وجهات نظر
عبدالله الزبيدي
ان ما تسعى اليه القاعدة معلن ومعروف على نطاق واسع، وهو اقامة دولة او دول اسلامية، وفق رؤيتها لهذا الأمر ويبدو أن نشأتها، من حيث ظروف الزمان والمكان قد عززت في عقول قادتها الايمان، بإمكانية تحقق هذا الهدف، ولاسيما بعد نجاح حركة طالبان في اقامة دولة اسلامية، على جزء من افغانستان ومن ثم اتساعها وتعاظم قوتها، لتشكل الملاذ والمنطلق الاساسي للقاعدة، لغاية احتلال افغانستان من قبل القوات الامريكية ومن معها من قوات الناتو، وبعد هذا المدخل الموجز نود الاشارة الى اننا لسنا بصدد تناول موضوع القاعدة بشكل عام بل ان ما يعنينا هنا، هو تناول الدور الذي قامت به في العراق وكما يأتي:
1- رغم اسهام نظام الملالي في طهران، باحتلال افغانستان ومن ثم العراق، من خلال ما قدمه من تسهيلات لوجستية ومعلوماتية، الا انه استغل ظروف القاعدة بعد ان فقدت افغانستان، وتعامل معها بمكر ودهاء بعد ان صور لها بانه يعتبر امريكا عدوا مشتركا، وان الخلافات العقائدية يجب ان لا تحول دون التعاون والتنسيق لمجابهتها، وعلى هذا الاساس استضافت اعدادا من قيادات القاعدة ومن اقارب (اسامة بن لادن)وسهلت دخول اعداد كبيرة من مقاتليهم للعراق عبر الحدود المشتركة، وبالتنسيق مع النظام السوري الذي سهل ايضا دخول اعداد كبيرة منهم الى العراق ولكل من النظامين اغراضه واهدافه الخاصة والمشتركة، اضافة لمن دخلوا عبر الحدود مع دول الجوار الاخرى.
2- بدا توجه القاعدة نحو العراق خلال العام الثاني للاحتلال، اي خلال عام (2004م) بعد ان اشتدت مقاومة ابناء العراق العظيم للمحتلين، وفي طليعتهم رجال البعث وابناء القوات المسلحة ومنتسبو اجهزة الامن القومي، وبدأت جثامين الجنود والضباط الامريكيين تصل الى الولايات المتحدة، وآلياتهم تحترق في كل شوارع العراق في المدن والارياف، نعم في مثل هذه الظروف بدأ دخول القاعدة، وتمركزت عناصرها القيادية في بغداد ومحيطها وديالى والتأميم والمحافظات الغربية.
3- تمكنت القاعدة بعد مدة قصيرة، من استقطاب اعداد من الشباب العراقي وذلك للأسباب التالية :
أ- استغلت ردود الفعل التي خلفتها الاعمال الاجرامية، التي قامت بها العصابات الطائفية القادمة من ايران، نتيجة لما قامت به من قتل وخطف وترويع، ضمن المخطط المرسوم لها لتأجيج الحرب الاهلية الطائفية، والتي دفعت بالكثيرين للتخندق الطائفي طلبا للحماية.
ب- رفع راية الجهاد ضد الغزاة المحتلين، باعتباره فرض عين على الشباب، لاقى استجابة من قبل بعض الاوساط، وهي مسألة طبيعية في مجتمع عربي مسلم مثل المجتمع العراقي.
ج- الامكانيات المالية الكبيرة التي كانت تمتلكها عناصر القاعدة، والتي كانت تأتي من موارد متعددة، بما في ذلك الاتاوات وما يؤخذ مقابل اطلاق سراح المخطوفين وغيرها والتي مكنتهم من توفير الاسلحة ومستلزمات القتال والحاجات الاخرى، بما يفوق ما لدى الفصائل الاخرى التي تعتمد على امكانياتها الذاتية وما متوفر من اسلحة الجيش الوطني.
د - استطاعت القاعدة ان تقوم بعمليات نوعية، في سني الصراع الاولى مما اكسبها شهرة كبيرة، زادت من قدرتها على الاستقطاب من اوساط الشباب المتحمس لتحرير وطنه.
4- قيل ويقال الكثير عن ان القاعدة لم تعد موحدة تنظيميا، بل انها اصبحت خطوط متعددة الارتباطات وتنفذ عمليات لمصلحة الجهات التي ترتبط به،
وان سبب ذلك يعود الى انها تنفذ بعض العمليات التي تحمل هذه الريبة، وفي احيان اخرى يتم تنفيذ عمليات تحمل بصمات القاعدة، الا انها تبقى مجهولة دون ان تعلن اية جهة مسؤوليتها عنها، اضافة الى انها بدأت في المرحلة الاخيرة تنفذ عمليات وتعلن مسؤوليتها عنها في بعض المناطق التي تعتبر ذات اغلبية (شيعية) وفي اليوم التالي او الذي يليه، تنفذ عمليات في مناطق ذات (اغلبية سنية)، تنجم عنها خسائر بشرية مروعة وتبقى جهة التنفيذ مجهولة، ومن يتابع الامر يصل الى استنتاجات مفادها، ان الجهة المنفذة في الحالتين واحدة او ان هناك تنسيق بين الجهتين المنفذتين او انهما تداران من قبل مركز واحد، والمرجح بهذا الشأن هو ان القاعدة قد اخترقت من خلال تجنيد عناصر قيادية فيها، تشغل مواقع مفصلية دون معرفة القيادة العليا ولا جهات التنفيذ، التي تنفذ اوامر ولي الامر دون مناقشة، وان تصفية (ابو مصعب الزرقاوي) في العراق ومن ثم (اسامه بن لادن) من المرجح انها قد تمت نتيجة للاختراق، وما اعلنه الامريكان او سربوه ما هو الا من اجل التغطية على خروقاتهم.
5- ان الاسلام يتعرض الى مخططات تآمريه من اجل تشويهه وتفتيت وحدة المسلمين، من قبل الصهيونية العالمية واليمين الامريكي المتصهين، وجهات متعددة في اوربا، الا ان اخطر ما يواجه الاسلام والمسلمين هو ما يقوم به (نظام الصفويين) في طهران وقم لاعتبارات معروفة، فهو يمثل الآن المصدر والأم (لدودة الارض) التي تنخر في ارض العراق ووصلت، الى سوريا ولبنان والكويت والبحرين واليمن ومصر ودول عربية واسلامية اخرى، فلماذا لم تفكر قيادة القاعدة بتنفيذ عمليات في ايران لكبح جموح هذا النظام وجعله ينكفئ على شؤونه الداخلية؟ فهل بينها وبينه عهود ومواثيق تحول دون ذلك؟أم ان امنه عصي على الاختراق من قبل القاعدة التي نفذت اخطر العمليات في امريكا واوربا والعديد من دول العالم؟ ام انها تجهل الدور التخريبي الذي يقوم به هذا النظام!؟ أم ان هناك اسباب خفية؟.
6- ان المتابع لمسيرة القاعدة في العراق منذ بداية وجودها ولغاية الآن، تبرز امامه الكثير من الحقائق والملاحظات والتي من اهمها:
أ- انها لم تكن تعمل وفق استراتيجية هدفها تحرير العراق، بل انها كانت تخوض الصراع وتلحق خسائر بالعدو، مقابل تضحيات جسيمة غير متناسبة مع تلك الخسائر وكأن المطلوب موت الناس ليقال عنهم شهداء.
ب- انها كفرت الكثيرين بما في ذلك من يقاتلون من اجل تحرير العراق، وخلقت حالة من الصراع بين فصائل المقاومة كان المستفيد منها المحتل وعملائه.
ج- لو كان غرضها تحرير العراق لما تعاملت مع الجميع كأعداء، بل كان الاولى ان تتحالف مع البعض وتحيد البعض الآخر، الا انها اعتبرت كل من لا يأتمر بأمرها عدو لها، وتناست ان الرسول (صلى الله عليه وسلم)قد عقد صلح الحديبية مع المشركين واقام تحالفات مع العديد من القبائل، وعندما وضع دستور (المدينة المنورة) عالج موقف اليهود من حيث الحقوق والواجبات ولم يقاتلهم الا حينما نكثوا العهود والمواثيق.
د- انها بإعلانها الحرب على كل (شيعة العراق) وتكفيرهم، قد اضطرتهم للتقرب من الاحزاب الطائفية لغرض الحماية، بينما كان المطلوب عزل الاحزاب الطائفية وتدمير العملية السياسية الاستخباراتية الامريكية.
ه- لقد اسهمت اسهاما كبيرا في تأجيج الصراع الطائفي وتعميقه، ووفرت الاغطية والمبررات للمليشيات الصفوية لكي تقتل وتغيب وتهجر، الآلاف من الابرياء وبصرف النظر عن النوايا كان ذلك اسهاما في تنفيذ مشروع التقسيم والتفتيت الامريكي الصهيوني الصفوي للعراق.
و- كان من نتائج ممارساتها المدمرة، نجاح المحتلون وعملاؤهم في تشكيل ما سمي (قوات الصحوة)التي استقطبت اعداد كبيرة من الشباب
واضرت كثيرا بالعمل المقاوم عندما حاولت التفرد وفرض ما تراه مناسبا
على الآخرين بأساليب قمعية بدائية فغير الكثيرون اتجاه بنادقهم نحوها وفقدت حواضنها، واصبحت خارج المعركة.
ز- انها لم تتعامل مع موضوع اقامة (الدولة الاسلامية) كهدف مستقبلي، يأتي بعد انجاز مهمة التحرير، ويحتاج الى تهيئة وتوعية وتعبئة، وكوادر وقيادات واحترام ارادة اكثرية الشعب (هذا الذي نقوله بصرف النظر عن راينا بموضوع الدولة الاسلامية) بل راحت تسمي أمراء وولاة ووزراء للكثير من المناطق والقرى والمحافظات، وكان معظمهم نماذج تعيش خارج التاريخ، مما عكس صورة مشوهة عن الاسلام، وعبر عن ضيق افق وتحجر عقول، القيادات التي تدير هذا التنظيم وتسيره.
7- ان كل ما اوردناه آنفا من آراء وملاحظات، لم ينطلق من موقف عدائي بل هو نقد، هدفه اصلاح الحال وتوحيد الصفوف، تجسيدا لقول الله تعالى (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) وهو اقتداء بحديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان)، وتعبيرا عن حسن النية وصدق المشاعر تجاه القاعدة وتجاه كل من لم نفقد الامل به نقول ما يلي :
أ- لقد عبر الرفيق القائد عزة ابراهيم قائد البعث، والقيادة العليا للجهاد والتحرير في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة السابع عشر الثلاثين من تموز العظيمة لهذا العام عن رأي البعث تجاه القاعدة حيث قال (اعلموا ان ما يجري اليوم من قتل على الهوية للعسكريين والمدنيين هو من فعل المليشيات الصفوية حصرا ولا أعتقد ان القاعدة ومقاتليها الحقيقيين لهم فيه يد وانما يستخدم اسم القاعدة للتغطية على الجرائم البشعة، ومع ذلك فاني اقول لقيادة القاعدة في العراق وهم اخوتنا في الجهاد شرط ان استهدفوا أعداء العراق وشعبه فقط وان جاهدوا من اجل تحرير العراق فقط...الخ).
ب- اضافة لما قاله الرفيق القائد عزة ابراهيم آنفا نقول :
اولا- ان حلف اعداء العراق كبير، ومشروعهم يستهدف وحدته وهويته العربية الاسلامية، وان التصدي له واحباطه يقتضي تكاتف وتآزر كل القوى الوطنية الخيرة على كلمة سواء.
ثانيا- ان قتل المنتسبين للجيش والشرطة والموظفين البسطاء، لن يحرر العراق ولن يؤثر على حكومة العملاء فالمطلوب هو استهداف الاحزاب الطائفية وميليشياتهم وتشكيلاتهم الخاصة مثل (سوات) واجهزتهم وعملاءهم.
ثالثا- ان استهداف مناطق معينه بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة، وبشكل عشوائي اسهام في تأجيج حرب طائفية، يريد الصفويون وعملاؤهم اشعالها.
رابعا- نلاحظ في احيان كثيرة تنفيذ عمليات من قبل (استشهاديين)، لضرب اهداف لا تستحق ذلك ولا تستوجب الضرب او التضحية برجال يمكن ان ينفذوا عمليات ضد اهداف نوعية او ذات اهمية.
والله ولي المؤمنين
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق