وجهات نظر
عزيز الحاج
من الطبيعي أن تتجه أنظار العالم لسورية بعد المجزرة الكيميائية في غوطتي دمشق، والتي أثارت الضمير العالمي وغضبه ورعبه.
وطبيعي أيضا الاهتمام الاستثنائي بما يجري في مصر، حيث سيتقرر الكثير من مصير المنطقة.
هذا الاهتمام الاستثنائي بالحالتين السورية والمصرية طبيعي وواجب، ولكنه واجب أيضا أن لا ينسى العالم ما تتعرض له شعوب وأقليات من اضطهاد يومي ودموي على أيدي حكامها، وخصوصا هؤلاء الذين يشاركون مباشرة مع الأسد في المجازر السورية، كحكام العراق وإيران- دون نسيان دكتاتورية بوتين واغتيال المعارضين حتى خارج البلاد والعدوان على جورجيا..
ثمة أكثر من علاقة بين مساندة جزار دموي، سفك حتى اليوم دماء أكثر من مائة ألف إنسان بالقذائف النارية، وأكثر من 1200 سوري بالكيميائي، وبين إهدار أولئك الحكام لحقوق الإنسان في بلدانهم. فحقوق الإنسان لا تتجزأ، وسحق حرية المواطن وكرامته وعدالة القانون هو هدف الحكام المستبدين. والجريمة تبقى جريمة، إن كان الضحية عشرات أو مئات أو كانوا بعشرات الآلاف، فلابد للضمير العالمي أن يندد ويحاسب ويعاقب هنا، كما هناك. وبانتظار قرار أوباما عن سورية، بعد طول تعثر وتردد وتناقضات، [هذا إن جاء قرارا يعاقب على الجرائم المقترفة، وهو ما نرجوه]، نلاحظ أنه، في الوقت نفسه، يرسل الرسائل التطمينية والوسطاء إلى حكام إيران، الضالعين في المجازر السورية، والمواصلين لتدخلهم في الشؤون الإقليمية، وفي النشاط النووي العسكري. كما سيستقبل السيد المالكي، الضالع هو أيضا، مع المليشيات التي تحت أوامره، في تلك المجازر. وربما سوف يتلقى المالكي هدايا من الطائرات المتقدمة بحجة مكافحة القاعدة، بعد أن حجب أوباما بعض المساعدات العسكرية عن مصر عقابا على سقوط الإخوان في هبة شعبية شاملة. نكتب هذه الكلمة بعد صدور تقرير مندوب الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في إيران، وحيث يؤكد أن 85 بالمائة من السجينات الإيرانيات و25 بالمائة من السجناء يتعرضون بانتظام للاغتصاب. هذا مع ورود الأنباء المتكررة والمتتالية عن تنفيذ عشرات من أحكام الإعدام عشية رئاسة روحاني وبعيدها، وصدور أحكام بالرجم حتى الموت. وفي عراق سلطة المالكي، سبق، ومنذ شهور، أن تأكدت وقائع الاغتصاب أو التهديد به، وممارسات التطهير المذهبي في حزام بغداد. وهذا ما أن بينه أيضا القاضي منير حداد، الذي لا يمكن اتهامه بمعاداة أو منافسة المالكي- فضلا عن مجزرة الحويجة، ومطاردة أية مظاهرة سلمية في بغداد. وإذا كانت ضغوط حامنئي ومسايرته من وراء الموقف العراقي المساند للأسد، فإن هذا أيضا ما يمكن قوله عن سلسة هجمات العدوان المسلح الوحشية المتكررة على سكان لاجئي ليبرتي وأشرف، بما ينتهك أبسط حقوق الإنسان والمواثيق الدولية والوعود المالكية عندما تسلم العراق الإشراف عليهم من القوات الأميركية. ومنذ 8 آب الجاري، ثمة جريمة وحشية مرعبة جديدة تقترف بحق من بقي في أشرف وعددهم 100، وهي قطع الماء الصالح للشرب والمواد الغذائية والكهرباء عنهم. وربما هذا هو بمثابة "حسن استقبال" عراقي لفوز " الإصلاحي " إياه، روحاني، الذي تأمل منه الإدارة الأميركية الاستعداد لعقد "صفقة العمر" التي يعمل لها أوباما منذ ولايته الأولى. وإنه لمقرف ومفزع ألا يتعلم المتاجرون بمأساة الإمام الحسين من معاناته وعائلته غير تكرار ممارسات شبيهة بممارسات من غسلوا الأيدي بدمه وقطعوا الماء عن الأطفال والنساء! إن أحداث سورية ومصر الكبرى، تستحق وتستوجب مركزة الاهتمام العربي والدولي، كما أن جريمة بحجم قطع الماء والمواد الغذائية والكهرباء عن لاجئين سياسيين عزل، وجرائم اغتصاب النساء والرجال في السجون العراقية والإيرانية، يجب أن لا يهملها الضمير العالمي، خصوصا المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة، والمثقفون والكتاب المدافعون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي وفي أرجاء العالم الأخرى. إنها انتهاكات مدانة وجرائم لا تبررها أية حسابات وأحكام سياسية أو أيديولوجية. والإدارة الأميركية تتحمل مسؤولية خاصة عما يجري في العراق ما دامت تواصل تأييد السيد المالكي، وما دامت تعرف أن حكومته خرجت عن اتفاقات ووعود أعطتها من قبل لها. إن الصمت عن الجريمة تشجيع لمقترفيها.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق