وجهات نظر
أكرم المشهداني
بيرنارد كيريك قائد شرطة نيويورك السابق، ومؤسس الشرطة العراقية الجديدة في عهد الحاكم الاحتلالي بول بريمر، والذي يقضي الآن أحكاماً جنائية في السجون الأمريكية، لثبوت تورطه بقضايا فساد إداري وسوء تصرف بالأموال، وتتراوح التهم بين قبول الرشوة والتهرب الضريبي.
هذا الشخص الفاسد كان موضع حظوة عند سيده مجرم الحرب جورج بوش، حتى أنه عيّنه وزيرا للأمن القومي إلا أن افتضاح قضايا فساد أدت لإجباره على الاستقالة من المنصب. وكان بوش قد عيّنه مع بول بريمر ليشرف على تدريب الشرطة الجديدة التي أسستها سلطة الاحتلال بعد غزو العراق، وبرفقة رجل المهمات القذرة في العراق جيمس ستيل الذي سبق أن كتبنا عنه.
فترة بيرنارد كيريك لا تقل سوءا عن فترة بول بريمر، فكليهما ترك بصمات السوء والخراب في الإدارة والتصرف، وكلما تطلع العراقيون إلى واقعه السيئ، تذكروا بول بريمر وقراراته السيئة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم، وكذلك الحال مع بيرنارد كيريك صنو بريمر، فقد عمل كيريك في بغداد بعيد الغزو مستشاراً لوزارة الداخلية العراقية لشؤون إعادة تأسيس الشرطة (!!) بعد ان قام بريمر بحل الجيش واجهزة الامن الوطني العراقية، ولم يخل عمل كيريك من الطعن، فقد سمَّته إحدى مقالات نشرت في العراق، أنه (قاضي هبهب!!) الأمريكي في بغداد. وهو مثل شعبي يستخدمه العراقيون للسخرية، ويقال إن أصله حكاية واقعية بطلها شخص عُين قاضيا في مطلع القرن المنصرم، وكان يعتاش علي الدعاوي بين الخصوم، ولكن بسبب إدمانه فقد قاطع سكان هبهب دار القضاء، فخرج من المحكمة إلي سوق المدينة، وكل مار أو متسوق، يسأله عن هويته، وما إذا كان دائنا أو مدينا، فإن لم يكن هذا ولا ذاك، قال لكاتب المحكمة، سجل لا مشكلة، يدفع غرامة درهما واحدا!..
إن مقارنة بيرنارد كيريك بـ (قاضي هبهب) من قبل بعض العراقيين لم تكن عبثا أو مجرد سرد طرفة، فهي ذات مغزي، وكيريك كان لفترة طويلة من الزمن صديقا مقربا جدا من عمدة نيويورك السابق رودولف جولياني الذي يسعي إلي الوصول إلي البيت الابيض في الانتخابات المقبلة. وكان كيريك قد استهل حياته العملية الأمنية كعامل أمن خاص في مجال مكافحة الإرهاب في المملكة العربية السعودية في الثمانينيات، ثم انضم إلى شرطة مدينة نيويورك عام 1986، ليتدرج في المناصب حتي تعيينه مفوضاً عاما لشرطة نيويورك (كوميشينور) في سنة 2000.
المجرمان بوش وكيريك |
ولمع نجم كيريك إبان هجمات 11 سبتمبر 2001 حيث قاد عمليات الطوارئ والإنقاذ الواسعة التي أعقبت تدمير برجي مركز التجارة وجلب الأنظار إليه إلى جانب جولياني مما وضعه تحت أضواء الرأي العام الأمريكي وبدعم من جولياني، وقد سمّى بوش كيريك وزيرا للأمن الداخلي مباشرة بعد إعادة انتخابه رئيسا للبلاد عام 2004، غير أنّ كيريك اعتذر عن شغل المنصب وسط ادعاءات بأنّه وظّف مُعينة منزلية سبق أن تمّت مساءلتها بشأن وضعها مع قوانين الهجرة.
وأمر المدعي العام في برونكس بالتحقيق في ادعاءات بكون كيريك أساء التصرف في معاملات مالية متعلقة بإصلاحات شقّته في برونكس. واعترف بالتهم عام 2006 قائلا إنه قبل عشرات الآلاف من الدولارات على سبيل هدايا عندما كان يعمل مسؤولا عن مؤسسات العقاب والإصلاح، مما أدي إلى معاقبته بغرامة مالية بلغت 221 ألف دولار. واعتبر جولياني دعمه لكيريك "خطأ" وذلك في خطاب انتخابي في أيوا قائلا إنه مستعد "لتحمل مسؤوليته إزاء ذلك". وسبق لكيريك أن كان السائق الشخصي لجولياني أثناء حملة الأخير لتولي منصب عمدة نيويورك عام 1993 وهو ما جعله مقربا منه وبالتالي عينه مسؤولا عن المؤسسات العقابية والإصلاحية وقائدا لشرطة المدينة. ولاحقا عينه مسؤولا إداريا رفيع المستوى في مؤسسته التي تحمل اسمه بعد أن غادر منصبه.
وفي عام 2004، لفت كيريك الأنظار إليه مجدداً بمشاركته الفعالة في حملة جورج بوش حيث توجّه بخطاب في مؤتمر الحزب الجمهوري في نيويورك.
استلم بيرنارد كيريك بعد احتلال العراق، كما قلنا، مسؤولية ما سميت (إعادة بناء الشرطة العراقية!!)، ولعل أسوأ ما في مسيرة بيرنارد كيريك هي عمله في العراق بعد الإحتلال كمستشار لوزارة الداخلية (منسق عام لشؤون الشرطة) في عهد سيئ الذكر الحاكم الامريكي (الهارب) بول بريمر، حيث أسندت إليه مهمة إعادة تشكيل قوات الشرطة العراقية في زمن الإحتلال، حيث تعتبر الفترة التي أشرف فيها على الشرطة العراقية من أسوأ الفترات في تأريخ وزارة الداخلية العراقية والشرطة العراقية، إن لم تكن أسوأها على الإطلاق، لعدة أسباب ومنها:
1 ــ إنتشار الفساد الإداري وأعمال التلاعب بالأموال العراقية المخصصة لتجهيز الشرطة العراقية، حيث تم إستيراد (قطع سلاح) و(عتاد) و(تجهيزات أمنية) من دول أجنبية، وبملايين الدولارات، لايعرف شيئا عن مصيرها، منها عقد مبرم مع النمسا بمبلغ 100 مليون دولار في أول حزيران (يونيو) 2003 لتوريد أسلحة وتجهيزات، وعقود أخرى بملايين الدولارات مع شركات أمريكية وبريطانية لتجهيزات أمنية، وأعلن كيريك وقتها في مؤتمر صحفي أن الأسلحة والتجهيزات ستوزع على أفراد الشرطة العراقية الجديدة، وأن كل شرطي عراقي سيكون مجهزا بكل ما يحتاجه من تجهيزات في غضون 3 أشهر، ولا يعلم لحد الآن أين ذهبت تلك الأموال والتجهيزات؟
2 ــ فيما كانت الجريمة الجنائية تتصاعد في الشارع العراقي بعد الغزو الأمريكي، ودخلت جرائم خطيرة مستحدثة، كان برنارد كيريك يكتفي بإلقاء (محاضرات جوفاء) على ضباط الشرطة العراقية عن التعامل الديمقراطي ومكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان! وأدي ذلك إلى بقاء رجال الشرطة الجدد عاجزين عن مقاومة الجريمة.
3 ــ أسهم كيريك في إفساد جهاز الشرطة العراقية من خلال السماح بضم عناصر المليشيات الحزبية إلى جهاز الشرطة، والذين يأتمرون بأوامر أحزابهم وليس بأوامر مسؤولي الشرطة، مما زاد من الفجوة بين الشرطة والشعب وبات المواطنون ينظرون للشرطة الجديدة نظرة الريبة والشك وعدم الثقة. وقد تكشف من خلال تقرير بثته البي بي سي مؤخراً الدور القذر لكل من بيرنارد كيريك وزميله الأسوأ العقيد جيم ستيل في بناء شرطة طائفية، والتورط في التشجيع وادارة التصفيات الطائفية وأعمال التطهير الطائفي في العراق.
4 ــ كما أن كيريك وفي نطاق (عمليات الترقيع لجهاز الشرطة) ولمداراة عجزه، أقدم على فتح باب التطوع في الشرطة بشكل فوضوي أدى إلى تطوع الألوف من (أرباب السوابق) ومن (خريجي السجون) في جهاز الشرطة مما أدى إلى زيادة الجرائم وإرتكاب (مجرمين بملابس الشرطة) لجرائم الخطف والسطو والاتجار بالمخدرات وغيرها من الجرائم، وقد اعترف مسؤولون أمريكيون عديدون صراحة بتسلل الآلاف من أرباب السوابق إلى جهاز الشرطة بسبب سياسات بيرنارد كيريك.
5 ــ قام كيريك بتنصيب عدد من الفاسدين والمطرودين من جهاز الشرطة لأسباب الفساد الأخلاقي والإداري ومنهم شخص مطرود سابقا من الشرطة لتلك الأسباب، إلا أن كيريك إمعانا في الإستهانة بمسلك الشرطة وسياقاته، قام بترفيع المذكور من (عقيد) إلى رتبة (فريق) خلافا لكل القوانين والأعراف وعينه بمنصب (وكيل أقدم لوزارة الداخلية) في وقت لم يكن هناك وزير معين لوزارة الداخلية، وكذلك عدد آخر من المطرودين لأسباب سلوكية وأخلاقية وإدارية نصَّبهم بمواقع متقدمة في جهاز الشرطة مما أساء للجهاز وللأمن في البلاد بشكل عام.
6. كما كان كيريك المسؤول الاول مع جيمس ستيل عن تدبير إكذوبة تآمر عدد من كبار ضباط الشرطة والقبض عليهم وطردهم من المسلك والزجِّ بهم في المعتقلات الامريكية، بهدف فتح الاجواء لتنصيب الفاسدين والشاذين على رأس جهاز الشرطة الطائفي الجديد الذي اشرف ستيل وكيريك على تأسيسه، وما زال المجتمع العراقي يعاني من فشل هذا الجهاز في ضبط الامن ومنع الجريمة، لانه كان نتاج عملية مقصودة لتشكيل شرطة طائفية تكون ستاراً وتغطية لفرق الموت وعوناً للميليشيات المسلحة التي تم دمج اعداد كبيرة منها ضمن جهاز شرطة كيريك وستيل.
7 ــ بعد أن أدرك بول بريمر فشل بيرنارد كيريك الذريع في إدارة شأن الأمن العراقي، وفشله الذريع في إدارة الداخلية والشرطة، وإصطدامه مع عدد من اعضاء مجلس الحكم، وخاصة بعد تعيين (نوري بدران) وزيرا للداخلية في عهد مجلس الحكم، اضطر بريمر لإعفاء كيريك من منصبه وإعادته إلي الولايات المتحدة.
يمكن القول إن الأعمال التي أقدم عليها كل من جيمس ستيل وبيرنارد كيريك ومعهما بول بريمر أفعال تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، لايمكن ان تسقط بالتقادم، وسيأتي اليوم الذي يحالون فيه مع سيدهم جورج بوش وباقي عصابة الغزو الى المحاكم الجنائية الدولية لينالوا جزاءهم العادل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق