نزار السامرائي
لم ينجح الحكام العرب في تفعيل ميثاق جامعة الدول العربية المركون في الرفوف العالية، ولم ينجحوا في الالتزام بمعاهدة الدفاع العربي المشترك التي علاها غبار المعارك العربية ولم يحاول أحد قراءتها مجددا، منذ تأسيس جامعة الدول العربية وتوقيع معاهدة الدفاع العربي المشترك، على الرغم من وقوع أحداث كبرى كل منها يستدعي تفعيلها ألف مرة، وعلى الرغم من أن الشعب العربي كان يتطلع بغضب ويتمنى برجاء أن تمتد يد إليهما وتفتح دورة في التعريف بمضامينهما غير أن شيئا من ذلك لم يحصل، ولكن هؤلاء الحكام حققوا نجاحات غير مسبوقة في تغطية بعضهم على جرائم بعض وساعدوا على سترها وراء جدران من الدخان السياسي، بحيث بات ذلك عنوانا بارزا على نجاح لم يتمنه عربي واحد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي المهدد بسكانه وباسمه.
وكي لا يبقى حديثنا غامضا كغموض المستقبل العربي، نستدرك فنقول إن الشارع المصري حينما كان غارقا حتى قمة هرم خوفو وبرج الجزيرة، في أزمة المفاضلة بين شرعية الرئيس المخلوع محمد مرسي، وخارطة طريق الجنرال عبد الفتاح السيسي، فنزل عن بكرة أبيه موزعا ولاءه على الطرفين من دون عدالة، حتى دخلت مصر نفق النزاعات المسلحة الغريبة عن تقاليدها والجديدة عليها، فقدمت باكورة أنشطتها في شارع العنف العربي، بضع مئات من المصريين الذين رحلوا وهم غير مصدقين أن هناك مصريا آخر ولأي سبب من الأسباب كان على استعداد لفتح النار على شقيقه، فسقطبذلك آخر قلاع الوداعة العربية في زمن جنون الرعب العربي، بعد أن ظل الجميع يلوذون بصدرها الدافئ كلما ألمت بهم نازلة، ويقدمون مصر دليلا على أن هناك استثناءا عربيا يمكن أن يتقدم صفوف الحوار والتسامح للعالم، ويشمئز من منظر الدم ويقبل كل أشكال الخلاف في غرف الحوار السياسي والفكري على أن يقبل القليل من العنف وراء المتاريس، فهل غاب صوت العقل والحكمة؟ أم أن العرب كلهم في الهم شرق؟
ولأن هناك من يتحين فرص الزوابع السياسية والضباب الأمني، ليمارس لعبته المفضلة في القتل ليضمن ألا يسمع أحد صوت الرصاص المنهمر، والقذائف المختلفة العيار بما فيها السلاح الكيمياوي الذي يوصف بأنه من أسلحة الدمار الشامل والمحرمة دوليا، فقد كان نظام الرئيس السوري بشار الأسد سباقا في استغلال انشغال الرأي العام العالمي حد الدهشة بما يجري في مصر من مسلسل الصراع الذي لا تلوح في الأفق نهاية سعيدة له، فأرسل الأسد رسل الموت الكيمياوي لتقطف زهورا لم تتفتح بعد ولم ترتكب اثما ولم تخرج بتظاهرة تطالب برحيل الأسد وحكمه العائلي كما تفعل كل العائلات السورية التي ضاقت ذرعا بحكم الآباء والأبناء باسم منتحل لحزب لا وجود له على الأرض، ولكن الأسدوعلى ما يبدو عاقبهم على نواياهم المستقبلية فيما لو كبروا بعد سنين وتحولوا إلى المعارضة السياسية أو انضموا إلى الجيش الحرفماذاسيفعلحينذاك؟ هل ينتظرهم حتى يتحولوا إلى بنادق ضده أم يتخلص منهم مبكرا ويوفر على جنوده خسائر محتملة في المستقبل الذي تكبر فيه الضغائن بلا توقف؟
كان مشهد أكثر من 1400 طفل صرعى السارين، يعتصر قلب أكثر الناس وحشية وقسوة، إلا من ارتكب هذه الجريمة، لأنه إما وحش كاسر أو إنسان متوحش بلا قلب فاطمأن إلى أن العالم نائم في قيلولة طويلة، ولو أن الضحية كان طفلا واحدا من نيويورك، أو يهوديا من أي بقعة قصية من الأرض لكان للرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما رأي آخر، من يدري ربما لثقافته الإسلامية الموروثة عن طريق الجينات القديمة أثر في عدم اهتزاز شعرة واحدة من أهدابه وهو ينظر إلى الأطفال الصرعى في غوطتي دمشق بنظرات جامدة تخفي وراءها وحشا آخر لا يقل قسوة عمن أمر بإطلاق الصواريخ الكيمياوية، ولكان للغرب إعلاما وحكومات وأحزابا وجمعيات الرفق بالحيوان وقفة لا تجاريها وقفة من يكذب الهولوكوست، مع أن للشام ألف هولوكوست ولكن لا حياء لمن تنادي.
فالقاتل اثنان قاتل يأمر بالقتل أو ينفذه بأعصاب باردة أو فاقدة للحس الإنساني، وقاتل ساكت عما يرى ويسمع، ضعيف متردد على نحو لا يطاق وكأنه تمثال من ثلج أو ملح، لا يجيد إلا فن التراجع عن تعهداته المضحكة التي تورط حينما أطلقها ذات يوم عن خطوط حمر وصفر وخضر وربما كان لأصوله الأفريقية أثر في هذا الضعف كي لا يقال إن زنجيا ورط الولايات المتحدة ذات التاريخ العنصري الطويل بحرب جديدة، أما روسيا فلها شأن آخر فهي قاتل يتلخص واجبه في توريد السلاح والتعهد بمنع المساءلة القانونية والأخلاقية والجنائية ولطالما خذلت حلفاءها أو عملاءها في ساعة العسرة، وهي لا تستحق التوقف عند موقفها لأنها تتاجر بكل شيء من أجل العودة إلى المسرح الدولي حتى لو كان دم الأطفال العرب.
وعلى شاشة المأساة تظهر إيران وحزب الله وقد تلطخت أسنانهما بدم الأبرياء وما زالا يلوكان لقمة الدم، وهما ليس أكثر من مرتزق رخيص في حروب الشيطان ولا مانع من رفع شعارات الفضيلة وما جاورها من شعارات مبتذلة للتغطية على الفعلة الشنيعة التي كانا سببا في استمرار دولابها حتى اليوم، سعر هؤلاء رخيص جدا، لأنهمااحترفا مهنة القتل بالنيابة لمن يدفع أكثر، ولكن ما يدفعه النظام السوري ليس مالا لأنه أفلس مبكرا وأصبح يمد يده للرائح والغادي ولكل من يعطي صدقة على أبواب المزارات المزيفة، سوريا تدفع شيئا آخر، هو قرارها السياسي وكرامة حكامها إن ظلت منه بقية، وتجعل من أرضها جسرا يوصل بين دولة الولي الفقيه وضفاف المتوسط.
نفذت القوة الصاروخية التي لن تتجرأ على أن تهدد إسرائيل يوما، نفذت جريمة مروعة في غوطة دمشق الشرقية حينما ضربتها بعدد كبير الصواريخ الروسية أو الإيرانية المعبئة بغاز السارين، وربما تم ذلك تحت إشراف خبراء من حزب الله اللبناني الذي تأسس تحت لافتة تحرير الجنوب وإذا به يتجه نحو حمص والسيدة زينب والغوطة الشرقية، لأنه يعرف أن الشريان الذي يوصل إليه الدم والدعم الإيراني يمر عبر الأراضي السورية وبالتالي سيختنق داخليا ويفقد قوته العسكرية التي تحولت إلى ابتزاز بيروت وصيدا وأخيرا طرابلس، فكانت النتيجة حصادا مفزعا في ثوان معدودات.
ومن أجل سحب الأضواء الكاشفة المسلطة على الغوطة الشرقية ومعضمية الشام، تفتقت أذهان القتلة في الضاحية الجنوبية في بيروت عن جريمة أرادوا بها التخفيف من ردود الفعل على جريمة أخرى، فاستهدف انفجاران مسجدي التقوى والسلام في طرابلس عاصمة الشمال والمدينة التي وقفت بوجه خطط تمدد حزب الله، وكان هذا التفجير هو الأكبر منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، من حيث عدد الضحايا ومن حيث حجم الدمار الذي رافقه، ويبدو أن حسن نصر الله الذي ساهم بتخطيط جريمة الغوطة الشرقية، هو الذي أمر بتنفيذ جريمة التقوى والسلام، لامتصاص شيء من الغضب العالمي على منظر الأطفال السوريين الذين قتلتهم أصابع من ضغط على زر الصواريخ المنطلقة من جبل قاسيون أو من منطقة البانوراما في العدوي، لتحصد في ضربة واحدة ما كانت تحصده في أيام طويلة، ولأن الدم يستجلب مزيدا من الدم، فإن حزب الله أراد أن يطفئ نيران الغوطة الشرقية ولكنه وجه خراطيم دمه وسياراته المفخخة نحو طرابلس اللبنانية، فالطرفان يشتركان في موقف واحد من حلف الشيطان الذي يضم نظام الأسد وحزب الله وطهران وبغداد الاحتلال الأمريكي.
من جانبه لم يفوت نوري المالكي ما حصل في أرض الكنانة، وما يحصل في سوريا من قتل منهجي مستمر، وما يحصل في لبنان من قتل وخطف، فأمر بخطة تطهير عرقي وطائفي في حزام بغداد وفي المحافظات المنتفضة، ظنا منه أن القتل والتهجير في الظلام، لن يثير ردود فعل محرجة لحكومة تستميت لإظهار نفسها كحكومة ديمقراطية منتخبة ترعى حقوق الإنسان، فباشر مستغلا توجه الإعلام العالمي إلى مصر وسوريا ولبنان، وبوحشية قوات بغداد والأنبار المرتبطة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة وبطائفيتها المقيتة، في عمليات دهم واعتقال وقتل عند الضرورة، لجعل حياة الناس مستحيلة في أرض آبائهم وأجدادهم، فنفذت جريمة كبرى ستبقى الأجيال تذكرها لأنها محاولة لتغيير الديمغرافيا بقوة الحقد الطائفي المدجج بالسلاح ولا يتورع عن استخدامه في كل وقت.
وكي لا يسمحبردود فعل تعيد إلى الأذهان تمرد بعض آمري القوات على أوامره بضرب مدينة الحويجة، فقد أصدر قرارا بإحالة 1400 ضابط على التقاعد، منهم ضابطان من الشيعة فقط، والباقون من الضباط السنة، ومع ذلك يحاول أن يسوق لحكومته موقفا عابرا للطائفية.
ما يجري في الساحات العربية يعكس مفردات خطة إيرانية طويلة الأمد تتحلى بكثير من صبر صناعة السجاد العجمي، لتحقيق خرق في جبهة ما ثم تكريسه عبر أساليب الترهيب والقتل والتهجير، وفي الوقت نفسه تفتح جبهة جديدة لتسريع خطة الانتشار الإيراني عربيا وإقليميا بواسطة خلاياها النائمة أو المستيقظة والتي تتخذ لها لافتات شتى من بينها أحزاب الله في العراق والبحرين وغدا ربما في مصر والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، حتى تصبح إيران قوة دولية بأسنان نووية تفرض شروطها على شعوب المنطقة، لتباشر ما كان إسماعيل الصفوي قد بدأه في إيران وهو معروف التفاصيل والضحايا والنتائج، فهل يرعوي العرب ويباشرون الدفاع عن أنفسهم بنفسهم بدلا من انتظار الترياق من الخارج؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق