وجهات نظر
مهند العزاوي
يدخل العالم مرحلة متقدمة في حروب الافكار، ويقوم صناع الحروب بخصخصة الحرب كتجارة مربحة، وتجزئتها لحروب خاصة، تعتمد في فلسفتها على النزاعات الافقية المغلفة برايات سياسية متعددة، مما يخلق بيئة العداء المجتمعي، وسيادة مناخ العسكرة وصناعة الارهاب التجاري، وإرساء فلسفة هدم الاوطان، وبذلك يتحقق الولوج السهل من الداخل عوضا عن استخدام الجيوش النظامية والحروب الكبرى.
ويلاحظ انهيار النظام الدولي واحتضار القانون وتطبيق العدالة، وتحولت الدول الفاعلة الى عناصر هدم منظم ، ضمن فلسفة التنافس ضمن سياسة الوصول ، ولم تعد مصالح الدول حاكمة كقاسم مشترك دولي يحدد مسار النظام الدولي ، وينعكس ذلك على المنظمات والتحالفات الاقليمية التي لم تعد فاعلة في رسم مسار الاحداث العالمية ، بل نشهد حروب وسط الشعب تصُنع بعناية يصاحبها انتهازية سياسية عابرة لمنظومات القيم ومعايير التحسب الاستراتيجي ، واضحى العالم العربي يغرق في حروب افقية تزحف بلا توقف الى الرقع الخضراء بالتوالي وفق نظرية الدومينو .
صموئيل هتنغتون
اتجه العالم بعد تسعينيات القرن المنصرم الى ملحمة الفناء القيمي، ويعتنق تجار الحروب عقائد مختلفة متعددة، يستخدمونها في حقل التجارب العربي ، ولعل ما يثير الريبة تجانس المشهد الحالي مع تنظير "صموئيل هنتنغتون" في 1993 وقد أشعل نقاشاً مستعراً حول العالم في العلاقات الدولية بنشره في مجلة فورين أفيرز (العلاقات الخارجية) مقالاً شديد الأهمية والتأثير بعنوان "صراع الحضارات "، المقالة تناقضت مع نظرية سياسية أخرى متعلقة بديناميكية السياسة الجغرافية بعد الحرب الباردة لصاحبها " فرانسيس فوكوياما " في كتابة "نهاية التاريخ" وقد قام هنتنغتون بتوسيع مقالته إلى كتاب صدر في 1996 للناشر سايمون وشوستر، بعنوان "صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي" المقالة والكتاب عرضا وجهة نظره أن صراعات ما بعد الحرب الباردة ستحدث أكثر وأعنف ما يكون على أسس ثقافية (غالباً حضارية مثل الحضارات الغربية ، الإسلامية ، الصينية ، الهندوسية) بدلاً من الأسس العقائدية كما كان الحال خلال الحرب الباردة ومعظم القرن العشرين ، اي توسيع الصراع افقيا والتحول بين صراع الاقطاب الى صراع الاطراف ، وبلا شك انها افكار شيطانية ضمن حرب الافكار التي يخوضها محاربون ايديولوجيون لترسيخ هذه العقائد الهدامة .
خلاصة ما ذهب اليه هتنغتون بأنه لكي نفهم النزاع في عصرنا وفي المستقبل الخلافات الثقافية يجب أن تُفهم والثقافة (بدلاً من الدولة) يجب أن يتم القبول بها كطرف وموقع للحروب، "وهذا يفسر الحروب المذهبية والطائفية في عالمنا العربي الاسلامي" ويحذر هتنغتون الأمم الغربية قد تفقد زعامتها إذا فشلت في فهم الطبيعة غير القابلة للتوفيق للاحتقانات المتنامية حالياً ، وهنا يؤكد هذا الفكر كيف تنحر الدول باستخدام حرب الافكار وصراع العقائد الافقية العابرة للقيم الدينية الانسانية والوطنية ، وهنا جوهر ما نشهده اليوم الصراع الافقي وعسكره الاسلام وتسييسه كونه العدو الاول من وجهة نظر "هتنغتون" وقد اكد هنتنغتون أن هذا التغيير في البنية السياسة الجغرافية يتطلب من الغرب أن "يقوي نفسه داخلياً ويتخلى عن عالمية الديمقراطية والتدخل المُلِح" .
ميلتون فريدمان
ميلتون فريدمان منظر اقتصادي يهودي الاصل وأميركي الجنسية، يعتنق نظرياته عدد من الرؤساء والسياسيون والباحثون، وتعتمد نظريته الاقتصادية على "ان العالم لا يحتاج الى نظم واتفاقيات اكثر لإصلاح هذا او ذاك، وان التدخل الحكومي في السوق والأسعار يؤدي الى فروض وتقييدات، بلا شك انه يتكلم عن اقتصاد دولة كبرى ولم يلتفت الى اقتصاد الدول النامية او دول العالم الثاني، بل جعل منهم مسارح محتملة لنظريته ، هكذا فلسفته نظريته تلغي النظرية الدولاتية ، ولعل ما سمته "نعومي كلاين" ((نظرية الصدمة)) وقد وضحتها على ثلاث صدمات :الاولى (الصدمة بالحروب والنزاعات والتفجيرات والتعذيب والكوارث ..الخ وغالبيتها صناعة منظمة تعتمد خلق بيئة الاحداث وتوظيف صدمة المجتمعات والدول) والثانية ((من خلال الشركات والسياسيين الذين يستغلون الخوف والضياع الناتج عن الصدمة الاولى من اجل فرض صدمة اقتصادية)) تعقبها صدمة ثالثة (((ذلك على ايدي عناصر الشرطة والجنود والمحققين لقتل مقاومي الصدمة الثانية))) وقالت "نعومي كلاين " مؤلفة كتاب "عقيدة الصدمة " لقد زرت العراق مؤخرا من اجل الحصول على المعلومات وتتحدث عن القمع والتعذيب هناك ((اعتقد ان الامر يتعدى ذلك وما يجري بالعراق يرتبط بإنشاء وطن وفقا لأنموذج جرى اختياره من صانعي الحرب يتم فيه محو شخصية الانسان في محاولة اعادة بنائها من عدم)) وهنا تكمن الصدمة الافقية التي تستهدف المجتمعات وإخضاعهم للموت الصادم المصنع في اروقة صناعة الارهاب وتجارة الامن، وقد نفذت تلك العقيدة في اكثر من عشر دول بالعالم ضمن فترة زمنية 8-10 سنوات وفشلت كافة ادواتها وانتهت بكوارث لحقت بمعتنقيها على اثر الهيجان والسخط الشعبي وتغيير الانظمة الصدموية.
لعل التغيير المحوري في فلسفة الدولة والصراع الشرس ما بين نظرية الفوضى الهدامة ونظرية الدولة يدخل ضمن حرب الافكار وقد اخذ منحى اخر ، وأضحت لوحة الفوضى الدولية المعتمدة على نسف الفكر السياسي والنظم السياسية والدول هي السائدة ، والتشبث بالواقعية المزيفة والتي يمكن وصفها بعمليات تجميل الفشل والانهيار من جهة وتضليل منظم يمارس لتمرير الافكار الشاذة وتبرير الحروب وسط الشعب من جهة اخرى ، ونلاحظ ان المدرسة الواقعية اثقلت العالم بالحروب التجارية الدموية ، وتمارس الهروب الى الامام تحت مسمى البراغماتية ، وقد صنعت ظواهر وأزمات متفاعلة مركبة ادخلت العالم في شبكة انفاق استراتيجية حالكة الظلام ، ولعل فلسفة خصخصة الحرب والأمن قد تركت اثرا كبيرا في رسم الاستقرار السياسي والأمني في كافة الدول ، بل وتخطت قيم الردع المتبادل والتوازن الدولي ، وأضحت تفتش عن الاضطراب بل وغالبا تصنع بيئته وتهيئ مناخه ، لتفتح اسواقها المتعددة ، ولم نشهد طيلة العقديين الماضيين حلول وقرارات تحاكي الاستقرار والأمن والسلم الدوليين ، بل على العكس جرى استخدام القوة والحروب الخاصة وإذكاء النزاعات المجتمعية الافقية بغية استمرار سوق الحرب الزاحف الى كافة الرقع الامنة في العالم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق