وجهات نظر
نزار السامرائي
من اللافت أن يستقبل بعض السياسيين ومراقبي المشهد العراقي، قرار المحكمة الاتحادية بنقض قرار مجلس النواب الذي كان قد اتخذه قبل عدة شهور بقصر ولاية الرئاسات الثلاث على دورتين فقط، بالدهشة والاستغراب اللذين ظهرا على المسرح السياسي العراقي مثل طفح غريب، على نحو يمكن أن يفسر المتابعون لمجريات الأحداث في العراق هذه الدهشة على أنها شهادة حسن سلوك في غير محلها تعطى لكل من السلطتين القضائية التنفيذية.
من أبدى الاستغراب لقرار المحكمة الاتحادية المذكور والمتوقع، هو واحد من اثنين إما ساذج حد البلاهة ولا يصلح لممارسة العمل السياسي الذي يجب أن تتوفر له آليات وملكات ومهارات في مقدمتها الفطنة والذكاء الحاذق إضافة إلى الذاكرة القوية كي لا يقع في فخ الكذب المكشوف، هذا كله يجب توفره في من يتصدى للعمل السياسي في أي مكان وخاصة في العراق، كي لا يسمح بعبور شيء فوق كتفه من دون أن ينتبه له ويتعامل معه بما يستحق.
وإما مصاب بقصر نظر سياسي ولا يستطيع رؤية الأمور كما هي فيضع لها مساحيق لتجميلها أو مضادات حيوية للقضاء على ما أصابها من أورام مزمنة لا أكثر، ولكنه في كل الأحوال شخص أو طرف مغلوب على أمره ومضطر لمجاملة أطراف العملية السياسية الذي هو جزء منها ولا يستطيع توجيه الطعون لها لأنه حينذاك كمن يلعن نفسه.
ولكن المحكمة الاتحادية قامت بمناورة ظنت أنها ستنجيها من تهمة السقوط في جيب المالكي، وذلك عندما قررت تأجيل الإعلان عن قرار اتخذه نوري المالكي من اللحظة الأولى التي خرج فيها قرار مجلس النواب من مبناه إلى مبنى المحكمة، فالمحكمة ليست أكثر من لجنة صغيرة في مكتب رئيس الوزراء تتلقى الأوامر من أحد موظفي الدرجة الثامنة في دائرة المراسم في المكتب، على الرغم من أنها تطرح نفسها سلطة ثالثة لها وجاهتها المفترضة.
فهل كان نوري المالكي بحاجة إلى قرار المحكمة الاتحادية لتأكيد التصاقه بكرسي رئاسة الحكومة ومنصب القائد العام للقوات المسلحة وبقية المناصب التي لم تجتمع يوما في شخص واحد في أية دولة في العالم، حتى جعل هذا النهم والحرص على المنصب والتهالك عليه، من العراق أضحوكة بين دول العالم الراقية والمتخلفة على حد سواء؟
كان المالكي قد وضع في جيبه وعلى لسانه حجة باتت سمجة من كثرة تكرارها، وهي أن مشاريع القوانين إن لم تخرج من مجلس الوزراء وتذهب إلى المجلس النيابي، فإنها لن تكون ملزمة للحكومة، فضلا عن أن المالكي سيدفع بعدم دستورية قرار مجلس النواب الذي حدد ولاية رئيس الجمهورية بدورتين وسكت عن منصب رئيس الوزراء، ولو أن من كتب الدستور أو ترجمه كان يعرف أن نوري المالكي سيستميت في الالتصاق بهذا المنصب والوجاهة التي يوفرها، لوفر على السياسيين جهدهم وحسم المعادلة من اليوم الأول وقال بأن ولاية رئيس الحكومة هي التي يجب أن تقف عند حدود الدورتين وليس منصب رئيس الجمهورية الذي لا يتمتع بصلاحية المنح أو المنع، مع أن المالكي جند دور جلال الطالباني قبل مرضه الطويل، ليمنع حجب الثقة عنه، فالمالكي يقاتل على كل الجبهات من أجل البقاء في هذا المنصب المغري.
لذلك كان المالكي ومنذ الأيام الأولى واثقا أن موظفي المحكمة الاتحادية سيحكمون لصالح نقض القرار، وذلك حينما أعلن أكثر من مرة بأن منصب رئيس الوزراء يمكن الاحتفاظ به لدورتين أو ثلاث أو أربع أو عشر، وهو حينما يتحدث بهذه اللهجة المستكبرة، فإن موقفه قطعا كان سيتغير لو أن شخصا أكثر نجاحا منه قد تمسك بهذا المنصب، وموقفه معروف مع إبراهيم الجعفري وليس بحاجة إلى إعادة السرد.
فهل كان المالكي لاعبا وحيدا في ساحة من دون خصوم حتى يستخف بالشعب كله إلى هذه الحدود غير المحتملة؟ أم أن خصومه ضعفاء على هذه الصورة المخجلة فمكنوا له في العراق وتركوه له لقمة سائغة ليلتهمها دفعة واحدة، حتى صادر إرادته الوطنية ورأيه وثرواته وقراره السياسي المستقل؟
أم أن هناك لاعبين آخرين ولكننا لم نتمكن من رؤيتهم حتى الآن لغياب دورهم وصوتهم إما لأنهم ارتضوا بأن يكونوا إمعات وسط غابة مليئة بالذئاب والكواسر؟ أم أن المالكي استطاع شراء الضمائر القابلة للبيع والشراء في البورصة السياسية التي لا تبعد كثيرا عن المنطقة الخضراء ولكنها بعيدة عن الأخلاق وما تفرضه من التزامات على أطرافها داخل اللعبة أو على تخومها.
في كل الأحوال يبدو أن المالكي الذي التصق بالمنصب بحاجة إلى عملية جراحية لفصل التوأم السيامي المتداخل معه من جهة القلب والكبد والرئتين، وهي من العمليات الجراحية الكبرى، التي تعني التضحية بأحدهما، وأين يمكن أن نعثر على الطبيب القادر على اجرائها؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق