موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

السبت، 31 أغسطس 2013

تسخين شرق المتوسط.. أي رسائل لأنقرة؟

وجهات نظر
سمير صالحة
أولويات السياسة الخارجية التركية التي تركزت في الأشهر الأخيرة على أزمات سوريا ومصر والعراق ولبنان جعلتها تهمل الكثير من الملفات والتطورات المتلاحقة التي تكاد تتحول إلى مواجهة دبلوماسية وأمنية حقيقية في أكثر من بقعة جغرافية محيطة بها. أبرز هذه القضايا هي المحاولات الجديدة لتسخين مياه شرق المتوسط، هذه البقعة التي دخل على خطها أكثر من لاعب إقليمي ودولي يريد أن يحصل على قطعة من قالب الجبن المدفون في قعر البحر وينتظر من يخرجه منذ سنوات.

بين آخر المستجدات العسكرية والسياسية المرتبطة مباشرة بمحاولة تغيير المعادلات والتوازنات للكشف عن ثروة هائلة من الطاقة ونقلها وتحويلها إلى قوة إنمائية اقتصادية استراتيجية في تنافس مباشر بين ثماني دول تريد أخذ حصتها المقدرة بمليارات الدولارات من النفط والغاز هناك، يبرز:
المناورات العسكرية المنوي تنفيذها في منتصف الشهر المقبل بين اليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل والتي تختلف عن المناورات السابقة بحجمها وأهدافها وطبيعة مهامها هذه المرة.
تمسك الرئيس الروسي بوتين بالحصول على قاعدة عسكرية جديدة في قبرص تكون بديلا لقاعدة طرطوس السورية التي يشعر النظام أنه سيخسرها بعد انجلاء الأمور في سوريا الجديدة.
تحرك روسي واسع في مناطق آسيا الوسطى والبلقان حمل وزير الخارجية التركي داود أوغلو للتوجه على جناح السرعة إلى باكو، فالتنافس الروسي - التركي في ذروته وحسابات النقلات على رقعة الشطرنج تفرض على أنقرة التركيز على كل مشروع أو اتفاق يعقد هناك لأنه سيكون على حسابها هي وعلى حساب لفكوشه قبل غيرهما.
الحديث عن تحرك أميركي عسكري بحري باتجاه السواحل السورية خطوة متعددة الجوانب وتعني الأتراك أيضا. واشنطن قد تستغل فرصة وجودها هناك لتذكير أنقرة بضرورة تغيير نهجها في التعامل مع هذا الملف الشائك والمتداخل. البيت الأبيض قد يتحرك أولا للإصرار على حل المسألة القبرصية والعمل ثانيا على إنهاء القطيعة التركية - الإسرائيلية بأسرع ما يمكن لقطع الطريق على مواجهة ساخنة في شرق المتوسط بين أهم حليفين استراتيجيين له في المنطقة، ودعوة أنقرة ثالثا للإسراع في تحديد خياراتها، فالروس لن ينتظروا أحدا وهم يعرفون أن الورقة السورية ستسقط من يدهم عاجلا أو آجلا. واشنطن في عملية عسكرية ضد النظام السوري لن تترك أنقرة تتلاعب بها كما حدث قبل عقد في الموضوع العراقي وهي ستطرح الخيارات والأولويات ليكون اللعب على المكشوف ويتحمل كل طرف مسؤولياته وارتدادات النتائج بإيجابياتها وسلبياتها.
تراجع السياسات التركية فوق اليابسة مهددة في المياه هذه المرة. أزمة شرق المتوسط قد تكون سببا آخر لانحسار الموقع والدور الإقليمي التركي، وهذا مرتبط مباشرة بما ستقوله وتفعله أنقرة.
مقولة الأتراك الشهيرة التي تبنوها في مطلع التسعينات بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وظهور الجمهوريات التركية وبروز أقاليم آسيا الوسطى والبلقان والقوقاز التي حركت شهية أنقرة مجددا: «لا صديق للتركي سوى ابن جلدته»، تراجعت في العقد الأخير أمام الانفتاح الإقليمي والدولي الواسع لحكومة رجب طيب أردوغان في أكثر من اتجاه، لكنها مرشحة لإحيائها لتأخذ مكانها مجددا بسبب الأزمات والتوترات الكثيرة التي يواجهونها على أكثر من جبهة وحيال أكثر من قضية. فرص العودة إلى هذه النقلة الاستراتيجية أيضا تراجعت كما يبدو وبات من الصعب إقناع حتى الجمهوريات التركية بها وهي التي دخلت في أكثر من تحالف ومشروع إنمائي استراتيجي يتعارض مع مصالح وحسابات أنقرة نفسها.
في لقاء مع أحد الإعلاميين الأتراك لمناقشة آخر تطورات المشهد السياسي في تركيا والمنطقة انهمرت دموع أردوغان وهو يتحدث عن مقتل ابنة القيادي الإخواني المصري محمد البلتاجي في ميدان رابعة العدوية. أنقرة تذكر المجتمع الدولي بالوجدان العالمي والعامل الإنساني، وهذا ما شهدناه في مواقف ومناسبات كثيرة من قبل القيادات التركية، لكن رسائل أردوغان ومواقفه وقراءته لأسباب ونتائج الأزمة المصرية تركته أيضا في مواجهة مباشرة مع الأصدقاء والأعداء على السواء وتفرض عليه إعطاء القرار الحاسم في تحديد الأولويات والخيارات والسيناريوهات المطروحة حول مسار أكثر من أزمة.
الكثير من الكتاب والإعلاميين الأتراك بدأوا منذ اليوم يدعون للعودة إلى استراتيجيات مطلع عام 2000.
ومرحلة تسلم «العدالة والتنمية» للسلطة وتصغير حجم التطلعات والأهداف بانتظار عبور الأمواج العاتية في المنطقة إذا ما كان أردوغان يريد البقاء في الحكم لفترة جديدة ويصر على استقبال احتفالات المئوية لتأسيس الجمهورية وهو في موقع القيادة. فهل ستعجب طروحات من هذا النوع أردوغان السياسي الذي لا يتراجع بمثل هذه البساطة عن قراراته ومواقفه مهما كان الثمن؟
المقترح هو إجراء تغيير جذري في سياسات وأسلوب الحكومة الحالية حتى ولو كان الثمن إجراء تعديل حكومي واسع تستبدل فيه شخصيات قد تكون الأقرب إلى أردوغان والأكثر تأثيرا في صناعة القرارات. شعار «العزلة الثمينة» الذي يروج له البعض لن يكفي لمواكبة الأحداث والتطورات المتلاحقة والتي تفرض على تركيا إعطاء القرارات الواقعية والعملية للرد على كتابات حول «التجريد الإقليمي»، هذا إذا ما كانت حكومة أردوغان ما زالت تريد حقا أن تكون شريكا في رسم الخرائط وصناعة المستقبل في منطقة الشرق الأوسط.

ملاحظة:
نشر المقال هنا.

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..