وجهات نظر
مثنى عبدالله
كان الرئيس العراقي الاسبق المرحوم احمد حسن البكر يقود سيارته
في ناحية المأمون في بغداد، قبل ان يصبح رئيسا عام 1968، فراى صديقا له كان انذاك
احد القيادات التاريخية للاخوان المسلمين في العراق، جالسا عصرا في حديقة الدار الخارجية وقد تحلّق حوله بعض الانصار
والاتباع والجيران، وعندما ألقى عليهم التحية دعوه للجلوس معهم، فرد عليهم مازحا،
لا اريد ازعاجكم فقد تكونون مجتمعين للتخطيط لقلب نظام الحكم، فأجابه ذلك الزعيم
الاسلامي، نحن بعيدون عن السياسة وليس لنا سوى كلمة الله اكبر نرددها في هذا
الجامع خمس مرات في اليوم، وكان يشير بيده الى جامع المأمون القريب.
لكن الحال تغير تماما بالنسبة لهذا الحزب بعد الغزو والاحتلال،
حيث انغمس تماما في العملية السياسية التي جاء بها المحتل، وعمل جاهدا على اضفاء
الشرعية القانونية عليها، وتراتبت قياداته في تولي المناصب التي صنعها الامريكان
لمؤسسات صورية هزيلة، بدءا من مجلس الحكم سيئ الصيت، الذي كان الامين العام للحزب
احد اعضائه، مرورا بمنصب نائب رئيس الجمهورية الذي تولاه الامين العام الآخر،
ورئاسة البرلمان، ثم رئاسة البرلمان الجديد.
واذا كانت الاحزاب السياسية تسعى لتحقيق اهدافها التي هي مطالب جماهيرها، فان الحزب الاسلامي العراقي سعى التي تحقيق اهداف المحتل ومشاركة الاخرين في اقتسام النفوذ بصيغ طائفية. كانت احياء بغداد الغربية احدى اهم الساحات التي مارس فيها هــــذه الســــياسة، من خلال حملة التثقيف التي تدعــــو الى التسليم بوجود المحتل كواقع والتعامل معه على اساس ان اليد التي لا تستطيع مقاومتها قم بتقبيلها، لذلك كان خطبــــاؤهم يدعون علنا الى الكف عن المقاومة من مبدأ «لا تلقوا بانفســـكم الى التهلكة»، في الوقت نفسه كانوا يعززون العامل الطائفي في كل الاوساط لحشد الزخم الجماهيري لصالح مشروعهم، وهي مقدمات اساسية نشأت في ظلها جبهة التوافق العراقية وحلف الايادي البيضاء، كما سموها في ذلك الوقت.
واذا كانت الاحزاب السياسية تسعى لتحقيق اهدافها التي هي مطالب جماهيرها، فان الحزب الاسلامي العراقي سعى التي تحقيق اهداف المحتل ومشاركة الاخرين في اقتسام النفوذ بصيغ طائفية. كانت احياء بغداد الغربية احدى اهم الساحات التي مارس فيها هــــذه الســــياسة، من خلال حملة التثقيف التي تدعــــو الى التسليم بوجود المحتل كواقع والتعامل معه على اساس ان اليد التي لا تستطيع مقاومتها قم بتقبيلها، لذلك كان خطبــــاؤهم يدعون علنا الى الكف عن المقاومة من مبدأ «لا تلقوا بانفســـكم الى التهلكة»، في الوقت نفسه كانوا يعززون العامل الطائفي في كل الاوساط لحشد الزخم الجماهيري لصالح مشروعهم، وهي مقدمات اساسية نشأت في ظلها جبهة التوافق العراقية وحلف الايادي البيضاء، كما سموها في ذلك الوقت.
وعلى الرغم من ان هذا المنهج لم يأت للحزب المذكور بمنافع
سياسية كبرى مقارنة بالاحزاب الاسلامية للطرف الآخر، لكنهم بقوا مُصرين على اتباعه
حتى اليوم، على الرغم من الخسارة الفادحة التي تعرضوا لها في الوسط الجماهيري.
لقد كانوا ومازالوا يُبررون سياساتهم وفق القاعدة الفقهية التي تقول «درء المفاسد مُقدّم على جلب المصالح»، اي ان
إبعاد مفسدة ما اعظم من جلب مصلحة مرتجاة، ولو وضعنا اليوم كل سياسات الحزب على
مسطرة هذه القاعدة، لوجدناه قد عجز طوال احد عشر عاما عن دفع مفسدة واحدة
من كل مفاسد العملية السياسية، بل انه عجز حتى عن دفع المفاسد التي طالت زعاماته،
على يد الامريكان، كما حصل في الاعتداء على الامين العام الاسبق، وعلى يد الحكومة،
كما حصل مع الامين العام السابق حين بات طريدا وحكم عليه بالاعدام. اما في الاحياء
التي كانت معاقل لهم، فلو لم تتول فصائل المقاومة حمايتها لتعرض سكنتها الى ابادة
جماعية على يد الميليشيات الطائفية خاصة في الاعوام 2005 ـ 2008.
ولو قيّمنا سياسة الحزب في محطات مهمة مرت على العراق لوجدناها سلبية في الكثير من القضايا، فلقد اكملوا النصاب القانوني للتصويت على الدستور بكل الغامه وعيوبه، وصوتوا على الاتفاقية الامنية الامريكية العراقية، ولم نجد منهم موقفا مُشرّفا من انتفاضة المحافظات، ولا من الاستهداف والقتل الذي طال المعتصمين السلميين الابرياء.
ولو قيّمنا سياسة الحزب في محطات مهمة مرت على العراق لوجدناها سلبية في الكثير من القضايا، فلقد اكملوا النصاب القانوني للتصويت على الدستور بكل الغامه وعيوبه، وصوتوا على الاتفاقية الامنية الامريكية العراقية، ولم نجد منهم موقفا مُشرّفا من انتفاضة المحافظات، ولا من الاستهداف والقتل الذي طال المعتصمين السلميين الابرياء.
كان موقفهم دائما هو النأي بالنفس عن كل مجريات الاحداث التي
تكون فيها السلطــــة ضد الشـــعب بشكل واضح، لذلك كان الصمت يُخيّم على قياداته
بانتظار أي الكفتين ستميل، وهو موقف يتعارض تماما مع القيم الدينية التي يحمل
صفتها. ومع تصاعد الازمة التي خلقتها ممارسات السلطة الغاشمة، خاصة في السنوات
الاربع الاخيرة، ومع نفاذ الاستعداد الشعبي للقبول بالعملية السياسية كمنهج لادارة
البلاد وتحقيق مطالب العباد، ومع انطلاق الثورة الشعبية الكبرى، لم يهتز ايمان
الحزب وقياداته بالعملية السياسية، ولم تنفصم عرى تحالفاتهم مع الذين قتلوا شعبهم
ونكلوا به.
لقد تهربوا من رفض الولاية الثالثة لنوري المالكي، لان عيونهم
كانت على عرش البرلمان، بحجة انهم غير معنيين بمن يأتي الى رئاسة السلطة
التنفيذية، بل هم معنيون بتحقيق مطالب السنة كما يدّعون، وهي كلمة حق يراد بها
باطل، لانهم طرف فاعل في العملية السياسية منذ بداياتها وحتى اليوم ولم يحققوا
شيئا. لقد توارى الامين العام للحزب عن المشهد السياسي، الذي انفجر انفجارا مدويا
منذ بداية العمليات العسكرية في محافظة الانبار مرورا بنينوى وكركوك وصلاح الدين،
ولم نسمع منه او من القيادات الاخرى اي موقف يلخص موقف الحزب من الثورة، لان عيون
الحزب كانت تتطلع الى رئاسة البرلمان التي قد تضيع من بين ايديهم، إن سجلوا موقفا
يتعارض مع رؤية السلطة التنفيذية واحزابها المتنفذة، او قد يفهم منه على انه
انحياز للثوار، وهو موقف انتهازي يتاجر بدماء الابرياء في سبيل مصالح سياسية غير
مضمونة، في عملية سياسية يأكل الشركاء فيها بعضهم بعضا. انظروا الى حلف الايادي
البيضاء الذي شكله الحزب مع بعض القيادات الاسلامية السنية في السنوات الاولى
للعملية السياسية، ستجدون احدهم شريدا ومحكوما بالاعدام من قبل شركائه في السلطة،
والثاني طريدا في عمان ينظر لما يسمى الاقليم
السني بعد اتهامه وابنائه بما يسمونه الارهاب، والاخر في عمان ايضا مازال يحن للعودة الى العملية السياسية حين جرب حظه في
الانتخابات الاخيرة. لقد راهن الحزب على العملية السياسية، ويبدو انه غير مستعد
اطلاقا لاعادة النظر في مشاركته فيها، لانه بات على قناعة تامة بان الاساط الشعبية
التي ادعى تمثيلها طائفيا قد انفضّت من حوله تماما، وبالتالي لم يعد له من بوابة
يطل من خلالها سوى عرش البرلمان الجديد، الذي لن يكتسب الشرعية الشعبية
والقانونية، حتى لو جرت الانتخابات له الف الف مرة، لانه احد مؤسسات المحتل
الصورية.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق