قدس سره) فقد صرح بأن إنقطاع التيار الكهربائي في الولايات المتحدة الأمريكية كان درسا بليغا من الإمام المهدي للأمريكان بسبب إعتدائهم على رايته في العراق.
فمن غرفة حركات مسجد الكوفة وفي خطبة الجمعة أطلق خطبته هذه مضيفا "بأن إعتداء الأمريكان على راية الأمام المهدي المنتظر رئيس المسلمين كان بمثابة درس للأمريكان" مضيفا ببراعته البلاغية الساحرة "وقد قابلهم المهدي بمعجزة من داخل إمريكا حيث كان إنقطاع التيار الكهربائي عنهم لمدة ليست بالقصيرة لهم". وربما يجهل البعض ما مقصد الصدر من راية رئيس المسلمين. فقد رفع أحد الجنود الأمريكان خلال إحدى الصدامات مع جيش المهدي في مدينة الصدر علما علق على عمود كهرباء يحمل رمز (عج).
ويبدو أن الصدر أيضا على إتصال بالقائم فقد ذكر بأن "إنقطاع التيار عنهم هو بمثابة إنذار لكي لا يكرروا هذه الإعتداءات، لأنهم بذلك يحفروا قبورهم بأيديهم". وبلهجة تحذيرية حازمة أضاف "بعد أن إعتدوا على راية الإمام المهدي أصبحت المدينة بالنسبة لهم جحيما". لكن توظيف الصدرين، الأب والابن، لقضية المهدي لا يعد شيئا أمام توظيفه في الحكومة الإيرانية وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا، إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق