وجهات نظر
مثنى عبدالله
ليس للانسان الا فسحة الامل، تلك التي يواجه بها العراقيون أنفسهم التي تصرخ يوميا: ما أضيق العيش.
لكن هل يستقيم الامل وسط كل هذه المظالم التي أتت على الاخضر واليابس؟ وكيف لنا أن نجعل من مناسبة العيد بارقة ضوء في نفق مظلم يحشد فيه الطائفيون كل قواهم، ويصرون على تذكيرنا يوميا وفي كل مناسبة باننا لسنا سوى طوائف وملل ونحل، ألقت بنا الاقدار في هذا البلد، وحان الوقت كي نصفي حساباتنا مع بعضنا البعض؟
فها هو رئيس الوزراء العراقي اختار أن يوجه رسالة التهنئة الى العراقيين في اليوم الذي احتفلت فيه طائفته بالعيد، وليس في اليوم الذي سبقه، والذي احتفلت به الطائفة الاخرى. ألم يكن من الاجدر أن ينأى بنفسه عن هذا الانحياز، أم أنه مازال مصرا على تعريف نفسه بالطائفة وليس بالوطن؟ ولماذا هذا الاصرار على العيش في الحدود الضيقة، وعدم الانطلاق الى رحاب الوطن الذي هو أوسع من كل الطوائف والقوميات؟ يقينا أن الجواب على ذلك موجود في ذهن كل عراقي يؤمن بأن الوطن هو الخيمة وليس الطائفة، وهو أن من يقودون البلد هم مجرد زعماء طوائف وليسوا رجال دولة، والفرق بين الصفتين كبير وعميق جدا. فرجال الدولة هم نخب تاريخية وطنية لديها الامكانات الذاتية لوضع الدولة على الطريق الصحيح والمسار الناجع، بينما زعماء الطوائف ليس من صالحهم إنهاء المشاكل التي تواجه الاوطان، لان ذلك يعني فقدان رصيدهم أمام المشروع الوطني. وكعادته راح يوزع الامنيات في كل حدب صوب، ويدعو شعبنا وشركاءه في العملية السياسية للوحدة ونبذ التفرقة والسير في طريق الحق والايمان بالقيم الفاضلة، لكن ما الذي قدمه هو من موقع المسؤولية الاول في الدولة الذي تسنمه على مدى ولايتين؟ ان رسالته الاخيرة بمناسبة حلول عيد الفطر توضح بجلاء تام تناقض الاقوال والافعال، والطلاق بين الفكر والممارسة التي يعتمدها في تنفيذ سياساته، واستمرار عنجهية الغرور بنفسه رغم الفشل الذريع، فعندما يؤكد على ضرورة ان ينبذ العراقيون دعوات التحريض والطائفية ويضعوا أيديهم مع بعضهم البعض لبناء الوطن، فهل حقق هو ذلك في فكره وممارساته على مدى ولايتين، كان ومازال فيهما هو القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الداخلية والدفاع والامن الوطني ورئيس المخابرات، اضافة الى رئاسة الوزراء؟ ألم يكن هو المحرض الاول على الطائفية حينما شتم المتظاهرين السلميين ووصفهم بابشع الصفات، ثم حرض عليهم المليشيات الطائفية كي تقتل قياداتهم وتخطف الاخرين، ثم أطلق عليهم قواته الخاصة كي ترتكب بحقهم مجزرة الحويجة؟ ولماذا يذهب لدعوة الشركاء السياسيين للتنافس في ما يخدمالعراق ويعزز وحدته على حد قوله، وهو الذي وصفهم قبل ايام قليلة بالفاشلين الذين خدعوه في موضوع اصلاح الكهرباء والنهوض بالخدمات، وان الكثير منهم متورطون بقتل الشعب العراقي؟ فهل يمكن النهوض بالوطن وتوفير العيش الكريم له في ظل طاقم سياسي كهذا؟ واذا كانت ثروة العراقالاكاديمية، كما يقول، تقع في صلب اهتماماته وهو مؤمن حقا بدور علماءالعراق ورجال الدين فيه وفنانيه وأدبائه واعلامييه ورياضييه، فعلام لم يحفظ كرامتهم ولم يمنحهم الدور اللائق بهم، حتى سالت الكثير من دمائهم على قارعة الطريق بكواتم الصوت، أو بقوات ‘سوات’ التي تأتمر بأمره، كما حصل مع مدرب نادي كربلاء الذي تهشّم رأسه بهراواتهم في مباراة محلية؟ أما دعوته للمرأة العراقية كي تأخذ دورها في رفد كافة ميادين الحياة بعلمها ونشاطها، فهذه حقا مفارقة كبرى، لان نساء العراق بتن اليوم إما أرامل يعانين من شظف العيش بدون معيل، أو يقضين أيامهن ينتظرن مقابلة أزواجهن أو أشقائهن عند أبواب السجون والمعتقلات، أو يجلنّ العراق من شماله حتى جنوبه بحثا عن مفقود من ذويهن. واذا كان يتصور أن دعوته للعشائر العراقية والعمال والفلاحين والكسبة والصناعيين للتعاون مع أجهزة الدولة ممكنة، فعليه ان يبني دولة وأجهزة حقيقية ويعزز مفهوم الدولة في خدمة المواطن وليست عدوة له، عندها فقط يمكن تحقيق ما يدعو اليه.
أما بشان دعوته لفئة الشباب ليكونوا عونا لبلدهم وسندا لامنه واستقراره، فذلك مرتبط ارتباطا وثيقا بالبنى التحتية التي ينبغي توفيرها لهم كي يستخدموها في عملية النهوض، وهو في الواقع حلم بات بعيد المنال، دليلنا عليه هذه الاعداد الغفيرة من الشباب العاطلين عن العمل، الذين أصبح حلمهم الوحيد هو هجرة الوطن الى أي مكان في العالم. لقد نسي طاغية العراق، وهو يوجه خطابه هذا الى العراقيين، أنه يقف على أشلاء أكثر من الف شهيد هو المسؤول عنهم، سقطوا في تفجيرات اجرامية في شهر رمضان المنصرم، الذي وصف بانه الاكثر دموية منذ اكثر من خمس سنوات، وأن قدميه تخوضان في دمائهم الغزيرة التي لم يحقنها ويحافظ عليها من أجل بناء العراق، ولو كان يعي معاني الكلمات التي استخدمها في خطابه لترك المسؤولية الى من هم أجدر منه، لكن الطائفية التي تتملكه لم تترك له حيزا بسيطا للتفكير في مستقبل الشعب والوطن، فمازال مصرا على اعادة استخدام نفس التجارب التي استعملها طوال فترة حكمه، والتي جلبت لنا الكوارث، ظنا منه بأنه قد يحصل على نتائج أخرى مغايرة وهذا محال. لذلك لم يعد أمام كل القوى الفاعلة في المجتمع سوى المطالبة الحقيقية باحداث تغيير جذري في الواقع العراقي، من خلال تغيير الدستور والعملية السياسية وبناء مؤسسات وطنية طاردة للطائفية والطائفيين، واجراء انتخابات نزيهة تضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتحقيق العدالة ورفع المظلومية عن الجميع، من خلال بناء قضاء عادل ونزيه، يعطي كل ذي حقه بعيدا عن التأثيرات الطائفية والعرقية والانتماءات الحزبية التي وضعت الابرياء خلف القضبان وأطلقت المجرمين. اننا في الوقت الذي نبارك فيه مساعي الشيخ الدكتور عبدالملك السعدي في طرح القضية العراقية على ممثلية الامم المتحدة في العراق، ومطالبته بايجاد حلول جدية لها، على الرغم من ايماننا بأن هذه المؤسسة تفتقر الى النزاهة والحيادية، نرى أن على كل السلطات المعنية في المجتمع ممثلة برجال الدين وغيرهم التحرك في كل الخيارات الاخرى للخروج من المأزق، فهي مسؤولية وطنية ينبغي ألا تبقى في أيدي جهلة السياسة ودهاقنة الفساد المالي، لان الزمن لم يعد يعمل في صالح أحد في العراق الذي يتعرض الى حملة ابادة جماعية. فهل يحق للطاغية أن يلقي على أسماعنا كلاما معسولا، بينما يتباهى قادة أجهزته الامنية والعسكرية باعتقال أكثر من 500 مواطن في حملة عسكرية وأمنية في مناطق حزام بغداد التي يستغيث سكنتها من هول حملة ما يسمى ‘ثأر الشهداء’؟
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق