موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

العراق.. محاولات إعادة الهيبة الى عرش السلطة

وجهات نظر
مثنى عبدالله
على خطى الطغاة الكبار في البيت الابيض، باشر طاغية العراق بتوجيه كلمة أسبوعية الى العراقيين، كانت بدايتها يوم الاربعاء من الاسبوع الماضي، في محاولة منه لاستعادة آخر قطرة هيبة، تلك التي كانت مُعلقة في سقف مكتبه فسقطت في واقعة اقتحام سجني أبو غريب والتاجي في ضواحي بغداد.
وقد رافق هذا الفعل الاعلامي تحركات على الصعيدين السياسي والعسكري، للتقليل من وقع الصدمة التي ألمّت بالسلطة بجميع أحزابها وتياراتها وشخوصها، كان من أبرزها اللقاء الذي جمع وزير الخارجية العراقي مع نظيره الامريكي، وانطلاق ما يسمى عملية ‘ثأر الشهداء’، والتركيز على قرب حصول العراق على أسلحة أمريكية متطورة، وتفعيل التعاون الامني بينهما، وتسريب أنباء ايرانية عن وجود خطة اغتيال للمالكي وبعض قادة البيت السياسي الشيعي
ولعل من يقرأ هذه الشواهد كلها يجد ان القاسم المشترك الاعظم بينها هو النفير العام للقوى الناعمة والعارية التي تمتلكها السلطة، في محاولة لاعادة البناء النفسي لتلك القوى التي تدحرجت في واقعة اقتحام السجون الاخيرة. 
فالحادثة لم تكن اطلاقا ومضة عابرة تفصح عن امكانيات مادية ومعنوية كبيرة، وتخطيط عسكري عال المستوى يمتلكه الطرف الذي قام بالعملية فحسب، بل فضح هشاشة بناء الاجهزة العسكرية والشرطية والاستخباراتية القائمة الان، التي تباهى الكثيرون بأنها بنيت بأيدي أقوى دولة في العالم على مدى عشر سنوات مضت، وأن كوادرها قد تخرجوا من الاكاديميات الامنية لحلف الناتو، لكن تبين أنه حتى حلف الناتو تفاجأ بالعملية، خاصة أنها كانت الاكبر في سلسلة علميات متشابهة حدثت في دول تعتمد العقيدة العسكرية والامنية الامريكية، لكن المفاجأة الاكبر كانت في صفوف قوى السلطة الحالية وضامنيها الدوليين والاقليميين. فالضامن الامريكي أرسل سرا وعلى عجل وفدا أمنيا للاطلاع على هوية الذين هربوا من السجنين، خاصة أنهم هم الذين القوا القبض عليهم وقاموا بالتحقيق معهم ثم سلموهم الى السلطات الامنية العراقية عندما غادروا، وعندما وجد أن الهاربين هم من الرؤوس الكبيرة التي تهدد المصالح الامريكية في المنطقة، خاصة البعثات الدبلوماسية، اضافة الى تهديد العملية السياسية وأمن المنطقة الخضراء وشخوصها، التي من مسؤوليته حمايتها وفق معاهدة التعاون الاستراتيجي القائمة بين البلدين، فان الوفد الامني الامريكي استغل الظرف واشترط على الجانب العراقي اتخاذ خطوات عملية على الارض، لايقاف كافة أشكال التعاون والدعم الذي يقدم الى النظام السوري مقابل تفعيل وتعزيز التعاون الامني الذي الح الطرف العراقي في طلبه، بل ذهب الطرف الامريكي الى أبعد من ذلك، عندما طلب وزير الخارجية الامريكي موقفا معلنا بهذا الصدد من نظيره العراقي أمام الاعلام، كي يضع الطرف العراقي أمام مسؤولياته.
أما الضامن الايراني فقد اتخذ من واقعة اقتحام السجون قناة لتمرير ما زعم أنه خطة لاغتيال المالكي وزعامات المجلس الاعلى حصرا. وقد كانت الغاية الايرانية من هذا التسريب هو زيادة حالة الارباك في أجهزة السلطة العراقية، وفي صفوف البيت السياسي الشيعي حصرا، لهدفين رئيسيين، أولهما أن بث حالة الخوف والهلع في هذا الوقت بالذات يؤدي الى أن يلملم التحالف الشيعي أطرافه ويعيد تكوير نفسه على نفسه، وأن يقطع الجميع حالة التصريح والتصريح المضاد والتجريح والتجريح المضاد التي سادت في الفترة الاخيرة.
فالعملية تستهدف لونا سياسيا طائفيا معينا حسب التسريب، وبذلك فان المصير واحد ولابد من مواجهة الخطر بارادة واحدة، وقد كان الاسرع فهما لهذا التخوف الايراني زعيم منظمة بدر، باعتباره الاقرب اليهم من الاخرين، فكان تصريحه الداعي الى إعادة اللحمة بين أطراف البيت السياسي الشيعي، مؤكدا أن مصير العراق مرتبط بمصير هذا الائتلاف. أما الهدف الايراني الثاني فهو الضغط على الحلفاء في العراق لتعزيز التعاون الامني الى مراحل أكثر تقدما مما هو موجود حاليا، وصولا الى تسليم الملف الامني في العراق الى الاجهزة الامنية الايرانية، وهو طموح ايراني بات أكثر الحاحا هذه الايام لازالة السدود التي صنعتها الاعتصامات في المناطق الغربية من العراق على خط التحالف الاستراتيجي الممتد بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت.
لذلك كانت الرسالة الايرانية الى السلطة في بغداد تؤكد أن المعلومات المتوفرة لديهم تقول، بأن واقعة اقتحام السجون انما هي مجرد تمرين تعبوي بالذخيرة الحية لفعل أكبر سوف يستهدف المنطقة الخضراء قريبا. وقد انبرى أحد جهابذة السلطة للدعوة لتسليم ملف الامن في العراق الى منظمة بدر، التي أنشئت ومُولت ودُربت من قبل ايران، وهي دعوة تتساوق تماما مع الغاية الايرانية من تسريب خبر خطة الاغتيال المزعومة. أما رد فعل السلطة على سقوط هيبتها فكان واضحا في كلمة الطاغية الى الشعب العراقي، حيث بين أن لا حل لديه سوى الحل العسكري، من خلال اعتقال أكبر عدد ممكن من المواطنين الابرياء في مناطق محددة دون أخرى، ومن خلال تجريف العديد من البساتين والممتلكات الخاصة بحجة انها مستعمرات بنيت للانطلاق منها لقتل أبناء الشعب العراقي على حد وصفه، بل أن رد فعله كان أكثر عنجهية وهو يؤكد في مؤتمر للشباب في محافظة بابل، على أن ما تسمى عملية ‘ثأر الشهداء’ ستستمر الى ما لا نهاية من دون التفات الى أية نداءات او اعتراضات من قبل الرأي العام المحلي والدولي، ثم عاد ليكرر اتهاماته الى الدول العربية المجاورة بدعم الاحداث الدامية في العراق، من دون أن يعطيهم نفس التبرير الذي جاء على لسان وزير خارجيته، عندما نفى علم الحكومة العراقية بوجود مليشيات يذهبون للقتال في سورية، وعدم وجود دعم عراقي للنظام، في اللقاء الاخير الذي جمعه بوزير الخارجية الامريكي.
لقد فقد الرجل توازنه وبما يمليه عليه الموقع الرسمي من ضرورة التحلي بالكياسة والشجاعة في مواجهة الصعاب، ولم يعد في جعبته سوى الدفع بعمليات تستهدف اشاعة الصدمة والترويع بين الابرياء، متوهما أنها السبيل الامثل لاستعادة الهيبة، بينما هي في الحقيقة حشد واستنهاض واسع للكراهية والبغضاء في الطرف المقابل ضده.
ان أقسى ما يواجهه الحاكم هو انتقال المعارضة السياسية من صفوف النخب الى صفوف الشعب، عندها تتحول الى حالة عداء شخصي وثارات ضد الحاكم لن تنتهي الا بنهايته أو بنهاية الوطن، والدول تبقى على قيد الحياة عندما يكون استخدامها للقوة شرعيا وليس لغرض اخضاع مواطنيها الذين خرجوا ضدها بسبب فقدانها الشرعية، فاضطهاد الابرياء يخلق جيوشا من الغرباء بالوطن الذي يشعرون بأنهم دفعوا ثمنا باهظا من دون ذنب اقترفوه.
ان الجرائم المقترفة من قبل السلطات الحالية في السياسة الداخلية لا يغطي عوراتها التأكيد على التحالفات مع الدول العظمى وتفعيل المعاهدات الامنية وغيرها، كما لن ينقذها أن تدلو بدلوها في مشاكل سياسية لدول أخرى مجاورة، لرسم صورة أنها لاعب أقليمي في المنطقة. انها غاية في المفارقة عندما يعلن طاغية العراق أسفه الشديد لسقوط ضحايا واراقة دماء في مصر ويدعو الى الحوار والحلول السلمية وعدم اللجوء الى العنف والاقصاء، بينما يعلن رسميا عن اعتقالات بالجملة وعن قتل أعداد كبيرة يصفهم بانهم إرهابيون ويقصي ويجتث، ثم يشير الى التفجير الذي حصل في ضاحية بيروت على أنه حلقة متقدمة في مسلسل الفتنة الطائفية، ويتناسى انه زعيم لحزب طائفي مغلق لمجموعة محددة من المجتمع، وأن كل السياسات التي اتبعها خلال ولايتين كاملتين كانت تثير الحساسيات الطائفية في الداخل والخارج. لقد نسي المالكي أن عوامل القوة لدى أية دولة هي في الاستخدام الامثل للسياسة وقوة الجيش والاجهزة الامنية الاخرى والاقتصاد والمعلوماتية، فهل يستطيع القول أيهم لديه؟
يقينا أنه لا يملك أيا من العوامل المذكورة، وبالتالي لن يستطيع حماية مواطنيه، الذين سيكون لديهم الاستعداد للبحث عن بدائل أخرى، وهو الذي سيحصل عاجلا أم اجلا.


ملاحظة:
نشر المقال هنا.

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..